الباحث القرآني
(قالَ) اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالٍ نَشَأ مِن صَدْرِ الكَلامِ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا قالَ أبُوهُ عِنْدَما سَمِعَ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ هَذِهِ النَّصائِحَ الواجِبَةَ القَبُولِ؟ فَقِيلَ: قالَ مُصِرًّا عَلى عِنادِهِ مُقابِلًا الِاسْتِعْطافَ واللُّطْفَ بِالفَظاظَةِ والغِلْظَةِ: ﴿أراغِبٌ أنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إبْراهِيمُ﴾ اخْتارَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنَ (راغِبٌ) خَبَرًا مُقَدَّمًا (وأنْتَ) مُبْتَدَأٌ وفِيهِ تَوْجِيهُ الإنْكارِ إلى نَفْسِ الرَّغْبَةِ مَعَ ضَرْبٍ مِنَ التَّعْجِيبِ. وذَهَبَ أبُو البَقاءِ وابْنُ مالِكٍ وغَيْرُهُما إلى أنَّ (أنْتَ) فاعِلُ الصِّفَةِ لِتَقَدُّمِ الِاسْتِفْهامِ وهو مُغْنٍ عَنِ الخَبَرِ وذَلِكَ لِئَلّا يَلْزَمَ الفَصْلُ بَيْنَ (أراغِبٌ) ومَعْمُولِهِ وهو ﴿عَنْ آلِهَتِي﴾ بِأجْنَبِيٍّ هو المُبْتَدَأُ. وأُجِيبُ بِأنَّ (عَنْ) مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ بَعْدَ أنْتَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أراغِبٌ.
وقالَ صاحِبُ الكَشْفِ: المُبْتَدَأُ لَيْسَ أجْنَبِيًّا مِن كُلِّ وجْهٍ لا سِيَّما والمَفْصُولُ ظَرْفٌ والمُقَدَّمُ في نِيَّةِ التَّأْخِيرِ، والبَلِيغُ يَلْتَفِتُ لَفْتَ المَعْنى بَعْدَ أنْ كانَ لِما يَرْتَكِبُهُ وجْهٌ مُساغٌ في العَرَبِيَّةِ وإنْ كانَ مَرْجُوحًا. ولَعَلَّ سُلُوكَ هَذا الأُسْلُوبِ قَرِيبٌ مِن تَرْجِيحِ الِاسْتِحْسانِ لِقُوَّةِ أثَرِهِ عَلى القِياسِ، ولا خَفاءَ أنَّ زِيادَةَ الإنْكارِ إنَّما نَشَأ مِن تَقْدِيمِ الخَبَرِ كَأنَّهُ قِيلَ: أراغِبٌ أنْتَ عَنْها لا طالِبَ لَها راغِبٌ فِيها مُنَبِّهًا لَهُ عَلى الخَطَأِ في صُدُوفِهِ ذَلِكَ ولَوْ قِيلَ: أتَرْغَبُ لَمْ يَكُنْ (p-99)مِن هَذا البابِ في شَيْءٍ. انْتَهى.
ورَجَّحَ أبُو حَيّانَ إعْرابَ أبِي البَقاءِ ومَن مَعَهُ بِعَدَمِ لُزُومِ الفَصْلِ فِيهِ وبِسَلامَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ عَنْ خِلافِ الأصْلِ في التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ، وتَوَقَّفَ البَدْرُ الدَّمامِينِيُّ في جَوازِ ابْتِدائِيَّةِ المُؤَخَّرِ في مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ وإنْ خَلا عَنْ فَصْلٍ أوْ مَحْذُورٍ آخَرَ كَما في أطالِعٌ الشَّمْسُ وذَلِكَ نَحْوَ أقائِمٌ زَيْدٌ لِلُزُومِ التِباسِ المُبْتَدَأِ بِالفاعِلِ كَما في ضَرَبَ زَيْدٌ فَإنَّهُ لا يَجُوزُ فِيهِ ابْتِدائِيَّةُ زَيْدٍ. وأجابَ الشُّمُنِّيُّ بِأنَّ زَيْدًا في الأوَّلِ يَحْتَمِلُ أمْرَيْنِ كُلٌّ مِنهُما بِخِلافِ الأصْلِ، وذَلِكَ إجْمالٌ لا لَبْسَ بِخِلافِهِ في الثّانِي فَتَأمَّلْ.
﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ﴾ تَهْدِيدٌ وتَحْذِيرٌ عَمّا كانَ عَلَيْهِ مِنَ العِظَةِ والتَّذْكِيرِ أيْ واللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ عَمّا أنْتَ عَلَيْهِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ عِبادَتِها والدَّعْوَةِ إلى ما دَعَوْتَنِي إلَيْهِ لَأرْجُمَنَّكَ بِالحِجارَةِ عَلى ما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ، وقِيلَ: بِاللِّسانِ والمُرادُ لَأشْتُمَنَّكَ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وعَنِ السُّدِّيِّ والضَّحّاكِ وابْنِ جُرَيْجٍ، وقَدَّرَ بَعْضُهم مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ الرَّغْبَةَ عَنِ الآلِهَةِ أيْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ عَنِ الرَّغْبَةِ عَنْ آلِهَتِي لَأرْجُمَنَّكَ ولَيْسَ بِذاكَ (واهْجُرْنِي) عَطْفٌ عَلى مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّهْدِيدُ أيْ فاحْذَرْنِي واتْرُكْنِي وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ.
ولَعَلَّ الدّاعِيَ لِذَلِكَ وعَدَمَ اعْتِبارِ العَطْفِ عَلى المَذْكُورِ أنَّهُ لا يَصِحُّ أوْ لا يَحْسُنُ التَّخالُفُ بَيْنَ المُتَعاطِفَيْنِ إنْشائِيَّةٍ وإخْبارِيَّةٍ، وجَوابُ القَسَمِ غَيْرُ الِاسْتِعْطافِيِّ لا يَكُونُ إنْشاءً ولَيْسَتِ الفاءُ في فاحْذَرْنِي عاطِفَةً حَتّى يَعُودَ المَحْذُورُ. ومِنَ النّاسِ مَن عَطَفَ عَلى الجُمْلَةِ السّابِقَةِ بِناءً عَلى تَجْوِيزِ سِيبَوَيْهِ العَطْفَ مَعَ التَّخالُفِ في الإخْبارِ والإنْشاءِ، والتَّقْدِيرُ أوْقَعُ في النَّفْسِ (مَلِيًّا) أيْ دَهْرًا طَوِيلًا عَنِ الحَسَنِ ومُجاهِدٍ وجَماعَةٍ، وقالَ السُّدِّيُّ: أبَدًا وكَأنَّهُ المُرادُ، وأصْلُهُ عَلى ما قِيلَ مِنَ الإمْلاءِ أيِ الإمْدادِ وكَذا المَلاوَةِ بِتَثْلِيثِ المِيمِ وهي بِمَعْناهُ، ومِن ذَلِكَ المَلَوانِ اللَّيْلُ والنَّهارُ ونَصْبُهُ عَلى الظَّرْفِيَّةِ كَما في قَوْلِ مُهَلْهِلٍ:
؎فَتَصَدَّعَتْ صُمُّ الجِبالِ لِمَوْتِهِ وبَكَتْ عَلَيْهِ المُرَمَّلاتُ مَلِيّا
وأخْرَجَ ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ فَسَّرَهُ بِطَوِيلًا ولَمْ يَذْكُرِ المَوْصُوفَ فَقِيلَ هو نَصْبٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ أيْ هَجْرًا مَلِيًّا، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ المَعْنى سالِمًا سَوِيًّا والمُرادُ قادِرًا عَلى الهَجْرِ مُطِيقًا لَهُ، وهو حِينَئِذٍ حالٌ مِن فاعِلِ (اهْجُرْنِي) أيِ اهْجُرْنِي مَلِيًّا بِالهِجْرانِ والذَّهابِ عَنِّي قَبْلَ أنْ أُثْخِنَكَ بِالضَّرْبِ حَتّى لا تَقْدِرَ أنْ تَبْرَحَ، وكَأنَّهُ عَلى هَذا مِن تَمَلّى بِكَذا تَمَتَّعَ بِهِ مِلاوَةً مِنَ الدَّهْرِ.
{"ayah":"قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِی یَـٰۤإِبۡرَ ٰهِیمُۖ لَىِٕن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ وَٱهۡجُرۡنِی مَلِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق