الباحث القرآني

﴿إنّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ ومَن عَلَيْها﴾ لا يَبْقى لِأحَدٍ غَيْرِهِ تَعالى مُلْكٌ ولا مَلِكٌ فَيَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ تَعالى اسْتِقْلالًا ظاهِرًا وباطِنًا دُونَ ما سِواهُ، ويَنْتَقِلُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ انْتِقالَ المَوْرُوثِ مِنَ المُورِّثِ إلى الوارِثِ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ أوْ نَتَوَفّى الأرْضَ ومَن عَلَيْها (p-95)بِالإفْناءِ والإهْلاكِ تُوُفِّيَ الوارِثُ لِإرْثِهِ واسْتِيفائِهِ إيّاهُ ﴿وإلَيْنا يُرْجَعُونَ﴾ أيْ يَرِدُونَ إلى الجَزاءِ لا إلى غَيْرِنا اسْتِقْلالًا أوِ اشْتِراكًا. وقَرَأ الأعْرَجُ ( تُرْجَعُونَ ) بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ. وقَرَأ السُّلَمِيُّ وابْنُ أبِي إسْحاقَ وعِيسى بِالياءِ التَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وحَكى عَنْهُمُ الدّانِي أنَّهم قَرَءُوا بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. * * * ( ومِن بابِ الإشارَةِ في الآياتِ ) ﴿كهيعص﴾ هو وأمْثالُهُ عَلى الصَّحِيحِ سِرٌّ مِن أسْرارِ اللَّهِ تَعالى، وقِيلَ في وجْهٍ افْتِتاحٌ هَذِهِ السُّورَةِ بِهِ: إنَّ الكافَ إشارَةٌ إلى الكافِي الَّذِي اقْتَضاهُ حالَ ضَعْفِ زَكَرِيّا عَلَيْهِ السَّلامُ وشَيْخُوخَتِهِ وعَجْزِهِ، والهاءُ إشارَةٌ إلى الهادِي الَّذِي اقْتَضاهُ عِنايَتُهُ سُبْحانَهُ بِهِ وإراءَةِ مَطْلُوبِهِ لَهُ، والياءُ إشارَةٌ إلى الواقِي الَّذِي اقْتَضاهُ حالَ خَوْفِهِ مِنَ المَوالِي، والعَيْنُ إشارَةٌ إلى العالَمِ الَّذِي اقْتَضاهُ إظْهارُهُ لِعَدَمَ الأسْبابِ، والصّادُ إشارَةٌ إلى الصّادِقِ الَّذِي اقْتَضاهُ الوَعْدُ، والإشارَةُ في القِصَّتَيْنِ إجْمالًا إلى أنَّ اللَّهَ تَعالى شَأْنُهُ يَهَبُ بِسُؤالٍ وغَيْرِ سُؤالٍ. وطَبَّقَ بَعْضُ أهْلِ التَّأْوِيلِ ما فِيهِما عَلى ما في الأنْفُسِ فَتَكَلَّفُوا وتَعَسَّفُوا، وفي نَذْرِ الصَّوْمِ والمُرادُ بِهِ الصَّمْتُ إشارَةٌ إلى تَرْكِ الِانْتِصارِ لِلنَّفْسِ فَكَأنَّهُ قِيلَ لَها عَلَيْها السَّلامُ: اسْكُتِي ولا تَنْتَصِرِي فَإنَّ في كَلامِكِ وانْتِصارِكِ لِنَفْسِكِ مَشَقَّةً عَلَيْكِ وفي سُكُوتِكِ إظْهارُ ما لَنا فِيكَ مِنَ القُدْرَةِ فَلَزِمْتَ الصَّمْتَ فَلَمّا عَلِمَ اللَّهُ سُبْحانَهُ صِدْقَ انْقِطاعِها إلَيْهِ أنْطَقَ جَلَّ وعَلا عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِبَراءَتِها، وذُكِرَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ طُوًى كُلُّ وصْفٍ جَمِيلٍ في مَطاوِي قَوْلِهِ ﴿إنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ وذَلِكَ لِما قالُوا مِن أنَّهُ لا يَدَّعِي أحَدٌ بِعَبْدِ اللَّهِ إلّا إذا صارَ مُظْهِرًا لِجَمِيعِ الصِّفاتِ الإلَهِيَّةِ المُشِيرِ إلَيْها الِاسْمُ الجَلِيلُ، وجُعِلَ عَلى هَذا قَوْلُهُ ﴿آتانِيَ الكِتابَ﴾ إلَخْ كالتَّعْلِيلِ لِهَذِهِ الدَّعْوى. وذَكَرُوا أنَّ العَبْدَ مُضافًا إلى ضَمِيرِهِ تَعالى أبْلَغُ مَدْحًا مِمّا ذُكِرَ وأنَّ صاحِبَ ذَلِكَ المَقامِ هو نَبِيُّنا ﷺ، وكَأنَّ مُرادَهم أنَّ العَبْدَ مُضافٌ إلى ضَمِيرِهِ سُبْحانَهُ كَذَلِكَ إذا لَمْ يُقْرَنْ بِعَلَمٍ كَعَبْدِهِ زَكَرِيّا وإلّا فَدَعْوى الِاخْتِصاصِ لا تَتِمُّ فَلْيُتَدَبَّرْ. وذَكَرَ ابْنُ عَطاءٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَمْ يَجْعَلْنِي جَبّارًا شَقِيًّا﴾ إنَّ الجَبّارَ الَّذِي لا يُنْصَحُ والشَّقِيَّ الَّذِي لا يَنْتَصِحُ نَعُوذُ بِاللَّهِ سُبْحانَهُ مِن أنْ يَجْعَلَنا كَذَلِكَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب