الباحث القرآني

(قالَ) اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالٍ نَشَأ مِن سِياقِ النَّظْمِ الكَرِيمِ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا كانَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَقِيلَ: قالَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿إنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ رُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَرْضَعُ فَلَمّا سَمِعَ ما قالُوا تَرَكَ الرِّضاعَ وأقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ واتَّكَأ عَلى يَسارِهِ وأشارَ بِسَبّابَتِهِ فَقالَ ما قالَ، وقِيلَ إنَّ زَكَرِيّا عَلَيْهِ السَّلامُ أقْبَلَ عَلَيْهِ يَسْتَنْطِقُهُ فَقالَ ذَلِكَ وذَكَرَ عُبُودِيَّتَهُ لِلَّهِ تَعالى أوَّلًا لِأنَّ الِاعْتِرافَ بِذَلِكَ عَلى ما قِيلَ أوَّلُ مَقاماتِ السّالِكِينَ. وفِيهِ رَدٌّ عَلى مَن يَزْعُمُ رُبُوبِيَّتَهُ، وفي جَمِيعِ ما قالَ تَنْبِيهٌ عَلى بَراءَةِ أُمِّهِ لِدَلالَتِهِ عَلى الِاصْطِفاءِ واللَّهُ سُبْحانَهُ أجْلُّ مِن أنْ يَصْطَفِيَ ولَدَ الزِّنا وذَلِكَ مِنَ المُسَلَّماتِ عِنْدَهم، وفِيهِ مِن إجْلالِ أُمِّهِ عَلَيْهِما السَّلامُ ما لَيْسَ في التَّصْرِيحِ، وقِيلَ لِأنَّهُ تَعالى لا يَخُصُّ بِوَلَدٍ مَوْصُوفٍ بِما ذُكِرَ إلّا مُبَرَّأةً مُصْطَفاةً. واخْتُلِفَ في أنَّهُ بَعْدَ أنْ تَكَلَّمَ بِما ذَكَرَ هَلْ بَقِيَ يَتَكَلَّمْ كَعادَةِ الرِّجالِ أوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتّى بَلَغَ مَبْلَغًا يَتَكَلَّمُ فِيهِ الصِّبْيانُ، وعَدُّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ في عِدادِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا في المَهْدِ ثُمَّ لَمْ يَتَكَلَّمُوا إلى وقْتِ العادَةِ ظاهِرٌ في الثّانِي ﴿آتانِيَ الكِتابَ﴾ الظّاهِرُ أنَّهُ الإنْجِيلُ. وقِيلَ التَّوْراةُ. وقِيلَ مَجْمُوعُهُما ﴿وجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ وجَعَلَنِي مَعَ ذَلِكَ (مُبارَكًا) قالَ مُجاهِدٌ نَفّاعًا ومِن نَفْعِهِ إبْراءُ الأكْمَهِ والأبْرَصِ. وقالَ سُفْيانُ: مُعَلِّمَ الخَيْرِ آمِرًا بِالمَعْرُوفِ ناهِيًا عَنِ المُنْكَرِ، وعَنِ الضَّحّاكِ قاضِيًا لِلْحَوائِجِ، والأوَّلُ أوْلى لِعُمُومِهِ، والتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الماضِي في الأفْعالِ الثَّلاثَةِ أمّا بِاعْتِبارِ ما في القَضاءِ المَحْتُومِ أوْ بِجَعْلِ ما في شَرَفِ الوُقُوعِ لا مَحالَةَ كالَّذِي وقَعَ. وقِيلَ أكْمَلَهُ اللَّهُ تَعالى عَقْلًا واسْتَنْبَأهُ طِفْلًا ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أنَسٍ أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ دَرَسَ الإنْجِيلَ وأحْكَمَهُ في بَطْنِ أُمِّهِ وذَلِكَ قَوْلُهُ (آتانِيَ الكِتابَ)، (أيْنَما كُنْتُ) أيْ: حَيْثُما كُنْتُ وفي البَحْرِ أنَّ هَذا شَرْطٌ وجَزاؤُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ جَعَلَنِي مُبارَكًا وحُذِفَ لِدَلالَةِ ما تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِجَعَلَنِي السّابِقِ لِأنَّ- أيْنَ- لا تَكُونُ إلّا اسْتِفْهامًا أوْ شَرْطًا والأوَّلُ لا يَجُوزُ هُنا فَتَعَيَّنَ الثّانِي واسْمُ الشَّرْطِ لا يَنْصِبُهُ فِعْلٌ قَبْلَهُ وإنَّما هو مَعْمُولٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي يَلِيهِ. ﴿وأوْصانِي بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ﴾ أيْ: أمَرَنِي بِهِما أمْرًا مُؤَكَّدًا والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِهِما ما شُرِعَ في البَدَنِ والمالِ عَلى وجْهٍ مَخْصُوصٍ. وقِيلَ المُرادُ بِالزَّكاةِ زَكاةُ الفِطْرِ. وقِيلَ المُرادُ بِالصَّلاةِ الدُّعاءُ وبِالزَّكاةِ تَطْهِيرُ النَّفْسِ عَنِ الرَّذائِلِ، ويَتَعَيَّنُ هَذا في الزَّكاةِ عَلى ما نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَطاءِ اللَّهِ وإنْ كانَ مَنظُورًا فِيهِ مِن أنَّهُ لا زَكاةَ عَلى الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى نَزَّهَهم عَنِ الدُّنْيا فَما في أيْدِيهِمْ لِلَّهِ تَعالى ولِذا لا يُورَثُونَ أوْ لِأنَّ الزَّكاةَ (p-90)تَطْهِيرٌ وكَسْبَهم طاهِرٌ، وقِيلَ لا يَتَعَيَّنُ لِأنَّ ذَلِكَ أمْرٌ لَهُ بِإيجابِ الزَّكاةِ عَلى أُمَّتِهِ وهو خِلافُ الظّاهِرِ، وإذا قِيلَ بِحَمْلِ الزَّكاةِ عَلى الظّاهِرِ فالظّاهِرُ أنَّ المُرادَ (أوْصانِي) بِأداءِ زَكاةِ المالِ إنْ مَلَكْتُهُ فَلا مانِعَ مِن أنْ يَشْمَلَ التَّوْقِيتَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿ما دُمْتُ حَيًّا﴾ مُدَّةَ كَوْنِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ في السَّماءِ، ويَلْتَزِمُ القَوْلُ بِوُجُوبِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ هُناكَ كَذا قِيلَ. وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الظّاهِرَ المُتَبادِرَ مِنَ المُدَّةِ المَذْكُورَةِ مُدَّةَ كَوْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَيًّا في الدُّنْيا عَلى ما هو المُتَعارَفُ، وذَلِكَ لا يَشْمَلُ مُدَّةَ كَوْنِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ في السَّماءِ، ونَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ أنَّ أهْلَ المَدِينَةِ، وابْنَ كَثِيرٍ، وأبا عَمْرٍو قَرَأُوا ( دِمْتُ ) بِكَسْرِ الدّالِ ولَمْ نَجِدْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، نَعَمْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ لُغَةٌ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب