الباحث القرآني
﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ﴾ الأكْثَرُونَ عَلى أنَّ المُرادَ بِها القُرْآنُ العَظِيمُ لِمَكانِ ﴿أنْ يَفْقَهُوهُ﴾ فالإضافَةُ لِلْعَهْدِ.
وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِها جِنْسُ الآياتِ ويُدْخَلَ القُرْآنُ العَظِيمُ دُخُولًا أوَّلِيًّا، والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ في قُوَّةِ النَّفْيِ، وحَقَّقَ غَيْرُ واحِدٍ أنَّ المُرادَ نَفْيَ أنْ يُساوِيَ أحَدٌ في الظُّلْمِ مَن وُعِظَ بِآياتِ اللَّهِ تَعالى ﴿فَأعْرَضَ عَنْها﴾ فَلَمْ يَتَدَبَّرْها ولَمْ يَتَّعِظْ بِها، ودَلالَةُ ما ذُكِرَ عَلى هَذا بِطَرِيقِ الكِنايَةِ، وبِناءُ الأظْلَمِيَّةِ عَلى ما في حَيِّزِ الصِّلَةِ مِنَ الإعْراضِ لِلْإشْعارِ بِأنَّ ظُلْمَ مَن يُجادِلُ في الآياتِ ويَتَّخِذُها هُزُوًا خارِجٌ عَنِ الحَدِّ ﴿ونَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ﴾ أيْ: عَمَلَهُ مِنَ الكُفْرِ والمَعاصِي الَّتِي مِن جُمْلَتِها المُجادَلَةُ بِالباطِلِ والِاسْتِهْزاءُ بِالحَقِّ، ونِسْيانُ ذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ عَدَمِ التَّفَكُّرِ في عَواقِبِهِ، والمُرادُ ( مِمَّنْ ) عِنْدَ الأكْثَرِينَ مُشْرِكُو مَكَّةَ.
وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ المُتَّصِفُ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ كائِنًا مَن كانَ ويَدْخُلُ فِيهِ مُشْرِكُو مَكَّةَ دُخُولًا أوَّلِيًّا، والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ لَهم عَلى الوَجْهَيْنِ، ووَجْهُ الجَمْعِ ظاهِرٌ، والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ كَأنَّهُ قِيلَ ما عِلَّةُ الإعْراضِ والنِّسْيانِ؟ فَقِيلَ: عِلَّتُهُ أنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ ﴿أكِنَّةً﴾ أيْ أغْطِيَةً جَمْعُ كِنانٍ، والتَّنْوِينُ عَلى ما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلامُ البَعْضِ لِلتَّكْثِيرِ ﴿أنْ يَفْقَهُوهُ﴾ الضَّمِيرُ المَنصُوبُ عِنْدَ الأكْثَرِينَ لِلْآياتِ، وتَذْكِيرُهُ وإفْرادُهُ بِاعْتِبارِ المَعْنى المُرادِ مِنها وهو القُرْآنُ.
وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ لِلْقُرْآنِ لا بِاعْتِبارِ أنَّهُ المُرادُ مِنَ الآياتِ وفي الكَلامِ حَذْفٌ والتَّقْدِيرُ: كَراهَةَ أنْ يَفْقَهُوهُ، وقِيلَ: لِئَلّا يَفْقَهُوهُ؛ أيْ: فِقْهًا نافِعًا ﴿وفِي آذانِهِمْ﴾ أيْ: وجَعَلْنا فِيها ﴿وقْرًا﴾ ثِقَلًا أنْ يَسْمَعُوهُ سَماعًا كَذَلِكَ ﴿وإنْ تَدْعُهم إلى الهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إذًا أبَدًا﴾ أيْ: مُدَّةَ التَّكْلِيفِ كُلَّها، و«إذًا» جَزاءٌ وجَوابٌ كَما حُقِّقَ المُرادُ مِنهُ في مَوْضِعِهِ فَتَدُلُّ عَلى نَفْيِ اهْتِدائِهِمْ لِدَعْوَةِ الرَّسُولِ ﷺ بِمَعْنى أنَّهم جَعَلُوا ما يَجِبُ أنْ يَكُونَ سَبَبَ وُجُودِ الِاهْتِداءِ سَبَبًا في انْتِفائِهِ، وعَلى أنَّهُ جَوابٌ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى تَقْدِيرِ قَوْلِهِ ﷺ: ما لِي لا أدْعُوهم حِرْصًا عَلى اهْتِدائِهِمْ، وإنْ ذُكِرَ لَهُ ﷺ مِن أمْرِهِمْ ما ذُكِرَ رَجاءَ أنْ تَنْكَشِفَ تِلْكَ الأكِنَّةُ وتُمَزَّقَ بِيَدِ الدَّعْوَةِ فَقِيلَ: (p-304)وإنْ تَدَعْهم إلَخْ قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وفي الكَشْفِ في بَيانِ ذَلِكَ، أمّا الدَّلالَةُ فَصَرِيحُ تَخَلُّلِ «إذًا» يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ؛ لِأنَّ المَعْنى إذَنْ لَوْ دَعَوْتَ وهو مِنَ التَّعْكِيسِ بِلا تَعَسُّفٍ، وأمّا أنَّهُ جَوابٌ عَلى الوَجْهِ المَذْكُورِ فَمَعْناهُ أنَّهُ ﷺ نُزِّلَ مَنزِلَةَ السّائِلِ مُبالَغَةً في عَدَمِ الِاهْتِداءِ المُرَتَّبِ عَلى كَوْنِهِمْ مَطْبُوعًا عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُنافِي ما آثَرُوهُ مِن أنَّهُ عَلى تَقْدِيرِ سُؤالِ: لِمَ لَمْ يَهْتَدُوا؟ فَإنَّ السُّؤالَ عَلى هَذا الوَجْهِ أوْقَعُ اه، وهو كَلامٌ نَفِيسٌ بِهِ يَنْكَشِفُ الغَطا ويُؤْمَنُ مِن تَقْلِيدِ الخَطَأِ ويَسْتَغْنِي بِهِ المُتَأمِّلُ عَمّا قِيلَ: إنَّ تَقْدِيرَ ما لِي لا أدْعُوهم يَقْتَضِي المَنعَ مِن دَعْوَتِهِمْ فَكَأنَّهُ أُخِذَ مِن مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأعْرِضْ عَنْ مَن تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا﴾ وقِيلَ: أُخِذَ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً﴾ وقِيلَ: مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ( إنْ تَدْعُهم ) هَذا ولا يَخْفى عَلَيْكَ المُرادُ مِنَ الهُدى وقَدْ يُرادُ مِنهُ القُرْآنُ فَيَكُونُ مِن إقامَةِ الظّاهِرِ مَقامَ الضَّمِيرِ، ولَعَلَّ إرادَةَ ذَلِكَ هُنا تُرَجِّحُ إرادَةَ القُرْآنِ في الهُدى السّابِقِ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
والآيَةُ في أُناسٍ عَلِمَ اللَّهُ تَعالى مُوافاتَهم عَلى الكُفْرِ مِن مُشْرِكِي مَكَّةَ حِينَ نُزُولِها فَلا يُنافِي الأخْبارَ بِالطَّبْعِ وأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ تَحْقِيقًا ولا تَقْلِيدًا إيمانَ بَعْضِ المُشْرِكِينَ بَعْدَ النُّزُولِ، واحْتِمالُ أنَّ المُرادَ جَمِيعُ المُشْرِكِينَ عَلى مَعْنى: وإنْ تَدْعُهم إلى الهُدى جَمِيعًا فَلَنْ يَهْتَدُوا جَمِيعًا، وإنَّما يَهْتَدِي بَعْضُهم كَما تَرى. واسْتَدَلَّتِ الجَبْرِيَّةُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى مَذْهَبِهِمْ والقَدَرِيَّةُ بِالآيَةِ الَّتِي قَبْلَها، قالَ الإمامُ: وقَلَّ ما تَجِدُ في القُرْآنِ آيَةً لِأحَدِ هَذَيْنِ الفَرِيقَيْنِ إلّا ومَعَها آيَةٌ لِلْفَرِيقِ الآخَرِ، وما ذَلِكَ إلّا امْتِحانٌ شَدِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى ألْقاهُ اللَّهُ تَعالى عَلى عِبادِهِ لِيَتَمَيَّزَ العُلَماءُ الرّاسِخُونَ مِنَ المُقَلِّدِينَ.
{"ayah":"وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعۡرَضَ عَنۡهَا وَنَسِیَ مَا قَدَّمَتۡ یَدَاهُۚ إِنَّا جَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۖ وَإِن تَدۡعُهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ فَلَن یَهۡتَدُوۤا۟ إِذًا أَبَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق