الباحث القرآني
﴿فَحَمَلَتْهُ﴾ الفاءُ فَصِيحَةٌ أيْ فاطْمَأنَّتْ إلى قَوْلِهِ فَدَنا مِنها فَنَفَخَ في جَيْبِها فَدَخَلَتِ النَّفْخَةُ في جَوْفِها فَحَمَلَتْهُ. ورُوِيَ هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقِيلَ: لَمْ يَدْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ بَلْ نَفَخَ عَنْ بُعْدٍ فَوَصَلَ الرِّيحُ إلَيْها فَحَمَلَتْ. وقِيلَ: إنَّ النَّفْخَةَ كانَتْ في كُمِّها ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وقِيلَ كانَتْ في ذَيْلِها، وقِيلَ كانَتْ في فَمِها.
واخْتَلَفُوا في سِنِّها إذْ ذاكَ، فَقِيلَ: ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وعَنْ وهْبٍ ومُجاهِدٍ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وقِيلَ: أرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وقِيلَ: اثْنَتا عَشْرَةَ سَنَةً، وقِيلَ: عَشْرُ سِنِينَ وقَدْ كانَتْ حاضَتْ حَيْضَتَيْنِ قَبْلَ أنْ تَحْمِلَ، وحَكى مُحَمَّدُ بْنُ الهَيْصَمِ رَئِيسُ الهَيْصَمِيَّةِ مِنَ الكَرامِيَّةِ أنَّها لَمْ تَكُنْ حاضَتْ بَعْدُ، وقِيلَ: إنَّها عَلَيْها السَّلامُ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ أصْلًا بَلْ كانَتْ مُطَهَّرَةً مِنَ الحَيْضِ. وكَذا اخْتَلَفُوا في مُدَّةِ حَمْلِها فَفي رِوايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها تِسْعَةُ أشْهُرٍ كَما في سائِرِ النِّساءِ وهو المَرْوِيُّ عَنِ الباقِرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ لِأنَّها لَوْ كانَتْ مُخالِفَةً لَهُنَّ في هَذِهِ العادَةِ لَناسَبَ ذِكْرَها في أثْناءِ هَذِهِ القِصَّةِ الغَرِيبَةِ. وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّها كانَتْ ساعَةً واحِدَةً كَما حَمَلَتْهُ نَبَذَتْهُ، واسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِالتَّعْقِيبِ الآتِي وبِأنَّهُ سُبْحانَهُ قالَ في وصْفِهِ ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ فَإنَّهُ ظاهِرٌ في أنَّهُ عَزَّ وجَلَّ قالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ، فَلا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مُدَّةُ الحَمْلِ.
وعَنْ عَطاءٍ وأبِي العالِيَةِ والضَّحّاكِ أنَّها (p-80)كانَتْ سَبْعَةَ أشْهُرٍ، وقِيلَ: كانَتْ سِتَّةَ أشْهُرٍ، وقِيلَ: حَمَلَتْهُ في ساعَةٍ وصُوِّرَ في ساعَةٍ ووَضَعَتْهُ في ساعَةٍ، حِينَ زالَتِ الشَّمْسُ مِن يَوْمِها، والمَشْهُورُ أنَّها كانَتْ ثَمانِيَةَ أشْهُرٍ، قِيلَ: ولَمْ يَعِشْ مَوْلُودٌ وُضِعَ لِثَمانِيَةٍ غَيْرُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ.
ونَقَلَ النَّيْسابُورِيُّ عَنْ أهْلَ التَّنْجِيمَ أنَّ ذَلِكَ لِأنَّ الحَمْلَ يَعُودُ إلى تَرْبِيَةِ القَمَرِ فَتَسْتَوْلِي عَلَيْهِ البُرُودَةُ والرُّطُوبَةُ، وهو ظاهِرٌ في أنَّ مُرَبِّيَ الحَمْلِ في أوَّلِ شُهُورِ الحَمْلِ القَمَرُ وفي الثّامِنِ يَعُودُ الأمْرُ إلَيْهِ عِنْدَ المُنَجِّمِينَ وهو مُخالِفٌ لِما في كِفايَةِ التَّعْلِيمِ عَنْهم مِن أنَّ أوَّلَ الشُّهُورِ مَنسُوبٌ إلى زُحَلَ والثّانِي إلى المُشْتَرِي، وهَكَذا إلى السّابِعِ وهو مَنسُوبٌ إلى القَمَرِ، ثُمَّ تَرْجِعُ النِّسْبَةُ إلى زُحَلَ ثُمَّ إلى المُشْتَرِي: وفِيها أيْضًا أنَّ جُهّالَ المُنَجِّمِينَ يَقُولُونَ: إنَّ النُّطْفَةَ في الشَّهْرِ الأوَّلِ تَقْبَلُ البُرُودَةَ مِن زُحَلَ فَتُجَمَّدُ، وفي الثّانِي تَقْبَلُ القُوَّةَ النّامِيَةَ مِنَ المُشْتَرِي فَتَأْخُذُ في النُّمُوِّ، وفي الثّالِثِ تَقْبَلُ القُوَّةَ الغَضَبِيَّةَ مِنَ المِرِّيخِ وفي الرّابِعِ قُوَّةَ الحَياةِ مِنَ الشَّمْسِ وفي الخامِسِ قُوَّةَ الشَّهْوَةِ مِنَ الزُّهْرَةِ، وفي السّادِسِ قُوَّةَ النُّطْقِ مِن عُطارِدَ، وفي السّابِعِ قُوَّةَ الحَرَكَةِ مِنَ القَمَرِ فَتَتِمُّ خِلْقَةُ الجَنِينِ، فَإنْ وُلِدَ في ذَلِكَ الوَقْتِ عاشَ وإلّا فَإنْ وُلِدَ في الثّامِنِ لَمْ يَعِشْ لِقَبُولِهِ قُوَّةَ المَوْتِ مِن زُحَلَ وإنْ وُلِدَ في التّاسِعِ عاشَ لِأنَّهُ قَبْلَ قُوَّةِ المُشْتَرِي، ومِثْلُ تِلْكَ الكَلِماتِ خُرافاتٌ وكُلُّ امْرَأةٍ تَعْرِفُ أنَّ النُّطْفَةَ إذا مَضَتْ عَلَيْها ثَلاثَةُ أشْهُرٍ تَتَحَرَّكُ، وقَدْ ذَكَرَ حُكَماءُ الطَّبِيعَةِ أنَّ أقَلَّ مُدَّةِ الوِلادَةِ سِتَّةُ أشْهُرٍ ومُدَّةُ الحَرَكَةِ ثُلُثُ مُدَّةِ الوِلادَةِ، فَيَكُونُ أقَلُّها شَهْرَيْنِ ومَنِ امْتَحَنَ الإسْقاطَ يَعْلَمُ أنَّ الخِلْقَةَ تَتِمُّ في أقَلَّ مِن خَمْسِينَ يَوْمًا انْتَهى.
وكَلامُ المُتَشَرِّعِينَ لا يَخْفى عَلَيْكَ في هَذا البابِ. وقَدْ يَعِيشُ المَوْلُودُ لِثَمانٍ إلّا أنَّهُ قَلِيلٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِن خَواصِّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إنْ صَحَّ. ولَمْ يَصِحُّ عِنْدِي شَيْءٌ مِن هَذِهِ الأقْوالِ المُضْطَرِبَةِ المُتَناقِضَةِ بَيْدَ أنِّي أمِيلُ إلى أوَّلِها، والِاسْتِدْلالُ لِلثّانِي مِمّا سَمِعْتُ لا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ.
﴿فانْتَبَذَتْ بِهِ﴾ أيْ فاعْتَزَلَتْ وهو في بَطْنِها فالباءُ لِلْمُلابَسَةِ والمُصاحَبَةِ مِثْلُها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ وقَوْلِ المُتَنَبِّي يَصِفُ الخُيُولَ:
؎فَمَرَّتْ غَيْرَ نافِرَةٍ عَلَيْهِمْ تَدُوسُ بِنا الجَماجِمَ والرُّؤُوسا
والجارُّ والمَجْرُورُ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ وقَعَ حالًا مِن ضَمِيرِها المُسْتَتِرِ أيْ فانْتَبَذَتْ مُلْتَبِسَةً بِهِ ﴿مَكانًا قَصِيًّا﴾ بَعِيدًا مِن أهْلِها وراءَ الجَبَلِ، وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ عَنْ نَوْفٍ أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ نَفَخَ في جَيْبِها فَحَمَلَتْ حَتّى إذا أثْقَلَتْ وجِعَتْ ما يَجِعُ النِّساءُ وكانَتْ في بَيْتِ النُّبُوَّةِ، فاسْتَحْيَتْ وهَرَبَتْ حَياءً مِن قَوْمِها، فَأخَذَتْ نَحْوَ المَشْرِقِ وخَرَجَ قَوْمُها في طَلَبِها فَجَعَلُوا يَسْألُونَ: رَأيْتُمْ فَتاةً كَذا وكَذا فَلا يُخْبِرُهم أحَدٌ، فَكانَ ما أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ.
ورَوى الثَّعْلَبِيُّ في العَرائِسِ عَنْ وهْبٍ قالَ: إنَّ مَرْيَمَ لَمّا حَمَلَتْ كانَ مَعَها ابْنُ عَمٍّ لَها يُسَمّى يُوسُفُ النَّجّارُ، وكانا مُنْطَلِقَيْنِ إلى المَسْجِدِ الَّذِي عِنْدَ جَبَلِ صُهْيُونَ وكانا مَعًا يَخْدِمانِ ذَلِكَ المَسْجِدَ ولا يَعْلَمُ أنَّ أحَدًا مِن أهْلِ زَمانِهِما أشَدُّ اجْتِهادًا وعِبادَةً مِنهُما، وأوَّلُ مَن عَلِمَ أمْرَها يُوسُفُ فَتَحَيَّرَ في ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِكَمالِ صَلاحِها وعِفَّتِها وأنَّهُ لَمْ تَغِبْ عَنْهُ ساعَةً فَقالَ لَها: قَدْ وقَعَ في نَفْسِي شَيْءٌ مِن أمْرِكِ لَمْ أسْتَطِعْ كِتْمانَهُ، وقَدْ رَأيْتُ الكَلامَ فِيهِ أشَفى لِصَدْرِي فَقالَتْ: قُلْ قَوْلًا جَمِيلًا فَقالَ: يا مَرْيَمُ أخْبِرِينِي هَلْ يَنْبُتُ زَرْعٌ بِغَيْرِ بَذْرٍ؟ وهَلْ تَنْبُتُ شَجَرَةٌ مِن غَيْرِ غَيْثٍ؟ وهَلْ يَكُونُ ولَدٌ مِن غَيْرِ ذَكَرٍ ؟
فَقالَتْ: نَعَمْ، ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى أنْبَتَ الزَّرْعَ يَوْمَ خَلَقَهُ مِن غَيْرِ بَذْرٍ؟ ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى أنْبَتَ الشَّجَرَةَ مِن غَيْرِ غَيْثٍ؟ وبِالقُدْرَةِ جَعَلَ الغَيْثَ حَياةَ الشَّجَرِ بَعْدَما خَلَقَ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما عَلى حِدَةٍ؟ أتَقُولُ: إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ لا يَقْدِرُ عَلى أنْ يُنْبِتَ الشَّجَرَةَ حَتّى يَسْتَعِينَ بِالماءِ؟ قالَ: لا أقُولُ هَذا ولَكِنِّي أقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعالى يَقْدِرُ عَلى (p-81)ما يَشاءُ بِقَوْلِ كُنْ فَيَكُونُ، فَقالَتْ: ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ آدَمَ وامْرَأتَهُ مِن غَيْرِ ذَكَرٍ ولا أُنْثى؟ فَعِنْدَ ذَلِكَ زالَ ما يَجِدُهُ وكانَ يَنُوبُ عَنْها في خِدْمَةِ المَسْجِدِ لِاسْتِيلاءِ الضَّعْفِ عَلَيْها بِسَبَبِ الحَمْلِ وضِيقِ القَلْبِ، فَلَمّا دِنا نِفاسُها أوْحى اللَّهُ تَعالى إلَيْها أنِ اخْرُجِي مِن أرْضِ قَوْمِكِ لِئَلّا يَقْتُلُوا ولَدَكِ فاحْتَمَلَها يُوسُفُ إلى أرْضِ مِصْرَ عَلى حِمارٍ لَهُ، فَلَمّا بَلَغَتْ تِلْكَ البِلادَ أدْرَكَها النِّفاسُ فَكانَ ما قَصَّ سُبْحانَهُ، وقِيلَ: انْتَبَذَتْ أقْصى الدّارِ وهو الأنْسَبُ بِقِصَرِ مُدَّةِ الحَمْلِ
{"ayah":"۞ فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانࣰا قَصِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











