الباحث القرآني

﴿ولَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعًا﴾ أيْ سَبْعَ آياتٍ وهي الفاتِحَةُ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وعَلِيٍّ وابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وأبِي جَعْفَرٍ وأبِي عَبْدِ اللَّهِ والحَسَنِ ومُجاهِدٍ وأبِي العالِيَةِ والضَّحّاكِ وابْنِ جُبَيْرٍ وقَتادَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم. وجاءَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا أيْضًا إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِن حَدِيثِ أُبَيٍّ وأبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، وقِيلَ: سَبْعُ سُوَرٍ وهي الطُّوَلُ ورُوِيَ ذَلِكَ أيْضًا عَنْ عُمْرَ وابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٍ وهي في رِوايَةٍ البَقَرَةُ وآلُ عِمْرانَ والنِّساءُ والمائِدَةُ والأنْعامُ والأعْرافُ والأنْفالُ وبَراءَةُ سُورَةٌ واحِدَةٌ، وفي أُخْرى عُدَّ بَراءَةُ دُونَ الأنْفالِ السّابِعَةُ، وفي أُخْرى عُدَّ يُونُسَ دُونَهُما، وفي أُخْرى عُدَّ الكَهْفُ، وقِيلَ: السَّبْعُ آلُ حم، وقِيلَ: سَبْعُ صُحُفٍ مِنَ الصُّحُفِ النّازِلَةِ عَلى الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، عَلى مَعْنى أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أُوتِيَ ما يَتَضَمَّنُ سَبْعًا مِنها وإنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِها وهي الأسْباعُ، وعَنْ زِيادِ بْنِ أبِي مَرْيَمَ هي أُمُورٌ سَبْعٌ: الأمْرُ والنَّهْيُ والبِشارَةُ والإنْذارُ وضَرْبُ الأمْثالِ وتَعْدادُ النِّعَمِ وأخْبارُ الأُمَمِ، وأصَحُّ الأقْوالِ الأوَّلُ. وقَدْ أخْرَجَهُ البُخارِيُّ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ ورَفَعُوهُ، وقالَ أبُو حَيّانَ: إنَّهُ لا يَنْبَغِي العُدُولُ عَنْهُ بَلْ لا يَجُوزُ ذَلِكَ. وأوْرَدَ عَلى القَوْلِ بِأنَّها السَّبْعُ الطُّوَلُ أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وتِلْكَ السَّبْعَ مَدَنِيَّةٌ، ورُوِيَ هَذا عَنِ الرَّبِيعِ، فَقَدْ أخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الشَّعَبِ وابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُما أنَّهُ قِيلَ لَهُ: إنَّهم يَقُولُونَ: هي السَّبْعُ الطُّوَلُ فَقالَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وما نَزَلَ مِنَ الطُّوَلِ شَيْءٌ وأُجِيبَ بِأنَّ المُرادَ بِإيتائِها إنْزالُها إلى السَّماءِ الدُّنْيا ولا فَرْقَ بَيْنَ المَدَنِيِّ والمَكِّيِّ فِيها. واعْتُرِضَ بِأنَّ ظاهِرَ ( آتَيْناكَ ) يَأْباهُ، وقِيلَ: إنَّهُ تَنْزِيلٌ لِلْمُتَوَقَّعِ مَنزِلَةَ الواقِعِ في الِامْتِنانِ ومِثْلُهُ كَثِيرٌ ﴿مِنَ المَثانِي﴾ بَيانٌ لِلسَّبْعِ وهُوَ- عَلى ما قالَ في مَوْضِعٍ مِنَ الكَشّافِ- جَمْعُ مَثْنى بِمَعْنى مُرَدَّدٍ ومُكَرَّرٍ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُثَنّى مَفْعَلٍ مِنَ التَّثْنِيَةِ بِمَعْنى التَّكْرِيرِ والإعادَةِ كَما في (p-79)قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ أيْ كَرَّةً بَعْدَ كَرَّةٍ ونَحْوَ قَوْلِهِمْ لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ وأرادَ كَما في الكَشْفِ أنَّهُ جَمْعٌ لِمَعْنى التَّكْرِيرِ والإعادَةِ كَما ثَنّى لِذَلِكَ لَكِنَّ اسْتِعْمالَ المُثَنّى في هَذا المَعْنى أكْثَرُ لِأنَّهُ أوَّلُ مَراتِبِ التَّكْرارِ ويَحْتَمِلُ أنْ يُرِيدَ أنَّ مُثَنّى بِمَعْنى التَّكْرِيرِ والإعادَةِ كَما أنَّ صَرِيحَ المُثَنّى كَذَلِكَ في نَحْوِ ﴿كَرَّتَيْنِ﴾ ثُمَّ جُمِعَ مُبالَغَةً. وقَوْلُهُ مِنَ التَّثْنِيَةِ إيضاحٌ لِلْمَعْنى لِأنَّهُ مِنَ الثَّنْيِ بِمَعْنى التَّثْنِيَةِ والأوَّلُ أرْجَحُ نَظَرًا إلى ظاهِرِ اللَّفْظِ والثّانِي نَظَرًا إلى الأصْلِ وقالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّهُ مِنَ التَّثْنِيَةِ أوِ الثَّناءِ والواحِدَةُ مُثَنّاةٌ أوْ مَثْنِيَةٌ بِفَتْحِ المِيمِ عَلى ما في أكْثَرِ النُّسَخِ وإلّا قِيسَ عَلى ما قالَ المُدَقِّقُ بِحَسَبِ اللَّفْظِ أنَّ ذَلِكَ مُشْتَقٌّ مِنَ الثَّناءِ أوِ الثَّنْيِ جَمْعِ مَثْنى مَفْعَلٍ مِنهُما إمّا بِمَعْنى المَصْدَرِ جُمِعَ لَمّا صُيِّرَ صِفَةً أوْ بِمَعْنى المَكانِ في الأصْلِ نُقِلَ إلى الوَصْفِ مُبالَغَةً نَحْوَ أرْضٍ مَأْسَدَةٍ لِأنَّ مَحَلَّ الثَّناءِ يَقَعُ عَلى سَبِيلِ المَجازِ عَلى الثّانِي والمُثَنّى عَلَيْهِ وكَذَلِكَ مَحَلُّ الثَّنْيِ ولا بُعْدَ في بابِ العَدْلِ أنْ يَكُونَ مَنقُولًا عَنْهُ لا مُخْتَرَعًا ابْتِداءً، وإطْلاقُ ذَلِكَ عَلى الفاتِحَةِ لِأنَّها تُكَرَّرُ قِراءَتُها في الصَّلاةِ ورُوِيَ هَذا عَنِ الحَسَنِ وأبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُما اللَّهُ تَعالى وعَنِ الزَّجّاجِ لِأنَّها تُثَنّى بِما يُقْرَأُ بَعْدَها مِنَ القُرْآنِ وقِيلَ ونُسِبَ إلى الحَسَنِ أيْضًا: لِأنَّها نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَكَّةَ ومَرَّةً بِالمَدِينَةِ. وتُعِقِّبَ بِأنَّها كانَتْ مُسَمّاةً بِهَذا الِاسْمِ قَبْلَ نُزُولِها الثّانِي إذِ السُّورَةُ كَما سَمِعْتَ غَيْرَ مَرَّةٍ مَكِّيَّةٌ وقِيلَ: لِأنَّ كَثِيرًا مِن ألْفاظِها مُكَرَّرٌ كالرَّحْمَنِ والرَّحِيمِ وإيّاكَ والصِّراطِ وعَلَيْهِمْ، وقِيلَ: لِاشْتِمالِها عَلى الثَّناءِ عَلى اللَّهِ تَعالى والقَوْلانِ كَما تَرى، وقِيلَ ونُسِبَ إلى ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ أنَّ إطْلاقَ المَثانِي عَلى الفاتِحَةِ لِأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ اسْتَثْناها وادَّخَرَها لِهَذِهِ الأُمَّةِ فَلَمْ يُعْطِها لِغَيْرِهِمْ، ورُوِيَ هَذا الِادِّخارُ في غَيْرِها أيْضًا وفي غَيْرِها أنَّ ذَلِكَ لِأنَّهُ تَكَرَّرَ قِراءَتُهُ وألْفاظُهُ أوْ قِصَصُهُ ومَواعِظُهُ أوْ لِما فِيهِ مِنَ الثَّناءِ عَلَيْهِ تَعالى بِما هو أهْلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ أوْ لِأنَّهُ مُثَنّى عَلَيْهِ بِالبَلاغَةِ والإعْجازِ أوْ يُثَنّى بِذَلِكَ عَلى المُتَكَلِّمِ بِهِ، وعَنْ أبِي زَيْدٍ البَلْخِيِّ أنَّ إطْلاقَ المَثانِي عَلى ذَلِكَ لِأنَّهُ يُثْنِي أهْلَ الشَّرِّ عَنْ شَرِّهِمْ فَتَأمَّلْ، وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِالمَثانِي القُرْآنُ كُلُّهُ وأخْرَجَ ذَلِكَ ابْنُ المُنْذِرِ وغَيْرُهُ عَنْ أبِي مالِكٍ وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى الكَلامُ في تَوْجِيهِ إطْلاقِها عَلَيْهِ مَعَ الِاخْتِلافِ في الإفْرادِ والجَمْعِ، وأنْ يُرادَ بِها كُتُبُ اللَّهِ تَعالى كُلُّها- فَمِن- لِلتَّبْعِيضِ وعَلى الأوَّلِ لِلْبَيانِ ﴿والقُرْآنَ العَظِيمَ﴾ بِالنَّصْبِ عُطِفَ عَلى سَبْعًا فَإنْ أُرِيدَ بِها الآياتُ أوِ السُّوَرُ أوِ الأُمُورُ السَّبْعُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ زِيادٍ فَهو مِن عَطْفِ الكُلِّ عَلى الجُزْءِ بِأنْ يُرادَ بِالقُرْآنِ مَجْمُوعُ ما بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ أوْ مِن عَطْفِ العامِّ عَلى الخاصِّ بِأنْ يُرادَ بِهِ المَعْنى المُشْتَرِكُ بَيْنَ الكُلِّ والبَعْضِ وفِيهِ دَلالَةٌ عَلى امْتِيازِ الخاصِّ حَتّى كَأنَّهُ غَيْرُهُ كَما في عَكْسِهِ وإنْ أُرِيدَ بِها الأسْباعُ فَهو مِن عَطْفِ أحَدِ الوَصْفَيْنِ عَلى الآخَرِ كَما في قَوْلِهِ: إلى المَلِكِ القَرْمِ وابْنِ الهُمامِ. البَيْتَ، بِناءً عَلى أنَّ القُرْآنَ في نَفْسِهِ الأسْباعُ أيْ ولَقَدْ آتَيْناكَ ما يُقالُ لَهُ السَّبْعُ المَثانِي والقُرْآنُ العَظِيمُ، واخْتارَ بَعْضُهم تَفْسِيرَ (القُرْآنَ العَظِيمَ) كالسَّبْعِ المَثانِي بِالفاتِحَةِ لِما أخْرَجَهُ البُخارِيُّ عَنْ أبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلّى قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ««الحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ هي السَّبْعُ المَثانِي والقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ»». وفِي الكَشْفِ كَوْنُهُما الفاتِحَةَ أوْفَقُ لِمُقْتَضى المَقامِ لِما مَرَّ في تَخْصِيصِ ﴿الكِتابِ وقُرْآنٍ مُبِينٍ﴾ بِالسُّورَةِ وأشَدُّ طِباقًا لِلْواقِعِ فَلَمْ يَكُنْ إذْ ذاكَ قَدْ أُوتِيَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كُلَّهُ اه، وأمْرُ العَطْفِ مَعْلُومٌ مِمّا قَبْلَهُ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ «والقُرْآنِ» بِالجَرِّ عَطْفًا عَلى (المَثانِي)، وأبْعَدَ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ الواوَ مُقْحَمَةٌ والتَّقْدِيرَ سَبْعًا مِنَ المَثانِي القُرْآنِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب