الباحث القرآني

﴿وإذا بُشِّرَ أحَدُهم بِالأُنْثى﴾ أيْ أُخْبِرَ بِوِلادَتِها، وأصْلُ البِشارَةِ الإخْبارُ بِما يَسُرُّ لَكِنْ لَمّا كانَتْ وِلادَةُ الأُنْثى تَسُوءُهم حُمِلَتْ عَلى مُطْلَقِ الإخْبارِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِشارَةً بِاعْتِبارِ الوِلادَةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِها وقِيلَ: إنَّهُ بِشارَةٌ حَقِيقَةٌ بِالنَّظَرِ إلى حالِ المُبَشَّرِ بِهِ في نَفْسِ الأمْرِ، وأيًّا ما كانَ فالكَلامُ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ كَما أشَرْنا إلَيْهِ ﴿ظَلَّ وجْهُهُ﴾ أيْ صارَ ﴿مُسْوَدًّا﴾ مِنَ الكَآبَةِ والحَياءِ مِنَ النّاسِ، وأصْلُ مَعْنى ظَلَّ أقامَ نَهارًا عَلى الصِّفَةِ الَّتِي تُسْنَدُ إلى الِاسْمِ، ولَمّا كانَ التَّبْشِيرُ قَدْ يَكُونُ في اللَّيْلِ وقَدْ يَكُونُ في النَّهارِ فُسِّرَ بِما ذُكِرَ وقَدْ تَلْحَظُ الحالَةَ الغالِبَةَ بِناءً عَلى أنَّ أكْثَرَ الوِلاداتِ يَكُونُ بِاللَّيْلِ ويَتَأخَّرُ إخْبارُ المَوْلُودِ لَهُ إلى النَّهارِ خُصُوصًا بِالأُنْثى فَيَكُونُ ظُلُولُهُ عَلى ذَلِكَ الوَصْلِ طُولَ النَّهارِ واسْوِدادُ الوَجْهِ كِنايَةٌ عَنِ العُبُوسِ والغَمِّ والفِكْرَةِ والنَّفْرَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُ بِوِلادَةِ الأُنْثى، قِيلَ: إذا قَوِيَ الفَرَحُ انْبَسَطَ رَوْحُ القَلْبِ مِن داخِلِهِ ووَصَلَ إلى الأطْرافِ لا سِيَّما إلى الوَجْهِ لِما بَيْنَ القَلْبِ والدِّماغِ مِنَ التَّعَلُّقِ الشَّدِيدِ فَيُرى مُشْرِقًا مُتَلَأْلِئًا، وإذا قَوِيَ الغَمُّ انْحَصَرَ الرَّوْحُ إلى باطِنِ القَلْبِ ولَمْ يَبْقَ لَهُ أثَرٌ قَوِيٌّ في ظاهِرِ الوَجْهِ فَيَرْبَدُّ ويَتَغَيَّرُ ويَصْفَرُّ ويَسْوَدُّ ويَظْهَرُ فِيهِ أثَرُ الأرْضِيَّةِ، فَمِن لَوازِمِ الفَرَحِ اسْتِنارَةُ الوَجْهِ وإشْراقُهُ ومِن لَوازِمِ الغَمِّ والحُزْنِ ارْبِدادُهُ واسْوِدادُهُ فَلِذَلِكَ كُنِّيَ عَنِ الفَرَحِ بِالِاسْتِنارَةِ وعَنِ الغَمِّ بِالِاسْوِدادِ، ولَوْ قِيلَ بِالمَجازِ لَمْ يَبْعُدْ بَلْ قالَ بَعْضُهم «إنَّهُ الظّاهِرُ» والظّاهِرُ أنَّ ( وجْهُهُ ) اسْمُ ظَلَّ (ومُسْوَدًّا) خَبَرُهُ، وجُوِّزَ كَوْنُ الِاسْمِ ضَمِيرًا لِـ أحَدٌ ووَجْهُهُ بَدَلًا مِنهُ ولَوْ رُفِعَ ( مُسْوَدًّا ) عَلى أنَّ ( وجْهُهُ ) مُبْتَدَأٌ وهو خَبَرٌ لَهُ والجُمْلَةُ خَبَرُ ( ظَلَّ ) صَحَّ لَكِنَّهُ لَمْ يُقْرَأْ بِذَلِكَ هُنا ﴿وهُوَ كَظِيمٌ﴾ أيْ مَمْلُوءٌ غَيْظًا وأصْلُ الكَظْمِ مَخْرَجُ النَّفَسِ يُقالُ: أخَذَ بِكَظْمِهِ إذا أُخِذَ بِمَخْرَجِ نَفَسِهِ، ومِنهُ كَظْمُ الغَيْظِ خَفاؤُهُ وحَبْسُهُ عَنِ الوُصُولِ إلى مَخْرِجِهِ. وفَعِيلٌ إمّا بِمَعْنى مَفْعُولٍ كَما أُشِيرَ إلَيْهِ أوْ صِيغَةُ مُبالَغَةٍ، والظّاهِرُ أنَّ ذَلِكَ الغَيْظَ عَلى المَرْأةِ حَيْثُ ولَدَتْ أُثْنى ولَمْ تَلِدْ ذَكَرًا، ويُؤَيِّدْهُ ما رَوى الأصْمَعِيُّ أنَّ امْرَأةً ولَدَتْ بِنْتًا سَمَّتْها الذَّلْفاءَ فَهَجَرَها زَوْجُها فَأنْشَدَتْ: ؎ما لِأبِي الذَّلْفاءِ لا يَأْتِينا يَظَلُّ في البَيْتُ الَّذِي يَلِينا ؎يَحْرِدُ أنْ لا نَلِدَ البَنِينا ∗∗∗ وإنَّما نَأْخُذُ ما يُعْطِينا والفَقِيرُ قَدْ رَأيْتَ مَن طَلَّقَ زَوْجَتَهُ لِأنْ ولَدَتْ أُنْثى، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في ( ظَلَّ ) وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ حالًا مِن وجْهٍ، وجَوَّزَ غَيْرُهُ أيْضًا حالِيَّتَهُ مِن ضَمِيرِ ( مُسْوَدًّا
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب