الباحث القرآني
﴿ويَقُولُ الإنْسانُ أإذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا﴾ أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أنَّها نَزَلَتْ في العاصِي بْنِ وائِلٍ، وعَنْ عَطاءٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها نَزَلَتْ في الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ، وقِيلَ: في أبِي جَهْلٍ، وعَنِ الكَلْبِيِّ أنَّها في أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ أخَذَ عَظْمًا بالِيًا فَجَعَلَ يَفُتُّهُ بِيَدِهِ ويُذْرِيهِ في الرِّيحِ ويَقُولُ: زَعَمَ فُلانٌ أنا نُبْعَثُ بَعْدَ أنْ نَمُوتَ ونَكُونُ مِثْلَ هَذا، إنَّ هَذا شَيْءٌ لا يَكُونُ أبَدًا فَألْ في (الإنْسانُ) عَلى ما قِيلَ لِلْعَهْدِ والمُرادُ بِهِ أحَدُ هَؤُلاءِ الأشْخاصِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالإنْسانِ جَماعَةٌ مُعَيَّنُونَ وهُمُ الكَفَرَةُ المُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ.
وقالَ غَيْرُ واحِدٍ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ ألْ لِلْجِنْسِ ويَكُونُ هُناكَ مَجازٌ في الطَّرَفِ بِأنْ يُطْلَقَ جِنْسُ الإنْسانِ ويُرادَ بَعْضُ أفْرادِهِ كَما يُطْلَقُ الكُلُّ عَلى بَعْضِ أجْزائِهِ أوْ يَكُونُ هُناكَ مَجازٌ في الإسْنادِ بِأنْ يُسْنَدَ إلى الكُلِّ ما صَدَرَ عَنِ البَعْضِ كَما يُقالُ: بَنُو فُلانٍ قَتَلُوا قَتِيلًا والقاتِلُ واحِدٌ مِنهم، ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُ:
؎فَسَيْفُ بَنِي عَبْسٍ وقَدْ ضَرَبُوا نَبا بِيَدِي ورْقاءَ عَنْ رَأْسِ خالِدِ
واعْتُرِضَ هَذا بِأنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ ذَلِكَ الإسْنادِ رِضا الباقِينَ بِالفِعْلِ أوْ مُساعَدَتِهِمْ عَلَيْهِ حَتّى يُعَدَّ كَأنَّهُ صَدَرَ مِنهم، ولا شَكَّ أنَّ بَقِيَّةَ أفْرادِ الإنْسانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ لَمْ يَرْضَوْا بِهَذا القَوْلِ. وأجابَ بَعْضُ مُشْتَرِطِي ذَلِكَ لِلصِّحَّةِ بِأنَّ الإنْكارَ مَرْكُوزٌ في طَبائِعِ الكُلِّ قَبْلَ النَّظَرِ في الدَّلِيلِ، فالرِّضا حاصِلٌ بِالنَّظَرِ إلى الطَّبْعِ والجِبِلَّةِ.
وقالَ الخَفاجِيُّ: الحَقُّ عَدَمُ اشْتِراطِ ذَلِكَ لِصِحَّتِهِ وإنَّما يُشْتَرَطُ لِحُسْنِهِ نُكْتَةٌ يَقْتَضِيها مَقامَ الكَلامِ (p-117)حَتّى يُعَدَّ الفِعْلُ كَأنَّهُ صَدَرَ عَنِ الجَمِيعِ فَقَدْ تَكُونُ الرِّضا وقَدْ تَكُونُ المُظاهَرَةُ وقَدْ تَكُونُ عَدَمَ الغَوْثِ والمَدَدَ ولِذا أوْجَبَ الشَّرْعُ القُسامَةَ والدِّيَةَ وقَدْ تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ، وكَأنَّ النُّكْتَةَ هُنا أنَّهُ لَمّا وقَعَ بَيْنَهم إعْلانُ قَوْلٍ لا يَنْبَغِي أنْ يُقالَ مَثَلُهُ وإذا قِيلَ لا يَنْبَغِي أنْ يُتْرَكَ قائِلُهُ بِدُونِ مَنعٍ أوْ قَتْلٍ جَعَلَ ذَلِكَ بِمَنزِلَةِ الرِّضا حَثًّا لَهم عَلى إنْكارِهِ قَوْلًا أوْ فِعْلًا انْتَهى.
وقِيلَ: لَعَلَّ الحَقَّ أنَّ الإسْنادَ إلى الكُلِّ هُنا لِلْإشارَةِ إلى قِلَّةِ المُؤْمِنِينَ بِالبَعْثِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي أخْبَرَ بِهِ الصّادِقُ وما أكْثَرَ النّاسَ ولَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ فَتَأمَّلْ، وعَبَّرَ بِالمُضارِعِ إمّا اسْتِحْضارًا لِلصُّورَةِ الماضِيَةِ لِنَوْعِ غَرابَةٍ. وإمّا لِإفادَةِ الِاسْتِمْرارِ التَّجَدُّدِيِّ فَإنَّ هَذا القَوْلَ لا يَزالُ يَتَجَدَّدُ حَتّى يُنْفَخَ في الصُّورِ، والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ وإذا ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ (أُخْرَجُ) ولَمْ يُجَوِّزُوا تَعَلُّقَهُ بِالمَذْكُورِ لِأنَّ ما بَعْدَ اللّامِ لا يَعْمَلُ فِيما قَبْلَهُ، وعَدَّ ابْنُ عَطِيَّةَ تَوَسُّطَ سَوْفَ مانِعًا مِنَ العَمَلِ أيْضًا، ورَدَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
؎فَلَمّا رَأتْهُ آمِنًا هانَ وجْدُها ∗∗∗ وقالَتْ أبُونا هَكَذا سَوْفَ يَفْعَلُ
وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا سُمِعَ، ونُقِلَ عَنِ الرَّضِيِّ أنَّهُ جَعَلَ إذا هُنا شَرْطِيَّةً وجَعَلَ عامِلَها الجَزاءَ وقالَ: إنَّ كَلِمَةَ الشَّرْطِ تَدُلُّ عَلى لُزُومِ الجَزاءِ لِلشَّرْطِ، ولِتَحْصِيلِ هَذا الغَرَضِ عَمِلَ في إذا جَزاؤُهُ مَعَ كَوْنِهِ بَعْدَ حَرْفٍ لا يَعْمَلُ ما بَعْدَهُ فِيما قَبْلَهُ كالفاءِ في (فَسَبِّحْ) وإنَّ في قَوْلِكَ: إذا جِئْتَنِي فَإنِّي مُكْرِمٌ ولامُ الِابْتِداءِ في قَوْلِهِ تَعالى: (أإذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا)، ومُخْتارُ الأكْثَرِينَ أنَّ إذا هُنا ظَرْفِيَّةٌ، وما ذَكَرَهُ الرَّضِيُّ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، وتَحْقِيقُ ذَلِكَ في كُتُبِ العَرَبِيَّةِ، وفي الكَلامِ مَعْطُوفٌ مَحْذُوفٌ لِقِيامِ القَرِينَةِ عَلَيْهِ أيْ إذا ما مِتُّ وصِرْتُ رَمِيمًا لَسَوْفَ إلَخْ.
واللّامُ هُنا لِمُجَرَّدِ التَّوْكِيدِ، ولِذا ساغَ اقْتِرانُها بِحَرْفِ الِاسْتِقْبالِ، وهَذا عَلى القَوْلِ بِأنَّها إذا دَخَلَتِ المُضارِعَ خَلَّصَتْهُ لِلْحالِ، وأمّا عَلى القَوْلِ بِأنَّها لا تُخَلِّصُهُ فَلا حاجَةَ إلى دَعْوى تَجْرِيدِها لِلتَّوْكِيدِ لَكِنَّ الأوَّلَ هو المَشْهُورُ وما في (إذا ما) لِلتَّوْكِيدِ أيْضًا. والمُرادُ مِنَ الإخْراجِ الإخْراجُ مِنَ الأرْضِ أوْ مِن حالِ الفَناءِ والخُرُوجِ عَلى الأوَّلِ حَقِيقَةً وعَلى الثّانِي مَجازٌ عَنِ الِانْتِقالِ مِن حالٍ إلى أُخْرى، وإيلاءُ الظَّرْفِ هَمْزَةُ الإنْكارِ دُونَ الإخْراجِ لِأنَّ ذَلِكَ الإخْراجَ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ مُطْلَقًا وإنَّما المُنْكَرُ كَوْنُهُ وقْتَ اجْتِماعِ الأمْرَيْنِ فَقُدِّمَ الظَّرْفُ لِأنَّهُ مَحَلُّ الإنْكارِ، والأصْلُ في المُنْكَرِ أنْ يَلِيَ الهَمْزَةَ، ويَجُوزَ أنْ يَكُونَ المُرادُ إنْكارَ وقْتِ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ أيْ إنْكارُ مَجِيءِ وقْتٍ فِيهِ حَياةٌ بَعْدَ المَوْتِ يَعْنِي أنَّ هَذا الوَقْتَ لا يَكُونُ مَوْجُودًا وهو أبْلَغُ مِن إنْكارِ الحَياةِ بَعْدَ المَوْتِ لِما أنَّهُ يُفِيدُ إنْكارَهُ بِطَرِيقٍ بُرْهانِيٍّ، وبَعْضُهم لَمْ يُقَدِّرْ مَعْطُوفًا واعْتَبَرَ زَمانَ المَوْتِ مُمْتَدًّا إلّا أوَّلَ زُهُوقِ الرُّوحِ كَما هو المُتَبادَرُ وقِيلَ: لا حاجَةَ إلى جَمِيعِ ذَلِكَ لِأنَّهم إذا أحالُوهُ في حالَةِ المَوْتِ عُلِمَ إحالَتُهُ إذا كانُوا رُفاتًا بِالطَّرِيقِ الأوْلى، وأيًّا ما كانَ فَلا إشْكالَ في الآيَةِ.
وقَرَأ جَماعَةٌ مِنهُمُ ابْنُ ذَكْوانَ بِخِلافٍ عَنْهُ (إذا) بِدُونِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ وهي مُقَدَّرَةٌ مَعَهُ لِدَلالَةِ المَعْنى عَلى ذَلِكَ، وقِيلَ: لا تَقْدِيرَ والمُرادُ الإخْبارُ عَلى سَبِيلِ الهُزْءِ والسُّخْرِيَةِ بِمَن يَقُولُ ذَلِكَ. وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ ( سَأُخْرَجُ ) بِسِينِ الِاسْتِقْبالِ وبِغَيْرِ لامٍ، وعَلى ذَلِكَ تَكُونُ إذا مُتَعَلِّقَةً بِالفِعْلِ المَذْكُورِ عَلى الصَّحِيحِ، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ ( لَسَأُخْرَجُ ) بِالسِّينِ واللّامِ. وقَرَأ الحَسَنُ وأبُو حَيْوَةَ ( أخْرُجُ ) مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ ( أوَلا يَذْكُرُ الإنْسانُ ) مِنَ الذِّكْرِ الَّذِي يُرادُ بِهِ التَّفَكُّرُ والإظْهارُ في مَوْضِعِ الإضْمارِ لِزِيادَةِ التَّقْرِيرِ والإشْعارِ بِأنَّ الإنْسانِيَّةَ مِن دَواعِي التَفَكُّرِ (p-118)فِيما جَرى عَلَيْهِ مِن شُؤُونِ التَّكْوِينُ المانِعَةِ عَنِ القَوْلِ المَذْكُورِ وهو السِّرُّ في إسْنادِهِ إلى الجِنْسِ أوْ إلى الفَرْدِ بِذَلِكَ العُنْوانِ عَلى ما قِيلَ: والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ التَّوْبِيخِيِّ وهي عَلى أحَدِ المَذْهَبَيْنِ المَشْهُورَيْنِ في مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ داخِلَةٌ عَلى مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ ما بَعْدُ والتَّقْدِيرُ هاهُنا أيَقُولُ ذَلِكَ
{"ayah":"وَیَقُولُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَیًّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











