الباحث القرآني

﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ الخِطابُ لِلرَّسُولِ ﷺ، والمُرادُ بِهِ أُمَّتُهُ عَلى حَدِّ: إيّاكِ أعْنِي فاسْمَعِي يا جارَةُ، أوْ لِكُلِّ أحَدٍ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْخِطابِ عَلى حَدِّ ﴿ولَوْ تَرى إذْ وُقِفُوا﴾ . ﴿فَتَقْعُدَ﴾ بِالنَّصْبِ عَلى النَّهْيِ، والقُعُودُ قِيلَ بِمَعْنى المُكْثِ كَما تَقُولُ: هو قاعِدٌ في أسْوَأِ حالٍ؛ أيْ: ماكِثٌ ومُقِيمٌ سَواءٌ كانَ (p-53)قائِمًا أمْ جالِسًا، وقِيلَ: بِمَعْنى العَجْزِ، والعَرَبُ تَقُولُ: ما أقْعَدَكَ عَنِ المَكارِمِ، أيْ: ما أعْجَزَكَ عَنْها، وقِيلَ: بِمَعْنى الصَّيْرُورَةِ مِن قَوْلِهِمْ: شَحَذَ الشَّفْرَةَ حَتّى قَعَدَتْ كَأنَّها حَرْبَةٌ، أيْ: صارَتْ، وتَعَقَّبَ هَذا أبُو حَيّانَ بِأنَّ مَجِيءَ قَعَدَ بِمَعْنى صارَ مَقْصُورٌ عِنْدَ الأصْحابِ عَلى هَذا المَثَلِ ولا يَطَّرِدُ، وقالَ بَعْضُهُمْ: إنِ اطَّرَدَ فَإنَّما يَطَّرِدُ في مِثْلِ المَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعْمَلَتْهُ العَرَبُ فِيهِ أوَّلًا، يَعْنِي القَوْلَ المَذْكُورَ فَلا يُقالُ: قَعَدَ كاتِبًا بِمَعْنى صارَ بَلْ قَعَدَ كَأنَّهُ سُلْطانٌ لِكَوْنِهِ مِثْلَ قَعَدَتْ كَأنَّها حَرْبَةٌ، ولَعَلَّ مَن فَسَّرَ القُعُودَ هُنا بِمَعْنى الصَّيْرُورَةِ ذَهَبَ مَذْهَبَ الفَرّاءِ فَإنَّهُ كَما قالَ أبُو حَيّانَ وغَيْرُهُ يَقُولُ بِاطِّرادِ ذَلِكَ، وجَعَلَ مِنهُ قَوْلَ الرّاجِزِ المَذْكُورَ في البَحْرِ والحَواشِي الشِّهابِيَّةِ ولا حُجَّةَ فِيهِ. وحَكى الكِسائِيُّ: قَعَدَ لا يُسْألُ حاجَةً إلّا قَضاها، واسْتِعْمالُ البَغْدادِيِّينَ عَلى هَذا، ثُمَّ إنَّهُمُ اخْتَلَفُوا في القُعُودِ بِمَعْنى العَجْزِ فَقِيلَ: هو مَجازٌ مِنَ القُعُودِ ضِدَّ القِيامِ كالمُقْعَدِ بِمَعْنى العاجِزِ عَنِ القِيامِ ثُمَّ تُجُوِّزَ بِهِ عَنْ مُطْلَقِ العَجْزِ، وقِيلَ: هو كِنايَةٌ عَنِ العَجْزِ فَإنَّ مَن أرادَ أخْذَ شَيْءٍ يَقُومُ لَهُ، ومَن عَجَزَ قَعَدَ، وأمّا القُعُودُ بِمَعْنى الزَّمانَةِ فَحَقِيقَةٌ، والإقْعادُ مَجازٌ كَأنَّ مَرَضَهُ أقْعَدَهُ وجُعِلَ هَذا القُعُودُ بِمَعْنى المُكْثِ حَقِيقَةً، وتُعُقِّبَ بِأنَّ فِيهِ نَظَرًا إلّا أنْ يُرِيدَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً لا لُغَوِيَّةً؛ لِأنَّهُ ضِدُّ القِيامِ، وإذا جُعِلَ القُعُودُ هُنا بِمَعْنى العَجْزِ فالفِعْلُ لازِمٌ ومُتَعَلِّقُهُ مَحْذُوفٌ أيْ: فَتَعْجِزُ عَنِ الفَوْزِ بِالمَقْصُودِ مَثَلًا و﴿مَذْمُومًا مَخْذُولا﴾ إمّا خَبَرانِ لِتَقْعُدَ عَلى القَوْلِ الأخِيرِ، وإمّا حالانِ مُتَرادِفانِ أيْ فَتَقْعُدَ جامِعًا عَلى نَفْسِكَ الخِذْلانَ مِنَ اللَّهِ تَعالى والذَّمَّ مِنَ المَلائِكَةِ والمُؤْمِنِينَ، أوْ مِن ذَوِي العُقُولِ حَيْثُ اتَّخَذْتَ مُحْتاجًا مُفْتَقِرًا مِثْلَكَ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا ولا ضَرًّا إلَهًا، ونَسَبْتَ إلَيْهِ ما لا يَصْلُحُ لَهُ، وجَعَلْتَهُ شَرِيكًا لِمَن لَهُ الكَمالُ الذّاتِيُّ وهو الَّذِي خَلَقَكَ ورَزَقَكَ وأنْعَمَ عَلَيْكَ عَلى ما عَداهُ، وجَوَّزَ أبُو حَيّانَ أنْ يُرادَ بِالقُعُودِ حَقِيقَتَهُ؛ لِأنَّ مِن شَأْنِ المَذْمُومِ المَخْذُولِ أنْ يَقْعُدَ حائِرًا مُتَفَكِّرًا وهو مِن بابِ التَّعْبِيرِ بِالحالِ الغالِبَةِ، وفي الآيَةِ إشْعارٌ بِأنَّ المُوَحِّدَ جامِعٌ بَيْنَ المَدْحِ والنُّصْرَةِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب