الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فاخْتَلَفَ الأحْزابُ مِن بَيْنِهِمْ﴾ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها تَنْبِيهًا عَلى سُوءِ صَنِيعِهِمْ بِجَعْلِهِمْ ما يُوجِبُ الِاتِّفاقَ مَنشَأً لِلِاخْتِلافِ فَإنَّ ما حُكِيَ مِن مَقالاتِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ كَوْنِها نُصُوصًا قاطِعَةً في كَوْنِهِ عَبْدَ اللَّهِ تَعالى ورَسُولَهُ قَدِ اخْتَلَفَ اليَهُودُ والنَّصارى بِالتَّفْرِيطِ والإفْراطِ، فالمُرادُ بِالأحْزابِ اليَهُودُ والنَّصارى وهو المَرْوِيُّ عَنِ الكَلْبِيِّ، ومَعْنى ﴿مِن بَيْنِهِمْ﴾ أنَّ الِاخْتِلافَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهم بَلْ كانُوا هُمُ المُخْتَلِفِينَ، و( بَيْنَ ) ظَرْفٌ اسْتُعْمِلَ اسْمًا بِدُخُولِ مِن عَلَيْهِ. ونُقِلَ في البَحْرِ القَوْلُ بِزِيادَةِ مِن. وحَكى أيْضًا القَوْلَ بِأنَّ البَيْنَ هُنا بِمَعْنى البُعْدِ أيِ اخْتَلَفُوا فِيهِ لِبُعْدِهِمْ عَنِ الحَقِّ فَتَكُونُ سَبَبِيَّةً ولا يَخْفى بُعْدُهُ، وقِيلَ: المُرادُ بِالأحْزابِ فِرَقُ النَّصارى فَإنَّهُمُ اخْتَلَفُوا بَعْدَ رَفْعِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيهِ فَقالَ: نَسْطُورُ هو ابْنُ اللَّهِ تَعالى عَنْ ذَلِكَ أظْهَرَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ، وقالَ يَعْقُوبُ: هو اللَّهُ تَعالى هَبَطَ ثُمَّ صَعِدَ وقالَ مَلَكًا: هو عَبْدُ اللَّهِ تَعالى ونَبِيُّهُ، وفي المِلَلِ والنِّحَلِ أنَّ المَلْكانِيَّةَ قالُوا: إنَّ الكَلِمَةَ يَعْنِي أُقْنُومَ العِلْمِ اتَّحَدَتْ بِالمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ وتَدَرَّعَتْ بِناسُوتِهِ. وقالُوا أيْضًا: إنَّ المَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلامُ ناسُوتٌ كُلِّيٌّ لا جُزْئِيٌّ وهو قَدِيمٌ وقَدْ ولَدَتْ مَرْيَمُ إلَهًا قَدِيمًا أزَلِيًّا، (p-93)والقَتْلُ والصَّلْبُ وقَعَ عَلى النّاسُوتِ واللّاهُوتِ مَعًا، وقَدْ قُمْنا مِن أمْرِ النَّصارى ما فِيهِ كِفايَةٌ فَلْيُتَذَكَّرْ، وقِيلَ المُرادُ بِهِمُ المُسْلِمُونَ واليَهُودُ والنَّصارى. وعَنِ الحَسَنِ أنَّهُمُ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلى الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمّا قُصَّ عَلَيْهِمْ قِصَّةُ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ اخْتَلَفُوا فِيهِ مِن بَيْنِ النّاسِ، قِيلَ: إنَّهم مُطْلَقُ الكُفّارِ فَيَشْمَلُ اليَهُودَ والنَّصارى والمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كانُوا في زَمَنِ نَبِيِّنا ﷺ وغَيْرَهُمْ، ورَجَّحَهُ الإمامُ بِأنَّهُ لا مُخَصَّصَ فِيهِ، ورَجَّحَ القَوْلَ بِأنَّهم أهْلُ الكِتابِ بِأنَّ ذِكْرَ الِاخْتِلافِ عَقِيبَ قِصَّةِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فالمُرادُ بِهِمُ الأحْزابُ المُخْتَلِفُونَ، وعَبَّرَ عَنْهم بِذَلِكَ إيذانًا بِكُفْرِهِمْ جَمِيعًا وإشْعارًا بِعِلَّةِ الحُكْمِ، وإذا قِيلَ بِدُخُولِ المُسْلِمِينَ أوِ المَلْكانِيَّةِ وقِيلَ: إنَّهم قالُوا بِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَبْدُ اللَّهِ ونَبِيُّهُ في الأحْزابِ، فالمُرادُ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُ الأحْزابِ أيْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينِ كَفَرُوا مِنهم ﴿مِن مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أيْ: مِن مَشْهُودِ يَوْمٍ عَظِيمِ الهَوْلِ والحِسابِ والجَزاءِ وهو يَوْمُ القِيامَةِ أوْ مِن وقْتِ شُهُودِهِ أوْ مَكانِ الشُّهُودِ فِيهِ أوْ مِن شَهادَةِ ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَيْهِمْ وهو أنْ تَشْهَدَ المَلائِكَةُ والأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَلَيْهِمْ وألْسِنَتُهم وسائِرُ جَوارِحِهِمْ بِالكُفْرِ والفُسُوقِ أوْ مِن وقْتِ الشَّهادَةِ أوْ مِن مَكانِها. وقِيلَ: هو ما شَهِدُوا بِهِ في حَقِّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ وأُمِّهِ وعِظَمِهِ لِعِظَمِ ما فِيهِ أيْضًا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِن أفْواهِهِمْ﴾ . وقِيلَ هو يَوْمُ قَتْلِ المُؤْمِنِينَ حِينَ اخْتَلَفَ الأحْزابُ وهو كَما تَرى. والحَقُّ أنَّ المُرادَ بِذَلِكَ اليَوْمِ يَوْمُ القِيامَةِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب