الباحث القرآني

ثُمَّ إنَّهُ تَعالى شَرَعَ في تَحْرِيرِ الدَّلائِلِ العَقْلِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى تَوْحِيدِهِ الَّذِي هو المَقْصِدُ الأعْظَمُ مِن بِعْثَةِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَقالَ عَزَّ قائِلًا: ﴿خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ﴾ . وذَكَرَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أنَّهُ تَعالى شَأْنُهُ وعَظُمَ بُرْهانُهُ قَدِ اسْتَوْفى أدِلَّةَ التَّوْحِيدِ واتِّصافَ ذاتِهِ الكَرِيمَةِ بِصِفاتِ الجَلالِ والإكْرامِ عَلى أُسْلُوبٍ بَدِيعٍ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ دَلالَةِ المَصْنُوعِ عَلى الصّانِعِ والنِّعْمَةِ عَلى المُنْعِمِ ونَبَّهْ عَلى أنَّ كُلَّ واحِدٍ يَكْفِي صارِفًا لِلْمُشْرِكِينَ عَمّا هم فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ وعَلَيْهِ مَدارُ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ كُلَّما بَصَّرَهم طائِفَةٌ مِنَ البَصائِرِ ضَمَّنَها تَبْكِيتَهم وكُفْرانَهم نِعْمَتَيِ الرِّعايَةِ والهِدايَةِ، وانْظُرْ إلى فاتِحَتِهِ ثُمَّ إلى خاتِمَتِهِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿واصْبِرْ﴾ إلى آخِرِ السُّورَةِ بُيِّنَ لَكَ بَعْضَ ما ضُمِّنَ الكِتابُ الكَرِيمُ مِن أسْرارِ البَلاغَةِ وأنْوارِ الإعْجازِ والمُرادُ بِالسَّماواتِ والأرْضِ إمّا هَذِهِ الأجْرامُ والأجْسامُ المَعْلُومَةُ، وإمّا جِهَةُ العُلُوِّ والسُّفْلِ أيْ أوْجَدَ ذَلِكَ مُلْتَبِسًا بِما يَحِقُّ لَهُ بِمُقْتَضى الحِكْمَةِ فَيَدُلُّ عَلى صانِعٍ حَيٍّ عالِمٍ قادِرٍ مُرِيدٍ مُنْفَرِدٍ بِالأُلُوهِيَّةِ والرُّبُوبِيَّةِ وإلّا لَزِمَ إمْكانُ التَّمانُعِ المُسْتَلْزِمِ لِإمْكانِ المُحالِ حَسْبَما بُيِّنَ في عِلْمِ الكَلامِ ولِذا عَقَّبَ هَذا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ . وقَرَأ الأعْمَشُ «فَتَعالى» بِالفاءِ، وما يَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً أيْ تَعالى وتَقَدَّسَ بِذاتِهِ وأفْعالِهِ عَنْ إشْراكِهِمْ، وأنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً عَلى مَعْنى تَعالى عَنْ شِرْكَةِ ما يُشْرِكُونَهُ مِنَ الباطِلِ الَّذِي لا يُبْدِئُ ولا يُعِيدُ، واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّهُ تَعالى لَيْسَ مِن قَبِيلِ الأجْرامِ والأجْسامِ كَما يَقُولُهُ المُجَسِّمَةُ، ووَجْهُ ذَلِكَ أنَّها تَدُلُّ عَلى احْتِياجِ الأجْرامِ والأجْسامِ إلى خالِقٍ سُبْحانَهُ وتَعالى لا يُجانِسُها وإلّا لاحْتاجَ إلَيْهِ فَلا يَكُونُ خالِقًا، وبِإرادَةِ الجِهَتَيْنِ يَكُونُ وجْهُ الدَّلالَةِ مِنَ الآيَةِ أظْهَرَ، وقَرَأ الكِسائِيُّ «تُشْرِكُونَ» بِالتّاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب