الباحث القرآني

﴿أفَأمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ﴾ هم عِنْدَ أكْثَرِ المُفَسِّرِينَ أهْلُ مَكَّةَ الَّذِينَ مَكَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ورامُوا صَدَّ أصْحابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم عَنِ الإيمانِ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُما عَنْ مُجاهِدٍ (p-151)أنَّهم نَمْرُوذُ بْنُ كَنْعانَ وقَوْمُهُ، وعَمَّمَ بَعْضُهم فَقالَ: هُمُ الَّذِينَ احْتالُوا لِهَلاكِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وتُعُقِّبَ بِأنَّ المُرادَ تَحْذِيرُ أهْلِ مَكَّةَ عَنْ إصابَةِ ما أصابَ الأوَّلِينَ مِن فُنُونِ العَذابِ المَعْدُودَةِ فالمُعَوَّلُ عَلَيْهِ ما عِنْدَ الأكْثَرِ، و«السَّيِّئاتِ» نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيْ مَكَرُوا المَكَراتِ السَّيِّئاتِ الَّتِي قُصَّتْ عَنْهم أوْ مَفْعُولٌ بِهِ لِلْفِعْلِ المَذْكُورِ عَلى تَضْمِينِهِ مَعْنى فِعْلٍ مُتَعَدٍّ كَعَمِلَ أيْ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ماكِرِينَ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ﴾ مَفْعُولٌ لِأمِنَ أوِ ( السَّيِّئاتِ ) مَفْعُولٌ لِأمِنَ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ أوْ تَجَوُّزٍ أيْ عِقابَ السَّيِّئاتِ أوْ عَلى أنَّ ( السَّيِّئاتِ ) بِمَعْنى العُقُوباتِ الَّتِي تَسُوءُهُمْ، (وأنْ يَخْسِفَ) بَدَلٌ مِن ذَلِكَ وعَلى كُلِّ حالٍ فالفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ النَّظْمُ الكَرِيمُ أيْ أنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبِيَّنَ لَهم مَضْمُونَهُ الَّذِي مِن جُمْلَتِهِ أنْباءُ الأُمَمِ المُهْلَكَةِ بِفُنُونِ العَذابِ ويَتَفَكَّرُوا في ذَلِكَ ألَمْ يَتَفَكَّرُوا فَأمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ إلَخْ عَلى تَوْجِيهِ الإنْكارِ إلى المَعْطُوفَيْنِ أوْ أتَفَكَّرُوا فَأمِنُوا عَلى تَوْجِيهِهِ إلى المَعْطُوفِ، وقِيلَ: هو لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يُنْبِئُ عَنْهُ الصِّلَةُ أيْ أمَكَرُوا فَأمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ إلَخْ، وخَسَفَ يُسْتَعْمَلُ لازِمًا ومُتَعَدِّيًا يُقالُ: - كَما قالَ الرّاغِبُ - خَسَفَهُ اللَّهُ تَعالى وخُسِفَ هو وكِلا الِاسْتِعْمالَيْنِ مُحْتَمَلٌ هُنا، فالباءُ إمّا لِلتَّعْدِيَةِ أوْ لِلْمُلابَسَةِ ( والأرْضَ ) إمّا مَفْعُولٌ بِهِ أوْ نُصِبَ بِنَزْعِ الخافِضِ أيْ فَأمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أنْ يُغَيِّبَهُمُ اللَّهُ تَعالى في الأرْضِ أوْ يُغَيِّبَها بِهِمْ كَما فَعَلَ بِقارُونَ ﴿أوْ يَأْتِيَهُمُ العَذابُ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾ أيْ مِنَ الجِهَةِ الَّتِي لا شُعُورَ لَهم بِمَجِيءِ العَذابِ مِنها كَجِهَةِ مَأْمَنِهِمْ أوِ الجِهَةِ الَّتِي يَرْجُونَ إتْيانَ ما يَشْتَهُونَ مِنها، وقالَ البَيْضاوِيُّ: أيْ بَغْتَةً مِن جانِبِ السَّماءِ كَما فُعِلَ بِقَوْمِ لُوطٍ، وكَأنَّ التَّخْصِيصَ بِجانِبِ السَّماءِ لِأنَّ ما يَجِيءُ مِنهُ لا يُشْعَرُ بِهِ غالِبًا بِخِلافِ ما يَجِيءُ مِنَ الأرْضِ فَإنَّهُ مَحْسُوسٌ في الأكْثَرِ، ولَعَلَّ اعْتِبارَهُ أوْفَقُ بِالمُقابَلَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُرادُهُ بِما مِن جانِبِ السَّماءِ ما لا يَكُونُ عَلى يَدِ مَخْلُوقٍ سَواءٌ نَشَأ مِنَ الأرْضِ أوِ السَّماءِ كَما قِيلَ. دَعْها سَماوِيَّةً تَجْرِي عَلى قَدَرٍ. فَيَكُونُ مَجازًا، لَكِنْ قِيلَ عَلَيْهِ: إنَّهُ لا يُلائِمُ المِثالَ وإنْ كانَ لا يُخَصَّصُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب