الباحث القرآني

﴿أمْواتٌ﴾ خَبَرٌ ثانٍ لِلْمَوْصُولِ أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ هم أمْواتٌ، وصَرَّحَ بِذَلِكَ لِما أنَّ إثْباتَ المَخْلُوقِيَّةِ لَهم غَيْرُ مُسْتَدْعٍ لِنَفْيِ الحَياةِ عَنْهم لِما أنَّ بَعْضَ المَخْلُوقِينَ أحْياءٌ، والمُرادُ بِالمَوْتِ عَلى أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ المُخْبَرِ عَنْهُ الأصْنامُ عَدَمُ الحَياةِ بِلا زِيادَةٍ عَمّا مَن شَأْنُهُ أنْ يَكُونَ حَيًّا. وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿غَيْرُ أحْياءٍ﴾ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أيْضًا أوْ صِفَةُ ( أمْواتٌ ) وفائِدَةُ ذِكْرِهِ التَّأْكِيدُ عِنْدَ بَعْضٍ، واخْتِيرَ التَّأْسِيسُ وذَلِكَ أنَّ بَعْضَ ما لا حَياةَ فِيهِ قَدْ تَعْتَرِيهِ الحَياةُ كالنُّطْفَةِ فَجِيءَ بِهِ لِلِاحْتِرازِ عَنْ مِثْلِ هَذا البَعْضِ فَكَأنَّهُ قِيلَ: هم أمْواتٌ حالًا وغَيْرُ قابِلِينَ لِلْحَياةِ مَآلًا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ المُخْبَرِ عَنْهُ بِما ذَكَرَ ما يَتَناوَلُ جَمِيعَ مَعْبُوداتِهِمْ مِن ذَوِي العُقُولِ وغَيْرِهِمْ فَيَرْتَكِبُ في ( أمْواتٌ ) عُمُومَ المَجازِ لِيَشْمَلَ ما كانَ لَهُ حَياةٌ ثُمَّ ماتَ كَعُزَيْرٍ أوْ سَيَمُوتُ كَعِيسى والمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ وما لَيْسَ مِن شَأْنِهِ الحَياةُ أصْلًا كالأصْنامِ. (وغَيْرُ أحْياءٍ) عَلى هَذا إذا فُسِّرَ بِغَيْرِ قابِلِينَ لِلْحَياةِ يَكُونُ مِن وصْفِ الكُلِّ بِصِفَةِ البَعْضِ لِيَكُونَ تَأْسِيسًا في الجُمْلَةِ وإذا اعْتُبِرَ التَّأْكِيدُ فالأمْرُ ظاهِرٌ، وجُوِّزَ أنَّ مِن أُولَئِكَ المَعْبُودِينَ المَلائِكَةَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ وكانَ أُناسٌ مِنَ المُخاطَبِينَ يَعْبُدُونَهُمْ، ومَعْنى كَوْنِهِمْ أمْواتًا أنَّهم لا بُدَّ لَهم مِنَ المَوْتِ وكَوْنُهم غَيْرَ أحْياءٍ غَيْرُ تامَّةٍ حَياتُهم والحَياةُ التّامَّةُ هي الحَياةُ الذّاتِيَّةُ الَّتِي لا يَرِدُ عَلَيْها المَوْتُ، وجُوِّزَ في قِراءَةِ ( والَّذِينَ يَدْعُونَ ) بِالياءِ آخِرَ الحُرُوفِ أنْ يَكُونَ الأمْواتُ هُمُ الدّاعِينَ، وأخْبَرَ عَنْهم بِذَلِكَ تَشْبِيهًا لَهم بِالأمْواتِ لِكَوْنِهِمْ ضُلّالًا غَيْرَ مُهْتَدِينَ، ولا يَخْفى ما فِيهِ مِنَ البُعْدِ ﴿وما يَشْعُرُونَ أيّانَ يُبْعَثُونَ﴾ الضَّمِيرُ الأوَّلُ لِلْآلِهَةِ والثّانِي لِعَبَدَتِها، والشُّعُورُ العِلْمُ أوْ مَبادِيهِ، وقالَ الرّاغِبُ: يُقالُ: شَعُرْتُ أيْ أصَبْتُ الشِّعْرَ، ومِنهُ اسْتُعِيرَ: شَعُرَتْ كَذا أيْ عَلِمْتُ عِلْمًا في الدِّقَّةِ كَإصابَةِ الشِّعْرِ، قِيلَ: وسُمِّيَ الشّاعِرُ شاعِرًا لِفِطْنَتِهِ ودِقَّةِ مَعْرِفَتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ المَشاعِرَ الحَواسُّ وأنَّ مَعْنى لا تَشْعُرُونَ لا تُدْرِكُونَ بِالحَواسِّ وأنْ لَوْ قِيلَ في كَثِيرٍ مِمّا جاءَ فِيهِ لا تَشْعُرُونَ لا تَعْقِلُونَ لَمْ يَجُزْ إذْ كَثِيرٌ مِمّا لا يَكُونُ مَحْسُوسًا يَكُونُ مَعْقُولًا، (وأيّانَ) عِبارَةٌ عَنْ وقْتِ الشَّيْءِ ويُقارِبُ مَعْنى مَتى، وأصْلُهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أيْ أوْ أنَّ أيَّ أيِّ وقْتٍ فَحَذَفَ الألِفَ ثُمَّ جَعَلَ الواوَ ياءً وأدْغَمَ وهو كَما تَرى. وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ «إيّانَ» بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وهي لُغَةُ قَوْمِهِ سُلَيْمٍ، والظّاهِرُ ( أنَّهُ ) مَعْمُولٌ لِيُبْعَثُونَ والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ- بِيَشْعُرُونَ- لِأنَّهُ مُعَلَّقٌ عَنِ العَمَلِ أيْ ما يَشْعُرُ أُولَئِكَ الآلِهَةُ مَتى يُبْعَثُ عَبَدَتُهُمْ، وهَذا مِن بابِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ (p-121)بِناءً عَلى إرادَةِ الأصْنامِ لِأنَّ شُعُورَ الجَمادِ بِالأُمُورِ الظّاهِرَةِ بَدِيهِيُّ الِاسْتِحالَةِ عِنْدَ كُلِّ أحَدٍ فَكَيْفَ بِما لا يَعْلَمُهُ إلّا العَلِيمُ الخَبِيرَ. وفي البَحْرِ أنَّ فِيهِ تَهَكُّمًا بِالمُشْرِكِينَ وأنَّ آلِهَتَهم لا يَعْلَمُونَ وقْتَ بَعْثِهِمْ لِيُجازُوهم عَلى عِبادَتِهِمْ إيّاهُمْ، ولَعَلَّ هَذا جارٍ عَلى سائِرِ الِاحْتِمالاتِ في الآلِهَةِ، وفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ البَعْثَ مِن لَوازِمِ التَّكْلِيفِ لِأنَّهُ لِلْجَزاءِ والجَزاءُ لِلتَّكْلِيفِ فَيَكُونُ هو لَهُ وأنَّ مَعْرِفَةَ وقْتِهِ لا بُدَّ مِنهُ في الأُلُوهِيَّةِ، وقِيلَ: ضَمِيرا (يَشْعُرُونَ - ويُبْعَثُونَ) لِلْآلِهَةِ ويَلْزَمُ مِن نَفْيِ شُعُورِهِمْ بِوَقْتِ بَعْثِهِمْ نَفْيُ شُعُورِهِمْ بِوَقْتِ بَعْثِ عَبَدَتِهِمْ وهو الَّذِي يَقْتَضِيهِ الظّاهِرُ، ومَن جَوَّزَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الأمْواتِ الكَفَرَةَ الضُّلّالَ جَعَلَ ضَمِيرَيِ الجَمْعِ هُنا لَهُمْ، والكَلامُ خارِجٌ مَخْرَجَ الوَعِيدِ أيْ وما يَشْعُرُ أُولَئِكَ المُشْرِكُونَ مَتى يُبْعَثُونَ إلى التَّعْذِيبِ، وقِيلَ: الكَلامُ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ( وما يَشْعُرُونَ ) و( أيّانَ يُبْعَثُونَ ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب