الباحث القرآني
﴿أوْ يَأْخُذَهم عَلى تَخَوُّفٍ﴾ أيْ مَخافَةٍ وحَذَرٍ مِنَ الهَلاكِ والعَذابِ بِأنْ يُهْلِكَ قَوْمًا قَبْلَهم أوْ يُحْدِثَ حالاتٍ (p-152)يُخافُ مِنها غَيْرَ ذَلِكَ كالرِّياحِ الشَّدِيدَةِ والصَّواعِقِ والزَّلازِلِ فَيَتَخَوَّفُوا فَيَأْخُذَهم بِالعَذابِ وهم مُتَخَوِّفُونَ ويُرْوى نَحْوُهُ عَنِ الضَّحّاكِ، وهو عَلى ما قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ ويَقْتَضِيهِ كَلامُ ابْنِ بَحْرٍ خِلافَ قَوْلِهِ تَعالى: ( مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ) .
وقالَ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ الأجِلَّةِ: عَلى أنْ يَنْقُصَهم شَيْئًا فَشَيْئًا في أنْفُسِهِمْ وأمْوالِهِمْ حَتّى يَهْلَكُوا مِن تَخَوِفَتِهِ إذا تَنَقَّصَتْهُ، ورُوِيَ تَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ والضَّحّاكِ أيْضًا.
وذَكَرَ الهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ أنَّ التَّنَقُّصَ بِهَذا المَعْنى لُغَةُ أزْدِشَنُوءَةَ، ويُرْوى أنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ عَلى المِنبَرِ ما تَقُولُونَ فِيها أيِ الآيَةِ والتَّخَوُّفِ مِنها؟ فَسَكَتُوا فَقامَ شَيْخٌ مِن هُذَيْلٍ فَقالَ: هَذِهِ لُغَتُنا التَّخَوُّفُ التَّنَقُّصُ فَقالَ: هَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِكَ في أشْعارِها؟ فَقالَ: نَعَمْ قالَ شاعِرُنا أبُو كَبِيرٍ يَصِفُ ناقَتَهُ:
؎تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنها تامِكًا قِرْدًا كَما تَخَوَّفَ عُودُ النَّبْعَةِ السُّفُنَ
فَقالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: عَلَيْكم بِدِيوانِكم لا تَضِلُّوا قالُوا: وما دِيوانُنا؟ قالَ: شِعْرُ الجاهِلِيَّةِ فَإنَّ فِيهِ تَفْسِيرَ كِتابِكم ومَعانِيَ كَلامِكُمْ، والجارُّ والمَجْرُورُ قالَ أبُو البَقاءِ: في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الفاعِلِ أوِ المَفْعُولِ في يَأْخُذُهم.
وقالَ الخَفاجِيُّ: الظّاهِرُ أنَّهُ حالٌ مِنَ المَفْعُولِ وكَأنَّهُ أرادَ عَلى تَفْسِيرَيِ التَّخَوُّفِ ويَتَخَوَّفُ مِنَ الجَزَعِ بِهِ عَلى التَّفْسِيرِ الثّانِي، والمُرادُ مِن ذِكْرِ هَذِهِ المُتَعاطِفاتِ بَيانُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى عَلى إهْلاكِهِمْ بِأيِّ وجْهٍ كانَ لا الحَصْرُ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمُ اعْتَبَرَ في التَّقابُلِ بَيْنَهُما أنَّ المُرادَ بِخَسْفِ الأرْضِ بِهِمْ إهْلاكُهم مِن تَحْتِهِمْ وبِإتْيانِ العَذابِ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ إهْلاكُهم مِن فَوْقِهِمْ وحَيْثُ قُوبِلا بِإهْلاكِهِمْ في تَقَلُّبِهِمْ وأسْفارِهِمْ كانَ المُعْتَبَرُ فِيهِما سُكُونَهم في مَساكِنِهِمْ وأوْطانِهِمْ والمُقابَلَةُ بَيْنَ أخْذِهِمْ عَلى تَخَوُّفٍ عَلى المَعْنى الأوَّلِ والأخْذِ بَغْتَةً المُشْعِرِ بِهِ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ظاهِرَةٌ، واعْتُبِرَ عَدَمُ الشُّعُورِ في الأخْذِ في التَّقَلُّبِ والخَسْفِ لِقَرِينَةِ الأخْذِ عَلى تَخَوُّفٍ عَلى ذَلِكَ المَعْنى وحُمِلَ سائِرُها عَلى عَذابِ الِاسْتِئْصالِ دُونَ الأخْذِ عَلى تَخَوُّفٍ عَلى المَعْنى الثّانِي ومُجْمَلُ القَوْلِ في ذَلِكَ أنَّهُ اعْتُبِرَ في كُلِّ اثْنَيْنِ مِنَ الأرْبَعَةِ مَنعُ الجَمْعِ لَكِنْ بَعْدَ أنْ يُرادَ بِالعامِّ مِنهُما لِلْمُقابَلَةِ ما عَدا الخاصَّ سَواءٌ كانَ بَيْنَ الاثْنَيْنِ عُمُومٌ مِن وجْهٍ أوْ مُطْلَقًا.
وذَكَرَ الإمامُ، وابْنُ الخازِنِ في حاصِلِ الآيَةِ أنَّهُ تَعالى خَوَّفَهم بِخَوْفٍ يَحْصُلُ في الأرْضِ بِعَذابٍ يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ أوْ بِآفاتٍ تَحْدُثُ دَفْعَةً أوْ بِآفاتٍ تَأْتِي قَلِيلًا إلى أنْ يَأْتِيَ الهَلاكُ عَلى آخِرِهِمْ، وكانَ الظّاهِرُ في الآيَةِ أنْ يُقالَ: أوْ يُعَذِّبُهم مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ لِيُناسِبَ ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ بِناءً عَلى أنَّ إسْنادَ الفِعْلِ فِيهِما إلَيْهِ تَعالى وما قَبْلَهُ فَقَطْ بِناءً عَلى أنَّ إسْنادَ الفِعْلِ فِيما بَعْدُ إلى العَذابِ مَعَ كَوْنِهِ أخْصَرَ مِمّا في النَّظْمِ الجَلِيلِ لَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ إلى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ أبْلَغَ في التَّخْوِيفِ وأدَلَّ عَلى اسْتِحْقاقِ العَذابِ مِن حَيْثُ إنَّ فِيهِ إشْعارًا بِأنَّ هُناكَ عَذابًا مَوْجُودًا مُهَيَّئًا لا يَحْتاجُ إلّا إلى الإتْيانِ دُونَ الإحْداثِ ولَيْسَ فِي- يُعَذِّبُهُمْ- إشْعارٌ كَذَلِكَ عَلى أنَّ ما في النَّظْمِ الجَلِيلِ أبْعَدُ مِن أنْ يُتَوَهَّمَ فِيهِ مَعْنًى غَيْرُ صَحِيحٍ كَما يُتَوَهَّمُ في البَدَلِ المَفْرُوضِ حَيْثُ يُتَوَهَّمُ فِيهِ أنَّهُ سُبْحانَهُ يُعَذِّبُهم مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ بِالعَذابِ وهو كَما تَرى. وحَيْثُ كانَتْ حالَتا التَّقَلُّبِ والتَّخَوُّفِ مَظِنَّةً لِلْهَرَبِ عَبَّرَ عَنْ إصابَةِ العَذابِ فِيهِما بِالأخْذِ وعَنْ إصابَتِهِ حالَةَ الغَفْلَةِ المُنْبِئَةَ عَنِ السُّكُونِ بِالإتْيانِ وجِيءَ بِفي مَعَ التَّقَلُّبِ وبِعَلى مَعَ التَّخَوُّفِ قِيلَ: لِأنَّ في التَّقَلُّبِ حَرَكَتَيْنِ فَكانَ الشَّخْصُ المُتَقَلِّبُ بَيْنَهُما ولا كَذَلِكَ (p-153)التَّخَوُّفُ، وقِيلَ لَمّا كانَ التَّقَلُّبُ شاغِلًا الإنْسانَ بِسائِرِ جَوارِحِهِ حَتّى كَأنَّهُ مُحِيطٌ بِهِ وهو مَظْرُوفٌ فِيهِ جِيءَ بِنَفْيٍ مَعَهُ، والتَّخَوُّفُ أيِ المَخافَةُ إنَّما يَقُومُ بِعُضْوٍ مِن أعْضائِهِ فَقَطْ وهو القَلْبُ المُحِيطُ بِهِ بَدَنُ الإنْسانِ فَلِذا جِيءَ بِعَلى مَعَهُ، وقِيلَ: إنَّ عَلى بِمَعْنى مَعَ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وآتى المالَ عَلى حُبِّهِ﴾ [البَقَرَةِ: 177] أيْ يَأْخُذُهم مُصاحِبِينَ لِذَلِكَ ولَمّا كانَ التَّخَوُّفُ نَفْسُهُ نَوْعًا مِنَ العَذابِ لِما فِيهِ مِن تَألُّمِ القَلْبِ ومَشْغُولِيَّةِ الذِّهْنِ وكانَ الأخْذُ مُشِيرًا إلى نَوْعٍ آخَرَ مِنَ العَذابِ أيْضًا جِيءَ بِعَلى الَّتِي بِمَعْنى مَعَ لِيَكُونَ المَعْنى يُعَذِّبُهم مَعَ عَذابِهِمْ ولَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ مَعَ التَّقَلُّبِ مُرادًا بِهِ الإقْبالُ والإدْبارُ في الأسْفارِ والمَتاجِرِ مَعَ أنَّهُ جاءَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذابِ».
لِأنَّهم لا يَعُدُّونَ ذَلِكَ عَذابًا وفي القَلْبِ مِن هَذا شَيْءٌ فَتَدَبَّرْ وتَأمَّلْ فَأسْرارُ كِتابِ اللَّهِ تَعالى لا تُحْصى ﴿فَإنَّ رَبَّكم لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ جَعَلَهُ ابْنُ بَحْرٍ تَعْلِيلًا لِلْأخْذِ عَلى تَخَوُّفٍ بِناءً عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ أخْذُهم عَلى حُدُوثِ حالاتٍ يُخافُ مِنها كالرِّياحِ الشَّدِيدَةِ والصَّواعِقِ والزَّلازِلِ لا بَغْتَةً فَإنَّ في ذَلِكَ امْتِدادَ وقْتٍ ومُهْلَةٍ يُمْكِنُ فِيها التَّلافِي فَكَأنَّهُ قِيلَ: أوْ يَأْخُذُهم عَلى تَخَوُّفٍ ولا يُفاجِئُهم لِأنَّهُ سُبْحانَهُ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وذَلِكَ أنْسَبُ بِرَأْفَتِهِ ورَحْمَتِهِ جَلَّ وعَلا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِذَلِكَ عَلى المَعْنى الأخِيرِ فَإنَّ في تَنَقُّصِهِمْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ دُونَ أخْذِهِمْ دُفْعَةً إمْهالًا في الجُمْلَةِ وهو مُطْلَقًا مِن آثارِ الرَّحْمَةِ، وقِيلَ: هو تَعْلِيلٌ لِما يُفْهَمُ مِنَ الآيَةِ مِن أنَّهُ سُبْحانَهُ قادِرٌ عَلى إهْلاكِهِمْ بِأيِّ وجْهٍ كانَ لَكِنَّهُ تَعالى لَمْ يَفْعَلْ، وقِيلَ: هو كالتَّعْلِيلِ لِلْأمْنِ المُسْتَفْهَمِ عَنْهُ، والتَّعْبِيرُ بِعُنْوانِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِ الخِطابِ مِن آثارِ رَحْمَتِهِ جَلَّ شَأْنُهُ.
{"ayah":"أَوۡ یَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّفࣲ فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق