الباحث القرآني
﴿وأوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ﴾ ألْهَمَها وألْقى في رُوعِها وعَلَّمَها بِوَجْهٍ لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّطِيفُ الخَبِيرُ وفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الإيحاءَ إلَيْها بِتَسْخِيرِها لِما أُرِيدَ مِنها، ومُنِعُوا أنْ يَكُونَ المُرادُ حَقِيقَةَ الإيحاءِ لِأنَّهُ إنَّما يَكُونُ لِلْعُقَلاءِ ولَيْسَ النَّحْلُ مِنها. نَعَمْ يَصْدُرُ مِنها أفْعالٌ ويُوجَدُ فِيها أحْوالٌ يُتَخَيَّلُ بِها أنَّها ذَواتُ عُقُولٍ وصاحِبَةُ فَضْلٍ تَقْصُرُ عَنْهُ الفُحُولُ، فَتَراها يَكُونُ بَيْنَها واحِدٌ كالرَّئِيسِ هو أعْظَمُها جُثَّةً يَكُونُ نافِذَ الحُكْمِ عَلى سائِرِها والكُلُّ يَخْدِمُونَهُ ويَحْمِلُونَ عَنْهُ وسُمِّيَ اليَعْسُوبَ والأمِيرَ، وذَكَرُوا أنَّها إذا نَفَرَتْ عَنْ وكْرِها ذَهَبَتْ بِجَمْعِيَّتِها إلى مَوْضِعٍ آخَرَ فَإذا أرادُوا عَوْدَها إلى وكْرِها ضَرَبُوا لَها الطُّبُولَ وآلاتِ المُوسِيقى (p-182)ورَدُّوها بِواسِطَةِ تِلْكَ الألْحانِ إلى وكْرِها، وهي تَبْنِي البُيُوتَ المُسَدَّسَةَ مِن أضْلاعٍ مُتَساوِيَةٍ والعُقَلاءُ لا يُمْكِنُهم ذَلِكَ إلّا بِآلاتٍ مِثْلَ المِسْطَرَةِ والفِرْجارِ وتَخْتارُها عَلى غَيْرِها مِنَ البُيُوتِ المُشَكَّلَةِ بِأشْكالٍ أُخَرَ كالمُثَلَّثاتِ والمُرَبَّعاتِ والمُخَمَّساتِ وغَيْرِها، وفي ذَلِكَ سِرٌّ لَطِيفٌ فَإنَّهم قالُوا: ثَبَتَ في الهَنْدَسَةِ أنَّها لَوْ كانَتْ مُشَكَّلَةً بِأشْكالٍ أُخَرَ يَبْقى فِيما بَيْنَها بِالضَّرُورَةِ فُرَجٌ خالِيَةٌ ضائِعَةٌ ولَها أحْوالٌ كَثِيرَةٌ عَجِيبَةٌ غَيْرُ ذَلِكَ قَدْ شاهَدَها كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وسُبْحانَ مَن أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ثُمَّ هَدى. والصُّوفِيَّةُ عَلى ما ذَكَرَهُ الشَّعَرانِيُّ في غَيْرِ مَوْضِعٍ لا يَمْنَعُونَ إرادَةَ الحَقِيقَةِ، وقَدْ أثْبَتُوا في سائِرِ الحَيَواناتِ رُسُلًا وأنْبِياءَ والشَّرْعُ يَأْبى ذَلِكَ. وذَهَبَ بَعْضُ حُكَماءِ الأشْراقِ إلى ثُبُوتِ النَّفْسِ النّاطِقَةِ لِجَمِيعِ الحَيَواناتِ وأكادُ أُسَلِّمُ لَهم ذَلِكَ ولَمْ نَسْمَعْ عَنْ أحَدٍ غَيْرَ الصُّوفِيَّةِ القَوْلَ بِما سَمِعْتُ عَنْهُمْ، والنَّحْلُ جِنْسٌ واحِدُهُ نَحْلَةٌ ويُؤَنَّثُ في لُغَةِ الحِجازِ ولِذَلِكَ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿أنِ اتَّخِذِي﴾ وقَرَأ ابْنُ وثّابٍ «النَّحَلُ» بِفَتْحَتَيْنِ وهو يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ لُغَةً وأنْ يَكُونَ اتِّباعًا لِحَرَكَةِ النُّونِ، ( وأنِ ) إمّا مَصْدَرِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ باءِ المُلابَسَةِ أيْ بِأنِ اتَّخِذِي أوْ تَفْسِيرِيَّةٌ وما بَعْدَها مُفَسِّرٌ لِلْإيحاءِ لِأنَّ فِيهِ بِاعْتِبارِ مَعْناهُ المَشْهُورِ مَعْنى القَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ، وذَلِكَ كافٍ في جَعْلِها تَفْسِيرِيَّةً: وقَدْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ أبُو حَيّانَ أوْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ فَقالَ: إنَّ ذَلِكَ نَظَرًا لِأنَّ الوَحْيَ هُنا بِمَعْنى الإلْهامِ إجْماعًا ولَيْسَ في الإلْهامِ مَعْنى القَوْلِ ﴿مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا﴾ أوْكارًا، وأصْلُ البَيْتِ مَأْوى الإنْسانِ واسْتُعْمِلَ هُنا في الوَكْرِ الَّذِي تَبْنِيهِ النَّحْلُ لِتَعْسِلَ فِيهِ تَشْبِيهًا لَهُ بِما يَبْنِيهِ الإنْسانُ لِما فِيهِ مِن حُسْنِ الصَّنْعَةِ والقِسْمَةِ كَما سَمِعْتُ: وقُرِئَ «بِيُوتًا» بِكَسْرِ الباءِ لِمُناسَبَةِ الياءِ وإلّا فَجُمِعَ فِعْلٌ عَلى فُعُولٍ بِالضَّمِّ.
﴿ومِنَ الشَّجَرِ ومِمّا يَعْرِشُونَ﴾ أيْ يُعَرِّشُهُ النّاسُ أيْ يَرْفَعُهُ مِنَ الكُرُومِ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ زَيْدِ وغَيْرِهِ أوِ السُّقُوفُ كَما نُقِلَ عَنِ الطَّبَرِيِّ أوْ أعَمُّ مِنهُما كَما قالَ البَعْضُ، (ومِنَ) في المَواضِعِ الثَّلاثَةِ لِلتَّبْعِيضِ بِحَسَبِ الإفْرادِ وبِحَسَبِ الإجْزاءِ فَإنَّ النَّحْلَ لا يَبْنِي في كُلِّ شَجَرٍ وكُلِّ جَبَلٍ وكُلِّ ما يُعَرَّشُ ولا في كُلِّ مَكانٍ مِن ذَلِكَ، وبَعْضُهم قالَ: إنَّ ( مِنَ ) لِلتَّبْعِيضِ بِحَسَبِ الإفْرادِ فَقَطْ، والمَعْنى الآخَرُ مَعْلُومٌ مِن خارِجٍ لا مِن مَدْلُولِ ( مِنَ ) إذْ لا يَجُوزُ اسْتِعْمالُها فِيهِما ولِمَوْلانا ابْنِ كَمالٍ تَأْلِيفٌ مُفْرَدٌ في المَسْألَةِ فَلْيُراجَعْ، وأيًّا ما كانَ فَفِيهِ مَعَ ما يَأْتِي قَرِيبًا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى مِنَ البَدِيعِ صَنْعَةُ الطِّباقِ، وتَفْسِيرُ البُيُوتِ بِما تَبْنِيهِ هو الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُ واحِدٍ، وقالَ أبُو حَيّانَ: الظّاهِرُ أنَّها عِبارَةٌ عَنِ الكُوى الَّتِي تَكُونُ في الجِبالِ وفي مُتَجَوِّفِ الأشْجارِ والخَلايا الَّتِي يَصْنَعُها ابْنُ آدَمَ لِلنَّحْلِ والكُوى الَّتِي تَكُونُ في الحِيطانِ، ولَمّا كانَ النَّحْلُ نَوْعَيْنِ مِنهُ مِن مَقَرِّهِ في الجِبالِ والغِياضِ ولا يَتَعَهَّدُهُ أحَدٌ ومِنهُ ما يَكُونُ في بُيُوتِ النّاسِ ويُتَعَهَّدُ في الخَلايا ونَحْوِها، شَمِلَ الأمْرُ بِالِاتِّخاذِ البُيُوتَ النَّوْعَيْنِ.
{"ayah":"وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِی مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُیُوتࣰا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا یَعۡرِشُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق