الباحث القرآني

وقَوْلُهُ: ﴿فَعَسى رَبِّي أنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِن جَنَّتِكَ﴾ قائِمٌ مُقامَ جَوابِ الشَّرْطِ؛ أيْ: إنْ تَرَنِ كَذَلِكَ فَلا بَأْسَ عَسى رَبِّي إلَخْ، وقالَ كَثِيرٌ: هو جَوابُ الشَّرْطِ، والمَعْنى: إنْ تَرَنِي أفْقَرَ مِنكَ فَأنا أتَوَقَّعُ مِن صَنِيعِ اللَّهِ تَعالى أنْ يَقْلِبَ ما بِي وما بِكَ مِنَ الفَقْرِ والغِنى فَيَرْزُقَنِي لِإيمانِي جَنَّةً خَيْرًا مِن جَنَّتِكَ ويَسْلُبَكَ بِكُفْرِكَ نِعْمَتَهُ ويُخَرِّبَ جَنَّتَكَ، وقَيَّدَ بَعْضُهم هَذا الإيتاءَ بِقَوْلِهِ: في الآخِرَةِ، وقالَ آخَرُ: في الدُّنْيا أوْ في الآخِرَةِ، وظاهِرُ ما ذُكِرَ أنَّهُ في الدُّنْيا كالإرْسالِ في قَوْلِهِ: ﴿ويُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانًا مِنَ السَّماءِ﴾ أيْ: عَذابًا كَما أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وأخْرَجَ الطَّسْتِيُّ عَنْهُ أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقَ قالَ لَهُ: أخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿حُسْبانًا﴾ فَقالَ: نارًا. وأنْشَدَ لَهُ قَوْلَ حَسّانَ: ؎بَقِيَّةُ مَعْشَرٍ صُبَّتْ عَلَيْهِمْ شَآبِيبٌ مِنَ الحُسْبانِ شُهْبُ وأخْرَجَ ذَلِكَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الضَّحّاكِ أيْضًا، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هو مَصْدَرٌ كالبُطْلانِ والغُفْرانِ بِمَعْنى الحِسابِ والمُرادُ بِهِ المَحْسُوبُ والمُقَدَّرُ؛ أيْ: مُقَدَّرًا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعالى وحَسِبَهُ وهو الحُكْمُ بِتَخْرِيبِها، والظّاهِرُ أنَّ إطْلاقَهُ عَلى الحُكْمِ المَذْكُورِ مَجازٌ، والزَّجّاجُ جَعَلَ الحُسْبانَ بِمَعْنى الحِسابِ أيْضًا إلّا أنَّهُ قَدَّرَ مُضافًا؛ (p-281)أيْ: عَذابَ حِسابٍ وهو حِسابُ ما كَسَبَتْ يَداهُ، ولا يَخْفى أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُرادَ مِنَ الحُسْبانِ بِهَذا المَعْنى العَذابُ مَجازًا فَلا يَحْتاجُ إلى تَقْدِيرِ مُضافٍ. وظاهِرُ عِبارَةِ القامُوسِ وكَذا ما رُوِيَ أوَّلًا عَنِ ابْنِ عَبّاسِ أنَّ إطْلاقَ الحُسْبانِ عَلى العَذابِ حَقِيقَةٌ، ويُمْكِنُ عَلى ما قِيلَ أنْ يَكُونَ إطْلاقُهُ عَلى النّارِ بِاعْتِبارِ أنَّها مِنَ العَذابِ أوْ مِنَ المُقَدَّرِ، ونَقَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنَّ ﴿حُسْبانًا﴾ جَمْعُ حُسْبانَةٍ وهي المِرْماةُ؛ أيْ: ما يُرْمى بِهِ كالسَّهْمِ والصّاعِقَةِ وأُرِيدَ بِها هُنا الصَّواعِقُ، وقِيلَ: أعَمُّ مِن ذَلِكَ؛ أيْ: يُرْسِلُ عَلَيْها مَرامِيَ مِن عَذابِهِ إمّا بَرَدًا وإمّا حِجارَةً وإمّا غَيْرَهُما مِمّا يَشاءُ ﴿فَتُصْبِحَ﴾ لِذَلِكَ ﴿صَعِيدًا﴾ أيْ: أرْضًا ﴿زَلَقًا﴾ لَيْسَ فِيها نَباتٌ، قالَهُ الحَسَنُ وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قِيلَ: وأصْلُ مَعْنى الزَّلَقِ الزَّلَلُ في المَشْيِ لِوَحْلٍ ونَحْوِهِ، لَكِنْ لَمّا كانَ ذَلِكَ فِيما لا يَكُونُ فِيهِ نَبْتٌ ونَحْوُهُ مِمّا يَمْنَعُ مِنهُ تُجُوِّزَ بِهِ أوْ كُنِّيَ عَنْهُ، وعَبَّرَ بِالمَصْدَرِ عَنِ المَزْلَقَةِ مُبالَغَةً، وقِيلَ: الزَّلَقُ مِن زَلَقَ رَأْسَهُ بِمَعْنى حَلَقَهُ والكَلامُ عَلى التَّشْبِيهِ؛ أيْ: فَتُصْبِحَ أرْضًا مَلْساءَ لَيْسَ فِيها شَجَرٌ ولا نَباتٌ كالرَّأْسِ الَّذِي حُلِقَ وفِيهِ بُعْدٌ، وقِيلَ: المُرادُ بِالزَّلَقِ المَزْلَقَةُ بِالمَعْنى الحَقِيقِيِّ الظّاهِرِ، والمَعْنى: فَتُصْبِحَ أرْضًا لا نَباتَ فِيها ولا يَثْبُتُ فِيها قَدَمٌ، وحاصِلُهُ: فَتُصْبِحَ مَسْلُوبَةَ المَنافِعِ حَتّى مَنفَعَةَ المَشْيِ عَلَيْها فَتَكُونَ وحْلًا لا تُنْبِتُ ولا يَثْبُتُ عَلَيْها قَدَمٌ، وظاهِرُ صَنِيعِ أبِي حَيّانَ اخْتِيارُهُ، وقالَ مُجاهِدٌ: أيْ: فَتُصْبِحَ رَمْلًا هائِلًا
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب