الباحث القرآني
﴿ألَمْ يَرَوْا﴾ وقَرَأ حَمْزَةُ وابْنُ عامِرٍ وطَلْحَةُ والأعْمَشُ، وابْنُ هُرْمُزَ «ألَمْ تَرَوْا» بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ عَلى أنَّهُ خِطابُ العامَّةِ، والمُرادُ بِهِمْ جَمِيعُ الخَلْقِ المُخاطَبُونَ قَبْلُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّهُ أخْرَجَكم مِن بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾ لا عَلى أنَّ المُخاطَبَ مَن وقَعَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ بِتَلْوِينِ الخِطابِ لِأنَّهُ المُناسِبُ لِلِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ ولِذا جُعِلَ قِراءَةُ الجُمْهُورِ بِياءِ الغَيْبَةِ بِاعْتِبارِ غَيْبَةِ ( يَعْبُدُونَ ) ولَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ التِفاتًا وحِينَئِذٍ فالإنْكارُ بِاعْتِبارِ انْدِراجِهِمْ في العامَّةِ، والرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ أيْ ألَمْ يَنْظُرُوا ﴿إلى الطَّيْرِ﴾ جَمْعُ طائِرٍ كَرَكْبٍ وراكِبٍ ويَقَعُ عَلى الواحِدِ أيْضًا ولَيْسَ بِمُرادٍ ويُقالُ في الجَمْعِ أيْضًا طُيُورٌ وأطْيارٌ ﴿مُسَخَّراتٍ﴾ مُذَلَّلاتٍ لِلطَّيَرانِ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ طَيَرانَها لَيْسَ بِمُقْتَضى طَبْعِها (p-203)﴿فِي جَوِّ السَّماءِ﴾ أيْ في الهَواءِ المُتَباعِدِ مِنَ الأرْضِ واللَّوْحُ والسُّكاكُ أبْعَدُ مِنهُ، وقِيلَ: الجَوُّ مَسافَةُ ما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ والجَوُّ لُغَةٌ فِيهِ، وإضافَتُهُ إلى السَّماءِ لِما أنَّهُ في جانِبِها مِنَ النّاظِرِ ولِإظْهارِ كَمالِ القُدْرَةِ، وعَنِ السُّدِّيِّ تَفْسِيرُ الجَوِّ بِالجَوْفِ وفُسِّرَتِ السَّماءُ عَلى هَذا بِجِهَةِ العُلُوِّ، والطَّيْرُ قَدْ يَطِيرُ في هَذِهِ الجِهَةِ حَتّى يَغِيبَ عَنِ النَّظَرِ ولَمْ يَعْلَمْ مُنْتَهى ارْتِفاعِهِ في الطَّيَرانِ إلّا اللَّهُ تَعالى، وعَنْ كَعْبٍ أنَّ الطَّيْرَ لا تَرْتَفِعُ أكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا.
﴿ما يُمْسِكُهُنَّ﴾ في الجَوِّ عَنِ الوُقُوعِ ﴿إلا اللَّهُ﴾ عَزَّ وجَلَّ بِقُدْرَتِهِ الواسِعَةِ فَإنَّ ثُقْلَ جَسَدِها ورِقَّةَ الهَواءِ يَقْتَضِيانِ سُقُوطَها ولا عَلاقَةَ مِن فَوْقِها ولا دِعامَةَ مِن تَحْتِها، والجُمْلَةُ إمّا حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ في ( مُسَخَّراتٍ ) أوْ مِنَ ﴿الطَّيْرِ﴾ وإمّا مُسْتَأْنَفَةٌ ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ الَّذِي ذُكِرَ مِنَ التَّسْخِيرِ في الجَوِّ والإمْساكِ فِيهِ، وقِيلَ: المُشارُ إلَيْهِ ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ والَّتِي قَبْلَها ﴿لآياتٍ﴾ دالَّةٌ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ جَلَّ شَأْنُهُ ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ مِن شَأْنِهِمْ أنْ يُؤْمِنُوا، وخُصَّ ذَلِكَ بِهِمْ لِأنَّهُمُ المُنْتَفِعُونَ بِهِ، واقْتَصَرَ الإمامُ عَلى جَعْلِ المُشارِ إلَيْهِ ما في هَذِهِ الآيَةِ قالَ: وهَذا دَلِيلٌ عَلى كَمالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى وحِكْمَتِهِ سُبْحانَهُ فَإنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ خَلَقَ الطّائِرَ خِلْقَةً مَعَها يُمْكِنُهُ الطَّيَرانُ أعْطاهُ جَناحًا يَبْسُطُهُ مَرَّةً ويُكِنُّهُ أُخْرى مِثْلَ ما يَعْمَلُ السّابِحُ في الماءِ وخَلَقَ الجَوَّ خِلْقَةً مَعَها يُمْكِنُ الطَّيَرانُ خَلَقَهُ خِلْقَةً لَطِيفَةً يَسْهُلُ بِسَبَبِها خَرْقُهُ والنَّفاذُ فِيهِ ولَوْلا ذَلِكَ لَما كانَ الطَّيَرانُ مُمْكِنًا اه.
وكَذا المَوْلى أبُو السُّعُودِ قالَ: إنَّ في ذَلِكَ الَّذِي ذُكِرَ مِن تَسْخِيرِ الطَّيْرِ لِلطَّيَرانِ بِأنْ خَلَقَها خِلْقَةً تَتَمَكَّنُ بِها مِنهُ بِأنْ جَعَلَ لَها أجْنِحَةً خَفِيفَةً وأذْنابًا كَذَلِكَ وجَعَلَ أجْسادَها مِنَ الخِفَّةِ بِحَيْثُ إذا بَسَطَتْ أجْنِحَتَها وأذْنابَها لا يُطِيقُ ثِقْلُها أنْ يَخْرُقَ ما تَحْتَها مِنَ الهَواءِ الرَّقِيقِ القَوامِ وتَخْرُقُ ما بَيْنَ يَدَيْها مِنَ الهَواءِ لِأنَّها لا تُلاقِيهِ بِحَجْمٍ كَبِيرٍ لِآياتٍ ظاهِرَةٍ، وذَكَرَ أنَّ تَسْخِيرَها بِما خَلَقَ لَها مِنَ الأجْنِحَةِ والأسْبابِ المُساعِدَةِ. وتَعَقَّبَ ذَلِكَ أبُو حَيّانَ بِقَوْلِهِ: والَّذِي نَقُولُهُ إنَّهُ كانَ يُمْكِنُ الطّائِرُ أنْ يَطِيرَ ولَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ جَناحٌ وإنَّهُ كانَ يُمْكِنُهُ خَرْقُ الشَّيْءِ الكَثِيفِ وذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى ولا نَقُولُ: إنَّهُ لَوْلا الجَناحُ ولُطْفُ الجَوِّ والآلاتُ ما أمْكَنَ الطَّيَرانُ اه وأنا لا أظُنُّ أنَّ أحَدًا يَنْفِي الإمْكانَ الذّاتِيَّ لِلطَّيَرانِ بِدُونِ الجَناحِ مَثَلًا لَكِنْ لا يَبْعُدُ نَفْيُهُ بِدُونِ لُطْفِ المَطارِ والكَثِيفُ مَتى خَرَقَ كانَ المَطارُ لَطِيفًا فافْهَمْ. واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ العَبْدَ خالِقٌ لِأفْعالِهِ، وأوَّلُها القاضِي وهو ارْتِكابٌ لِخِلافِ الظّاهِرِ لِغَيْرِ دَلِيلٍ.
{"ayah":"أَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَى ٱلطَّیۡرِ مُسَخَّرَ ٰتࣲ فِی جَوِّ ٱلسَّمَاۤءِ مَا یُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق