الباحث القرآني
﴿أوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْرًا﴾ أيْ: غائِرًا في الأرْضِ، والتَّعْبِيرُ بِالمَصْدَرِ لِلْمُبالَغَةِ نَظِيرُ ما مَرَّ.
﴿فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ﴾ أيْ: لِلْماءِ الغائِرِ ﴿طَلَبًا﴾ تَحَرُّكًا وعَمَلًا في رَدِّهِ وإخْراجِهِ، والمُرادُ نَفْيُ اسْتِطاعَةِ الوُصُولِ إلَيْهِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِنَفْيِ الطَّلَبِ إشارَةً إلى أنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، والعاقِلُ لا يَطْلُبُ مِثْلَهُ، وقِيلَ: ضَمِيرُ «لَهُ» لِلْماءِ مُطْلَقًا لا لِلْماءِ المَخْصُوصِ؛ أيْ: فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لِماءٍ لَها بَدَلَ ذَلِكَ الماءِ الغائِرِ طَلَبًا، وهو الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلامُ الماوَرْدِيِّ إلّا أنَّهُ خِلافُ الظّاهِرِ.
والظّاهِرُ أنَّ «يُصْبِحَ» عَطْفٌ عَلى (تُصْبِحَ) وحِينَئِذٍ لا بُدَّ أنْ يُرادَ بِالحُسْبانِ ما يَصْلُحُ تَرَتُّبُ الأمْرَيْنِ عَلَيْهِ عادَةً كالحُكْمِ الإلَهِيِّ بِالتَّخْرِيبِ إذْ لَيْسَ كُلُّ آفَةٍ سَماوِيَّةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْها إصْباحُ الجَنَّةِ صَعِيدًا زَلَقًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْها إصْباحُ مائِها غَوْرًا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ العَطْفُ عَلى ( يُرْسِلَ ) وحِينَئِذٍ يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالحُسْبانِ؛ أيْ: مَعْنى كانَ مِنَ المَعانِي السّابِقَةِ، وعَلى هَذا يَكُونُ المُؤْمِنُ قَدْ تَرَجّى هَلاكَ جَنَّةِ صاحِبِهِ الكافِرِ إمّا بِآفَةٍ سَماوِيَّةٍ أوْ بِآفَةٍ أرْضِيَّةٍ وهو غَوْرُ مائِها فَيَتْلَفُ كُلُّ ما فِيها مِنَ الشَّجَرِ والزَّرْعِ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِما يَتَرَتَّبُ عَلى الغَوْرِ مِنَ الضَّرَرِ والخَرابِ، ولَعَلَّ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ والِاكْتِفاءِ بِالإشارَةِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ( فَلَنْ ) إلَخْ. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا يَخْفى أنَّهُ لا فَسادَ في هَذا العَطْفِ لا لَفْظًا ولا مَعْنًى إلّا أنَّهُ كانَ الظّاهِرُ أنْ يُقالَ:
أوْ يَجْعَلَ ماءَها غَوْرًا أوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمّا فِيهِ إسْنادُ الفِعْلِ إلى اللَّهِ تَعالى، ولا يَظْهَرُ لِلْعُدُولِ إلى ما في النَّظْمِ الكَرِيمِ وجْهٌ فَتَأمَّلْ، ثُمَّ إنَّ أكْثَرَ العُلَماءِ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنْ تَرَنِ﴾ إلَخْ في مُقابَلَةِ قَوْلِ الكافِرِ: ﴿أنا أكْثَرُ مِنكَ مالا﴾ إلَخْ وكَأنَّهم عَنَوُا المُقابَلَةَ في الجُمْلَةِ لا المُقابَلَةَ التّامَّةَ، أمّا إذا لَمْ يَتَّحِدِ المُرادُ بِالنَّفَرِ والوَلَدِ فَظاهِرٌ، وأمّا إذا اتَّحَدَ بِأنْ فُسِّرَ النَّفَرُ بِالوَلَدِ فَلِأنَّ هُناكَ أمْرَيْنِ أكْثَرِيَّةً وأعَزِّيَّةً ولَمْ يُذْكَرْ هُنا إلّا مُقابِلُ أحَدِهِما وهو الأقَلِّيَّةُ المَنسُوبَةُ في المَعْنى إلى المالِ والوَلَدِ، نَعَمْ قِيلَ: إنَّ أقَلِّيَّةَ (p-282)الوَلَدِ قَدْ تَسْتَلْزِمُ الأذَلِيَّةَ والأكْثَرِيَّةَ قَدْ تَسْتَلْزِمُ الأعَزِّيَّةَ كَما يُشاهَدُ في عَرَبِ البادِيَةِ. هَذا وكانَ الظّاهِرُ أنْ يَتَعَرَّضَ في الجَزاءِ لِأمْرِ الوَلَدِ كَما تَعَرَّضَ لِأمْرِ المالِ بِأنْ يُقالَ: وعَسى أنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِن ولَدِكَ ويُصِيبَهم بِبَلاءٍ فَيُصْبِحُوا هَلْكى أوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وأُجِيبَ بِأنَّهُ إنَّما لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ إشارَةً إلى اسْتِيلاءِ حُبِّ المالِ عَلى قَلْبِ ذَلِكَ الكافِرِ وأنَّهُ يَكْفِي في نِكايَتِهِ وإغاظَتِهِ تَلَفُ جَنَّتِهِ وإعْطاءُ صاحِبِهِ المُؤْمِنِ خَيْرًا مِنها.
وقِيلَ: إنَّما لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ لِما فِيهِ مِن تَرَجِّي هَلاكِ مَن لَمْ يَصْدُرْ مِنهُ مُكالَمَةٌ ومُحاوَرَةٌ ولَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ مُقاوَمَةٌ ومُفاخَرَةٌ لِمُجَرَّدِ إغاظَةِ كافِرٍ حاوَرَ وكاثَرَ وفاخَرَ وتَرْكُهُ أفْضَلُ لِلْكامِلِ وأكْمَلُ لِلْفاضِلِ، والدُّعاءُ عَلى الكَفَرَةِ وذَرارِيهِمُ الصّادِرُ مِن بَعْضِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لَيْسَ مِن قَبِيلِ هَذا التَّرَجِّي كَما لا يَخْفى عَلى المُتَأمِّلِ وحَيْثُ أرادَ تَرْكَ هَذا التَّرَجِّي تَرَكَ تَرَجِّيَ الوَلَدِ لِنَفْسِهِ تَبَعًا لَهُ أوْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُهِمٍّ لَهُ، وقِيلَ: إنَّهُ تَرَجّاهُ في قَوْلِهِ: ﴿خَيْرًا مِن جَنَّتِكَ﴾ لِأنَّ المُرادَ «شَيْئًا خَيْرًا مِن جَنَّتِكَ». والنَّكِرَةُ قَدْ تَعُمُّ بِمَعُونَةِ المَقامِ فَيَنْدَرِجُ الوَلَدُ ولَيْسَ بِشَيْءٍ.
وقِيلَ: أرادَ ما هو الظّاهِرُ؛ أيْ: جَنَّةً خَيْرًا مِن جَنَّتِكَ إلّا أنَّ الخَيْرِيَّةَ لا تَتِمُّ مِن دُونِ الوَلَدِ؛ إذْ لا تَكْمُلُ لَذَّةٌ بِالمالِ لِمَن لا ولَدَ لَهُ، فَتَرَجِّي جَنَّةٍ خَيْرٍ مِن تِلْكَ الجَنَّةِ مُتَضَمِّنٌ لِتَرَجِّي ولَدٍ خَيْرٍ مِن أُولَئِكَ الوَلَدِ ولَمْ يَتَرَجَّ هَلاكَ ولَدِهِ لِيَكُونَ بَقاؤُهم بَعْدَ هَلاكِ جَنَّتِهِ حِمْلًا عَلَيْهِ، ولا يَخْفى أنَّهُ لا يَتَبادَرُ إلى الذِّهْنِ مِن خَيْرِيَّةِ الجَنَّةِ إلّا خَيْرِيَّتُها فِيما يَعُودُ إلى كَوْنِها جَنَّةً مِن كَثْرَةِ الأشْجارِ وزِيادَةِ الثِّمارِ وغَزارَةِ مِياهِ الأنْهارِ ونَحْوِ ذَلِكَ، وفي قَوْلِهِ: لِيَكُونَ إلَخْ مَنعٌ ظاهِرٌ، وقِيلَ: لَمْ يَتَرَجَّ الوَلَدَ اكْتِفاءً بِما عِنْدَهُ مِنهُمْ؛ فَإنَّ كَثْرَةَ الأوْلادِ لَيْسَ مِمّا يَرْغَبُ فِيهِ الكامِلُونَ وفِيهِ نَظَرٌ، وقِيلَ: إنَّهُ لَمْ يَقْرِنْ تَرَجِّيَ إيتاءِ الوَلَدِ مَعَ تَرَجِّي إيتاءِ الجَنَّةِ لِأنَّ ذَلِكَ الإيتاءَ المُتَرَجّى في الآخِرَةِ وهي لَيْسَتْ مَحَلًّا لِإيتاءِ الوَلَدِ لِانْقِطاعِ التَّوَلُّدِ هُناكَ، ولا يَخْفى أنَّ هَذا بَعْدَ تَسْلِيمِ أنَّهُ لا يُؤْتى الوَلَدُ لِمَن شاءَهُ في الآخِرَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وقِيلَ: يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ تَرَجِّي الوَلَدِ في قَوْلِهِ:
﴿خَيْرًا مِن جَنَّتِكَ﴾ بِناءً عَلى أنَّهُ أرادَ مِن جَنَّتِهِ جَمِيعَ ما مُتِّعَ بِهِ مِنَ الدُّنْيا وتَكُونَ الضَّمائِرُ بَعْدَها عائِدَةً عَلَيْها بِمَعْنى البُسْتانِ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِخْدامِ وهو كَما تَرى فَتَدَبَّرْ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِأسْرارِ كِتابِهِ وأخْبَرُ.
وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: «غُؤُورًا» بِضَمِّ الغَيْنِ وهَمْزَةٍ بَعْدَها، وواوٍ بَعْدَهُما
{"ayah":"أَوۡ یُصۡبِحَ مَاۤؤُهَا غَوۡرࣰا فَلَن تَسۡتَطِیعَ لَهُۥ طَلَبࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











