الباحث القرآني
﴿قالَ﴾ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ صابِرًا﴾ مَعَكَ غَيْرَ مُعْتَرِضٍ عَلَيْكَ ﴿ولا أعْصِي لَكَ أمْرًا﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿صابِرًا﴾ والفِعْلُ يُعْطَفُ عَلى المُفْرَدِ المُشْتَقِّ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿صافّاتٍ ويَقْبِضْنَ﴾ بِتَأْوِيلِ أحَدِهِما بِالآخَرِ، والأوْلى فِيما نَحْنُ فِيهِ التَّأْوِيلُ في جانِبِ المَعْطُوفِ؛ أيْ: سَتَجِدُنِي صابِرًا وغَيْرَ عاصٍ، وفي وعْدِ هَذا الوِجْدانَ مِنَ المُبالَغَةِ ما لَيْسَ في الوَعْدِ بِنَفْسِ الصَّبْرِ وتَرْكِ العِصْيانِ أوْ عَلى ﴿سَتَجِدُنِي﴾ والجُمْلَةُ عَلى الأوَّلِ في مَحَلِّ نَصْبٍ؛ لِأنَّها مَعْطُوفَةٌ عَلى المَفْعُولِ الثّانِي لِلْوِجْدانِ، وعَلى الثّانِي لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ عَلى ما في الكَشّافِ. واسْتُشْكِلَ بِأنَّ الظّاهِرَ أنَّ مَحَلَّها النَّصْبُ أيْضًا لِتَقَدُّمِ القَوْلِ. وأُجِيبَ بِأنَّ مَقُولَ القَوْلِ هو مَجْمُوعُ المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَلا يَكُونُ لِأجْزائِهِ مَحَلٌّ بِاعْتِبارِ الأصْلِ، وقِيلَ: مُرادُ الزَّمَخْشَرِيِّ بَيانُ حالِ العَطْفِ في القَوْلِ المَحْكِيِّ عَنْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وقِيلَ: مُرادُهُ أنَّهُ لَيْسَ مُؤَوَّلًا بِمُفْرَدٍ كَما في الأوَّلِ، وقِيلَ: إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ مَقُولَ القَوْلِ مَحْذُوفٌ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لَهُ، والظّاهِرُ الجَوابُ الأوَّلُ، وأوَّلُ الوَجْهَيْنِ في العَطْفِ هو الأوْلى لِما عَرَفْتَ، ولِظُهُورِ تَعَلُّقِ المَعْطُوفِ بِالِاسْتِثْناءِ عَلَيْهِ. وذِكْرُ المَشِيئَةِ إنْ كانَ لِلتَّعْلِيقِ فَلا إشْكالَ في عَدَمِ تَحَقُّقِ ما وعَدَ بِهِ.
ولا يُقالُ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أخْلَفَ وعْدَهُ وإنْ كانَ لِلتَّيَمُّنِ، فَإنْ قُلْنا: إنَّ الوَعْدَ كالوَعِيدِ إنْشاءٌ لا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ والكَذِبَ أوْ أنَّهُ مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ يُعْلَمُ بِقَرِينَةِ المَقامِ كَأنْ أرَدْتَ أوْ إنْ لَمْ يَمْنَعْ مانِعٌ شَرْعِيٌّ أوْ غَيْرُهُ فَكَذَلِكَ لا إشْكالَ، وإنْ قُلْنا: إنَّهُ خَبَرٌ وإنَّهُ لَيْسَ عَلى نِيَّةِ التَّقْيِيدِ جاءَ الإشْكالُ ظاهِرًا؛ فَإنَّ الخُلْفَ حِينَئِذٍ كَذِبٌ وهو غَيْرُ لائِقٍ بِمَقامِ النُّبُوَّةِ لِمُنافاتِهِ العِصْمَةَ، وأُجِيبَ بِأنَّ ما صَدَرَ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ في المَرَّتَيْنِ الأخِيرَتَيْنِ كانا نِسْيانًا كَما في المَرَّةِ الأُولى ولا يَضُرُّ مِثْلُ هَذا الخُلْفِ بِمَقامِ النُّبُوَّةِ لِأنَّ النِّسْيانَ عُذْرٌ. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا نُسَلِّمُ النِّسْيانَ في المَرَّتَيْنِ الأخِيرَتَيْنِ فَفي البُخارِيِّ وشَرْحِهِ لِابْنِ حَجَرٍ وكانَتِ الأُولى نِسْيانًا والثّانِيَةُ شَرْطًا والثّالِثَةُ عَمْدًا، وفي رِوايَةٍ: والثّانِيَةُ عَمْدًا والثّالِثَةُ فِراقًا، وقالَ بَعْضُهُمْ: لَكَ أنْ تَقُولَ: لَمْ يَقَعْ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ما يُخِلُّ بِمَقامِهِ لِأنَّ الخُلْفَ في المَرَّةِ الأُولى مَعْفُوٌّ عَنْهُ وحَيْثُ وقَعَ لَمْ تَكُنِ الأخِيرَتانِ خُلْفًا وفِيهِ تَأمُّلٌ، وقالَ القُشَيْرِيُّ: إنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وعَدَ مِن نَفْسِهِ بِشَيْئَيْنِ بِالصَّبْرِ وقَرَنَهُ بِالمَشِيئَةِ فَصَبَرَ فِيما كانَ مِنَ الخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الفِعْلِ، وبِأنْ لا يَعْصِيَهُ فَأطْلَقَ ولَمْ يَقْرِنْهُ بِالمَشِيئَةِ فَعَصاهُ حَيْثُ قالَ: فَلا تَسْألْنِي فَكانَ يَسْألُهُ فَما قَرَنَهُ بِالِاسْتِثْناءِ لَمْ يُخْلِفْ فِيهِ وما أطْلَقَهُ وقَعَ فِيهِ الخُلْفُ. انْتَهى.
وهُوَ مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ العَطْفَ عَلى ﴿سَتَجِدُنِي﴾ وقَدْ عَلِمْتَ أنَّهُ خِلافُ الأوْلى، وأيْضًا المُرادُ بِالصَّبْرِ الثَّباتُ والإقْرارُ عَلى الفِعْلِ وعَدَمُ الِاعْتِراضِ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ المُحاوَرَةُ الآتِيَةُ وهو لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأيْضًا يَبْقى الكَلامُ في الخُلْفِ كَما لا يَخْفى، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ يَبْعُدُ مِن حالِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ القَطْعُ بِالصَّبْرِ وعَدَمُ عِصْيانِ الأمْرِ بَعْدَ أنْ أشارَ لَهُ الخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ سَيَصْدُرُ مِنهُ أُمُورٌ مُنْكَرَةٌ مُخالِفَةٌ لِقَضِيَّةِ شَرِيعَتِهِ فَلا يَبْعُدُ مِنهُ اعْتِبارُ التَّعْلِيقِ في الجُمْلَتَيْنِ، ولَمْ يَأْتِ بِهِ بَعْدَهُما بَلْ وسَّطَهُ بَيْنَ مَفْعُولَيِ الوِجْدانِ مِنَ الجُمْلَةِ الأُولى لِمَزِيدِ الِاعْتِناءِ بِشَأْنِهِ، وبِهِ يَرْتَفِعُ الإشْكالُ مِن غَيْرِ احْتِياجٍ إلى القِيلِ والقالِ، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ أفْعالَ العَبْدِ بِمَشِيئَتِهِ تَعالى لِأنَّهُ إذا صَدَرَ بَعْضُ الأفْعالِ الِاخْتِيارِيَّةِ بِمَشِيئَتِهِ سُبْحانَهُ لَزِمَ صُدُورُ الكُلِّ بِها؛ إذْ لا قائِلَ بِالفَرْقِ.
والمُعْتَزِلَةُ (p-335)اخْتارُوا أنَّ ذِكْرَ المَشِيئَةِ لِلتَّيَمُّنِ وهو لا يَدُلُّ عَلى ما ذُكِرَ، وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: إنَّ الِاسْتِدْلالَ جارٍ أيْضًا عَلى احْتِمالِ التَّيَمُّنِ لِأنَّهُ لا وجْهَ لِلتَّيَمُّنِ بِما لا حَقِيقَةَ لَهُ، وقَدْ أشارَ إلى ذَلِكَ الإمامُ أيْضًا فافْهَمْ، وقَدِ اسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ الأمْرَ لِلْوُجُوبِ وفِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ إنَّ الظّاهِرَ أنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالأمْرِ مُقابِلَ النَّهْيِ بَلْ أُرِيدَ مُطْلَقَ الطَّلَبِ، وحاصِلُ الآيَةِ نَفْيُ أنْ يَعْصِيَهُ في كُلِّ ما يَطْلُبُهُ.
{"ayah":"قَالَ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ صَابِرࣰا وَلَاۤ أَعۡصِی لَكَ أَمۡرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











