الباحث القرآني

﴿والَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ شُرُوعٌ في تَحْقِيقِ أنَّ آلِهَتَهم بِمَعْزِلٍ عَنِ اسْتِحْقاقِ العِبادَةِ وتَوْضِيحِهِ بِحَيْثُ لا يَبْقى فِيهِ شائِبَةُ رَيْبٍ بِتَعْدادِ أحْوالِها المُنافِيَةِ لِذَلِكَ مُنافاةً ظاهِرَةً، وكَأنَّها إنَّما شُرِحَتْ مَعَ ظُهُورِها لِلتَّنْبِيهِ عَلى كَمالِ حَماقَةِ المُشْرِكِينَ وأنَّهم لا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ إلّا بِالتَّصْرِيحِ أيْ والآلِهَةُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَهم أيُّها الكُفّارُ ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ سُبْحانَهُ ﴿لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا﴾ مِنَ الأشْياءِ أصْلًا أيْ لَيْسَ مِن شَأْنِهِمْ ذَلِكَ، وذَكَرَ بَعْضُ الأجِلَّةِ أنَّ ذِكْرَ هَذا بَعْدَ نَفْيِ التَّشابُهِ والمُشارَكَةِ لِلِاسْتِدْلالِ عَلى ذَلِكَ فَكَأنَّهُ قِيلَ: هم لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا ولا يُشارِكُ مَن يَخْلُقُ مَن لا يَخْلُقُ فَيَنْتِجُ مِنَ الثّالِثِ هم لا يُشارِكُونَ مَن يَخْلُقُ ويَلْزَمُهُ أنَّ مَن يَخْلُقُ لا يُشارِكُهم فَلا تَكْرارَ، وقِيلَ عَلَيْهِ: إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ مَن يَخْلُقُ ومَن لا مُجْرًى عَلى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، ويُفْهَمُ مَن سابِقِ كَلامِ هَذا البَعْضِ أنَّهُ بَنى الكَلامَ عَلى أنَّ الأوَّلَ هو اللَّهُ تَعالى والثّانِيَ الأصْنامُ، ويَقْتَضِي تَقْرِيرُهُ هُناكَ عَدَمَ الحاجَةِ إلى هَذِهِ المُقَدِّمَةِ لِلْعِلْمِ بِها وكَوْنِها مَفْرُوغًا عَنْها، فالوَجْهُ أنَّ التَّكْرارَ لِمُزاوَجَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهم يُخْلَقُونَ﴾ وتُعُقِّبَ بِأنَّ المُصَرَّحَ بِهِ العُمُومُ في المَوْضِعَيْنِ وأمّا التَّخْصِيصُ فِيهِما بِما ذَكَرَ فَلِأنَّ مَن يَخْلُقُ عِنْدَنا مَخْصُوصٌ بِهِ تَعالى في الخارِجِ اخْتِصاصَ الكَوْكَبِ النَّهارِيِّ بِالشَّمْسِ وإنْ عَمَّ بِاعْتِبارِ مَفْهُومِهِ، ومَن لا يَخْلُقُ وإنْ عَمَّ ذِهْنًا وخارِجًا فَتَفْسِيرُهُ بِمَن عُبِدَ لِاقْتِضاءِ المَقامِ لَهُ، ومُقْتَضى التَّقْرِيرِ لَيْسَ عَدَمَ الحاجَةِ إلى المُقَدِّمَةِ بَلْ هو كَوْنُها في غايَةِ الظُّهُورِ بِحَيْثُ لا يُحْتاجُ إلى إثْباتِها وهَذا مُصَحِّحٌ لِكَوْنِها جُزْءًا مِنَ الدَّلِيلِ، وإذا ظَهَرَ المُرادُ بَطَلَ الإيرادُ اهـ، ولَعَلَّ الأوْجَهَ في تَوْجِيهِ الذِّكْرِ ما أشَرْنا إلَيْهِ أوَّلًا، وحَيْثُ إنَّهُ لا تَلازُمَ أصْلًا بَيْنَ نَفْيِ الخالِقِيَّةِ وبَيْنَ المَخْلُوقِيَّةِ أثْبَتَ ذَلِكَ لَهم صَرِيحًا عَلى مَعْنى شَأْنِهِمْ أنَّهم يَخْلُقُونَ إذِ المَخْلُوقِيَّةُ مُقْتَضى ذَواتِهِمْ لِأنَّها مُمْكِنَةٌ مُفْتَقِرَةٌ في وُجُودِها وبَقائِها إلى الفاعِلِ، وبِناءُ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ- كَما قالَ بَعْضُ الأجِلَّةِ- لِتَحْقِيقِ التَّضادِّ والمُقابَلَةِ بَيْنَ ما أُثْبِتَ لَهم وما نُفِيَ عَنْهم مِن وصْفِ الخالِقِيَّةِ والمَخْلُوقِيَّةِ ولِلْإيذانِ بِعَدَمِ الحاجَةِ إلى بَيانِ الفاعِلِ لِظُهُورِ اخْتِصاصٍ بِفاعِلِهِ جَلَّ جَلالُهُ. ولَعَلَّ تَقْدِيمَ الضَّمِيرِ هُنا لِمُجَرَّدِ التَّقَوِّي، والمُرادُ بِالخَلْقِ مَنفِيًّا ومُثْبَتًا المَعْنى المُتَبادَرُ مِنهُ. (p-120)وجُوِّزَ أنْ يُرادَ مِنَ الثّانِي النَّحْتُ والتَّصْوِيرُ بِناءً عَلى أنَّ المُرادَ مِنَ الَّذِينَ يَدْعُونَهُمُ الأصْنامُ، والتَّعْبِيرُ عَنْهم بِما يُعَبِّرُ عَنْهُ عَنِ العُقَلاءِ لِمُعامَلَتِهِمْ إيّاهم مُعامَلَتُهُمْ، والتَّعْبِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِالخَلْقِ لِرِعايَةِ المُشاكَلَةِ، وفي ذَلِكَ مِنَ الإيماءِ بِمَزِيدِ رَكاكَةِ عُقُولِ المُشْرِكِينَ ما فِيهِ حَيْثُ أشْرَكُوا بِخالِقِهِمْ مَخْلُوقِيهِمْ، وإرادَةُ هَذا المَعْنى مِنَ الأوَّلِ أيْضًا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ إذِ القُدْرَةُ عَلى مِثْلِ ذَلِكَ الخَلْقِ لَيْسَتْ مِمّا يَدُورُ عَلَيْهِ اسْتِحْقاقُ العِبادَةِ أصْلًا. وقَرَأ الجُمْهُورُ بِالتّاءِ المُثَنّاةِ مِن فَوْقُ في «تُسِرُّونَ» و«تُعْلِنُونَ» و«تَدْعُونَ» وهي قِراءَةُ مُجاهِدٍ والأعْرَجِ وشَيْبَةَ وأبِي جَعْفَرٍ وهُبَيْرَةَ عَنْ عاصِمٍ، وفي المَشْهُورِ عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ بِالياءِ آخِرَ الحُرُوفِ في الأخِيرِ وبِالتّاءِ في الأوَّلَيْنِ، وقُرِئَتِ الثَّلاثَةُ بِالياءِ في رِوايَةٍ عَنْ أبِي عَمْرٍو وحَمْزَةَ، وقَرَأ الأعْمَشُ «واللَّهُ يَعْلَمُ الَّذِي تَبْدُونَ وما تَكْتُمُونَ والَّذِينَ تَدْعُونَ» إلَخْ بِالتّاءِ مِن فَوْقُ في الأفْعالِ الثَّلاثَةِ، وقَرَأ طَلْحَةُ «ما تُخْفُونَ» و«ما تُعْلِنُونَ». و«تَدْعُونَ» بِالتّاءِ كَذَلِكَ، وحُمِلَتِ القِراءَتانِ عَلى التَّفْسِيرِ لِمُخالَفَتِهِما لِسَوادِ المُصْحَفِ، وقَرَأ مُحَمَّدٌ اليَمانِيُّ «يُدْعَوْنَ» بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ العَيْنِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أيْ يَدْعُونَهُمُ الكُفّارُ ويَعْبُدُونَهُمْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب