الباحث القرآني

﴿أفَمَن يَخْلُقُ﴾ ما ذَكَرَ مِنَ المَخْلُوقاتِ البَدِيعَةِ أوْ يَخْلُقُ كُلَّ شَيْءٍ يُرِيدُهُ ﴿كَمَن لا يَخْلُقُ﴾ شَيْئًا ما جَلِيلًا أوْ حَقِيرًا، وهو تَبْكِيتٌ لِلْكَفَرَةِ وإبْطالٌ لِإشْراكِهِمْ وعِبادَتِهِمْ غَيْرَهُ تَعالى شَأْنُهُ مِنَ الأصْنامِ بِإنْكارِ ما يَسْتَلْزِمُهُ ذَلِكَ مِنَ المُشابَهَةِ بَيْنَهُ سُبْحانَهُ وبَيْنَهُ بَعْدَ تَعْدادِ ما يَقْتَضِي ذَلِكَ اقْتِضاءً ظاهِرًا، (p-118)وتَعْقِيبُ الهَمْزَةِ بِالفاءِ لِتَوْجِيهِ الإنْكارِ إلى تَرَتُّبِ تَوَهُّمِ المُشابَهَةِ المَذْكُورَةِ عَلى ما فَعَلَ سُبْحانَهُ مِنَ الأُمُورِ العَظِيمَةِ الظّاهِرَةِ الِاخْتِصاصِ بِهِ تَعالى شَأْنُهُ المَعْلُومَةُ كَذَلِكَ فِيما بَيْنَهم حَسْبَما يُؤْذِنُ بِهِ غَيْرُ آيَةٍ والِاقْتِصارُ عَلى ذِكْرِ الخَلْقِ مِن بَيْنِ ما تَقَدَّمَ لِكَوْنِهِ أعْظَمَهُ وأظْهَرَهُ واسْتِتْباعِهِ إيّاهُ أوْ لِكَوْنِ كُلٍّ مِن ذَلِكَ خَلْقًا مَخْصُوصًا أيْ أبَعْدَ ظُهُورِ اخْتِصاصِهِ سُبْحانَهُ بِمَبْدَئِيَّةِ هَذِهِ الشُّؤُونِ الواضِحَةِ الدّالَّةِ عَلى وحْدانِيَّتِهِ تَعالى وتَفَرُّدِهِ بِالأُلُوهِيَّةِ واسْتِحْقاقِ العِبادَةِ يُتَصَوَّرُ المُشابَهَةُ بَيْنَهُ وبَيْنَ ما هو بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ بِالمَرَّةِ كَما هو قَضِيَّةُ إشْراكِكُمْ، وكانَ حَقُّ الكَلامِ بِحَسَبِ الظّاهِرِ في بادِئِ النَّظَرِ أفَمَن لا يَخْلُقُ كَمَن يَخْلُقُ، لَكِنْ قِيلَ: حَيْثُ كانَ التَّشْبِيهُ نِسْبَةً تَقُومُ بِالمُنْتَسِبِينَ اخْتِيرَ ما عَلَيْهِ النَّظْمُ الكَرِيمُ مُراعاةً لِحَقِّ سَبْقِ المِلْكَةِ عَلى العَدَمِ وتَفادِيًا عَنْ تَوْسِيطِ عَدَمِها بَيْنَها وبَيْنَ جُزْئِيّاتِها المُفَصَّلَةِ قَبْلَها وتَنْبِيهًا عَلى كَمالِ قُبْحِ ما فَعَلُوهُ مِن حَيْثُ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُجَرَّدَ رَفْعِ أصْنامِهِمْ عَنْ مَحَلِّها بَلْ حَطٌّ لِمَنزِلَةِ الرُّبُوبِيَّةِ إلى مَرْتَبَةِ الجَمادِ ولا رَيْبَ أنَّهُ أقْبَحُ مِنَ الأوَّلِ، والمُرادُ بِمَن لا يَخْلُقُ كُلُّ ما هَذا شَأْنُهُ مِن ذَوِي العِلْمِ كالمَلائِكَةِ وعِيسى عَلَيْهِمُ السَّلامُ وغَيْرِهِمْ كالأصْنامِ، وأتى (بِمَن) تَغْلِيبًا لِذَوِي العِلْمِ عَلى غَيْرِهِمْ مَعَ ما فِيهِ مِنَ المُشاكَلَةِ أوْ ذَوُو العِلْمِ خاصَّةً ويُعْرَفُ مِنهُ حالُ غَيْرِهِمْ بِدَلالَةِ النَّصِّ، فَإنَّ مَن يَخْلُقُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ كَمَن لا يَخْلُقُ وهو مِن جُمْلَةِ ذَوِي العِلْمِ فَما ظَنُّكَ بِالجَمادِ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ الأصْنامُ خاصَّةً، والتَّعْبِيرُ (بِمَن) إمّا لِلْمُشاكَلَةِ أوْ بِناءً عَلى ما عِنْدَ عَبَدَتِهِما، والأوْلى ما تَقَدَّمَ، ودُخُولُ الأصْنامِ في حُكْمِ عَدَمِ المُشابَهَةِ إمّا بِطْرِيقِ الِانْدِراجِ أوْ بِطْرِيقِ الِانْفِهامِ بِدَلالَةِ النَّصِّ عَلى الطَّرِيقِ البُرْهانِيِّ قالَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ. واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى بُطْلانِ مَذْهَبِ المُعْتَزِلَةِ في زَعْمِهِمْ أنَّ العِبادَ خالِقُونَ لِأفْعالِهِمْ. وقالَ الشِّهابُ بَعْدَ أنْ قَرَّرَ تَقْدِيرَ المَفْعُولِ عامًّا عَلى طَرْزِ ما ذَكَرْنا: وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ العُمُومُ فِيهِ مَأْخُوذًا مِن تَنْزِيلِ الفِعْلِ مَنزِلَةَ اللّازِمِ أنَّهُ عُلِمَ مِن هَذا عَدَمُ تَوَجُّهِ الِاحْتِجاجِ بِها عَلى المُعْتَزِلَةِ في إبْطالِ قَوْلِهِمْ بِخَلْقِ العِبادِ أفْعالَهم كَما وقَعَ في كُتُبِ الكَلامِ لِأنَّ السَّلْبَ الكُلِّيَّ لا يُنافِي الإيجابَ الجُزْئِيَّ اهـ حَسْبَما وجَدْناهُ في النُّسَخِ الَّتِي بِأيْدِينا ولَعَلَّها سَقِيمَةٌ وإلّا فَلا أظُنُّ إلّا كَبْوَةَ جَوادٍ وهو ظاهِرٌ ﴿أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ أيْ ألا تُلاحِظُونَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ ذَلِكَ فَإنَّهُ لِجَلائِهِ لا يَحْتاجُ إلى شَيْءٍ سِوى التَّذَكُّرِ وهو مُراجَعَةُ ما سَبَقَ تَصَوُّرَهُ وذُهِلَ عَنْهُ، وقَدَّرَ بَعْضُهُمُ المَفْعُولَ عَدَمَ المُساواةِ، وذَكَرَ أنَّهُ لِعَدَمِ سَبْقِهِ حَتّى يُتَصَوَّرَ فِيهِ حَقِيقَةُ التَّذَكُّرِ بِأنْ يُتَصَوَّرَ ويُذْهَلَ عَنْهُ جَعَلَ التَّذَكُّرَ اسْتِعارَةً تَصْرِيحِيَّةً لِلْعِلْمِ بِهِ، وقِيلَ: الِاسْتِعارَةُ مَكْنِيَّةٌ في المَفْعُولِ المُقَدَّرِ وإثْباتُ التَّذَكُّرِ تَخْيِيلٌ فَتَذَكَّرْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب