الباحث القرآني

وأمّا الشُّبْهَةُ الثّانِيَةُ فَقَدْ أُشِيرَ إلى جَوابِها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّةٍ﴾ مِنَ الأُمَمِ الخالِيَةِ ﴿رَسُولا أنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وحْدَهُ ﴿واجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ﴾ هو كُلُّ ما يَدْعُو إلى الضَّلالَةِ، وقالَ الحَسَنُ: هو الشَّيْطانُ، والمُرادُ مِنِ اجْتِنابِهِ اجْتِنابُ ما يَدْعُو إلَيْهِ. ﴿فَمِنهُمْ﴾ أيْ مِن أُولَئِكَ الأُمَمِ ﴿مَن هَدى اللَّهُ﴾ إلى الحَقِّ مِن عِبادَتِهِ أوِ اجْتِنابِ الطّاغُوتِ بِأنْ وفَّقَهم لِذَلِكَ ﴿ومِنهم مَن حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ ثَبَتَتْ ووَجَبَتْ إذْ لَمْ يُوَفِّقْهم ولَمْ يُرِدْ هِدايَتَهُمْ، ووَجْهُ الإشارَةِ أنَّ تَحَقُّقَ الضَّلالِ وثَباتَهُ مِن حَيْثُ إنَّهُ وقَعَ قَسِيمًا لِلْهِدايَةِ الَّتِي هي بِإرادَتِهِ تَعالى ومَشِيئَتِهِ كانَ هو أيْضًا كَذَلِكَ. وأمّا أنَّ إرادَةَ القَبِيحِ قَبِيحَةٌ فَلا يَجُوزُ اتِّصافُ اللَّهِ سُبْحانَهُ بِها فَظاهِرُ الفَسادِ لِأنَّ القَبِيحَ كَسْبُ القَبِيحِ والِاتِّصافُ بِهِ لا إرادَتُهُ وخَلْقُهُ عَلى ما تَقَرَّرَ في الكَلامِ. وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ كِلْتا الإشارَتَيْنِ في غايَةِ الخَفاءِ، ولْيُنْظَرْ أيُّ حاجَةٍ إلى الحَصْرِ وما المُرادُ بِهِ عَلى جَعْلِ ﴿فَهَلْ عَلى الرُّسُلِ﴾ إلى آخِرِهِ مُشِيرًا إلى جَوابِ الشُّبْهَةِ الأُولى. وقالَ الإمامُ: إنَّ المُشْرِكِينَ أرادُوا مِن قَوْلِهِمْ ذَلِكَ أنَّهُ لَمّا كانَ الكُلُّ مِنَ اللَّهِ تَعالى كانَ بَعْثُهُ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَبَثًا فَنَقُولُ: هَذا اعْتِراضٌ عَلى اللَّهِ تَعالى وجارٍ مَجْرى طَلَبِ العِلَّةِ في أحْكامِهِ تَعالى وأفْعالِهِ وذَلِكَ باطِلٌ إذْ لِلَّهِ سُبْحانَهُ أنْ يَفْعَلَ في مُلْكِهِ ما يَشاءُ ويَحْكُمَ ما يُرِيدُ، ولا يَجُوزُ أنْ يُقالَ لَهُ لِمَ فَعَلْتَ هَذا ولِمَ لَمْ تَفْعَلْ ذاكَ. والدَّلِيلُ عَلى أنَّ الإنْكارَ إنَّما تَوَجَّهَ إلى هَذا المَعْنى أنَّهُ تَعالى صَرَّحَ بِهَذا المَعْنى في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولَقَدْ بَعَثْنا﴾ إلى آخِرِهِ حَيْثُ بَيَّنَ فِيهِ أنَّ سُنَّتَهُ سُبْحانَهُ في عِبادِهِ إرْسالُ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ وأمْرُهم بِعِبادَتِهِ ونَهْيُهم عَنْ عِبادَةِ غَيْرِهِ، وأفادَ أنَّهُ تَعالى وإنَّ أمَرَ الكُلَّ ونَهاهم إلّا أنَّهُ جَلَّ جَلالُهُ هَدى البَعْضَ وأضَلَّ البَعْضَ، ولا شَكَّ أنَّهُ إنَّما يَحْسُنُ مِنهُ تَعالى ذَلِكَ بِحُكْمِ كَوْنِهِ إلَهًا مُنَزَّهًا عَنِ اعْتِراضاتِ المُعْتَرِضِينَ ومُطالَباتِ المُنازِعِينَ، فَكانَ إيرادُ هَذا السُّؤالِ مِن هَؤُلاءِ الكُفّارِ مُوجِبًا لِلْجَهْلِ والضَّلالِ والبُعْدِ عَنِ اللَّهِ المُتَعالِ، فَثَبَتَ أنَّ اللَّهَ تَعالى إنَّما ذَمَّ هَؤُلاءِ القائِلِينَ لِأنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أنَّ كَوْنَ الأمْرِ كَذَلِكَ يَمْنَعُ مِن جَوازِ بَعْثَةِ الرُّسُلِ لا لِأنَّهم كَذَّبُوا في قَوْلِهِمْ ذَلِكَ، وهَذا هو الجَوابُ الصَّحِيحُ الَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ في هَذا البابِ، ومَعْنى ﴿فَهَلْ عَلى الرُّسُلِ﴾ إلى آخِرِهِ أنَّهُ تَعالى أمَرَ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِالتَّبْلِيغِ فَهو الواجِبُ عَلَيْهِمْ، وأمّا أنَّ الإيمانَ هَلْ يَحْصُلُ أوْ لا يَحْصُلُ فَذاكَ لا تَعَلُّقَ لِلرُّسُلِ بِهِ ولَكِنَّ اللَّهَ تَعالى يَهْدِي مَن يَشاءُ بِإحْسانِهِ ويُضِلُّ مَن يَشاءُ بِخِذْلانِهِ اهـ وهو كَما تَرى. (p-138)ونَقَلَ الواحِدِيُّ في الوَسِيطِ عَنِ الزَّجّاجِ أنَّهم قالُوا ذَلِكَ عَلى الهُزُوِ ولَمْ يَرْتَضِهِ كَثِيرٌ مِنَ المُحَقِّقِينَ، وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّ حَمْلَهُ عَلى ذاكَ لا يُلائِمُ الجَوابَ. نَعَمْ قالَ في الكَشْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ ما عَبَدْناهُمْ﴾ [الزُّخْرُفِ: 20] إنَّهم دَفَعُوا قَوْلَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِدَعْوَتِهِمْ إلى عِبادَتِهِ تَعالى ونَهْيِهِمْ عَنْ عِبادَةِ غَيْرِهِ سُبْحانَهُ بِهَذِهِ المَقالَةِ وهم مُلْزَمُونَ عَلى مَساقِ هَذا القَوْلِ لِأنَّهُ إذا اسْتَنَدَ الكُلُّ إلى مَشِيئَتِهِ تَعالى فَقَدْ شاءَ إرْسالَ الرُّسُلِ وشاءَ دَعْوَتَهم إلى العِبادِ وشاءَ جُحُودَهم وشاءَ دُخُولَهُمُ النّارَ، فالإنْكارُ والدَّفْعُ بَعْدَ هَذا القَوْلِ دَلِيلٌ عَلى أنَّهم قالُوهُ لا عَنِ اعْتِقادٍ بَلْ مُجازَفَةٍ، وقالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ عِنْدَ نَظِيرِ الآيَةِ أيْضًا: إنَّهم كاذِبُونَ في هَذا القَوْلِ لِجَزْمِهِمْ حَيْثُ لا ظَنَّ مُطْلَقًا فَضْلًا عَنِ العِلْمِ، وذَلِكَ لِأنَّ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ العِلْمَ بِصِفاتِ اللَّهِ تَعالى فَرْعُ العِلْمِ بِذاتِهِ والإيمانِ بِها كَذَلِكَ والمُحْتَجُّونَ بِهِ كَفَرَةٌ مُشْرِكُونَ مُجَسِّمُونَ، وأطالَ الكَلامَ في هَذا المَقامِ في سُورَةِ الزُّخْرُفِ. وذَكَرَ أنَّ في كَلامِهِمْ تَعْجِيزَ الخالِقِ بِإثْباتِ التَّمانُعِ بَيْنَ المَشِيئَةِ وضِدِّ المَأْمُورِ بِهِ فَيَلْزَمُ أنْ لا يُرِيدَ إلّا أمَرَ بِهِ ولا يَنْهى إلّا وهو لا يُرِيدُهُ، وهَذا تَعْجِيزٌ مِن وجْهَيْنِ إخْراجُ بَعْضِ المَقْدُوراتِ عَنْ أنْ يَصِيرَ مَحَلَّها وتَضْيِيقُ مَحَلِّ أمْرِهِ ونَهْيِهِ وهَذا بِعَيْنِهِ مَذْهَبُ إخْوانِهِمُ القَدَرِيَّةِ اهـ ويَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنَّ المُشْرِكِينَ إنَّما قالُوا ذَلِكَ إلْزامًا بِزَعْمِهِمْ حَيْثُ سَمِعُوا مِنَ المُرْسَلِينَ وأتْباعِهِمْ أنَّ ما شاءَ اللَّهُ تَعالى كانَ وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وإلّا فَهم أجْهَلُ الخَلْقِ بِرَبِّهِمْ جَلَّ شَأْنُهُ وصِفاتِهِ ﴿إنْ هم إلا كالأنْعامِ بَلْ هم أضَلُّ﴾ [الفُرْقانِ: 24] ومُرادُهم إسْكاتُ المُرْسَلِينَ وقَطْعُهم عَنْ دَعْوَتِهِمْ إلى ما يُخالِفُ ما هم عَلَيْهِ والِاسْتِراحَةُ عَنْ مُعارَضَتِهِمْ فَكَأنَّهم قالُوا: إنَّكم تَقُولُونَ ما شاءَ اللَّهُ تَعالى كانَ وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَما نَحْنُ عَلَيْهِ مِمّا شاءَهُ اللَّهُ تَعالى وما تَدْعُونا إلَيْهِ مِمّا لَمْ يَشَأْهُ وإلّا لَكانَ، واللّائِقُ بِكم عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِخِلافِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى، فَإنَّ وظِيفَةَ الرَّسُولِ الجَرْيُ عَلى إرادَةِ المُرْسَلِ لِأنَّ الإرْسالَ إنَّما هو لِتَنْفِيذِ تِلْكَ الإرادَةِ وتَحْصِيلِ المُرادِ بِها، وهَذا جَهْلٌ مِنهم بِحَقِيقَةِ الأمْرِ وكَيْفِيَّةِ تَعَلُّقِ المَشِيئَةِ وفائِدَةِ البَعْثَةِ، وذَلِكَ لِأنَّ مَشِيئَتَهُ تَعالى إنَّما تَتَعَلَّقُ وفْقَ عِلْمِهِ وعِلْمُهُ إنَّما يَتَعَلَّقُ وفْقَ ما عَلَيْهِ الشَّيْءُ في نَفْسِهِ، فاللَّهُ تَعالى ما شاءَ شِرْكَهم مَثَلًا إلّا بَعْدَ أنْ عَلِمَ ذَلِكَ وما عَلِمَهُ إلّا وفْقَ ما هو عَلَيْهِ في نَفْسِ الأمْرِ فَهم مُشْرِكُونَ في الأزَلِ ونَفْسُ الأمْرِ إلّا أنَّهُ سُبْحانَهُ حِينَ أبْرَزَهم عَلى وفْقِ ما عَلِمَ فِيهِمْ لَوْ تَرَكَهم وحالَهم كانَ لَهُمُ الحُجَّةُ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ إذا عَذَّبَهم يَوْمَ القِيامَةِ إذْ يَقُولُونَ حِينَئِذٍ: ما جاءَنا مِن نَذِيرٍ فَأرْسَلَ جَلَّ شَأْنُهُ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ فَلَيْسَ عَلى الرُّسُلِ إلّا تَبْلِيغُ الأوامِرِ والنَّواهِي لِتَقُومَ الحُجَّةُ البالِغَةُ لِلَّهِ تَعالى، فالتَّبْلِيغُ مُرادُ اللَّهِ تَعالى مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لِإقامَةِ حُجَّتِهِ تَعالى عَلى خَلْقِهِ بِهِ، ولَيْسَ مُرادُهُ مِن خَلْقِهِ إلّا ما هم عَلَيْهِ في نَفْسِ الأمْرِ خَيْرًا كانَ أوْ شَرًّا. وفِي الخَبَرِ يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ««يا عِبادِي إنَّما أعْمالُكم أُحْصِيها لَكم فَمَن وجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ومَن وجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلّا نَفْسَهُ»». ولا مُنافاةَ بَيْنَ الأمْرِ بِشَيْءٍ وإرادَةِ غَيْرِهِ مِنهُ تَعالى لِأنَّ الأمْرَ بِذَلِكَ حَسْبَما يَلِيقُ بِجَلالِهِ وجَمالِهِ، والإرادَةُ حَسْبَما يَسْتَدْعِيهِ في الآخِرَةِ الشَّيْءُ في نَفْسِهِ، وقَدْ قَرَّرَ الجَماعَةُ انْفِكاكَ الأمْرِ عَنِ الإرادَةِ في الشّاهِدِ أيْضًا وذَكَرَ بَعْضُ الحَنابِلَةِ الِانْفِكاكَ أيْضًا لَكِنْ عَنِ الإرادَةِ التَّكْوِينِيَّةِ لا مُطْلَقًا، والبَحْثُ مُفَصَّلٌ في مَوْضِعِهِ، وإذا عُلِمَ ذَلِكَ فاعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿فَهَلْ عَلى الرُّسُلِ إلا البَلاغُ﴾ يَتَضَمَّنُ الإشارَةَ إلى رَدِّهِمْ كَأنَّهُ قِيلَ: ما أشَرْتُمْ إلَيْهِ مِن أنَّ اللّائِقَ بِالرُّسُلِ تَرْكُ الدَّعْوَةِ إلى خِلافِ ما شاءَ اللَّهُ تَعالى مِنّا والجَرْيُ عَلى وفْقِ المَشِيئَةِ والسُّكُوتُ عَنّا باطِلٌ لِأنَّ وظِيفَتَهم والواجِبُ عَلَيْهِمْ هو التَّبْلِيغُ وهو مُرادُ اللَّهِ تَعالى مِنهم لِتَقُومَ بِهِ حُجَّةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْكم لا السُّكُوتُ وتَرْكُ الدَّعْوَةِ، وفي قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولَقَدْ بَعَثْنا﴾ إلَخْ إشارَةٌ (p-139)يَتَفَطَّنُ لَها مِن لَهُ قَلْبٌ إلى أنَّ المَشِيئَةَ حَسَبَ الِاسْتِعْدادِ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّخْصُ في نَفْسِ الأمْرِ فَتَأمَّلْ، فَإنَّ هَذا الوَجْهَ لا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ ودَغْدَغَةٍ. والَّذِي ذَكَرَهُ القاضِي في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَقَدْ بَعَثْنا﴾ إلَخْ أنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ أنَّ البَعْثَةَ أمْرٌ جَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ الإلَهِيَّةُ في الأُمَمِ كُلِّها سَبَبًا لِهَدْيِ مَن أرادَ سُبْحانَهُ اهْتِداءَهُ وزِيادَةً لِضَلالِ مَن أرادَ ضَلالَهُ كالغِذاءِ الصّالِحِ يَنْفَعُ المِزاجَ السَّوِيَّ ويُقَوِّيهِ ويَضُرُّ المُنْحَرِفَ ويُفْنِيهِ. وفِي إرْشادِ العَقْلِ السَّلِيمِ أنَّهُ تَحْقِيقٌ لِكَيْفِيَّةِ تَعَلُّقِ مَشِيئَتِهِ تَعالى بِأفْعالِ العِبادِ بَعْدَ بَيانِ أنَّ الإلْجاءَ لَيْسَ مِن وظائِفِ الرِّسالَةِ ولا مِن بابِ المَشِيئَةِ المُتَعَلِّقَةِ بِما يَدُورُ عَلَيْهِ فَلَكُ الثَّوابِ والعِقابِ مِنَ الأفْعالِ الِاخْتِيارِيَّةِ، والمَعْنى أنّا بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا يَأْمُرُهم بِعِبادَةِ اللَّهِ تَعالى واجْتِنابِ الطّاغُوتِ فَأمَرُوهم فَتَفَرَّقُوا فَمِنهم مَن هَداهُ اللَّهُ تَعالى بَعْدَ صَرْفِ قُدْرَتِهِ واخْتِيارِهِ الجُزْئِيِّ إلى تَحْصِيلِ ما هَدى إلَيْهِ ومِنهم مَن ثَبَتَ عَلى الضَّلالَةِ لِعِنادِهِ وعَدَمِ صَرْفِ قُدْرَتِهِ إلى تَحْصِيلِ الحَقِّ، والفاءُ في ( فَمِنهم ) نَصِيحَةٌ كَما أُشِيرَ إلَيْهِ، وكانَ الظّاهِرُ في القِسْمِ الثّانِي- ومِنهم مَن أضَلَّ اللَّهُ- إلّا أنَّهُ غَيَّرَ الأُسْلُوبَ إلى ما في النَّظْمِ الكَرِيمِ لِلْإشْعارِ بِأنَّ ذَلِكَ لِسُوءِ اخْتِيارِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا مَرِضْتُ فَهو يَشْفِينِ﴾ [الشُّعَراءِ: 80] (وأنْ) يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً لِما في البَعْثِ مِن مَعْنى القَوْلِ وأنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الجَرِّ أيْ بِأنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴿فَسِيرُوا﴾ أيُّها المُشْرِكُونَ المُكَذِّبُونَ القائِلُونَ: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِن دُونِهِ ﴿فِي الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ﴾ مِن عادٍ وثَمُودَ ومَن سارَ سَيْرَهم مِمَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ وقالَ كَما قُلْتُمْ لَعَلَّكم تَعْتَبِرُونَ، وتَرَتُّبُ الأمْرِ بِالسَّيْرِ عَلى مُجَرَّدِ الإخْبارِ بِثُبُوتِ الضَّلالَةِ عَلَيْهِمْ مِن غَيْرِ إخْبارٍ بِحُلُولِ العَذابِ لِلْإيذانِ بِأنَّ ذَلِكَ غَنِيٌّ عَنِ البَيانِ، وفي عِطْفِ الأمْرِ الثّانِي بِالفاءِ إشْعارٌ بِوُجُوبِ المُبادَرَةِ إلى النَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ المُنْقِذَيْنِ مِنَ الضَّلالِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب