الباحث القرآني

﴿ونادَيْناهُ مِن جانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ﴾ الطَّوْرُ جَبَلٌ بَيْنَ مِصْرَ ومَدْيَنَ والأيْمَنُ صِفَةٌ لِجانِبٍ لِقَوْلِهِ تَعالى في آيَةٍ أُخْرى ﴿جانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ﴾ بِالنَّصْبِ أيْ بادَيْناهُ مِن ناحِيَتِهِ اليُمْنى مِنَ اليَمِينِ المُقابِلِ لِلْيَسارِ. والمُرادُ بِهِ يَمِينُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أيِ النّاحِيَةُ الَّتِي تَلِي يَمِينَهُ إذِ الجَبَلُ نَفْسُهُ لا مَيْمَنَةَ لَهُ ولا مَيْسَرَةَ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الأيْمَنُ مِنَ اليُمْنِ وهو البَرَكَةُ وهو صِفَةٌ لِجانِبٍ أيْضًا أيْ مِن جانِبِهِ المَيْمُونِ المُبارَكِ. وجُوِّزَ عَلى هَذا أنْ يَكُونَ صِفَةً لِلطُّورِ والأوَّلُ أوْلى، والمُرادُ مِن نِدائِهِ مِن ذَلِكَ ظُهُورُ كَلامِهِ تَعالى مِن تِلْكَ الجِهَةِ، والظّاهِرُ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إنَّما سَمِعَ الكَلامَ اللَّفْظِيَّ، وقالَ بَعْضُ: إنَّ الَّذِي سَمِعَهُ كانَ بِلا حَرْفٍ ولا (p-104)صَوْتٍ وأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ سَمِعَهُ بِجَمِيعِ أعْضائِهِ مِن جَمِيعِ الجِهاتِ، وبِذَلِكَ يَتَيَقَّنُ أنَّ المُنادِيَ هو اللَّهُ تَعالى، ومِن هُنا قِيلَ: إنَّ المُرادَ نادَيْناهُ مُقْبِلًا مِن جانِبِ الطُّورِ المُبارَكِ وهو طُورٌ ما وراءَ طُورِ العَقْلِ، وفي الأخْبارِ ما يُنادِي عَلى خِلافِهِ ﴿وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا﴾ تَقْرِيبٌ تَشْرِيفٌ مِثْلُ حالِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِحالِ مَن قَرَّبَهُ المَلِكُ لِمُناجاتِهِ واصْطَفاهُ لِمُصاحَبَتِهِ ورَفَعَ الوَسائِطَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ و(نَجِيًّا) فَعِيلٌ بِمَعْنى مُفاعِلٍ كَجَلِيسٍ بِمَعْنى مُجالِسٍ ونَدِيمٍ بِمَعْنى مُنادِمٍ مِنَ المُناجاةِ المَسارَّةُ بِالكَلامِ ونَصْبُهُ عَلى الحالِيَّةِ مِن أحَدِ ضَمِيرَيْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ في نادَيْناهُ وقَرَّبْناهُ، أيْ نادَيْناهُ أوْ قَرَّبْناهُ حالَ كَوْنِهِ مُناجِيًا، وقالَ غَيْرُ واحِدٍ: مُرْتَفِعًا عَلى أنَّهُ مِنَ النَّجْوِ وهو الِارْتِفاعُ. ( فَقَدْ أخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّ جِبْرائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أرْدَفَهُ حَتّى سَمِعَ صَرِيرَ القَلَمِ والتَّوْراةُ تُكْتَبُ لَهُ أيْ كِتابَةً ثانِيَةً، وإلّا فَفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الوارِدِ في شَأْنِ مِحاجَّةِ آدَمَ ومُوسى عَلَيْهِما السَّلامُ أنَّها كُتِبَتْ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأرْبَعِينَ سَنَةً، وخَبَرُ رَفْعِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى السَّماءِ حَتّى سَمِعَ صَرِيرَ القَلَمِ رَواهُ غَيْرُ واحِدٍ وصَحَّحَهُ الحاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وعَلى ذَلِكَ لا يَكُونُ المِعْراجُ مُطْلَقًا مُخْتَصًّا بِنَبِيِّنا ﷺ بَلِ المِعْراجُ الأكْمَلُ، وقِيلَ مَعْنى (نَجِيًّا) ناجِيًا بِصِدْقِهِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ قَتادَةَ ولا يَخْفى بُعْدُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب