الباحث القرآني

﴿ما لَهم بِهِ﴾ أيْ: بِاتِّخاذِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى ولَدًا ﴿مِن عِلْمٍ﴾ مَرْفُوعُ المَحَلِّ عَلى الِابْتِداءِ أوِ الفاعِلِيَّةِ لِاعْتِمادِ الظَّرْفِ، ومِن مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، والجُمْلَةُ حالِيَّةٌ أوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيانِ حالِهِمْ في مَقالِهِمْ، أيْ: ما لَهم بِذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ العِلْمِ أصْلًا لا لِإخْلالِهِمْ بِطَرِيقِ العِلْمِ مَعَ تَحَقُّقِ المَعْلُومِ أوْ إمْكانِهِ بَلْ لِاسْتِحالَتِهِ في نَفْسِهِ ومَعَها لا يَسْتَقِيمُ تَعَلُّقُ العِلْمِ، واسْتُظْهِرَ كَوْنُ ضَمِيرِ «بِهِ» عائِدًا عَلى الوَلَدِ وعَدَمِ العِلْمِ وكَذا حالُ الجُمْلَةِ عَلى ما سَمِعْتَ، وزَعَمَ المَهْدَوِيُّ أنَّ الجُمْلَةَ عَلى هَذا صِفَةٌ لِ «ولَدًا» ولَيْسَ بِشَيْءٍ، وجُوِّزَ أنْ يَعُودَ عَلى القَوْلِ المَفْهُومِ مِن «قالُوا» أيْ: لَيْسَ قَوْلُهم ذَلِكَ ناشِئًا عَنْ عِلْمٍ وتَذَكُّرٍ ونَظَرٍ فِيما يَجُوزُ عَلَيْهِ تَعالى وما يَمْتَنِعُ، وقالَ الطَّبَرِيُّ: هو عائِدٌ عَلى اللَّهِ تَعالى عَلى مَعْنى: لَيْسَ لَهم عِلْمٌ بِما يَجُوزُ عَلَيْهِ تَعالى وما يَمْتَنِعُ ﴿ولا لآبائِهِمْ﴾ الَّذِينَ قالُوا مِثْلَ ذَلِكَ ناسِبِينَ التَّبَنِّيَ إلَيْهِ عَزَّ وجَلَّ، والتَّعَرُّضُ لِنَفْيِ العِلْمِ عَنْهم لِأنَّهم (p-204)قُدْوَةُ هَؤُلاءِ. ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾ أيْ: عَظُمَتْ مَقالَتُهم هَذِهِ في الكُفْرِ والِافْتِراءِ لِما فِيها مِن نِسْبَتِهِ تَعالى إلى ما لا يَكادُ يَلِيقُ بِكِبْرِيائِهِ جَلَّ وعَلا، وكَبُرَ وكَذا كُلُّ ما كانَ عَلى وزْنِ فَعُلَ مَوْضُوعًا عَلى الضَّمِّ كَظَرُفَ أوْ مُحَوَّلًا إلَيْهِ مِن فَعِلَ أوْ فَعُلَ ذَهَبَ الأخْفَشُ والمُبَرِّدُ إلى إلْحاقِهِ بِبابِ التَّعَجُّبِ فالفاعِلُ هُنا ضَمِيرٌ يَرْجِعُ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اتَّخَذَ﴾ إلَخْ بِتَأْوِيلِ المُقالَةِ، و﴿كَلِمَةً﴾ نُصِبَ عَلى التَّمْيِيزِ وكَأنَّهُ قِيلَ: ما أكْبَرَها كَلِمَةً، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَخْرُجُ مِن أفْواهِهِمْ﴾ صِفَةُ ﴿كَلِمَةً﴾ تُفِيدُ اسْتِعْظامَ اجْتِرائِهِمْ عَلى النُّطْقِ بِها وإخْراجِها مِن أفْواهِهِمْ، فَإنَّ كَثِيرًا مِمّا يُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطانُ وتُحَدِّثُ بِهِ النَّفْسُ لا يُمْكِنُ أنْ يُتَفَوَّهَ بِهِ بَلْ يُصْرَفُ عَنْهُ الفِكْرُ فَكَيْفَ بِمِثْلِ هَذا المُنْكَرِ. وذَهَبَ الفارِسِيُّ وأكْثَرُ النُّحاةِ إلى إلْحاقِهِ بِبابِ نِعْمَ وبِئْسَ فَيُثْبَتُ لَهُ جَمِيعُ أحْكامِهِ كَكَوْنِ فاعِلِهِ مُعَرَّفًا بِألْ أوْ مُضافًا إلى مُعَرَّفٍ بِها أوْ ضَمِيرًا مُفَسَّرًا بِالتَّمْيِيزِ، ومِن هُنا جُوِّزَ أنْ يَكُونَ الفاعِلُ هُنا ضَمِيرَ ﴿كَلِمَةً﴾ وهي أيْضًا تَمْيِيزٌ، والجُمْلَةُ صِفَتُها ولا ضَيْرَ في وصْفِ التَّمْيِيزِ في بابِ نِعْمَ وبِئْسَ، وجَوَّزَ أبُو حَيّانَ وغَيْرُهُ أنْ تَكُونَ صِفَةً لِمَحْذُوفٍ هو المَخْصُوصُ بِالذَّمِّ؛ أيْ: كَبُرَتْ كَلِمَةٌ كَلِمَةً خارِجَةً مِن أفْواهِهِمْ، وظاهِرُ كَلامِ الأخْفَشِ تَغايُرُ المَذْهَبَيْنِ. وفِي التَّسْهِيلِ أنَّهُ مِن بابِ نِعْمَ وبِئْسَ وفِيهِ مَعْنى التَّعَجُّبِ، والمُرادُ بِهِ هُنا تَعْظِيمُ الأمْرِ في قُلُوبِ السّامِعِينَ، وهَذا ظاهِرٌ في أنَّهُ لا تَغايُرَ بَيْنِهِما، وإلَيْهِ يَمِيلُ كَلامُ بَعْضِ الأئِمَّةِ. وقِيلَ: نُصِبَتْ عَلى الحالِ ولا يَخْفى حالُهُ. وتَسْمِيَةُ ذَلِكَ كَلِمَةً عَلى حَدِّ تَسْمِيَةِ القَصِيدَةِ بِها. وقُرِئَ: «كَبْرَتْ» بِسُكُونِ الباءِ وهي لُغَةُ تَمِيمٍ، وجاءَ في نَحْوِ هَذا الفِعْلِ ضَمُّ العَيْنِ وتَسْكِينُها ونَقْلُ حَرَكَتِها إلى الفاءِ. وقَرَأ الحَسَنُ وابْنُ يَعْمُرَ وابْنُ مُحَيْصِنٍ والقَوّاسُ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ «كَلِمَةٌ» بِالرَّفْعِ عَلى الفاعِلِيَّةِ، والنَّصْبُ أبْلَغُ وأوْكَدُ. واسْتَدَلَّ النَّظّامُ عَلى أنَّ الكَلامَ جِسْمٌ بِهَذِهِ الآيَةِ لِوَصْفِهِ فِيها بِالخُرُوجِ الَّذِي هو مِن خَواصِّ الأجْسامِ، وأُجِيبَ بِأنَّ الخارِجَ حَقِيقَةً هو الهَواءُ الحامِلُ لَهُ وإسْنادُهُ إلى الكَلامِ الَّذِي هو كَيْفِيَّةٌ مَجازٌ، وتُعُقِّبَ بِأنَّ النَّظّامَ القائِلَ بِجِسْمِيَّةِ الكَلامِ يَقُولُ هو الهَواءُ المُكَيَّفَ لا الكَيْفِيَّةُ، واسْتِدْلالُهُ عَلى ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلى الأصْلِ هو الحَقِيقَةُ إلّا أنَّ الخِلافَ لَفْظِيٌّ لا ثَمَرَةَ فِيهِ ﴿إنْ يَقُولُونَ إلا كَذِبًا﴾ أيْ: ما يَقُولُونَ في ذَلِكَ الشَّأْنِ إلّا قَوْلًا كَذِبًا لا يَكادُ يَدْخُلُ تَحْتَ إمْكانِ الصِّدْقِ أصْلًا والضَّمِيرانِ لَهم ولِآبائِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب