الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما﴾ بَيانٌ لِاسْتِحالَةِ النِّسْيانِ عَلَيْهِ تَعالى فَإنَّ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أنْ يَحُومَ حَوْلَ ساحَةِ عَظَمَتِهِ وجَلالِهِ الغَفْلَةُ والنِّسْيانُ أوْ تَرْكُ وقَلاءُ مَنِ اخْتارَهُ واصْطَفاهُ لِتَبْلِيغِ رِسالَتِهِ، و(رَبُّ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ هو رَبُّ السَّماواتِ إلَخْ أوْ بَدَلٌ مِن (رَبِّكَ) في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ والفاءُ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿فاعْبُدْهُ واصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ﴾ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها مِن مُوجَبِ الأمْرَيْنِ عَلى ما قَبْلَها مِن كَوْنِهِ تَعالى رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما، وقِيلَ: مِن كَوْنِهِ تَعالى غَيْرَ تارِكٍ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أوْ غَيْرَ ناسٍ لِأعْمالِ العامِلِينَ، والمَعْنى فَحِينَ عَرَفْتَهُ تَعالى بِما ذُكِرَ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ الكامِلَةِ فاعْبُدْهُ إلَخْ، فَإنَّ إيجابَ مَعْرِفَتِهِ سُبْحانَهُ كَذَلِكَ لِعِبادَتِهِ مِمّا لا رَيْبَ فِيهِ أوْ حِينَ عَرَفْتَ أنَّهُ عَزَّ وجَلَّ لا يَنْساكَ أوْ لا يَنْسى أعْمالَ العامِلِينَ فَأقْبِلْ عَلى عِبادَتِهِ واصْطَبِرْ عَلى مَشاقِّها، ولا تَحْزَنْ بِإبْطاءِ الوَحْيِ وكَلامِ الكَفَرَةِ فَإنَّهُ سُبْحانَهُ يُراقِبُكَ ويُراعِيكَ ويَلْطُفُ بِكَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ.
وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ (رَبُّ السَّماواتِ) مُبْتَدَأً والخَبَرُ (فاعْبُدْهُ) والفاءُ زائِدَةً عَلى رَأْيِ الأخْفَشِ وهو كَما تَرى.
وجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ مِن تَتِمَّةِ كَلامِ المُتَّقِينَ عَلى تَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ (رَبُّ) خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ولَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ عَلى تَقْدِيرِ الإبْدالِ لِأنَّهُ لا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ تَرَتُّبُ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ (فاعْبُدْهُ) إلَخْ عَلَيْهِ لِأنَّهُ مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى لِنَبِيِّهِ ﷺ في الدُّنْيا بِلا شَكٍّ، وجَعْلُهُ جَوابَ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ عَلى تَقْدِيرِ: ولَمّا عَرَفْتَ أحْوالَ أهْلِ الجَنَّةِ وأقْوالَهم فَأقْبِلْ عَلى العَمَلِ، لا يُلائِمُ- كَما في الكَشْفِ- فَصاحَةَ التَّنْزِيلِ لِلْعُدُولِ عَنِ السَّبَبِ الظّاهِرِ إلى الخَفِيِّ، وتَعْدِيَةُ الِاصْطِبارِ بِاللّامِ مَعَ أنَّ المَعْرُوفَ تَعْدِيَتُهُ بِعَلى كَما في قَوْلِهِ تَعالى: (واصْطَبِرْ) عَلَيْها لِتَضَمُّنِهِ (p-116)مَعْنى الثَّباتِ لِلْعِبادَةِ فِيما تُورَدُ عَلَيْهِ مِنَ الشَّدائِدِ والمَشاقِّ كَقَوْلِكَ لِلْمُبارِزِ: اصْطَبِرْ لِقَرْنِكَ أيِ اثْبُتْ لَهُ فِيما يُورَدُ عَلَيْكَ مِن شَدّاتِهِ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى ما يُكابَدُ مِنَ المُجاهَدَةِ وأنَّ المُسْتَقِيمَ مَن ثَبَتَ لِذَلِكَ ولَمْ يَتَزَلْزَلْ وشْمَةً مِن مَعْنى رَجَعْنا مِنَ الجِهادِ الأصْغَرِ إلى الجِهادِ الأكْبَرِ.
﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ أيْ مَثَلًا كَما جاءَ في رِوايَةِ جَماعَةٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ وابْنِ جُبَيْرٍ وقَتادَةَ وأصْلُهُ الشَّرِيكُ في الِاسْمِ، وإطْلاقُهُ عَلى ذَلِكَ لِأنَّ الشَّرِكَةَ في الِاسْمِ تَقْتَضِي المُماثَلَةَ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: السَّمِيُّ عَلى هَذا بِمَعْنى المُسامِيُ والمُضاهِي، وأبْقاهُ بَعْضُهم عَلى الأصْلِ، واسْتَظْهَرَ أنْ يُرادَ هاهُنا الشَّرِيكُ في اسْمٍ خاصٍّ قَدْ عَبَّرَ عَنْهُ تَعالى بِذَلِكَ وهو رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ، وقِيلَ: المُرادُ هو الشَّرِيكُ في الِاسْمِ الجَلِيلِ فَإنَّ المُشْرِكِينَ مَعَ غُلُوِّهِمْ في المُكابَرَةِ لَمْ يُسَمُّوا الصَّنَمَ بِالجَلالَةِ أصْلًا، وقِيلَ: المُرادُ هو الشَّرِيكُ فِيما يَخْتَصُّ بِهِ تَعالى كالِاسْمِ الجَلِيلِ والرَّحْمَنِ، ونُقِلَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أيْضًا وقِيلَ: هو الشَّرِيكُ في اسْمِ الإلَهِ، والمُرادُ بِالتَّسْمِيَةِ التَّسْمِيَةُ عَلى الحَقِّ وأمّا التَّسْمِيَةُ عَلى الباطِلِ فَهي كَلا تَسْمِيَةٍ، وأخْرَجَ الطَّسْتِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ سَألَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقالَ: السَّمِيُّ الوَلَدُ وأنْشَدَ لَهُ قَوْلَ الشّاعِرِ:
؎أمّا السَّمِيُّ فَأنْتَ مِنهُ مُكْثِرٌ والمالُ مالٌ يَغْتَدِي ويَرُوحُ
ورُوِيَ ذَلِكَ أيْضًا عَنِ الضَّحّاكِ، وأيًّا ما كانَ فالمُرادُ بِإنْكارِ العِلْمِ ونَفْيِهِ إنْكارُ المَعْلُومِ ونَفْيُهُ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ وآكَدِهِ، والجُمْلَةُ تَقْرِيرٌ لِوُجُوبِ عِبادَتِهِ عَزَّ وجَلَّ وإنِ اخْتَلَفَ الِاعْتِبارُ حَسَبَ اخْتِلافِ الأقْوالِ فَتَدَبَّرْ.
وقَرَأ الأخَوانِ وهِشامٌ وعَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ وهارُونُ كِلاهُما عَنْ أبِي عَمْرٍو والحَسَنُ والأعْمَشُ وعِيسى وابْنُ مُحَيْصِنٍ ( هَتَعْلَمُ ) بِإدْغامِ اللّامِ في التّاءِ وهو عَلى ما قالَ أبُو عُبَيْدَةَ لُغَةٌ كالإظْهارِ وأنْشَدُوا لِذَلِكَ قَوْلَ مُزاحِمٍ العُقَيْلِيِّ:
؎فَذَرْ ذا ولَكِنْ هُتُّعِينُ مُتَيَّمًا ∗∗∗ عَلى ضَوْءِ بَرْقٍ آخِرِ اللَّيْلِ ناصِبِ
{"ayah":"رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَا فَٱعۡبُدۡهُ وَٱصۡطَبِرۡ لِعِبَـٰدَتِهِۦۚ هَلۡ تَعۡلَمُ لَهُۥ سَمِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق