الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وما أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ إلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ شَدِيدُ المُلائَمَةِ عَلى هَذا الوَجْهِ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ هُنالِكَ: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾، ولِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إلَيْهِمْ﴾ وفِيهِ أنَّ مَنِ اسْتَبانَ لَهُ الهُدى بِهَذا البَيانِ اسْتَغْنى عَنْ ذَلِكَ البَيانِ حَيْثُ لا يَنْفَعُهُ إلّا العِلْمُ بِكَذِبِهِ وهَذا أنْسَبُ لِتَأْلِيفِ النَّظْمِ اه. وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ احْتِمالَ العَطْفِ بَعِيدٌ، والمُرادُ بِالكِتابِ القُرْآنُ فَإنَّهُ الحَقِيقُ بِهَذا الِاسْمِ، والِاسْتِثْناءُ مُفَرَّغٌ مِن أعَمِّ العِلَلِ أيْ ما أنْزَلْناهُ عَلَيْكَ لِعِلَّةٍ مِنَ العِلَلِ إلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ما اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ البَعْثِ وقَدْ كانَ فِيهِمْ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وأشْياءَ مِنَ التَّحْلِيلِ والتَّحْرِيمِ والإقْرارِ والإنْكارِ ومُقْتَضى رُجُوعِ الضَّمائِرِ السّابِقَةِ إلى الأُمَمِ السّالِفَةِ أنْ يَرْجِعَ ضَمِيرُ (إلَيْهِمْ) و(اخْتَلَفُوا) إلَيْهِمْ أيْضًا لَكِنْ مَنَعَ عَنْهُ عَدَمُ تَأتِّي تَبْيِينِ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ لَهم فَمِنهم مَن جَعَلَهُ راجِعًا إلى قُرَيْشٍ لِأنَّ البَحْثَ فِيهِمْ ومِنهم مَن جَعَلَهُ راجِعًا إلى النّاسِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ اخْتِصاصٍ ذَلِكَ بقُرَيْشٍ ويَدْخُلُونَ فِيهِ دُخُولًا أوَّلِيًّا. ﴿وهُدًى ورَحْمَةً﴾ عَظِيمَيْنِ ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ خَصَّهم بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِمُ المُغْتَنِمِينَ آثارَهُ. والِاسْمانِ- قالَ أبُو حَيّانَ: - في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى أنَّهُما مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ والنّاصِبُ ( أنْزَلْنا ) ولَمّا اتَّحَدَ الفاعِلُ في العِلَّةِ والمَعْلُولِ وصَلَ الفِعْلُ لَهُما بِنَفْسِهِ، ولَمّا لَمْ يَتَّحِدْ في ( لِتُبَيِّنَ ) لِأنَّ فاعِلَ الإنْزالِ هو اللَّهُ تَعالى لا الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وصَلَتِ العِلَّةُ بِالحَرْفِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُما مَعْطُوفانِ عَلى مَحَلِّ ( لِتُبَيِّنَ ) وهو لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأنَّ مَحَلَّهُ لَيْسَ نَصْبًا فَيُعْطَفُ مَنصُوبٌ عَلَيْهِ، ألا تَرى أنَّهُ لَوْ نَصَبَ لَمْ يَجُزْ لِاخْتِلافِ الفاعِلِ اه. وتُعِقِّبَ بِأنَّ مَعْنى كَوْنِهِ في مَحَلِّ نَصْبٍ أنَّهُ في مَحَلٍّ لَوْ خَلا مِنَ المَوانِعِ ظَهَرَ نَصْبُهُ وهو هُنا كَذَلِكَ لِمَن تَأمَّلَ فَقَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لَأنَّ مَحَلَّهُ لَيْسَ نَصْبًا لَيْسَ عَلى ما يَنْبَغِي. وقالَ الحَلَبِيُّ: إنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ إذْ لا خِلافَ في أنَّ مَحَلَّ الجارِّ والمَجْرُورِ النَّصْبُ ولِذا أجازُوا مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وعَمْرًا بِالعَطْفِ عَلى المَحالِّ ولِلْخَفاجِيِّ هاهُنا كَلامٌ إنْ أرَدْتَهُ فارْجِعْ إلَيْهِ وراجِعْ، ولَعَلَّهُ إنَّما قُدِّمَتْ عِلَّةُ التَّبْيِينِ عَلى عِلَّتَيِ الهُدى والرَّحْمَةِ (p-175)لِتَقَدُّمِهِ في الوَجْهِ في الوُجُودِ عَلَيْهِما
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب