الباحث القرآني

﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ أيْ: ألَمْ يَتَفَكَّرُوا ولَمْ يَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ تَعالى الَّذِي قَدَرَ عَلى خَلْقِ هَذِهِ الأجْرامِ والأجْسامِ الشَّدِيدَةِ العَظِيمَةِ الَّتِي بَعْضُ ما تَحْوِيهِ البَشَرُ ﴿قادِرٌ عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ مِنَ الأُنْسِ أيْ: ومَن هو قادِرٌ عَلى ذَلِكَ كَيْفَ لا يَقْدِرُ عَلى إعادَتِهِمْ وهي أهْوَنُ عَلَيْهِ جَلَّ وعَلا، وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: مَثَّلَ هُنا مَثَلَها فِي: - مِثْلُكَ لا يَبْخَلُ - أيْ: قادِرٌ عَلى أنْ يَخْلُقَهُمْ، والمُرادُ بِالخَلْقِ الإعادَةُ كَما عَبَّرَ عَنْها أوْ لا بِذَلِكَ حَيْثُ قِيلَ: ﴿خَلْقًا جَدِيدًا﴾ ولا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ المُرادَ قادِرٌ عَلى أنْ يَخْلُقَ عَبِيدًا آخَرِينَ يُوَحِّدُونَهُ تَعالى، ويُقِرُّونَ بِكَمالِ حِكْمَتِهِ وقُدْرَتِهِ ويَتْرُكُونَ ذِكْرَ هَذِهِ الشُّبَهاتِ الفاسِدَةِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (p-178)وقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ويَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ وفِيهِ أنَّهُ لا يُلائِمُ السِّياقَ كَما لا يَخْفى عَلى ذَوِي الأذْواقِ، ثُمَّ اعْلَمْ أنَّ ظاهِرَ الآيَةِ أنَّ الكَفَرَةَ أنْكَرُوا إعادَتَهم يَوْمَ القِيامَةِ عَلى مَعْنى جَمْعِ أجْزائِهِمْ المُتَفَرِّقَةِ وعِظامِهِمُ المُتَفَتِّتَةِ وتَأْلِيفِها وإفاضَةِ الحَياةِ عَلَيْها كَما كانَتْ في الدُّنْيا فَهو الَّذِي عَنَوْهُ بِقَوْلِهِمْ: ﴿أإنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ بَعْدَ قَوْلِهِمْ ﴿أإذا كُنّا عِظامًا ورُفاتًا﴾ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِإثْباتِ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ بُرْهانِيٍّ، وعَلى هَذا تَكُونُ الآيَةُ أحَدَ أدِلَّةِ مَن يَقُولُ: إنَّ الحَشْرَ بِإعادَةِ أجْزاءِ الأبْدانِ الَّتِي تَتَفَرَّقُ كَأبْدانِ ما عَدا الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ومَن لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ والمُؤَذِّنِينَ احْتِسابًا ونَحْوَهم مِمَّنْ حُرِّمَتْ أجْسادُهم عَلى الأرْضِ كَما جاءَ في الأخْبارِ وجَمْعِها بَعْدَ تَفَرُّقِها وعَنَوْا بِذَلِكَ الأجْزاءَ الأصْلِيَّةَ وهي الحاصِلَةُ في أوَّلِ الفِطْرَةِ حالَ نَفْخِ الرُّوحِ وهي عِنْدُهم مَحْفُوظَةٌ مِن أنْ تَصِيرَ جُزْءًا لِبَدَنٍ آخَرَ فَضْلًا عَنْ أنْ تَصِيرَ جُزْءًا أصْلِيًّا لَهُ، والذّاهِبُونَ إلى هَذا هُمُ الأقَلُّ وحَكاهُ الآمِدِيُّ بِصِيغَةِ: قِيلَ، لَكِنْ رَجَّحَهُ الفَخْرُ الرّازِيُّ وذَكَرَ أنَّ الأكْثَرَ عَلى أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ يَعْدِمُ الذَّواتِ بِالكُلِّيَّةِ ثُمَّ يُعِيدُها وقالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وكَذا قالَ البَدْرُ الزَّرْكَشِيُّ، وذَكَرُ اللَّقّانِيُّ أنَّهُ قَوْلُ أهْلِ السُّنَّةِ والمُعْتَزِلَةِ القائِلِينَ بِصِحَّةِ الفِناءِ والعَدَمِ عَلى الأجْسامِ بَلْ بِوُقُوعِهِ وإنِ اخْتَلَفُوا في أنَّ ذَلِكَ هَلْ هو بِحُدُوثِ ضِدٍّ أوْ بِانْتِفاءِ شَرْطٍ أوْ بِلا ولا، فَذَهَبَ إلى الأخِيرِ القاضِي مِن أهْلِ السُّنَّةِ وأبُو الهُذَيْلِ مِنَ المُعْتَزِلَةِ قالا: إنَّ اللَّهَ تَعالى يُعْدِمُ ما يُرِيدُ إعْدامَهُ عَلى نَحْوِ إيجادِهِ إيّاهُ فَيَقُولُ لَهُ عِنْدَ أبِي الهُذَيْلِ: افْنَ فَيَفْنى كَما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. وذَهَبَ جُمْهُورُ المُعْتَزِلَةِ إلى الأوَّلِ فَقالُوا: إنَّ فَناءَ الجَوْهَرِ بِحُدُوثِ ضِدٍّ لَهُ وهو الفَناءُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَذَهَبَ ابْنُ الإخْشِيدِ إلى أنَّ اللَّهَ تَعالى يَخْلُقُ الفَناءَ في جِهَةٍ مِن جِهاتِ الجَواهِرِ فَتَعْدَمُ الجَواهِرُ بِأسْرِها، وقالَ ابْنُ شَبِيبٍ: إنَّهُ تَعالى يُحْدِثُ في كُلِّ جَوْهَرٍ بِعَيْنِهِ فَناءً يَقْتَضِي عَدَمَ الجَوْهَرِ في الزَّمانِ الثّانِي، وذَهَبَ أبُو عَلِيٍّ وأبُو هاشِمٍ وأتْباعُهُما إلى أنَّ اللَّهَ تَعالى يَعْدِمُ الجَوْهَرَ بِخَلْقِ فَناءٍ لا في مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ مِنهُ ثُمَّ اخْتَلَفا فَقالَ أبُو عَلِيٍّ وأتْباعُهُ: إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ يَخْلُقُ فَناءً واحِدًا لا في مَحَلٍّ فَيُفْنِي بِهِ الجَواهِرَ بِأسْرِها، وقالَ أبُو هاشِمٍ وأتْباعُهُ: إنَّهُ تَعالى يَخْلُقُ لِكُلِّ جَوْهَرٍ فَناءً لا في مَحَلٍّ. وذَهَبَ إمامُ الحَرَمَيْنِ وأكْثَرُ أهْلِ السُّنَّةِ وبِشْرٌ المَرِيسِيُّ والكَعْبِيُّ مِنَ المُعْتَزِلَةِ إلى الثّانِي ثُمَّ اخْتَلَفُوا في تَعْيِينِ الشَّرْطِ فَقالَ بِشْرٌ: إنَّهُ بَقاءٌ يَخْلُقُهُ سُبْحانَهُ لا في مَحَلٍّ فَإنْ لَمْ يَخْلُقْهُ عُدِمَ الجَوْهَرُ. وقالَ الأكْثَرُ والكَعْبِيُّ: إنَّهُ بَقاءٌ قائِمٌ بِالجَوْهَرِ يَخْلُقُهُ جَلَّ وعَلا فِيهِ حالًا فَحالًا، فَإذا لَمْ يَخْلُقْهُ تَعالى فِيهِ انْتَفى الجَوْهَرُ، وقالَ إمامُ الحَرَمَيْنِ: إنَّهُ الأعْراضُ الَّتِي يَجِبُ اتِّصافُ الجِسْمِ بِها؛ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى شَأْنُهُ يَخْلُقُها في الجِسْمِ حالًا فَحالًا فَمَتى لَمْ يَخْلُقْها سُبْحانَهُ فِيهِ انْعَدَمَ. وقالَ النَّظّامُ: إنَّهُ خَلْقُ اللَّهِ تَعالى الجَوْهَرَ حالًا فَحالًا فَإنَّ الجَواهِرَ عِنْدَهُ لا بَقاءَ لَها بَلْ هي مُتَجَدِّدَةٌ بِتَجَدُّدِ الأعْراضِ فَإذا لَمْ يُوالِي عَزَّ مَجْدُهُ عَلى الجَوْهَرِ خَلْقَهُ فَنِيَ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ أكْثَرَ هَذِهِ الأقاوِيلِ مِن قَبِيلِ الأباطِيلِ سِيَّما القَوْلُ بِأنَّ الفَناءَ أمْرٌ مُحَقَّقٌ في الخارِجِ ضِدٌّ لِلْبَقاءِ قائِمٌ بِنَفْسِهِ أوْ بِالجَوْهَرِ، وكَوْنُ البَقاءِ مَوْجُودًا لا في مَحَلٍّ، ولَعَلَّ وجْهَ البُطْلانِ غَنِيٌّ عَنِ البَيانِ. واحْتَجُّوا لِهَذا المَذْهَبِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلا وجْهَهُ﴾ وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُلُّ مَن عَلَيْها فانٍ﴾ وأجابُوا عَنِ الآيَةِ بِأنَّ الكُفّارَ اكْتَفَوْا بِأقَلِّ اللّازِمِ وأرادُوا المُبالَغَةَ في الإنْكارِ لِأنَّهُ إذا لَمْ يُمْكِنْ بِزَعْمِهِمُ الحَشْرُ بَعْدَ كَوْنِهِمْ عِظامًا ورُفاتًا فَعَدَمُ إمْكانِهِ بَعْدَ فِنائِهِمْ بِالمَرَّةِ أظْهَرُ وأظْهَرُ، وفِيهِ أنَّ هَلاكَ كُلِّ شَيْءٍ خُرُوجُهُ عَنْ صِفاتِهِ المَطْلُوبَةِ مِنهُ والتَّفَرُّقُ كَذَلِكَ فَيُقالُ لَهُ: هَلاكٌ ويُسَمّى أيْضًا فَناءً عُرْفًا فالِاحْتِجاجُ بِالآيَتَيْنِ غَيْرُ تامٍّ وإنَّ ما قالُوهُ في الجَوابِ عَنِ الآيَةِ خِلافُ الظّاهِرِ. ولا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ أنَّ إعادَةَ المَعْدُومِ مُحالٌ لِما (p-179)ذَكَرَهُ الفَلاسِفَةُ مِنَ الأدِلَّةِ لِما ذَكَرَهُ المُسْلِمُونَ في إبْطالِها، ومِنَ النّاسِ مَن قالَ: إنَّ عَجْبَ الذَّنَبِ لا يَفْنى، وإنْ فَنِيَ ما عَداهُ مِن أجْزاءِ البَدَنِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: ««لَيْسَ مِنَ الإنْسانِ شَيْءٌ إلّا يَبْلى إلّا عَظْمًا واحِدًا، وهو عَجْبُ الذَّنَبِ مِنهُ خُلِقَ الخَلْقُ يَوْمَ القِيامَةِ»». وفِي رِوايَةِ مُسْلِمٍ: ««كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرابُ إلّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنهُ خُلِقَ ومِنهُ يُرَكَّبُ»». وصَحَّحَ المُزَنِيُّ أنَّهُ يَفْنى أيْضًا، وتَأوَّلَ الحَدِيثَ بِأنَّ المُرادَ مِنهُ أنَّ كُلَّ الإنْسانِ يَبْلى بِالتُّرابِ ويَكُونُ سَبَبَ فَنائِهِ إلّا عَجْبَ الذَّنَبِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى يُفْنِيهِ بِلا تُرابٍ كَما يُمِيتُ مَلَكَ المَوْتِ بِلا مَلَكِ مَوْتٍ، والخَلْقُ مِنهُ والتَّرْكِيبُ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ بَعْدَ إعادَتِهِ فَلَيْسَ ما ذُكِرَ نَصًّا في بَقائِهِ، ووافَقَهُ عَلى ذَلِكَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ ظَواهِرَ الأخْبارِ تَدُلُّ عَلى عَدَمِ فَنائِهِ مُطْلَقًا، وتَوَقَّفَ بَعْضُ العُلَماءِ عَنِ الجَزْمِ بِأحَدِ المَذْهَبَيْنِ السّابِقَيْنِ في كَيْفِيَّةِ الحَشْرِ. وقالَ السَّعْدُ: إنَّهُ الحَقُّ وهو اخْتِيارُ إمامِ الحَرَمَيْنِ وفي المَواقِفِ وشَرْحِهِ لِلسَّيِّدِ السَّنَدِ: هَلْ يَعْدِمُ اللَّهُ تَعالى الأجْزاءَ البَدَنِيَّةَ ثُمَّ يُعِيدُها أوْ يُفَرِّقُها ويُعِيدُ فِيها التَّأْلِيفَ؟ الحَقُّ أنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ في ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلا جَزْمَ فِيهِ نَفْيًا ولا إثْباتًا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلى شَيْءٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ. وقالَ حُجَّةُ الإسْلامِ الغَزالِيُّ في كِتابِ الِاقْتِصادِ: فَإنْ قِيلَ: ما تَقُولُونَ: هَلْ تُعْدَمُ الجَواهِرُ والأعْراضُ ثُمَّ يُعادانِ جَمِيعًا أوْ تُعْدَمُ الأعْراضُ دُونَ الجَواهِرِ ثُمَّ تُعادُ الأعْراضُ فَقَطْ؟ قُلْنا: كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ، والحَقُّ أنَّهُ لَيْسَ في الشَّرْعِ دَلِيلٌ قاطِعٌ عَلى تَعْيِينِ أحَدِ الأمْرَيْنِ المُمْكِنَيْنِ. وقالَ بَعْضُهُمُ: الحَقُّ وُقُوعُ الأمْرَيْنِ جَمِيعًا إعادَةُ ما انْعَدَمَ بِعَيْنِهِ وإعادَةُ ما تَفَرَّقَ بِأعْراضِهِ وهو حَسَنٌ، والكَلامُ في هَذا المَقامِ طَوِيلٌ جِدًّا، ولَعَلَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى يَمُنُّ عَلَيْنا بِاسْتِيفائِهِ ولَوْ في مَواضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ. ﴿وجَعَلَ لَهم أجَلا﴾ وهو مِيقاتُ إعادَتِهِمْ وحَشْرِهِمْ أوْ مَوْتِهِمْ وهو عَلى هَذا اسْمُ جِنْسٍ؛ لِأنَّ لِكُلِّ أحَدٍ أجَلًا لِلْمَوْتِ يَخُصُّهُ، وقَدْ جاءَ إطْلاقُ الأجَلِ عَلى المَوْتِ ووَجْهُهُ أنَّهُ يُطْلَقُ عَلى مُدَّةِ الحَياةِ وعَلى آخِرِها والمَوْتُ مُجاوِرٌ لِذَلِكَ. ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ أيْ: لا يَنْبَغِي الرَّيْبُ فِيهِ والإنْكارُ لِمَن تَدَبَّرَهُ أوِ النَّفْيُ عَلى ظاهِرِهِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا﴾ وهي وإنْ كانَتْ إنْشائِيَّةً وفي عَطْفِ الإخْبارِيَّةِ عَلَيْها مَقالٌ مُؤَوَّلَةٌ بِخَبَرِيَّةٍ، والعَطْفُ عَلى الصِّلَةِ فِيما مَرَّ مُتَعَذِّرٌ لِلْفَصْلِ بِخَبَرِ أنَّ. وكَذا عَلى ما بَعْدَ أنْ المَصْدَرِيَّةِ لَفْظًا ومَعْنًى، والمَعْنى كَما في الكَشْفِ وغَيْرِهِ قَدْ عَلِمُوا بِدَلِيلِ العَقْلِ أنَّ اللَّهَ تَعالى قادِرٌ عَلى إعادَتِهِمْ وقَدْ جَعَلَ أجَلًا لَها لا رَيْبَ فِيهِ فَلا بُدَّ مِنها أيْ: إذا كانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا في نَفْسِهِ واجِبَ الوُقُوعِ بِخَبَرِ الصّادِقِ لا يَبْقى لِلْإنْكارِ مَعْنًى فَإنْ كانَ الأجَلُ بِمَعْنى مِيقاتِ إعادَتِهِمْ أيْ يَوْمَ القِيامَةِ لِقَوْلِهِمْ: ﴿أإذا كُنّا عِظامًا ورُفاتًا﴾ وهو الظّاهِرُ فَهو واضِحٌ، وإنْ كانَ بِمَعْنى المَوْتِ فَوَجْهُهُ أنَّهم قَدْ عَلِمُوا إمْكانَهُ وأنَّهم مَيِّتُونَ لا مَحالَةَ مُنْسَلِخُونَ مِن هَذِهِ الحَياةِ وأنَّهُ لا بُدَّ لَهم مِن جَزاءٍ فَلَمْ يُخْلَقُوا عَبَثًا ولَمْ يُتْرَكُوا سُدًى فَفِيمَ الإنْكارُ؟ وكَأنَّهُ قَدِ اكْتَفى بِالمَوْتِ عَمّا بَعْدَهُ لِأنَّهُ أوَّلُ القِيامَةِ ومَن ماتَ فَقَدْ قامَتْ قِيامَتُهُ، فالعَطْفُ في التَّقْدِيرِ عَلى قَدْ عَلِمُوا، ويُعْلَمُ مِن هَذا التَّقْرِيرِ أنَّ الجامِعَ بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ لِصِحَّةِ العَطْفِ في غايَةِ القُوَّةِ. وزَعَمَ القُطْبُ أنَّ الأِوْلى العَطْفُ عَلى ما بَعْدَ «أنْ» المَصْدَرِيَّةِ، أمّا أوَّلًا فَلِأنَّهُ أقْرَبُ، وأمّا ثانِيًا فَلِأنَّ جَعْلَ الأجَلِ يَدْخُلُ حِينَئِذٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ تَعالى وتَحْتَ عِلْمِهِمْ بِخِلافِ ما إذا عُطِفَ عَلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: «أوَلَمْ يَرَوْا» إلَخْ (p-180)ولا يَخْفى ما فِيهِ عَلى مَنِ اسْتَدارَتْ كَرَّةً فَكَرَّةً عَلى مِحْوَرِ التَّحْقِيقِ ﴿فَأبى الظّالِمُونَ﴾ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالآياتِ وقالُوا ما قالُوا، ووَضَعَ الظّاهِرَ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِمْ تَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ بِالظُّلْمِ وتَجاوُزِ الحَدِّ بِالمَرَّةِ ﴿إلا كُفُورًا﴾ أيْ: جُحُودًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب