الباحث القرآني
(p-205)﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِمّا خَلَقَ﴾ مِن غَيْرِ صُنْعِ مِنكم ﴿ظِلالا﴾ أشْياءً تَسْتَظِلُّونَ بِها مِنَ الغَمامِ والشَّجَرِ والجِبالِ وغَيْرِها وهو الَّذِي يَقْتَضِيهِ الظّاهِرُ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ قَتادَةَ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما ومُجاهِدٍ الِاقْتِصارُ عَلى الغَمامِ، وعَنِ الزَّجّاجِ وقَتادَةَ أيْضًا الِاقْتِصارُ عَلى الشَّجَرِ، وعَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ الِاقْتِصارُ عَلى الشَّجَرِ والجِبالِ ولَعَلَّ كُلَّ ذَلِكَ مِن بابِ التَّمْثِيلِ، وعَنِ ابْنِ السّائِبِ أنَّ المُرادَ ظِلالُ البُيُوتِ وهو كَما تَرى، ومِن سُبْحانِهِ بِما ذَكَرَ لِأنَّ تِلْكَ الدِّيارَ كانَتْ غالِبَةَ الحَرارَةِ ﴿وجَعَلَ لَكم مِنَ الجِبالِ أكْنانًا﴾ مَواضِعَ تَسْتَكِنُونَ فِيها مِنَ الغَيْرانِ ونَحْوِها، والواحِدُ كِنٌّ وأصْلُهُ السُّتْرَةُ مِن أكَنَّهُ وكَنَّهُ أيْ سَتَرَهُ ويُجْمَعُ عَلى أكْنانٍ وأكِنَّةٍ.
﴿وجَعَلَ لَكم سَرابِيلَ﴾ جَمْعُ سِرْبالٍ وهو كُلُّ ما يُلْبَسُ أيْ جَعَلَ لَكم لِباسًا مِنَ القُطْنِ والكَتّانِ والصُّوفِ وغَيْرِها ﴿تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ كَما قالَ المُبَرِّدُ اكْتِفاءً بِذِكْرِ أحَدِ الضِّدَّيْنِ عَنِ الآخَرِ أعْنِي البَرْدَ، ولَمْ يُخَصَّ هو بِالذِّكْرِ اكْتِفاءً لِأنَّ وِقايَةَ الحَرِّ أهَمُّ عِنْدِهِمْ لِما مَرَّ آنِفًا.
وقالَ بَعْضُهُمْ: مِنَ الرَّأْسِ خَصَّ الحَرَّ بِالذِّكْرِ لِأنَّ وِقايَتَهُ أهَمُّ. وتُعِقِّبَ دَعْوى الأهَمِّيَّةِ بِأنَّهُ يُبْعِدُها ذِكْرُ وِقايَةِ البَرْدِ سابِقًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَكم فِيها دِفْءٌ﴾ ثُمَّ قِيلَ: وهَذا وجْهُ الِاقْتِصارِ عَلى الحَرِّ هُنا لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ خِلافِهِ ثَمَّتْ.
واعْتُرِضَ بِأنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ إثْباتَ الدِّفْءِ هُناكَ يُبْعِدُ دَعْوى الأهَمِّيَّةِ بَلْ في تَغايُرِ الأُسْلُوبَيْنِ ما يُشْعِرُ بِهَذِهِ الأهَمِّيَّةِ، وقالَ الزَّجّاجُ: خُصَّ الحُرُّ بِالذِّكْرِ لِأنَّ ما يَقِي مِنَ الحَرِّ يَقِي مِنَ البَرْدِ، وذَكَرَ ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الأهَمِّيَّةِ، وقالَ في الكَشْفِ: هو الوَجْهُ، وتَخْصِيصُ الحَرِّ بِالذِّكْرِ لِما قَدَّمَهُ في الوَجْهِ الأوَّلِ يَعْنِي الأهَمِّيَّةَ، وما قِيلَ: مِن أوْلَوِيَّةِ الأوَّلِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِمّا خَلَقَ ظِلالا﴾ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأنَّهُ تَعالى عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿مِنَ الجِبالِ أكْنانًا﴾ كَيْفَ وهو في مَقامِ الِاسْتِيعابِ اه، وصاحِبُ القِيلِ هو ابْنُ المُنِيرِ، وقَدِ اعْتُرِضَ أيْضًا عَلى قَوْلِهِ: إنَّ ما يَقِي مِنَ الحَرِّ يَقِي مِنَ البَرْدِ بِأنَّهُ خِلافُ المَعْرُوفِ فَإنَّ المَعْرُوفَ أنَّ وِقايَةَ الحَرِّ رَقِيقُ القُمْصانِ ورَفِيعُها ووِقايَةَ البَرْدِ ضِدُّهُ ولَوْ لَبَسَ الإنْسانُ في كُلٍّ واحِدٍ مِنَ الفَصْلَيْنِ القَيْظِ والشِّتاءِ لِباسَ الآخَرِ لَعُدَّ مِنَ الثُّقَلاءِ اه فَتَدَبَّرْ.
﴿وسَرابِيلَ﴾ مِنَ الجَواشِنِ والدُّرُوعِ ﴿تَقِيكم بَأْسَكُمْ﴾ أيِ البَأْسَ الَّذِي يَصِلُ مِن بَعْضِكم إلى بَعْضٍ في الحُرُوبِ مِنَ الضَّرْبِ والطَّعْنِ، وقالَ بَعْضُهُمْ: أصْلُ البَأْسِ الشِّدَّةُ وأُرِيدَ بِهِ هُنا الحَرْبُ، والكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ أذى بَأْسِكُمْ، وعَلى الأوَّلِ لا حاجَةَ إلَيْهِ وقَدْ رُجِّحَ لِذَلِكَ ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ مِثْلُ ذَلِكَ الإتْمامِ لِلنِّعْمَةِ في الماضِي ﴿يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ في المُسْتَقْبَلِ، ومِن هُنا قِيلَ:
؎كَمّا أحْسَنَ اللَّهُ فِيما مَضى كَذَلِكَ يُحْسِنُ فِيما بَقِيَ
أوْ مِثْلُ هَذا الإتْمامِ البالِغِ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ، وإفْرادُ النِّعْمَةِ إمّا لِأنَّ المُرادَ بِها المَصْدَرُ أوْ لِإظْهارِ أنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلى جَنابِ الكِبْرِياءِ شَيْءٌ قَلِيلٌ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ «تَتِمُّ» بِتاءٍ مَفْتُوحَةٍ و«نِعْمَتُهُ» الرَّفْعُ عَلى الفاعِلِيَّةِ وإسْنادُ التَّمامِ إلَيْها عَلى الِاتِّساعِ، وعَنْهُ أيْضًا رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ «نِعَمُهُ» بِصِيغَةِ الجَمْعِ ﴿لَعَلَّكم تُسْلِمُونَ﴾ أيْ إرادَةَ أنْ تَنْظُرُوا فِيما أسْبَغَ عَلَيْكم مِنَ النِّعَمِ فَتَعْرِفُوا حَقَّ مُنْعِمِها فَتُؤْمِنُوا بِهِ تَعالى وحْدَهُ وتَذْرُوا ما كُنْتُمْ بِهِ تُشْرِكُونَ عَلى أنَّ الإسْلامَ بِمَعْناهُ المَعْرُوفِ أيْ رَدِيفُ الإيمانِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْناهُ اللُّغَوِيِّ وهو الِاسْتِسْلامُ والِانْقِيادُ أيْ لَعَلَّكم تَسْتَسْلِمُونَ لَهُ سُبْحانَهُ وتَنْقادُونَ لِأمْرِهِ عَزَّ وجَلَّ، وأيًّا ما كانَ فَهو مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ سَبَبِهِ كَما أُشِيرَ إلَيْهِ أوْ مُكَنّى بِهِ عَنْهُ.
(p-206)وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما «تَسْلَمُونَ» بِفَتْحِ التّاءِ واللّامِ مِنَ السَّلامَةِ أيْ تَشْكُرُونَ فَتَسْلَمُونَ مِنَ العَذابِ أوْ تَنْظُرُونَ فِيها فَتَسْلَمُونَ مِنَ الشِّرْكِ، وقِيلَ: تَسْلَمُونَ مِنَ الجِراحِ بِلَبْسِ تِلْكَ السَّرابِيلِ، ولا بَأْسَ أنْ يُفَسَّرَ ذَلِكَ بِالسَّلامَةِ مِنَ الآفاتِ مُطْلَقًا لِيَشْمَلَ آفَةَ الحَرِّ والبَرْدَ، والأقْرَبُ إلى مَعْنى قِراءَةِ الجُمْهُورِ التَّفْسِيرُ الثّانِي.
هَذا وفي بَعْضِ الآثارِ أنَّ أعْرابِيًّا سَمِعَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن بُيُوتِكم سَكَنًا﴾ إلى آخِرِ الآيَتَيْنِ فَقالَ عِنْدَ كُلِّ نِعْمَةٍ: اللَّهُمَّ نَعَمْ فَلَمّا سَمِعَ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿لَعَلَّكم تُسْلِمُونَ﴾ اللَّهُمَّ هَذا فَلا فَنَزَلَتْ
{"ayah":"وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَـٰلࣰا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَـٰنࣰا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَ ٰبِیلَ تَقِیكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَ ٰبِیلَ تَقِیكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَ ٰلِكَ یُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق