الباحث القرآني

﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ﴾ ظاهِرُ السِّياقِ والنَّظائِرِ يَقْتَضِيانِ كَوْنَ المَعْنى تِسْعَ أدِلَّةٍ وواضِحاتِ الدَّلالَةِ عَلى نُبُوَّةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وصِحَّةِ ما جاءَ بِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى، ولا يُنافِيهِ أنَّهُ قَدْ أُوتِيَ مِن ذَلِكَ ما هو أكْثَرُ مِمّا ذُكِرَ لِأنَّ تَخْصِيصَ العَدَدِ بِالذِّكْرِ لا يَدُلُّ عَلى نَفْيِ الزّائِدِ كَما حُقِّقَ في الأُصُولِ وإلى هَذا ذَهَبَ غَيْرُ واحِدٍ إلّا أنَّهُ اخْتُلِفَ في تَعْيِينِ هَذِهِ التِّسْعِ فَفي بَعْضِ التَّفاسِيرِ هي كَما في التَّوْراةِ العَصا، ثُمَّ الدَّمُ ثُمَّ الضَّفادِعُ ثُمَّ القُمَّلُ ثُمَّ مَوْتُ البَهائِمِ، ثُمَّ بَرْدٌ كَنارٍ أُنْزَلَ مَعَ نارٍ مُضْطَرَمَةٍ أهْلَكَتْ ما مَرَّتْ بِهِ مِن نَباتٍ وحَيَوانٍ ثُمَّ جَرادٌ ثُمَّ ظُلْمَةٌ ثُمَّ مَوْتٌ عَمَّ كِبارِ الآدَمِيِّينَ وجَمِيعَ الحَيَواناتِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّها العَصا واليَدُ والطُّوفانُ والجَرادُ والقُمَّلُ والضَّفادِعُ والدَّمُ والسِّنِينُ ونَقْصٌ مِنَ الثَّمَراتِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجاهِدٍ والشَّعْبِيِّ وقَتادَةَ وعِكْرِمَةَ. وتُعُقِّبَ هَذا بِأنَّ السِّنِينَ والنَّقْصَ مِنَ الثَّمَراتِ آيَةٌ واحِدَةٌ كَما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ. ورُدَّ بِأنَّهُ لَيْسَ بِالحَسَنِ؛ إذْ ظاهِرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ ونَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ﴾ يَقْتَضِي المُغايَرَةَ فَيُحْمَلُ الأوَّلُ عَلى الجَدْبِ في بَوادِيهِمْ والثّانِي عَلى النُّقْصانِ في مَزارِعِهِمْ أوْ عَلى نَحْوِ ذَلِكَ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ فِيهِ فَلا ضَيْرَ في عَدِّهِما آيَتَيْنِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ في رِوايَةٍ أُخْرى عَنِ الحَبْرِ أنَّها يَدُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ولِسانُهُ وعَصاهُ والبَحْرُ والطُّوفانُ والجَرادُ والقَمَّلُ والضَّفادِعُ والدَّمُ، وفي الكَشّافِ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّها العَصا واليَدُ والجَرادُ والقَمَّلُ والضَّفادِعُ والدَّمُ والحَجَرُ والبَحْرُ والطُّورُ الَّذِي نَتَقَهُ اللَّهُ تَعالى عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، وتَعَقَّبَهُ في الكَشْفِ بِقَوْلِهِ فِيهِ: إنَّ الحَجَرَ والطُّورَ لَيْسا مِنَ الآياتِ المَذْهُوبِ بِها إلى فِرْعَوْنَ وقالَ تَعالى: ﴿فِي تِسْعِ آياتٍ إلى فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ﴾ وذَكَرَ سُبْحانَهُ في هَذِهِ السُّورَةِ ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ ما أنْزَلَ هَؤُلاءِ﴾ والإشارَةُ إلى الآياتِ ثُمَّ قالَ: والجَوابُ جازَ أنْ يَكُونَ التِّسْعُ البَيِّناتُ بَعْضًا مِنها غَيْرَ البَعْضِ مِن تِلْكَ التِّسْعِ ولَيْسَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّ الكُلَّ لِفِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ، وأمّا الإشارَةُ فَإلى البَعْضِ بِالضَّرُورَةِ؛ لِأنَّ الكُلَّ إنَّما حَصَلَتْ عَلى التَّدْرِيجِ وفَلْقُ البَحْرِ لَمْ يَكُنْ في مَعْرِضِ التَّحَدِّي بَلْ عِنْدَ ما حَقَّ الهَلاكُ اه. ولا يَخْلُو عَنِ ارْتِكابِ خِلافِ الظّاهِرِ، وما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أوَّلًا لائِحُ الوَجْهِ ما فِيهِ إشْكالٌ ونَسَبَهُ في الكَشّافِ إلى الحَسَنِ وهو خِلافُ ما وجَدْناهُ في الكُتُبِ الَّتِي يُعَوَّلُ عَلَيْها في أمْثالِ ذَلِكَ، ورُوِيَ أنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ سَألَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ عَنْ هَذِهِ الآياتِ فَعَدَّ ما عَدَّ وذَكَرَ فِيهِ الطَّمْسَ. فَقالَ عُمَرُ: كَيْفَ يَكُونُ الفَقِيهُ إلّا هَكَذا ثُمَّ قالَ: (p-183)يا غُلامُ، أخْرِجْ ذَلِكَ الجِرابَ فَأخْرَجَهُ فَنَفَضَهُ فَإذا بَيْضٌ مَكْسُورٌ بِنِصْفَيْنِ وجَوْزٌ مَكْسُورٌ وفُومٌ وحِمَّصٌ وعَدَسٌ كُلُّها حِجارَةٌ، هَذا وظاهِرُ بَعْضِ الأخْبارِ يَقْتَضِي خِلافَ ذَلِكَ. فَقَدْ أخْرَجَ أحْمَدُ والبَيْهَقِيُّ والطَّبَرانِيُّ والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ والتِّرْمِذِيُّ وقالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، والحاكِمُ وقالَ: صَحِيحٌ لا نَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً، وخَلْقٌ آخَرُونَ عَنْ صَفْوانَ بْنِ عَسّالٍ: «أنَّ يَهُودِيَّيْنِ قالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: انْطَلِقْ بِنا إلى هَذا النَّبِيِّ نَسْألُهُ، فَأتَياهُ ﷺ فَسَألاهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعالى: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ﴾ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، ولا تَزْنُوا، ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعالى إلّا بِالحَقِّ، ولا تَسْرِقُوا، ولا تَسْحَرُوا، ولا تَأْكُلُوا الرِّبا، ولا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إلى سُلْطانٍ لِيَقْتُلَهُ، ولا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، ولا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ». وفِي رِوايَةٍ: «أوْ قالَ: لا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ - شَكَّ شُعْبَةُ - وعَلَيْكم يا يَهُودُ خاصَّةً أنْ لا تَعْتَدُوا في السَّبْتِ فَقَبَّلا يَدَيْهِ ورِجْلَيْهِ وقالا: نَشْهَدُ إنَّكَ نَبِيٌّ»» الخَبَرَ. ومِن هُنا قِيلَ: المُرادُ بِالآياتِ الأحْكامُ، وقالَ الشِّهابُ الخَفاجِيُّ: إنَّهُ التَّفْسِيرُ الصَّحِيحُ، ووَجْهُ إطْلاقِها عَلَيْها بِأنَّها عَلاماتٌ عَلى السَّعادَةِ لِمَنِ امْتَثَلَها والشَّقاوَةِ لِغَيْرِهِ، وقِيلَ: أُطْلِقَتْ عَلَيْها لِأنَّها نَزَلَتْ في ضِمْنِ آياتٍ بِمَعْنى عِباراتٍ دالَّةٍ عَلى المَعانِي نَحْوَ آياتِ الكِتابِ فَيَكُونُ مِن قَبِيلِ إطْلاقِ الدّالِّ وإرادَةِ المَدْلُولِ، وقِيلَ: لا ضَيْرَ أنْ يُرادَ عَلى ذَلِكَ بِالآياتِ العِباراتُ الإلَهِيَّةُ الدّالَّةُ عَلى تِلْكَ الأحْكامِ مِن حَيْثُ إنَّها دالَّةٌ عَلَيْها، وفِيهِ وكَذا في سابِقَةِ القَوْلِ بِإطْلاقِ الآياتِ عَلى ما أُنْزِلَ عَلى غَيْرِ نَبِيِّنا ﷺ مِنَ العِباراتِ الإلَهِيَّةِ كَإطْلاقِها عَلى ما أُنْزِلَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنها. واسْتُشْكِلَ بِأنَّ الآياتِ في الرِّوايَةِ الَّتِي لا شَكَّ فِيها عَشَرَةٌ وما في الآيَةِ المَسْؤُولِ عَنْها تِسْعٌ، وأُجِيبَ بِأنَّ الأخِيرَ فِيها أعْنِي لا تَعْتَدُوا في السَّبْتِ لَيْسَ مِنَ الآياتِ لِأنَّ المُرادَ بِها أحْكامٌ عامَّةٌ ثابِتَةٌ في الشَّرائِعِ كُلِّها وهو لَيْسَ كَذَلِكَ، ولِذا غَيَّرَ الأُسْلُوبَ فِيهِ فَهو تَذْيِيلٌ لِلْكَلامِ وتَتْمِيمٌ لَهُ بِالزِّيادَةِ عَلى ما سَألُوهُ ﷺ، وفي الكَشْفِ أنَّهُ مِنَ الأُسْلُوبِ الحَكِيمِ لِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمّا ذَكَرَ التِّسْعَ العامَّةَ في كُلِّ شَرِيعَةٍ ذُكِرَ خاصًّا بِهِمْ لِيَدُلَّ عَلى إحاطَةِ عِلْمِهِ ﷺ بِالكُلِّ، وهو حَسَنٌ ولَيْسَ الأُسْلُوبُ الحَكِيمُ فِيهِ بِالمَعْنى المَشْهُورِ فَإطْلاقُ القَوْلِ بِأنَّهُ لَيْسَ مِنَ الأُسْلُوبِ الحَكِيمِ كَما فَعَلَ الخَفاجِيُّ لَيْسَ في مَحَلِّهِ. وقالَ بَعْضُ الأجِلَّةِ: إنَّ هَذِهِ الأشْياءَ لا تَعَلُّقَ لَها بِفِرْعَوْنَ وإنَّما أُوتِيَها بَنُو إسْرائِيلَ ولَعَلَّ جَوابَهُ ﷺ بِما ذُكِرَ لِما أنَّهُ المُهِمُّ لِلسّائِلِ وقَبُولُهُ لِما أنَّهُ كانَ في التَّوْراةِ مَسْطُورًا، وقَدْ عُلِمَ أنَّهُ ما عَلِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلّا مِن جِهَةِ الوَحْيِ اه. وتُعُقِّبَ بِأنّا لا نُسَلِّمُ أنَّهُ يَجِبُ في الآياتِ المَذْكُورَةِ في الآيَةِ أنْ تَكُونَ مِمّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِفِرْعَوْنَ وما بَعْدُ لَيْسَ نَصًّا في ذَلِكَ، نَعَمْ هو كالظّاهِرِ فِيهِ لَكِنَّ كَثِيرًا ما تُتْرَكُ الظَّواهِرُ لِلْأخْبارِ الصَّحِيحَةِ سَلَّمْنا أنَّهُ يَجِبُ أنْ يَكُونَ لَها تَعَلُّقٌ لَكِنْ لا نُسَلِّمُ أنَّ تِلْكَ الأحْكامَ لا تَعَلُّقَ لَها لِجَوازِ أنْ يَكُونَ كُلُّها أوْ بَعْضُها مِمّا خُوطِبَ بِهِ فِرْعَوْنُ وبَنُو إسْرائِيلَ جَمِيعًا لا بُدَّ لِنَفْيِ ذَلِكَ مِن دَلِيلٍ، وكَأنَّ حاصِلَ ما أرادَ مِن قَوْلِهِ لَعَلَّ جَوابَهُ ﷺ إلَخْ أنَّ ذَلِكَ الجَوابَ مِنَ الأُسْلُوبِ الحَكِيمِ بِأنْ يَكُونَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ أُوتِيَ تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ بِمَعْنى المُعْجِزاتِ الواضِحاتِ وهي المُرادَةُ في الآيَةِ، وأُوتِيَ تِسْعًا أُخْرى بِمَعْنى الأحْكامِ وهي غَيْرُ مُرادَةٍ إلّا أنَّ الجَوابَ وقَعَ عَنْها لِما ذُكِرَ وهو كَما تَرى فَتَأمَّلْ. فَمُؤَيِّداتُ كُلٍّ مِنَ التَّفْسِيرَيْنِ أعْنِي تَفْسِيرَ الآياتِ بِالأدِلَّةِ والمُعْجِزاتِ وتَفْسِيرَها بِالأحْكامِ مُتَعارِضَةٌ، وأقْوى (p-184)ما يُؤَيِّدُ الثّانِيَ الخَبَرُ ﴿فاسْألْ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ وقَرَأ جَمْعٌ: «فَسَلْ» والظّاهِرُ أنَّهُ خِطابٌ لِنَبِيِّنا ﷺ والسُّؤالُ بِمَعْناهُ المَشْهُورِ إلّا أنَّ الجُمْهُورَ عَلى أنَّهُ خِطابٌ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، والسُّؤالُ إمّا بِمَعْنى الطَّلَبِ أوْ بِمَعْناهُ المَشْهُورِ لِقِراءَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأخْرَجَها أحْمَدُ في الزُّهْدِ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهم عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ فَسَألَ عَلى صِيغَةِ الماضِي بِغَيْرِ هَمْزٍ كَقالَ وهي لُغَةُ قُرَيْشٍ، فَإنَّهم يُبْدِلُونَ الهَمْزَةَ المُتَحَرِّكَةَ وذَلِكَ لِأنَّ هَذِهِ القِراءَةَ دَلَّتْ عَلى أنَّ السّائِلَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وأنَّهُ مُسْتَعْقِبٌ عَنِ الإيتاءِ فَلا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ فاسْألْ خِطابًا لِلنَّبِيِّ ﷺ لِئَلّا تَتَخالَفَ القِراءَتانِ ولا بُدَّ إذْ ذاكَ مِن إضْمارٍ لِئَلّا يَخْتَلِفا خَبَرًا وطَلَبًا، أيْ: فَقُلْنا لَهُ اطْلُبْهم مِن فِرْعَوْنَ وقُلْ لَهُ أرْسِلْ مَعِي بَنِي إسْرائِيلَ أوِ اطْلُبْ مِنهم أنْ يُعاضِدُوكَ وتَكُونَ قُلُوبُهم وأيْدِيهِمْ مَعَكَ أوْ سَلْهم عَنْ إيمانِهِمْ وعَنْ حالِ دِينِهِمْ واسْتَفْهِمْ مِنهم هَلْ هم ثابِتُونَ عَلَيْهِ أوِ اتَّبَعُوا فِرْعَوْنَ ويَتَعَلَّقُ بِالقَوْلِ بِالمُضْمَرِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذْ جاءَهُمْ﴾ وهو مُتَعَلِّقٌ بِ «اسْألْ» عَلى قِراءَتِهِ ﷺ والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ المُضْمَرِ في اللَّفْظِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ﴾ لِأنَّهُ لَوْ كانَ فاسْألْ خِطابًا لِنَبِيِّنا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لانْفَكَّ النَّظْمُ وأيْضًا لا يَظْهَرُ اسْتِعْقابُهُ ولا تَسَبُّبُهُ عَنْ إيتاءِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، نَعَمْ جَعَلَ الذّاهِبُونَ إلى الأوَّلِ «فاسْألْ» اعْتِراضًا مِن بابِ: زَيْدٌ فاعْلَمْ فَقِيهٌ، والفاءُ تَكُونُ لِلِاعْتِراضِ كالواوِ وعَلى ذَلِكَ قَوْلَهُ: ؎واعْلَمْ فَعِلْمُ المَرْءِ يَنْفَعُهُ أنْ سَوْفَ يَأْتِي كُلُّ ما قُدِّرا وهَذا الوَجْهُ مُسْتَغْنٍ عَنِ الإضْمارِ و﴿إذْ جاءَهُمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ عَلَيْهِ بِآياتِنا ظَرْفًا ولا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِسَلْ؛ إذْ لَيْسَ سُؤالُهُ ﷺ في وقْتِ مَجِيءِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَ في الكَشْفِ: والمَعْنى: فاسْألْ يا مُحَمَّدُ مُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ عَنْ ذَلِكَ؛ إمّا لِأنَّ تَظاهُرَ الأدِلَّةِ أقْوى، وإمّا مِن بابِ التَّهْيِيجِ والإلْهابِ، وإمّا لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهُ أمْرٌ مُحَقَّقٌ عِنْدَهم ثابِتٌ في كِتابِهِمْ ولَيْسَ المَقْصُودُ حَقِيقَةَ السُّؤالِ بَلْ كَوْنَهم أعْنِي المَسْؤُولِينَ مِن أهْلِ عِلْمِهِ ولِهَذا يُؤْمَرُ مِثْلُكَ بِسُؤالِهِمْ وهَذا هو الوَجْهُ الَّذِي يُحْمَلُ بِهِ مَوْقِعُ الِاعْتِراضِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا بِ «اذْكُرْ» مُضْمَرًا عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ وجازَ عَلى هَذا أنْ لا يُجْعَلَ ﴿فاسْألْ﴾ اعْتِراضًا ويُجْعَلَ اذْكُرْ بَدَلًا عَنِ اسْألْ لِما سَمِعْتَ مِن أنَّ السُّؤالَ لَيْسَ عَلى حَقِيقَتِهِ، وكَذا جُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا كَذَلِكَ بِ «يُخْبِرُوكَ» مُضْمَرًا وقَعَ جَوابَ الأمْرِ أيْ سَلْهم يُخْبِرُوكَ إذْ جاءَهم. ولا يَجُوزُ عَلى هَذا الِاعْتِراضُ، نَعَمْ يَجُوزُ الِاعْتِراضُ عَلى هَذا بِأنْ أخْبَرَ يَتَعَدّى بِالباءِ أوْ عَنْ لا بِنَفَسِهِ فَيَجِبُ أنْ يُقَدَّرَ بَدَلَ الإخْبارِ الذِّكْرُ ونَحْوُهُ مِمّا يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ وإمّا جَعْلُهُ ظَرْفًا لَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ إذِ الإخْبارُ غَيْرُ واقِعٍ في وقْتِ المَجِيءِ، واعْتُرِضَ أيْضًا بِأنَّ السُّؤالَ عَنِ الآياتِ والجَوابَ بِالإخْبارِ عَنْ وقْتِ المَجِيءِ أوْ ذِكْرِهِ لا يُلائِمُهُ. ويُمْكِنُ الجَوابُ بِأنَّ المُرادَ يُخْبِرُوكَ بِذَلِكَ الواقِعِ وقْتَ مَجِيئِهِ لَهم أوْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ لَكَ وهو كَما تَرى، وبَعْضُهم جَوَّزَ تَعَلُّقَهُ بِ «يُخْبِرُوكَ» عَلى أنَّ إذْ لِلتَّعْلِيلِ، وعَلى هَذا يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِ «اذْكُرْ»، والمَعْنى عَلى سائِرِ احْتِمالاتِ كَوْنِ الخِطابِ لِنَبِيِّنا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إذْ جاءَ آباءَهم إذْ بَنُو إسْرائِيلَ حِينَئِذٍ هُمُ المَوْجُودُونَ في زَمانِهِ ﷺ ومُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ما جاءَهم فالكَلامُ إمّا عَلى حَذْفِ مُضافٍ أوْ عَلى ارْتِكابِ نَوْعٍ مِنَ الِاسْتِخْدامِ، والِاحْتِمالاتُ عَلى تَقْدِيرِ جَعْلِ الخِطابِ لِمَن يَسْمَعُ هي الِاحْتِمالاتُ الَّتِي سُمِعَتْ عَلى تَقْدِيرِ جَعْلِهِ لِسَيِّدِ السّامِعِينَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. والفاءُ في ﴿فَقالَ﴾ عَلى سائِرِ الِاحْتِمالاتِ والأوْجُهِ فَصِيحَةٌ والمَعْنى: إذْ جاءَهم فَذَهَبَ إلى فِرْعَوْنَ وادَّعى النُّبُوَّةَ وأظْهَرَ المُعْجِزَةَ وكَيْتَ وكَيْتَ فَقالَ: ﴿إنِّي لأظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُورًا﴾ سُحِرْتَ فاخْتَلَّ عَقْلُكَ ولِذَلِكَ اخْتَلَّ كَلامُكَ (p-185)وادَّعَيْتَ ما ادَّعَيْتَ وهو كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْكم لَمَجْنُونٌ﴾ . وقالَ الفَرّاءُ والطَّبَرِيُّ: مَسْحُورًا بِمَعْنى ساحِرًا عَلى النَّسَبِ أوْ حَقِيقَةً وهو يُناسِبُ قَلْبَ العَصا ونَحْوَهُ عَلى تَفْسِيرِ الآياتِ بِالمُعْجِزاتِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب