الباحث القرآني

﴿وإذا قِيلَ لَهُمْ﴾ أيْ لِأُولَئِكَ المُسْتَكْبِرِينَ، وهو بَيانٌ لِإضْلالِهِمْ غَبَّ بَيانِ ضَلالِهِمْ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِكُفّارِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ كانُوا- كَما رُوِيَ عَنْ قَتادَةَ- يَقْعُدُونَ بِطَرِيقِ مَن يَغْدُو عَلى النَّبِيِّ ﷺ لِيَطَّلِعَ عَلى جَلِيَّةِ أمْرِهِ فَإذا مَرَّ بِهِمْ قالَ لَهُمْ: ﴿ماذا أنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ عَلى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿قالُوا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ أيْ ما كَتَبَهُ الأوَّلُونَ كَما قالُوا: ﴿اكْتَتَبَها فَهي تُمْلى عَلَيْهِ﴾ [الفُرْقانِ: 5] فالأساطِيرُ جَمْعُ أسْطارٍ جَمْعِ سَطْرٍ فَهو جَمْعُ الجَمْعِ وقالَ المُبَرِّدُ: جَمْعُ أُسْطُورَةٍ كَأُرْجُوحَةٍ وأراجِيحَ ومَقْصُودُهم مِن ذَلِكَ أنَّهُ لا تَحْقِيقَ فِيهِ، وقِيلَ: القائِلُ لَهم بَعْضُ المُسْلِمِينَ لِيَعْلَمُوا ما عِنْدَهم وقِيلَ: القائِلُ بَعْضُهم عَلى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وإلّا فَهو لا يَعْتَقِدُ إنْزالَ شَيْءٍ، ومِثْلُ هَذا يُقالُ في الجَوابِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِالمَنزِلِ في الجَوابِ بِناءً عَلى تَقْدِيرِ المُبْتَدَأِ فِيهِ ذَلِكَ، ويَجُوزُ أنْ يُسَمُّوهُ بِما ذُكِرَ عَلى الفَرْضِ والتَّسْلِيمِ لِيَرُدُّوهُ كَقَوْلِهِ ( هَذا رَبِّي ) [الأنْعامِ: 77، 78] وقِيلَ: قَدَّرُوهُ مُنَزَّلًا مُجاراةً ومُشاكَلَةً. وفِي الكَشّافِ أنَّ (ماذا) مَنصُوبٌ- بِأنْزَلَ- أيْ أيَّ شَيْءٍ أنْزَلَ رَبُّكم أوْ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِداءِ بِمَعْنى أيُّ شَيْءٍ أنْزَلَهُ رَبُّكُمْ، فَإذا نَصَبْتَ فَمَعْنى ( أساطِيرُ الأوَّلِينَ ) ما تَدَّعُونَ نُزُولَهُ ذَلِكَ، وإذا رَفَعْتَ فالمَعْنى المُنَزِّلُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ﴾ [البَقَرَةِ: 219] فِيمَن رَفَعَ اهـ، وقَدْ خَفِيَ تَحْقِيقُ مَرامِهِ عَلى بَعْضِ المُحَقِّقِينَ، فَقَدْ قالَ صاحِبُ الفَرائِدِ: الوَجْهُ أنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِالِابْتِداءِ بِدَلِيلِ رَفْعِ ( أساطِيرُ ) فَإنَّ جَوابَ المَرْفُوعِ مَرْفُوعٌ وجَوابَ المَنصُوبِ مَنصُوبٌ ولَمْ يَقْرَأْ أحَدٌ هُنا بِالنَّصْبِ. (p-123)وقالَ صاحِبُ التَّقْرِيبِ: إنَّ في كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ نَظَرًا وبَيَّنَهُ بِما بَيَّنَهُ وأجابَ بِما أجابَ، وأطالَ الطَّيِّبِيُّ الكَلامَ في ذَلِكَ، وقَدْ أجادَ صاحِبُ الكَشْفِ في هَذا المَقامِ فَقالَ: إنَّ قَوْلَهُ أوْ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِداءِ بِمَعْنى أيُّ شَيْءٍ أنْزَلَهُ إيضاحٌ وإلّا فالمَعْنى ما الَّذِي أنْزَلَهُ عَلى المُصَرَّحِ بِهِ في المُفَصَّلِ إذْ لا وجْهَ لِحَذْفِ الضَّمِيرِ مِن غَيْرِ اسْتِطالَةٍ مَعَ أنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ النَّصْبَ والرَّفْعَ احْتِمالًا سَواءً، وعَلى ذَلِكَ يَلُوحُ الفَرْقُ بَيْنَ التَّقْدِيرَيْنِ ظُهُورًا بَيِّنًا، فَإنَّ المَنصُوبَ وإنْ دَلَّ عَلى ثُبُوتِ أصْلِ الفِعْلِ وأنَّ السُّؤالَ عَنِ المَفْعُولِ مُتَقاعِدٌ عَنْ دَلالَةِ المَرْفُوعِ فَقَدْ عُلِمَ أنَّ الجُمْلَةَ الَّتِي تَقَعُ صِلَةً لِلْمَوْصُولِ حَقُّها أنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لِلْمُخاطَبِ وأيْنَ الحُكْمُ المُسَلَّمُ المَعْلُومُ مِن غَيْرِهِ، وإذا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلْيُعْلَمْ أنَّهُ عَلى تَقْدِيرَيْنِ لَمْ يُطابِقْ بِهِ الجَوابَ لِقَوْلِهِ في ﴿قالُوا خَيْرًا﴾ [النَّحْلِ: 30] طُوبِقَ بِهِ الجَوابُ بِخِلافِ ( أساطِيرُ ) وقَوْلُهُ هُنا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ماذا يُنْفِقُونَ﴾ إلى آخِرِهِ فِيمَن رَفَعَ تَشْبِيهٌ في العُدُولِ إلى الرَّفْعِ لا وجْهُهُ فَإنَّ الجَوابَ هُنالِكَ طِبْقَ السُّؤالِ بِخِلافِ ما نَحْنُ فِيهِ، وإنَّما قَدَّرَ ما تَدَّعُونَ نُزُولَهُ عَلى تَقْدِيرِ النَّصْبِ لِأنَّ السّائِلَ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقَدًا لِإنْزالٍ مُحَقَّقٍ بَلْ سُئِلَ عَنْ تَعْيِينِ ما سَمِعَ نُزُولَهُ في الجُمْلَةِ فَيَكْفِي في رَدِّهِ إلى الصَّوابِ ما تَدَّعُونَ نُزُولَهُ أساطِيرُ، وأمّا عَلى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ فَلِما دَلَّ عَلى أنَّ الإنْزالَ عِنْدَهُ مُحَقَّقٌ مُسَلَّمٌ لا نِزاعَ فِيهِ وإنَّما السُّؤالُ عَنِ التَّعْيِينِ لِلْمُنَزَّلِ أُجِيبُ بِأنَّ ذَلِكَ المُحَقَّقَ عِنْدَكَ أساطِيرُ تَهَكُّمًا إذْ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ المُنَزَّلَ لا يَكُونُ أساطِيرَ فَبُولِغَ في رَدِّهِ إلى الصَّوابِ بِالتَّهَكُّمِ بِهِ وأنَّهُ بَتَّ الحُكْمَ بِالتَّحْقِيقِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَأرى السّائِلَ أنَّهُ طُوبِقَ ولَمْ يُطابَقْ في الحَقِيقَةِ بَلْ بُولِغَ في الرَّدِّ، ويُشْبِهُ أنْ يَكُونَ الأوَّلُ جَوابًا لِلسُّؤالِ فِيما بَيْنَهم أوِ الوافِدِينَ، والثّانِي جَوابًا عَنْ سُؤالِ المُسْلِمِينَ عَلى ما ذَكَرَ مِنَ الاحْتِمالَيْنِ لا العَكْسُ عَلى ما ظَنَّ، هَذا هو الأشْبَهُ في تَقْرِيرِ قَوْلِهِ المُوافِقِ لِما ذَكَرَهُ مِن بَعْدُ عَلى ما مَرَّ. وجَعَلَ ما ذَكَرَهُ هُنالِكَ وجْهًا ثالِثًا وأنَّهُ طُوبِقَ بِهِ الجَوابُ هاهُنا وتَوْجِيهُ اخْتِلافِ التَّقْدِيرَيْنِ ادِّعاءً ونُزُولًا بِما مَهَّدْناهُ وإنْ ذَهَبَ إلَيْهِ الجُمْهُورُ تَكَلَّفٌ عَنْهُ غِنًى اهـ. وقُرِئَ «أساطِيرَ» بِالنَّصْبِ كَما نَصَّ عَلَيْهِ أبُو حَيّانَ وغَيْرُهُ، فَإنْكارُ صاحِبِ الفَرائِدِ مِن قِلَّةِ الِاطِّلاعِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب