الباحث القرآني
﴿ورَبُّكَ أعْلَمُ بِمَن في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ وبِأحْوالِهِمُ الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ فَيَخْتارُ مِنهم لِنُبُوَّتِهِ ووِلايَتِهِ مَن يَشاءُ مِمَّنْ تَراهُ حِكْمَتُهُ أهْلًا لِذَلِكَ وهو رَدٌّ عَلَيْهِ إذْ قالُوا: بَعِيدٌ أنْ يَكُونَ يَتِيمُ ابْنِ أبِي طالِبٍ نَبِيًّا وأنْ يَكُونَ العُراةُ الجُوعُ كَصُهَيْبٍ وبِلالٍ وخَبّابٍ وغَيْرِهِمْ أصْحابَهُ دُونَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الأكابِرِ والصَّنادِيدِ.
وذَكَرَ مَن في السَّمَواتِ لِإبْطالِ قَوْلِهِمْ ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنا المَلائِكَةُ﴾ وذَكَرَ مَن في الأرْضِ لِرَدِّ قَوْلِهِمْ: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ فَلا يَدُلُّ تَخْصِيصُهُما بِالذِّكْرِ وتَعَلُّقُهُما بِأعْلَمَ بِعَلى اخْتِصاصِ أعِلْمِيَّتِهِ تَعالى بِما ذُكِرَ فَما قالَهُ أبُو عَلِيٍّ مِن أنَّ الجارَّ مُتَعَلِّقٌ بِعَلِمَ مَحْذُوفًا ولا يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِأعْلَمَ لِاقْتِضائِهِ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَيْسَ بِأعْلَمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ ناشِئٌ عَنْ عَدَمِ العِلْمِ بِما ذَكَرْنا عَلى أنَّ أبا حَيّانَ أنْكَرَ تَعَدِّيَ عَلِمَ بِالباءِ وإنَّما يَتَعَدّى لِواحِدٍ بِنَفْسِهِ في مِثْلِ هَذا المَوْضِعِ.
﴿ولَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضَ﴾ بِالفَضائِلِ النَّفْسانِيَّةِ والمَزايا القُدْسِيَّةِ وإنْزالِ الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ لا بِكَثْرَةِ الأمْوالِ والأتْباعِ ﴿وآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾ بَيانٌ لِحَيْثِيَّةِ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وأنَّهُ بِإيتائِهِ الزَّبُورَ لا بِإيتائِهِ المُلْكَ والسَّلْطَنَةَ وفِيهِ إيذانٌ بِتَفْضِيلِ نَبِيِّنا ﷺ؛ فَإنَّ كَوْنَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ خاتَمَ الأنْبِياءِ وأُمَّتُهُ خَيْرُ الأُمَمِ مِمّا تَضَمَّنَهُ الزَّبُورُ وقَدْ أخْبَرَ سُبْحانَهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ قائِلًا: ﴿ولَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ وأُمَّتَهُ ونَصَّ بَعْضُهم أنَّ هَذا مِن بابِ التَّلْمِيحِ نَحْوَ قِصَّةِ المَنصُورِ وقَدْ وعَدَ الهُذَلِيَّ بِعِدَّةٍ فَنَسِيَها فَلَمّا حَجّا وأتَيا المَدِينَةَ قالَ لَهُ يَوْمًا وهو يُسايِرُهُ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هَذا بَيْتُ عاتِكَةَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الأحْوَصُ: يا بَيْتَ عاتِكَةَ الَّذِي أتَغَزَّلُ؛ فَفَطِنَ لِمُرادِهِ حَيْثُ قالَ ذَلِكَ ولَمْ يَسْألْهُ وعَلِمَ أنَّهُ يُشِيرُ إلى قَوْلِهِ في هَذِهِ القَصِيدَةِ:
؎وأراكَ تَفْعَلُ ما تَقُولُ وبَعْضُهم مَذِقُ اللِّسانِ يَقُولُ ما لا يَفْعَلُ
فَأنْجَزَ عِدَتَهُ، والزَّبُورُ في الأصْلِ وصْفٌ لِلْمَفْعُولِ كالحَلُوبِ أوْ مَصْدَرٌ كالقَبُولِ، نَعَمْ هَذا الوَزْنُ في المَصادِرِ قَلِيلٌ والأكْثَرُ ضَمُّ الفاءِ وبِهِ قَرَأ حَمْزَةُ وجَعَلَهُ بَعْضُهم عَلى هَذِهِ القِراءَةِ جَمْعَ زِبْرٍ بِكَسْرِ الزّايِ بِمَعْنى مَزْبُورٍ ثُمَّ جُعِلَ عَلَمًا لِلْكِتابِ المَخْصُوصِ ولَيْسَ فِيهِ مِنَ الأحْكامِ شَيْءٌ.
أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ قالَ: الزَّبُورُ ثَناءٌ عَلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ودُعاءٌ وتَسْبِيحٌ، وأخْرَجَ هو وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ: كُنّا نُحَدَّثُ أنَّ الزَّبُورَ دُعاءٌ عُلِّمَهُ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ وتَحْمِيدٌ وتَمْجِيدٌ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ لَيْسَ فِيهِ حَلالٌ ولا حَرامٌ ولا فَرائِضُ ولا حُدُودٌ. والَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ بَعْضُ الآثارِ اشْتِمالُهُ عَلى بَعْضِ النَّواهِي والأوامِرِ.
فَقَدْ رَوى ابْنُ أبِي شَيْبَةَ أنَّهُ مَكْتُوبٌ فِيهِ: أنِّي أنا اللَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا مَلِكُ المُلُوكِ، قُلُوبُ المُلُوكِ بِيَدِي فَأيُّما قَوْمٍ كانُوا عَلى طاعَةٍ جَعَلْتُ المُلُوكَ عَلَيْهِمْ رَحْمَةً، وأيُّما قَوْمٍ كانُوا عَلى مَعْصِيَةٍ جَعَلْتُ المُلُوكَ عَلَيْهِمْ نِقْمَةً، فَلا تَشْغَلُوا أنْفُسَكم بِسَبِّ المُلُوكِ ولا تَتُوبُوا إلَيْهِمْ وتُوبُوا إلَيَّ أعْطِفْ قُلُوبَهم عَلَيْكم.
والمَزامِيرُ الَّتِي يُفْهَمُ مِنها الأمْرُ والنَّهْيُ كَثِيرَةٌ فِيهِ كَما لا يَخْفى عَلى مَن رَآهُ، ومَعَ هَذا الفَرْقُ (p-96)بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْراةِ ظاهِرٌ، ودُخُولُ ألْ عَلَيْهِ في بَعْضِ الآياتِ لِلَمْحِ الأصْلِ وذَلِكَ لا يُنافِي العَلَمِيَّةَ كَما في العَبّاسِ والفَضْلِ.
وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ نَكِرَةً غَيْرَ عَلَمٍ ونُكِّرَ لِيُفِيدَ أنَّهُ بَعْضٌ مِنَ الكُتُبِ الإلَهِيَّةِ أوْ مِن مُطْلَقِ الكُتُبِ ولا إشْكالَ أيْضًا في دُخُولِ ألْ عَلَيْهِ؛ أيْ: آتَيْناهُ زَبُورًا مِنَ الزُّبُرِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِكِتابِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ ولَيْسَ بِعَلَمٍ بَلْ مِن غَلَبَةِ اسْمِ الجِنْسِ وهو كالقُرْآنِ يُطْلَقُ عَلى المَجْمُوعِ وعَلى الأجْزاءِ، وتَقَدَّمَ إفادَةُ التَّنْكِيرِ لِلْبَعْضِيَّةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ( لَيْلًا ) فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ هُنا آتَيْناهُ بَعْضًا مِنَ الزَّبُورِ فِيهِ ذِكْرُهُ ﷺ، هَذا ووَجْهُ رَبْطِ الآياتِ بِما تَقَدَّمَ عَلى هَذا التَّفْسِيرِ عَلى ما في الكَشْفِ أنَّهُ تَعالى لَمّا أرْشَدَ نَبِيَّهُ ﷺ إلى جَوابِ الكُفّارِ بِجِدِّهِ في اسْتِهْزائِهِمْ وتَوَقُّرِهِ في اسْتِخْفافِهِمْ لِيَكُونَ أغْيَظَ لَهم وأشْجى لِحُلُوقِهِمْ أرْشَدَهُ إلى أنْ يَحْمِلَ أصْحابَهُ أيْضًا عَلى ذَلِكَ وأنْ يَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ وعَلَّلَ ذَلِكَ بِما اعْتُرِضَ بِهِ مِن أنَّ الشَّيْطانَ بِنَزْغِهِ يَحْمِلُ عَلى المُخاشَنَةِ فَعَلى العاقِلِ الحازِمِ أنْ لا يَغْتَرَّ بِوَساوِسِهِ كَيْفَ وقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ أنَّهُ عَدُوٌّ مُبِينٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وكِيلا﴾ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ السّابِقِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ كُونُوا﴾ المُشْتَمِلِ عَلى مُجادَلَتِهِ بِالَّتِي هي أحْسَنُ ﴿وقُلْ لِعِبادِي﴾ المُشْتَمِلِ عَلى حَمْلِهِمْ عَلَيْها إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿أوْ إنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ وقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ورَبُّكَ أعْلَمُ بِمَن في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ مِن تَتِمَّةِ ﴿إنْ تَتَّبِعُونَ إلا رَجُلا مَسْحُورًا﴾ فَإنَّهم طَعَنُوا فِيهِ وحاشاهُ تارَةً بِأنَّهُ شاعِرٌ ساحِرٌ مَجْنُونٌ وأُخْرى بِنَحْوِ ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ و﴿لَوْ كانَ خَيْرًا ما سَبَقُونا إلَيْهِ﴾ فَأُجِيبَ عَنِ الأوَّلِ بِما أُجِيبَ وعَنِ الثّانِي بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ورَبُّكَ أعْلَمُ﴾ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الخِطابُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿رَبُّكم أعْلَمُ﴾ إلَخْ لِلْمُؤْمِنِينَ. ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الكَلْبِيِّ، وأخْرَجَ الأوَّلَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ والمَعْنى أنَّهُ تَعالى إنْ يَشَأْ يَرْحَمْكم أيُّها المُؤْمِنُونَ في الدُّنْيا بِإنْجائِكم مِنَ الكَفَرَةِ ونَصْرِكم عَلَيْهِمْ أوْ إنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكم بِتَسْلِيطِهِمْ عَلَيْكم والمُرادُ بِالَّتِي هي أحْسَنُ المُجادَلَةُ الحَسَنَةُ فَكَأنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ الحُجَّةَ اليَقِينِيَّةَ في صِحَّةِ المَعادِ أمَرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يَقُولَ لِلْمُؤْمِنِينَ: إذا أرَدْتُمْ إيرادَ الحُجَّةِ عَلى المُخالِفِينَ فاذْكُرُوا الدَّلائِلَ بِالطَّرِيقِ الأحْسَنِ وهو أنْ لا يَكُونَ ذَلِكَ مَمْزُوجًا بِالشَّتْمِ والسَّبِّ؛ لِأنَّهُ لَوِ اخْتَلَطَ بِهِ لا يَبْعُدُ أنْ يُقابَلَ بِمِثْلِهِ فَيَزْدادَ الغَضَبُ ويَهِيجَ الشَّرُّ فَلا يَحْصُلُ المَقْصُودُ، وأشارَ سُبْحانَهُ إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ قائِلًا: ﴿إنَّ الشَّيْطانَ﴾ إلَخْ. وضَمِيرُ بَيْنَهم إمّا لِلْكُفّارِ أوْ لِلْفَرِيقَيْنِ، ورُوِيَ أنَّ المُشْرِكِينَ أفْرَطُوا في إيذاءِ المُؤْمِنِينَ فَشَكَوْا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَتْ. وقِيلَ: شَتَمَ عُمَرَ رَجُلٌ فَهَمَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بِهِ فَأمَرَهُ اللَّهُ تَعالى بِالعَفْوِ. قالَ في الكَشْفِ إنَّهُ عَلى هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ الكَلِمَةُ الَّتِي هي أحْسَنُ نَحْوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ تَعالى ولَيْسَتْ مُفَسَّرَةً بِرَبِّكم أعْلَمُ بِكم.
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ﴾ تَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ بِالِاحْتِمالِ بِأنَّ المُخاشَنَةَ مِن فِعْلِ الشَّيْطانِ. والخِطابُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿رَبُّكم أعْلَمُ بِكُمْ﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ، وفِيهِ حَثٌّ عَلى المُداراةِ أيْ: فَدارُوهُمْ؛ لِأنَّ رَبَّكم أعْلَمُ بِكم وبِما يَصْلُحُ لَكم مِن أوامِرَ إنْ يَشَأْ يَرْحَمْكم بِقَبُولِ أوامِرِهِ ونَواهِيهِ أوْ إنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكم بِإبائِكم أوْ إنْ يَشَأْ يَرْحَمْكم بِالمُلايَنَةِ والتَّراحُمِ؛ لِأنَّهُ سَبَبُ السَّلامَةِ عَنْ أذى الكُفّارِ أوْ إنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكم بِمُخاشَنَتِكم في غَيْرِ إبّانِها، وما أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وكِيلًا فَهَؤُلاءِ المُؤْمِنُونَ وهم أتْباعُكَ أوْلى وأوْلى بِأنْ لا يَكُونُوا وكِيلًا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قالَ: والأوَّلُ أوْفَقُ لِتَأْلِيفِ النَّظْمِ وفي إفادَةِ ﴿رَبُّكم أعْلَمُ بِكُمْ﴾ الحَثُّ عَلى ما قُرِّرَ تَكَلُّفٌ ما اه.
وقِيلَ: المُرادُ مِن عِبادِي الكُفّارُ وحَيْثُ كانَ المَقْصُودُ مِنَ الآياتِ الدَّعْوَةَ لا يَبْعُدُ أنْ يُعَبَّرَ عَنْهم بِذَلِكَ لِيَصِيرَ سَبَبًا لِجَذْبِ قُلُوبِهِمْ ومِيلِ طِباعِهِمْ إلى قَبُولِ الدِّينِ الحَقِّ فَكَأنَّهُ قِيلَ: قُلْ يا مُحَمَّدُ لِعِبادِي الَّذِينَ أقَرُّوا بِكَوْنِهِمْ عِبادًا لِي: يَقُولُوا الَّتِي هي (p-97)أحْسَنُ وهي الكَلِمَةُ الحَقَّةُ الدّالَّةُ عَلى التَّوْحِيدِ وإثْباتِ القُدْرَةِ عَلى البَعْثِ وعَرِّفْهم أنَّهُ لا يَنْبَغِي لَهم أنْ يُصِرُّوا عَلى المَذْهَبِ الباطِلِ تَعَصُّبًا لِلْأسْلافِ؛ فَإنَّ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطانِ وهو لِلْإنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُلْتَفَتَ إلى قَوْلِهِ، والمُرادُ مِنَ الأمْرِ بِالقَوْلِ الأمْرُ بِاعْتِقادِ ذَلِكَ، وذَكَرَ القَوْلَ لِما أنَّهُ دَلِيلُ الِاعْتِقادِ ظاهِرًا ثُمَّ قالَ لَهم سُبْحانَهُ: ﴿رَبُّكم أعْلَمُ بِكم إنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ﴾ بِالهِدايَةِ ﴿أوْ إنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ بِالإماتَةِ عَلى الكُفْرِ إلّا أنَّ تِلْكَ المَشِيئَةَ غائِبَةٌ عَنْكم فاجْتَهِدُوا أنْتُمْ في طَلَبِ الدِّينِ الحَقِّ ولا تُصِرُّوا عَلى الباطِلِ لِئَلّا تَصِيرُوا مَحْرُومِينَ عَنِ السِّعاداتِ الأبَدِيَّةِ والخَيْراتِ السَّرْمَدِيَّةِ، ثُمَّ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿وما أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وكِيلا﴾ أيْ: لا تُشَدِّدِ الأمْرَ عَلَيْهِمْ ولا تُغْلِظْ لَهم بِالقَوْلِ، والمَقْصُودُ مِن كُلِّ ذَلِكَ إظْهارُ اللِّينِ والرِّفْقِ لَهم عِنْدَ الدَّعْوَةِ لِأنَّهُ أقْرَبُ لِحُصُولِ المَقْصُودِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى عَمَّمَ عِلْمَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ورَبُّكَ أعْلَمُ﴾ إلَخْ. ويَحْسُنُ عَلى هَذا ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ مِن تَفْسِيرِ: ﴿الَّتِي هي أحْسَنُ﴾ بِلا إلَهَ إلّا اللَّهُ، ونَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ فِرْقَةٍ مِنَ العُلَماءِ ثُمَّ قالَ: ويَلْزَمُ عَلَيْهِ أنْ يُرادَ بِعِبادِي جَمِيعُ الخَلْقِ لِأنَّ جَمِيعَهم مَدْعُوٌّ إلى قَوْلِ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ ويَجِيءُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ غَيْرُ مُناسِبٍ إلّا عَلى مَعْنى يَنْزَغُ خِلالَهم وأثْناءَهم ويُفَسَّرُ النَّزْغُ بِالوَسْوَسَةِ والإمْلالِ ولا يَخْفى أنَّهُ في حَيِّزِ المَنعِ، وما ذُكِرَ مِنَ الدَّلِيلِ لا يَتِمُّ إلّا إذا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ نُكْتَةٌ، وهي هاهُنا ظاهِرَةٌ ويَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى:
{"ayah":"وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِمَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ فَضَّلۡنَا بَعۡضَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ عَلَىٰ بَعۡضࣲۖ وَءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











