الباحث القرآني
﴿وإذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ في البَحْرِ﴾ خَوْفَ الغَرَقِ بِعَصْفِ الرِّيحِ وتَقاذُفِ الأمْواجِ ﴿ضَلَّ مَن تَدْعُونَ﴾ أيْ: ذَهَبَ عَنْ خَواطِرِكم كُلُّ مَن تَدْعُونَهُ وتَرْجُونَ نَفْعَهُ فَلا تَذْكُرُونَهُ ﴿إلا إيّاهُ﴾ جَلَّ وعَلا فَإنَّكم تَذْكُرُونَهُ وحْدَهُ سُبْحانَهُ لا تَذْكُرُونَ سِواهُ ولا يَخْطُرُ بِبالِكم غَيْرُهُ تَعالى لِكَشْفِ ما حَلَّ بِكم مِنَ الضُّرِّ اسْتِقْلالًا أوِ اشْتِراكًا فالمُرادُ بِضَلالِهِمْ غَيْبَتُهم عَنِ الفِكْرِ لا عَنِ النَّظَرِ والحِسِّ لِأنَّهُ أمْرٌ مَعْلُومٌ مِن قَوْلِهِمْ: ضَلَّ عَنْهُ كَذا إذا نَسِيَهُ، وفي الكَشْفِ هو مَن ضَلَّ عَنْهُ كَذا إذا ضاعَ ولا حاجَةَ إلى تَضْمِينٍ أوْ مِن ضَلَّهُ فُلانٌ ذَهَبَ عَنْهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الأزْهَرِيُّ وأنْشَدَ:(p-115)
؎والسّائِلُ المُبْتَغِي كَرائِمَها يَعْلَمُ أنِّي تُضِلُّنِي عِلَلِي
أيْ: تُفارِقُنِي وتَذْهَبُ عَنِّي فَلا أتَعَلَّلُ بِعِلَّةٍ وهَذا أظْهَرُ، نَعَمْ الضَّلالُ راجِعٌ إلى الذِّكْرِ لا بِمَعْنى إضْمارِهِ فَإنَّهُ رَكِيكٌ يُقالُ: ضَلَّ عَنْ خاطِرِي كَذا إذا لَمْ تَذْكُرْهُ فَإنَّهُ ضَلالٌ لَهُ لا أنَّهُ ضَلالُ ذِكْرِهِ ولا تَقُولُ: ضَلَّ عَنْ خاطِرِي ذِكْرُهُ وكَذَلِكَ ضَلَّنِي الأمْرُ اه، والدُّعاءُ في هَذا عَلى ظاهِرِهِ والِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلٌ بِناءً عَلى أنَّ ما عِبارَةٌ عَنِ المَدْعُوِّينَ مُطْلَقًا وأنَّهم كانُوا يَدْعُونَ اللَّهَ تَعالى وغَيْرَهُ في الحَوادِثِ، وإنْ كانَتْ ما عِبارَةً عَنْ آلِهَتِهِمُ الباطِلَةِ فَقَطْ وإنَّهم كانُوا في حالَةِ السَّرّاءِ يَدْعُونَها وحْدَها كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ ظاهِرُ ما بَعْدُ، فالِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ، وفُسِّرَ الدُّعاءُ عَلى هَذا بِدُعاءِ العِبادَةِ واللُّجْأِ.
وقالَ أبُو حَيّانَ: الظّاهِرُ الِانْقِطاعُ؛ لِأنَّهُ تَعالى لَمْ يَنْدَرِجْ في مَن تَدْعُونَ؛ إذِ المَعْنى: ضَلَّتْ آلِهَتُهم أيْ مَعْبُوداتُهم وهم لا يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعالى. وتُعُقِّبَ بِأنَّ مُقْتَضى كَوْنِهِمْ مُشْرِكِينَ أنَّهم يَعْبُدُونَهُ سُبْحانَهُ أيْضًا لَكِنْ عَلى طَرِيقِ الإشْراكِ بَلْ قَوْلُهم ﴿ما نَعْبُدُهم إلا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى﴾ كَما قَصَّ سُبْحانَهُ عَنْهم يَقْتَضِي أنَّهُ جَلَّ مَجْدُهُ المَعْبُودُ الحَقِيقِيُّ عِنْدَهُمْ، وقَدْ يُقالُ: إنَّ الشّارِعَ أسْقَطَ مِثْلَ هَذِهِ العِبادَةِ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبارِ فَهم غَيْرُ عابِدِينَ اللَّهَ جَلَّ وعَلا شَرْعًا بَلْ قِيلَ إنَّهم غَيْرُ عابِدِينَ لُغَةً أيْضًا؛ لِأنَّ العِبادَةَ لُغَةً غايَةُ الخُضُوعِ والتَّذَلُّلِ ولا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مَعَ الشَّرِكَةِ ولَوْ عَلى الوَجْهِ الَّذِي زَعَمُوهُ فَتَأمَّلْ.
وجَوَّزَ غَيْرُ واحِدٍ أنْ يَكُونَ المَعْنى: ضَلَّ مَن تَدْعُونَهُ عَنْ إغاثَتِكم إلّا إيّاهُ تَعالى، والضَّلالُ فِيهِ إمّا بِمَعْنى الغَيْبَةِ أوْ بِمَعْنى عَدَمِ الِاهْتِداءِ مِنهُ كَأنَّهُ قِيلَ: ضَلَّ عَنْ مَحَجَّةِ الصَّوابِ في إنْقاذِكم ولَمْ يَقْدِرْ عَلى ذَلِكَ، وأمْرُ الِاسْتِثْناءِ مِنَ الِاتِّصالِ والِانْقِطاعِ ومَبْنى كُلٍّ عَلى حالِهِ، والزَّمَخْشَرِيُّ جَوَّزَ أنْ يَكُونَ المَعْنى: ضَلَّ مَن تَدْعُونَ مِنَ الآلِهَةِ عَنْ إغاثَتِكم ولَكِنَّ اللَّهَ تَعالى هو الَّذِي تَرْجُونَهُ وجَعَلَ الِاسْتِثْناءَ عَلَيْهِ مُنْقَطِعًا فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لِتَخْصِيصِهِ المَدْعُوِّينَ بِالآلِهَةِ.
وفِي الكَشْفِ: لَعَلَّ الوَجْهَ فِيهِ أنَّهُ تَعالى ما كانُوا يَدْعُونَهُ أيْ: دُعاءَ العِبادَةِ واللُّجْأِ إلّا في تِلْكَ الحالَةِ، وأمّا في حالَةِ السَّرّاءِ فَيَخُصُّونَ آلِهَتَهم بِالدُّعاءِ، والتَّحْقِيقُ أنَّ الضَّلالَ بِهَذا المَعْنى لَمْ يَتَناوَلِ الحَقَّ سُبْحانَهُ لِأنَّ مَعْناهُ: ضَلَّ المَدْعُوُّونَ وغابُوا عَنْ إغاثَتِهِمْ ولا يُرادُ غابُوا وحَضَرَ جَلَّ وعَلا بَلِ المُرادُ ولَكِنْ رَجَوْا أنْ يُغِيثَهم ولا يَخْذُلَهم فِعْلُ المَدْعُوِّينَ عَلى حُسْبانِهِمْ وهَذا هو الوَجْهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى اه. ومَبْنى التَّحْقِيقِ لا يَخْفى عَلى المُتَدَرِّبِ في عِلْمِ النَّحْوِ.
هَذا ومِنَ اللَّطائِفِ أنَّ بَعْضَ النّاسِ قالَ لِبَعْضِ الأئِمَّةِ: أثْبِتْ لِي وُجُودَ اللَّهِ تَعالى ولا تَذْكُرْ لِي الجَوْهَرَ والعَرَضَ. فَقالَ لَهُ: هَلْ رَكِبْتَ البَحْرَ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَهَلْ عَصَفَتِ الرِّيحُ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَهَلْ أشْرَفَتْ بِكَ السَّفِينَةُ عَلى الغَرَقِ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَهَلْ يَئِسْتَ مِن نَفْعِ مَن في السَّفِينَةِ ونَحْوِهِمْ مِنَ المَخْلُوقِينَ لَكَ وإنْجائِهِمْ مِمّا أنْتَ فِيهِ إيّاكَ؟ قالَ نَعَمْ. قالَ: فَهَلْ بَقِيَ قَلْبُكَ مُتَعَلِّقًا بِشَيْءٍ غَيْرِ أُولَئِكَ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: ذَلِكَ هو اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ. فاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ.
﴿فَلَمّا نَجّاكُمْ﴾ مِنَ الضُّرِّ وأوْصَلَكم ﴿إلى البَرِّ أعْرَضْتُمْ﴾ عَنْ ذِكْرِهِ تَعالى بَعْدَ أنْ كُنْتُمْ غَيْرَ ذاكِرِينَ إلّا إيّاهُ سُبْحانَهُ أوْ أعْرَضْتُمْ عَنْ تَوْحِيدِهِ جَلَّ وعَلا أوْ عَنْ شُكْرِهِ عَزَّ وجَلَّ بِتَوْحِيدِهِ وطاعَتِهِ سُبْحانَهُ أوْ تَوَغَّلْتُمْ في التَّوَسُّعِ في كُفْرانِ النِّعْمَةِ عَلى أنَّهُ مِنَ العَرْضِ مُقابِلَ الطُّولِ، وجُعِلَ كِنايَةً عَنْ ذَلِكَ كَما في قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
؎عَطاءَ فَتًى تَمَكَّنَ في المَعالِي ∗∗∗ فَأعْرَضَ في المَكارِمِ واسْتَطالا
وكَأنَّهُ أُرِيدَ: أعْرَضْتُمْ واسْتَطَلْتُمْ في الكُفْرانِ إلّا أنَّهُ اسْتَغْنى بِذِكْرِ العَرْضِ عَنْ ذِكْرِ الطُّولِ لِلُزُومِهِ لَهُ.
﴿وكانَ الإنْسانُ كَفُورًا﴾ كالتَّعْلِيلِ لِلْإعْراضِ وهو بَيانٌ لِحُكْمِ الجِنْسِ ويُعْلَمُ مِنهُ حُكْمُ أُولَئِكَ المُخاطَبِينَ (p-116)وفِيهِ لَطافَةٌ حَيْثُ أعْرَضَ سُبْحانَهُ عَنْ خِطابِهِمْ بِخُصُوصِهِمْ وذَكَرَ أنَّ جِنْسَ الإنْسانِ مَجْبُولٌ عَلى الكُفْرانِ فَلَمّا أعْرَضُوا أعْرَضَ اللَّهُ سُبْحانَهُ عَنْهم.
{"ayah":"وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِی ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّاۤ إِیَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ كَفُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق