الباحث القرآني
﴿وإنِّي خِفْتُ المَوالِيَ﴾ هم عُصْبَةُ الرَّجُلِ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما. ومُجاهِدٍ، وعَنِ الأصَمِّ أنَّهم بَنُو العَمِّ وهُمُ الَّذِينَ يَلُونَهُ في النَّسَبِ. وقِيلَ: مَن يَلِي أمْرَهُ مِن ذَوِي قَرابَتِهِ مُطْلَقًا، وكانُوا عَلى سائِرِ الأقْوالِ شِرارَ بَنِي إسْرائِيلَ فَخافَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ لا يُحْسِنُوا خِلافَتَهُ في أُمَّتِهِ، والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿إنِّي وهَنَ العَظْمُ مِنِّي﴾ مُتَرَتِّبٌ مَضْمُونُها عَلى مَضْمُونِهِ فَإنَّ ضَعْفَ القُوى وكِبَرَ السِّنِّ مِن مَبادِئِ خَوْفِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ مَن يَلِي أمْرَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَسْبَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿مِن ورائِي﴾ فَإنَّ المُرادَ مِنهُ بِإجْماعِ مَن عَلَّمَنا مِنَ المُفَسِّرِينَ مِن بَعْدِ مَوْتِي، والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ يَنْساقُ إلَيْهِ الذِّهْنُ أيْ خِفْتُ فِعْلَ المَوالِي مِن ورائِي أوْ جَوْرَ المَوْلى وقَدْ قُرِئَ كَما في إرْشادِ العَقْلِ السَّلِيمِ كَذَلِكَ، وجُوِّزَ تَعَلُّقُهُ بِالمَوالِي ويَكْفِي في ذَلِكَ وُجُودُ مَعْنى الفِعْلِ فِيهِ في الجُمْلَةِ، فَقَدْ قالُوا: يَكْفِي في تَعَلُّقِ الظَّرْفِ رائِحَةُ الفِعْلِ ولا يُشْتَرَطُ فِيهِ أنْ يَكُونَ دالًّا عَلى الحُدُوثِ كاسْمِ الفاعِلِ والمَفْعُولِ حَتّى يَتَكَلَّفَ لَهُ ويُقالُ: إنَّ اللّامَ في المَوالِي عَلى هَذا مَوْصُولٌ والظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِصِلَتِهِ وإنَّ مَوْلى مُخَفَّفُ مُوَلًّى كَما قِيلَ في مَعْنى أنَّهُ مُخَفَّفٌ مَعْنًى فَإنَّهُ تَعَسُّفٌ لا حاجَةَ إلَيْهِ، نَعَمْ قالُوا في حاصِلِ المَعْنى عَلى هَذا: خِفْتُ الَّذِينَ يَلُونَ الأمْرَ مِن ورائِي، ولَمْ يُجَوِّزْ الزَّمَخْشَرِيُّ تَعَلُّقَهُ بِخِفْتُ لِفَسادِ المَعْنى، وبَيَّنَ ذَلِكَ في الكَشْفِ بِأنَّ الجارَّ لَيْسَ صِلَةَ الفِعْلِ لِتَعَدِّيهِ إلى المَحْذُورِ بِلا واسِطَةٍ فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ لِلظَّرْفِيَّةِ عَلى نَحْوِ خِفْتُ الأسَدَ قَبْلَكَ أوْ مِن قَبْلِكَ وحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ الخَوْفُ ثابِتًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وفَسادُهُ ظاهِرٌ وبَعْضُهم رَأى جَوازَ التَّعَلُّقِ بِناءً عَلى أنَّ كَوْنَ المَفْعُولِ في ظَرْفٍ مُصَحِّحٍ لِتَعَلُّقِ ذَلِكَ الظَّرْفِ بِفِعْلِهِ كَقَوْلِكَ: رَمَيْتُ الصَّيْدَ في الحَرَمِ إذا كانَ الصَّيْدُ فِيهِ دُونَ رَمْيِكَ والظّاهِرُ عَدَمُ الجَوازِ فافْهَمْ، وقالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: هو حالٌ مُقَدَّرَةٌ مِنَ (المَوالِيَ) وعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أنَّهُ قَرَأ ( ومِن ورايَ ) بِالقَصْرِ وفَتْحِ الياءِ كَعَصايَ.
وقَرَأ الزَّهْرِيُّ ( المَوالِي ) بِسُكُونِ الياءِ. وقَرَأ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ وابْنُ عَبّاسٍ وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ وعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ ووَلَداهُ مُحَمَّدٌ وزَيْدٌ وسَعِيدُ بْنُ العاصِ وابْنُ جُبَيْرٍ وأبُو يَعْمُرَ وشُبَيْلُ بْنُ عَزْرَةَ والوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ لِابْنِ عامِرٍ (خَفَّتِ) بِفَتْحِ الخاءِ والفاءِ مُشَدَّدَةً وكَسْرِ تاءِ التَّأْنِيثِ ( المَوالِي ) بِسُكُونِ الياءِ عَلى أنَّ ( خَفَّتِ ) مِنَ الخِفَّةِ ضِدَّ الثِّقَلِ ومَعْنى ﴿مِن ورائِي﴾ كَما تَقَدَّمَ: والمُرادُ وإنِّي قَلَّ المَوالِيَ وعَجَزُوا عَنِ القِيامِ بِأُمُورِ الدِّينِ مِن بَعْدِي أوْ مِنَ الخُفُوفِ بِمَعْنى السَّيْرِ السَّرِيعِ ومَعْنى ﴿مِن ورائِي﴾ مِن قُدّامِي وقَبْلِي، والمُرادُ وإنِّي ماتَ المَوالِي القادِرُونَ عَلى إقامَةِ مَراسِمِ المِلَّةِ ومَصالِحِ الأُمَّةِ وذَهَبُوا قُدّامِي، ولَمْ يَبْقَ مِنهم مَن بِهِ تَقْوى واعْتِضادٌ فَيَكُونُ مُحْتاجًا إلى العَقِبِ لِعَجْزِ مَوالِيهِ عَنِ القِيامِ بَعْدَهُ بِما هو قائِمٌ بِهِ أوْ لِأنَّهم ماتُوا قَبْلَهُ فَبَقِيَ مُحْتاجًا إلى مَن (p-62)يَعْتَضِدُ بِهِ، وتَعَلُّقُ الجارِّ والمَجْرُورِ عَلى الوَجْهِ الثّانِي بِالفِعْلِ ظاهِرٌ، وأمّا عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ فَإنْ لُوحِظَ أنَّ عَجْزَهم وقِلَّتَهم سَيَقَعُ بَعْدَهُ لا أنَّهُ واقِعٌ وقْتَ دُعائِهِ صَحَّ تَعَلُّقُهُ بِالفِعْلِ أيْضًا وإنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ تَعَلَّقَ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
﴿وكانَتِ امْرَأتِي عاقِرًا﴾ أيْ لا تَلِدُ مِن حِينِ شَبابِها إلى شَيْبِها، فالعَقْرُ بِالفَتْحِ والضَّمِّ العُقْمُ، ويُقالُ عاقِرٌ لِلذَّكَرِ والأُنْثى ﴿فَهَبْ لِي مِن لَدُنْكَ﴾ كِلا الجارَّيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِهَبْ واللّامُ صِلَةٌ لَهُ ومِن لِابْتِداءِ الغايَةِ مَجازًا، وتَقْدِيمُ الأوَّلِ لِكَوْنِ مَدْلُولِهِ أهَمَّ عِنْدَهُ، وجُوِّزَ تَعَلُّقُ الثّانِي بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنَ المَفْعُولِ الآتِي. وتَقَدَّمَ الكَلامُ في لَدُنْ، والمُرادُ أعْطِنِي مِن مَحْضِ فَضْلِكَ الواسِعِ وقُدْرَتِكَ الباهِرَةِ بِطَرِيقِ الِاخْتِراعِ لا بِواسِطَةِ الأسْبابِ العادِيَّةِ، وقِيلَ المُرادُ أعْطِنِي مِن فَضْلِكَ كَيْفَ شِئْتَ (ولِيًّا) أيْ ولَدًا مِن صُلْبِي وهو الظّاهِرُ، ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ حِكايَةً عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ وقِيلَ إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ طَلَبَ مَن يَقُومُ مَقامَهُ ويَرِثُهُ ولَدًا كانَ أوْ غَيْرَهُ، وقِيلَ: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أيِسَ أنْ يُولَدَ لَهُ مِنِ امْرَأتِهِ فَطَلَبَ مَن يَرِثُهُ ويَقُومُ مَقامَهُ مِن سائِرِ النّاسِ وكِلا القَوْلَيْنِ لا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنَّ ﴿مِن لَدُنْكَ﴾ تَأْكِيدٌ لِكَوْنِهِ ولِيًّا مَرْضِيًّا ولا يَخْفى ما فِيهِ. وتَأْخِيرُ المَفْعُولِ عَنِ الجارَّيْنِ لِإظْهارِ كَمالِ الِاعْتِناءِ بِكَوْنِ الهِبَةِ لَهُ عَلى ذَلِكَ الوَجْهِ البَدِيعِ مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ ولِأنَّ فِيهِ نَوْعُ طُولٍ بِما بَعْدَهُ مِنَ الوَصْفِ فَتَأْخِيرُهُما عَنِ الكُلِّ وتَوْسِيطُهُما بَيْنَ المَوْصُوفِ والصِّفَةِ مِمّا لا يَلِيقُ بِجَزالَةِ النَّظْمِ الكَرِيمِ، والفاءُ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها فَإنَّ ما ذَكَرَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن كِبَرِ السِّنِّ وضَعْفِ القُوى وعُقْرِ المَرْأةِ مُوجِبٌ لِانْقِطاعِ رَجائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ حُصُولِ الوَلَدِ بِتَوَسُّطِ الأسْبابِ العادِيَّةِ واسْتِيهابِهِ عَلى الوَجْهِ الخارِقِ لِلْعادَةِ.
وقِيلَ لِأنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِانْقِطاعِ رَجائِهِ عَنْ حُصُولِ الوَلَدِ مِنها وهي في تِلْكَ الحالِ واسْتِيهابِهِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي يَشاؤُهُ اللَّهُ تَعالى، وهو مَبْنِيٌّ عَلى القَوْلِ الثّانِي في المُرادِ مِن ﴿فَهَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ولِيًّا﴾ والأوَّلُ أوْلى.
ولا يَقْدَحُ فِيما ذُكِرَ أنْ يَكُونَ هُناكَ داعٍ آخَرُ إلى الإقْبالِ عَلى الدُّعاءِ مِن مُشاهَدَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْخَوارِقِ الظّاهِرَةِ في حَقِّ مَرْيَمَ كَما يُعْرِبُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ﴾ الآيَةَ. وعَدَمُ ذِكْرِهِ هاهُنا لِلتَّعْوِيلِ عَلى ما ذُكِرَ هُنالِكَ كَما أنَّ عَدَمَ ذِكْرِ مُقَدِّمَةِ الدُّعاءِ هُنالِكَ لِلِاكْتِفاءِ بِذِكْرِها هاهُنا، والِاكْتِفاءُ بِما ذُكِرَ في مَوْطِنٍ عَمّا تُرِكَ في مَوْطِنٍ آخَرَ مِنَ السُّنَنِ التَّنْزِيلِيَّةِ،
{"ayah":"وَإِنِّی خِفۡتُ ٱلۡمَوَ ٰلِیَ مِن وَرَاۤءِی وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣰا فَهَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











