الباحث القرآني
﴿وقَضَيْنا إلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْ: أعْلَمْناهُمْ، وزادَ الرّاغِبُ: وأوْحَيْنا إلَيْهِمْ وحْيًا جَزْمًا، وصَرَّحَ غَيْرُ واحِدٍ بِتَضَمُّنِ القَضاءِ مَعْنى الإيحاءِ؛ ولِهَذا عُدِّيَ بِإلى، والوَحْيُ إلَيْهِمْ إعْلامُهم ولَوْ بِالواسِطَةِ، وقِيلَ: (إلى) بِمَعْنى (عَلى)، ورُوِيَ ذَلِكَ أيْضًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أيْ: قَضَيْنا عَلَيْهِمْ ﴿فِي الكِتابِ﴾ أيِ التَّوْراةِ أوِ الجِنْسِ بِدَلِيلِ قِراءَةِ أبِي العالِيَةِ وابْنِ جُبَيْرٍ «الكُتُبِ» بِصِيغَةِ الجَمْعِ، والظّاهِرُ الأوَّلُ عَلى الأوَّلِ، واللَّوْحُ المَحْفُوظُ عَلى الأخِيرِ، وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ والحاكِمُ عَنْ طاوُسٍ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبّاسٍ ومَعَنا رَجُلٌ مِنَ القَدَرِيَّةِ فَقُلْتُ: إنَّ أُناسًا يَقُولُونَ: لا قَدَرَ. قالَ: أوَفِي القَوْمِ أحَدٌ مِنهُمْ، قُلْتُ: لَوْ كانَ ما كُنْتَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قالَ: لَوْ كانَ فِيهِمْ أحَدٌ مِنهم لَأخَذْتُ بِرَأْسِهِ ثُمَّ قَرَأْتُ عَلَيْهِ: ﴿وقَضَيْنا إلى بَنِي إسْرائِيلَ في الكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرْضِ﴾ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٌ، وحُذِفَ مُتَعَلِّقُ القَضاءِ أيْضًا لِلْعِلْمِ بِهِ، والتَّقْدِيرُ: وقَضَيْنا إلى بَنِي إسْرائِيلَ بِفَسادِهِمْ وعُلُوِّهِمْ: واللَّهِ لَتُفْسِدُنَّ إلَخْ. ويَكُونُ هَذا تَأْكِيدًا لِتَعَلُّقِ القَضاءِ، ويَجُوزُ جَعْلُهُ جَوابَ: ( قَضَيْنا ) بِإجْراءِ القَضاءِ مَجْرى القَسَمِ فَيُتَلَقّى بِما يُتَلَقّى بِهِ نَحْوَ قَضاءِ اللَّهِ تَعالى لِأفْعَلَنَّ كَذا. والمُرادُ بِالأرْضِ الجِنْسُ أوْ أرْضُ الشّامِ وبَيْتُ المَقْدِسِ.
وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ ونَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وجابِرُ بْنُ زَيْدٍ: (لَتُفْسَدُنَّ) بِضَمِّ التّاءِ وفَتْحِ السِّينِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أيْ: يُفْسِدُكم غَيْرُكُمْ، فَقِيلَ: مِنَ الضَّلالِ، وقِيلَ: مِنَ الغَلَبَةِ. وقَرَأ عِيسى: (لَتَفْسُدُنَّ) بِفَتْحِ التّاءِ وضَمِّ السِّينِ عَلى مَعْنى لِتَفْسُدُنَّ بِأنْفُسِكم بِارْتِكابِ المَعاصِي ﴿مَرَّتَيْنِ﴾ مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ ﴿لَتُفْسِدُنَّ﴾ مِن غَيْرِ لَفْظِهِ، والمُرادُ إفْسادَتَيْنِ أُولاهُما عَلى ما نَقَلَ السُّدِّيُّ عَنْ أشْياخِهِ: قَتْلُ زَكَرِيّا عَلَيْهِ السَّلامُ.
ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ مَسْعُودٍ؛ وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا ماتَ صَدِيقَةُ مَلِكِهِمْ تَنافَسُوا عَلى المُلْكِ وقَتَلَ بَعْضُهم بَعْضًا ولَمْ يَسْمَعُوا مِن زَكَرِيّا فَقالَ اللَّهُ تَعالى لَهُ: قُمْ في قَوْمِكَ أوْحِ عَلى لِسانِكَ فَلَمّا فَرَغَ مِمّا أُوحِيَ عَلَيْهِ عَدَوْا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ فَهَرَبَ فانْفَلَقَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فَدَخَلَ فِيها وأدْرَكَهُ الشَّيْطانُ فَأخَذَ هُدْبَةً مِن ثَوْبِهِ فَأراهم إيّاها فَوَضَعُوا المِنشارَ في وسَطِ الشَّجَرَةِ حَتّى قَطَعُوهُ في وسَطِها.
وقِيلَ: سَبَبُ قَتْلِهِ أنَّهُمُ اتَّهَمُوهُ بِمَرْيَمَ عَلَيْها السَّلامُ. قِيلَ: قالُوا حِينَ حَمَلَتْ: ضَيَّعَ بِنْتَ سَيِّدِنا حَتّى زَنَتْ فَقَطَعُوهُ بِالمِنشارِ في الشَّجَرَةِ، وقالَ ابْنُ إسْحَقَ: هي قَتْلُ شَعْيا عَلَيْهِ السَّلامُ وقَدْ بُعِثَ بَعْدَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلَمّا بَلَغَهُمُ (p-17)الوَحْيُ أرادُوا قَتْلَهُ فَهَرَبَ فَقُتِلَ وهو صاحِبُ الشَّجَرَةِ وزَكَرِيّا عَلَيْهِ السَّلامُ ماتَ مَوْتًا ولَمْ يُقْتَلْ.
وفِي الكَشّافِ: أُولاهُما قَتْلُ زَكَرِيّا وحَبْسُ أرْمِيا، والآخِرَةُ: قَتْلُ يَحْيى وقَصْدُ قَتْلِ عِيسى عَلَيْهِما السَّلامُ، وهَذا فِيمَن جَعَلَ هَلاكَ زَكَرِيّا قَبْلَ يَحْيى عَلَيْهِما السَّلامُ، وهو رِوايَةُ ابْنِ عَساكِرَ في تارِيخِهِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ.
ثُمَّ ضَمَّ ذَلِكَ مَعَ حَبْسِ أرْمِيا في قَرْنٍ غَيْرِ سَدِيدٍ؛ لِأنَّ أرْمِيا كانَ في زَمَنِ بُخْتَنَصَّرَ وبَيْنَهُ وبَيْنَ زَكَرِيّا أكْثَرُ مِن مِائَتَيْ سَنَةٍ.
واخْتارَ بَعْضُهم -وقِيلَ: إنَّهُ الحَقُّ- أنَّ الأوْلى تَغْيِيرُ التَّوْراةِ وعَدَمُ العَمَلِ بِها وحَبْسُ أرْمِيا وجَرْحُهُ إذْ وعَظَهم وبَشَّرَهم بِنَبِيِّنا ﷺ، وهو أوَّلُ مَن بَشَّرَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بَعْدَ بِشارَةِ التَّوْراةِ، والأُخْرى قَتْلُ زَكَرِيّا ويَحْيى عَلَيْهِما السَّلامُ، ومَن قالَ: إنَّ زَكَرِيّا ماتَ في فِراشِهِ اقْتَصَرَ عَلى يَحْيى عَلَيْهِ السَّلامُ، واخْتُلِفَ في سَبَبِ قَتْلِهِ فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ أنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أنَّ مَلِكًا أرادَ أنْ يَتَزَوَّجَ مَن لا يَجُوزُ لَهُ تَزَوُّجُها فَنَهاهُ يَحْيى عَلَيْهِ السَّلامُ، وكانَ المَلِكُ قَدْ عَوَّدَ تِلْكَ المَرْأةَ أنْ يَقْضِيَ لَها كُلَّ عِيدٍ ما تُرِيدُ مِنهُ فَعَلَّمَتْها أُمُّها أنْ تَسْألَهُ دَمَ يَحْيى في بَعْضِ الأعْيادِ، فَسَألَتْهُ فَأبى، فَألَحَّتْ عَلَيْهِ فَدَعا بِطَسْتٍ فَذَبَحَهُ فِيهِ فَبَدَرَتْ قَطْرَةٌ عَلى الأرْضِ فَلَمْ تَزَلْ تَغْلِي حَتّى قُتِلَ عَلَيْها سَبْعُونَ ألْفًا.
وقالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ: إنَّ يَحْيى عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ حَسَنًا جَمِيلًا جِدًّا فَراوَدَتْهُ امْرَأةُ المَلِكِ عَنْ نَفْسِهِ فَأبِي فَقالَتْ لِابْنَتِها: سَلِي أباكِ رَأْسَ يَحْيى فَسَألَتْهُ فَأعْطاها إيّاهُ، وقالَ الجُبّائِيُّ: إنَّ اللَّهَ تَعالى ذَكَرَ فَسادَهم في الأرْضِ مَرَّتَيْنِ ولَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَلا يُقْطَعُ بِشَيْءٍ مِمّا ذُكِرَ ﴿ولَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ لِتَسْتَكْبِرُنَّ عَنْ طاعَةِ اللَّهِ تَعالى أوْ لَتَغْلُبُنَّ النّاسَ بِالظُّلْمِ والعُدْوانِ وتُفْرِطُنَّ في ذَلِكَ إفْراطًا مُجاوِزًا لِلْحَدِّ، وأصْلُ مَعْنى العُلُوِّ الِارْتِفاعُ، وهو ضِدُّ السُّفْلِ وتُجُوِّزَ بِهِ عَنِ التَّكَبُّرِ والِاسْتِيلاءِ عَلى وجْهِ الظُّلْمِ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: (عِلِيًّا كَبِيرًا) بِكَسْرِ العَيْنِ واللّامِ والياءِ المُشَدَّدَةِ، قالَ في البَحْرِ:
والتَّصْحِيحُ في فَعُولٍ المَصْدَرِ أكْثَرُ بِخِلافِ الجَمْعِ؛ فَإنَّ الإعْلالَ فِيهِ هو المَقِيسُ، وشَذَّ التَّصْحِيحُ نَحْوَ لَهْوٍ ومَهْوٍ خِلافًا لِلْفَرّاءِ إذْ جَعَلَ ذَلِكَ قِياسًا
{"ayah":"وَقَضَیۡنَاۤ إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَیۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوࣰّا كَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











