الباحث القرآني

(فَناداها) أيْ: جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ونَوْفٌ. وقَرَأ عَلْقَمَةُ فَخاطَبَها قالَ أبُو حَيّانَ: ويَنْبَغِي أنْ تَكُونَ تَفْسِيرًا لِمُخالَفَتِها سَوادَ المُصْحَفِ، وقَرَأ الحَبْرُ ( فَناداها مَلَكٌ ) ﴿مِن تَحْتِها﴾ ويَنْبَغِي أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِيُوافِقَ ما رُوِيَ عَنْهُ أوَّلًا. ومَعْنى ﴿مِن تَحْتِها﴾ مِن مَكانٍ أسْفَلَ مِنها، وكانَ واقِفًا تَحْتَ الأكَمَةِ الَّتِي صَعِدَتْها مُسْرِعَةً كَما سَمِعَتْ آنِفًا، ونُقِلَ في البَحْرِ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ قالَ: ناداها جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وكانَ في بُقْعَةٍ مِنَ الأرْضِ أخْفَضَ مِنَ البُقْعَةِ الَّتِي كانَتْ عَلَيْها وأقْسَمَ عَلى ذَلِكَ. ولَعَلَّهُ إنَّما كانَ مَوْقِفُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ هُناكَ إجْلالًا لَها وتَحاشِيًا مِن حُضُورِهِ بَيْنَ يَدَيْها في تِلْكَ الحالِ. والقَوْلُ بِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ تَحْتَها يَقْبَلُ الوَلَدَ مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُقالَ لِما فِيهِ مِن نِسْبَةِ ما لا يَلِيقُ بِشَأْنِ أمِينِ وحْيِ المَلِكِ المُتَعالِ، وقِيلَ: ضَمِيرُ (تَحْتِها) لِلنَّخْلَةِ، واسْتَظْهَرَ أبُو حَيّانَ كَوْنَ المُنادى عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ والضَّمِيرُ لِمَرْيَمَ والفاءُ فَصِيحَةٌ أيْ فَوَلَدَتْ غُلامًا فَأنْطَقَهُ اللَّهُ تَعالى حِينَ الوِلادَةِ فَناداها المَوْلُودُ مِن تَحْتِها. ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجاهِدٍ ووَهْبٍ وابْنِ جُبَيْرٍ وابْنِ جَرِيرٍ وابْنِ زَيْدٍ والجُبّائِيُّ ونَقَلَهُ الطَّبَرَسِيُّ عَنِ الحَسَنِ أيْضًا، وقَرَأ الِابْنانِ والأبَوانِ وعاصِمٌ والجَحْدَرِيُّ وابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ في رِوايَةٍ عَنْهُما (مَن) بِفَتْحِ المِيمِ بِمَعْنى الَّذِي فاعِلُ نادى و(تَحْتَها) ظَرْفٌ مَنصُوبٌ صِلَةٌ لِمَن والمُرادُ بِهِ إمّا عِيسى أوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِما الصَّلاةُ (p-83)والسَّلامُ ﴿ألا تَحْزَنِي﴾ أيْ: أيْ لا تَحْزَنِي عَلى أنَّ أنْ مُفَسِّرَةً أوْ بِأنْ لا تَحْزَنِي عَلى أنَّها مَصْدَرِيَّةٌ قَدْ حُذِفَ عَنْها الجارُّ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ﴾ بِمَكانٍ أسْفَلَ مِنكِ، وقِيلَ: تَحْتَ أمْرِكِ إنْ أمَرْتِ بِالجَرْيِ جَرى وإنْ أمَرْتِ بِالإمْساكِ أمْسَكَ، وهو خِلافُ الظّاهِرِ (سَرِيًّا) أيْ جَدْوَلًا كَما أخْرَجَهُ الحاكِمُ في مُسْتَدْرَكِهِ عَنِ البَراءِ وقالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وذَكَرَهُ البُخارِيُّ تَعْلِيقًا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وأسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ مَرْدُوَيْهِ في تَفاسِيرِهِمْ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أيْضًا، ولَمْ يَصِحَّ الرَّفْعُ كَما أوْضَحَهُ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ وعَلى ذَلِكَ جاءَ قَوْلُ لَبِيدٍ يَصِفُ عِيرًا وأتانًا: ؎فَتَوَسَّطا عُرْضَ السَّرِيِّ فَصَدَّعا مَسْجُورَةً مُتَجاوِزًا قُلّامُها وأنْشَدَ ابْنُ عَبّاسٍ قَوْلَ الشّاعِرِ: ؎سَهْلُ الخَلِيقَةِ ماجِدٌ ذُو نائِلٍ ∗∗∗ مَثَلُ السَّرِيِّ) تَمُدُّهُ الأنْهارُ وكانَ ذَلِكَ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ جَدْوَلًا مِنَ الأُرْدُنِّ أجْراهُ اللَّهُ تَعالى مِنهُ لَمّا أصابَها العَطَشُ. ورُوِيَ أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الأرْضَ فَظَهَرَتْ عَيْنُ ماءٍ عَذْبٍ فَجَرى جَدْوَلًا، وقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ وهو المَرْوِيُّ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ. وقِيلَ: كانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا مِن قَبْلُ إلّا أنَّ اللَّهَ تَعالى نَبَّهَها عَلَيْهِ، وما تَقَدَّمَ هو المُوافِقُ لِمَقامِ بَيانِ ظُهُورِ الخَوارِقِ والمُتَبادَرُ مِنَ النَّظْمِ الكَرِيمِ، وسُمِّيَ الجَدْوَلُ سَرِيًّا لِأنَّ الماءَ يَسْرِي فِيهِ فَلامُهُ عَلى هَذا المَعْنى ياءٌ، وعَنِ الحَسَنِ وابْنُ زَيْدٍ والجُبّائِيُّ أنَّ المُرادَ بِالسَّرِيِّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ وهو مِنَ السِّرِّ وبِمَعْنى الرِّفْعَةِ كَما قالَ الرّاغِبُ أيْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ غُلامًا رَفِيعَ الشَّأْنِ سامِيَ القَدْرِ، وفي الصَّحّاحِ هو سَخاءٌ في مُرُوءَةِ وإرادَةِ الرَّفْعَةِ أرْفَعُ قَدْرًا ولامُهُ عَلى هَذا المَعْنى واوٌ. والجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِانْتِفاءِ الحُزْنِ المَفْهُومِ مِنَ النَّهْيِ عَنْهُ. والتَّعَرُّضُ لِعُنْوانِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِها لِتَشْرِيفِها وتَأْكِيدِ التَّعْلِيلِ وتَكْمِيلِ التَّسْلِيَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب