الباحث القرآني

﴿قالُوا إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾ هم قَوْمُ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، وجِيءَ بِهِمْ بِطَرِيقِ التَّنْكِيرِ ووُصِفُوا بِالإجْرامِ اسْتِهانَةً بِهِمْ وذَمًّا لَهم ﴿إلا آلَ لُوطٍ﴾ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اسْتِثْناءً مِن قَوْمٍ بِمُلاحَظَةِ الصِّفَةِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعًا لِأنَّهم لَيْسُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ، واحْتِمالُ التَّغْلِيبِ مَعَ هَذِهِ المُلاحَظَةِ لِيَتَّصِلَ الِاسْتِثْناءُ لَيْسَ مِمّا يَقْتَضِيهِ المَقامُ، ولَوْ سُلِّمَ فَغَيْرُ ضارٍّ فِيما ذُكِرَ لِأنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلى الحَقِيقَةِ ولا يُنافِي صِحَّةَ الِاتِّصالِ عَلى تَقْدِيرٍ آخَرَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اسْتِثْناءً مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ في ( مُجْرِمِينَ ) فَيَكُونُ الِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلًا لِرُجُوعِ الضَّمِيرِ إلى القَوْمِ فَقَطْ فَيَكُونُ الآلُ عَلى الأوَّلِ مُخْرَجِينَ مِن حُكْمِ الإرْسالِ المُرادِ بِهِ إرْسالٌ خاصٌّ وهو ما كانَ لِلْإهْلاكِ لا مُطْلَقَ البَعْثِ لِاقْتِضاءِ المَعْنى لَهُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا لَمُنَجُّوهم أجْمَعِينَ﴾ خَبَرُ الأبْناءِ عَلى ما سَمِعْتَ سابِقًا، وعَنِ الرَّضِيِّ أنَّ المُسْتَثْنى المُنْقَطِعَ مُنْتَصِبٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ بِما قَبْلَ إلّا مِنَ الكَلامِ كَما انْتُصِبَ المُتَّصِلُ بِهِ وإنْ كانَتْ إلّا بِمَعْنى لَكِنْ وأمّا المُتَأخِّرُونَ مِنَ البَصْرِيِّينَ فَلَمّا رَأوْها بِمَعْنى لَكِنْ قالُوا إنَّها النّاصِبَةُ بِنَفْسِها نَصْبَ لَكِنَّ لِلْأسْماءِ وخَبَرُها في الأغْلَبِ مَحْذُوفٌ نَحْوُ جاءَنِي القَوْمُ إلّا حِمارًا أيْ لَكِنَّ حِمارًا لَمْ يَجِئْ قالُوا وقَدْ يَجِيءُ خَبَرُها ظاهِرًا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إلا قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ﴾ وقالَ الكُوفِيُّونَ إلّا في ذَلِكَ بِمَعْنى سِوى والنَّصْبُ بَعْدَها في الِانْفِصالِ كالنَّصْبِ في الِاتِّصالِ، وتَأْوِيلُ البَصْرِيِّينَ أوْلى لِأنَّ المُسْتَثْنى المُنْقَطِعَ يَلْزَمُ مُخالَفَتُهُ لِما قَبْلَهُ نَفْيًا وإثْباتًا كَما في لَكِنَّ وفي سِوى لا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِأنَّكَ تَقُولُ: لِي عَلَيْكَ دِينارانِ (p-64)سِوى الدِّينارِ الفُلانِيِّ وذَلِكَ إذا كانَ صِفَةً، وأيْضًا مَعْنى لَكِنَّ الِاسْتِدْراكُ، والمُرادُ بِهِ فِيها دَفْعُ تَوَهُّمِ المُخاطَبِ دُخُولَ ما بَعْدَها في حُكْمِ ما قَبْلَها مَعَ أنَّهُ لَيْسَ بِداخِلٍ وهَذا هو مَعْنى الِاسْتِثْناءِ المُنْقَطِعِ بِعَيْنِهِ انْتَهى، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ في كَوْنِ إلّا الِاسْتِثْنائِيَّةِ تَعْمَلُ عَمَلَ لَكِنَّ خَفاءً مِن جِهَةِ العَرَبِيَّةِ وقالَ: إنَّهُ في المَعْنى خَبْرٌ ولَيْسَ خَبَرًا حَقِيقِيًّا كَما صَرَّحَ بِهِ النُّحاةُ، ومِمّا نَقَلْناهُ يُعْلَمُ ما فِيهِ مِنَ النَّظَرِ. نَعَمْ صَرَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأنَّ الجُمْلَةَ عَلى تَقْدِيرِ الِانْقِطاعِ جارِيَةٌ مَجْرى خَبَرِ لَكِنَّ وهو ظاهِرٌ في أنَّها لَيْسَتْ خَبَرًا في الحَقِيقَةِ وذَكَرَ أنَّهُ إنَّما قالَ ذَلِكَ لِأنَّ الخَبَرَ مَحْذُوفٌ أيْ لَكِنَّ آلَ لُوطٍ ما أرْسَلَنا إلَيْهِمْ والمَذْكُورُ دَلِيلُهُ لِتَلازُمِهِما ولِذا لَمْ يَجْعَلْهُ نَفْسَ الخَبَرِ بَلْ جارٍ مَجْراهُ، وفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلى ما نُقِلْ عَنْ سِيبَوَيْهِ، وزَعَمَ بَعْضٌ أنَّهُ قالَ ذَلِكَ لِأنَّ الجُمْلَةَ المُصَدَّرَةَ بِأنْ يَمْتَنِعَ أنْ تَكُونَ خَبَرًا لِلَكِنَّ فَلْيُراجَعْ، وقِيلَ: قالَ ذَلِكَ لِأنَّ المَذْكُورَ إلّا لا لَكِنَّ وهو كَما تَرى، وعَلى تَقْدِيرِ الِاتِّصالِ يَكُونُ الآلُ مُخْرَجِينَ مِن حُكْمِ المُسْتَثْنى مِنهُ وهو الإجْرامُ داخِلِينَ في حُكْمِ الإرْسالِ بِمَعْنى مُطْلَقًا فَيَكُونُ المَلائِكَةُ قَدْ أُرْسِلُوا إلَيْهِمْ جَمِيعًا لِيُهْلِكُوا هَؤُلاءِ ويُنَجُّوا هَؤُلاءِ، وجُمْلَةُ ﴿إنّا لَمُنَجُّوهُمْ﴾ عَلى هَذا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانًا كَأنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ لَهم حِينَ قالُوا: ﴿إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾ ﴿إلا آلَ لُوطٍ﴾ فَما حالُ آلِ لُوطٍ، فَقالُوا: ﴿إنّا لَمُنَجُّوهُمْ﴾ إلَخْ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إلا امْرَأتَهُ﴾ عَلى التَّقْدِيرَيْنِ عِنْدِ جارِ اللَّهِ مُسْتَثْنى مِنَ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ في لَمُنَجُّوهم ولَمْ يُجَوِّزْ أنْ يَكُونَ مِنَ الِاسْتِثْناءِ مِنَ الِاسْتِثْناءِ في شَيْءٍ قالَ: لِأنَّ ذَلِكَ إنَّما يَكُونُ فِيما اتَّحَدَ الحُكْمُ فِيهِ كَقَوْلِ المُطَلِّقِ: أنْتِ طالِقٌ ثَلاثًا إلّا اثْنَتَيْنِ إلّا واحِدَةً والمُقِرِّ لِفُلانٍ عَلى عَشَرَةِ دَراهِمَ إلّا ثَلاثَةً إلّا دِرْهَمًا، وهاهُنا قَدِ اخْتَلَفَ الحُكْمانِ لِأنَّ آلَ لُوطٍ مُتَعَلِّقٌ بِأرْسَلْنا أوْ بِمُجْرِمِينَ (وإلّا امْرَأتَهُ) تَعَلَّقَ- بِمُنَجُّوهُمْ- فَأنّى يَكُونُ اسْتِثْناءً مِنَ اسْتِثْناءٍ انْتَهى. وقَدْ يُتَوَهَّمُ أنَّ الإرْسالَ إذا كانَ بِمَعْنى الإهْلاكِ فَلا اخْتِلافَ إذِ التَّقْدِيرُ إلّا آلَ لُوطٍ لَمْ نُهْلِكْهم فَهو بِمَعْنى مُنَجُّوهم فَيَكُونُ مِنَ الِاسْتِثْناءِ مِنَ الِاسْتِثْناءِ عَلى أحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ. وأجابَ عَنْ ذَلِكَ صاحِبُ التَّقْرِيبِ بِأنَّ شَرْطَ الِاسْتِثْناءِ المَذْكُورِ أنْ لا يَتَخَلَّلَ لَفْظٌ بَيْنَ الاسْتِثْناءَيْنِ مُتَعَدِّدٌ يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنهُ وهاهُنا قَدْ تَخَلَّلَ ﴿لَمُنَجُّوهُمْ﴾ ولَوْ قِيلَ إلّا آلَ لُوطٍ إلّا امْرَأتَهُ لَجازَ ذَلِكَ وتُعِقِّبَ بِأنَّهُ لا يَدْفَعُ الشُّبْهَةَ لِأنَّ السَّبَبَ حِينَئِذٍ في امْتِناعِهِ وُجُودُ الفاصِلِ لا اخْتِلافُ الحُكْمَيْنِ فَلا وجْهَ لِلتَّعْبِيرِ بِهِ عَنْهُ، وفي الكَشْفِ المُرادُ مِنَ اتِّحادِ الحُكْمِ اتِّحادُهُ شَخْصًا وعَدَدًا فَلا يَرِدُ أنَّ الإرْسالَ إذا كانَ بِمَعْنى الإهْلاكِ كانَ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنّا لَمُنَجُّوهُمْ﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا آلَ لُوطٍ﴾ في مَعْنى واحِدٍ فالِاسْتِثْناءُ مِنَ الأوَّلِ في المَعْنى، وإنَّما شُرِطَ الِاتِّحادُ لِأنَّ المُتَّصِلَ كاسْمِهِ لا يَجُوزُ تَخَلُّلُ جُمْلَةٍ بَيْنَ العَصا ولِحائِها وكَذَلِكَ في المُنْقَطِعِ وبِهِ يَتَّضِحُ حالُ ما تَقَدَّمَ أتَمَّ اتِّضاحٍ، وفِيهِ أيْضًا، فَإنْ قُلْتَ: لِمَ لا يَرْجِعُ الِاسْتِثْناءُ إلَيْهِما؟ قُلْتُ: لِأنَّ الِاسْتِثْناءَ مُتَعَلِّقٌ بِالجُمْلَةِ المُسْتَقِلَّةِ والخِلافُ في رُجُوعِهِ إلى الجُمْلَتَيْنِ فَصاعِدًا لا إلى جُمْلَةٍ، وبَعْضِ جُمْلَةٍ سابِقَةٍ، هَذا والمَعْنى مُخْتَلِفٌ في ذَلِكَ ومَحَلُّ الخِلافِ الجُمَلُ المُتَعاطِفَةُ لا المُنْقَطِعُ بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ انْتَهى، والأمْرُ كَما ذُكِرَ في تَعْيِينِ مَحَلِّ الخِلافِ، والمَسْألَةُ قَلَّ مَن تَعَرَّضَ لَها مِنَ النُّحاةِ وفِيها مَذاهِبُ. الأوَّلُ وهو الأصَحُّ وعَلَيْهِ ابْنُ مالِكٍ أنَّ الِاسْتِثْناءَ يَعُودُ لِلْكُلِّ إلّا أنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلى إرادَةِ البَعْضِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ أزْواجَهُمْ﴾ الآيَةَ فَإنَّ ( إلّا الَّذِينَ ) فِيهِ عائِدٌ إلى فِسْقِهِمْ وعَدَمُ قَبُولِ شَهادَتِهِمْ مُعالًا إلى الجَلْدِ لِلدَّلِيلِ، ولا يَضُرُّ اخْتِلافُ العامِلِ لِأنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ إلّا هي العامِلَةُ الثّانِي أنَّهُ يَعُودُ لِلْكُلِّ إنْ سِيقَ الكُلُّ لِغَرَضٍ واحِدٍ نَحْوَ حَبَسْتُ دارِي عَلى أعْمامِي ووَقَّفْتُ بُسْتانِي عَلى أخْوالِي وسَبَّلْتُ سِقايَتِي لِجِيرانِي إلّا أنْ يُسافِرُوا وإلّا فَلِلْأخِيرَةِ فَقَطْ نَحْوَ أكْرِمِ (p-65)العُلَماءَ واحْبِسْ دارَكَ عَلى أقارِبِكَ وأعْتِقْ عَبِيدَكَ إلّا الفَسَقَةَ مِنهُمُ. الثّالِثُ إنْ كانَ العَطْفُ بِالواوِ عادَ لِلْكُلِّ أوْ بِالفاءِ أوْ ثُمَّ عادَ لِلْأخِيرَةِ وعَلَيْهِ ابْنُ الحاجِبِ، الرّابِعُ أنَّهُ خاصٌّ بِالأخِيرَةِ واخْتارَهُ أبُو حَيّانَ. الخامِسُ إنِ اتَّحَدَ العامِلُ فَلِلْكُلِّ أوِ اخْتَلَفَ فَلِلْأخِيرَةِ إذْ لا يُمْكِنُ حَمْلُ المُخْتَلِفاتِ في مُسْتَثْنًى واحِدٍ وعَلَيْهِ البَهاباذِيُّ، وهو مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ عامِلَ المُسْتَثْنى الأفْعالُ السّابِقَةُ دُونَ إلّا، هَذا ويُوهِمُ كَلامُ بَعْضِهِمْ أنَّهُ لَوْ جَعَلَ الِاسْتِثْناءَ مِن ( آلَ لُوطٍ ) لَزِمَ أنْ تَكُونَ امْرَأتُهُ غَيْرَ مُهْلَكَةٍ أوْ غَيْرَ مُجْرِمَةٍ وهو تَوَهُّمٌ فاحِشٌ لِأنَّ الِاسْتِثْناءَ مِن ( آلَ لُوطٍ ) إنْ قُلْنا بِهِ بِمُلاحَظَةِ الحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِالإنْجاءِ وعَدَمِ الإهْلاكِ أوْ بِعَدَمِ الإجْرامِ والصَّلاحِ فَتَكُونُ إلّا امْرَأةً مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالإهْلاكِ أوِ الإجْرامِ. ويُرْشِدُكَ إلى هَذا ما ذَكَرَهُ الرَّضِيُّ فِيما إذا تَعَدَّدَ الِاسْتِثْناءُ وأمْكَنَ اسْتِثْناءُ كُلِّ تالٍ مِن مَتْلُوِّهِ نَحْوَ جاءَنِي المَكِّيُّونَ إلّا قُرَيْشًا إلّا بَنِي هاشِمٍ إلّا بَنِي عَقِيلٍ حَيْثُ قالَ: لا يَجُوزُ في المُوجِبِ حِينَئِذٍ في كُلِّ وِتْرٍ إلّا النَّصْبُ عَلى الِاسْتِثْناءِ لِأنَّهُ عَنْ مُوجِبٍ، والقِياسُ أنْ يَجُوزَ في كُلٍّ شَفْعُ الإبْدالِ والنَّصْبُ عَلى الِاسْتِثْناءِ لِأنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ والمُسْتَثْنى مِنهُ مَذْكُورٌ، والكَلامُ في وِتْرٍ وشَفْعٍ غَيْرُ المُوجِبِ عَلى عَكْسِ هَذا، وهو مَبْنِيٌّ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ الجُمْهُورُ مِن أنَّ الِاسْتِثْناءَ مِنَ النَّفْيِ إثْباتٌ ومِنِ الإثْباتِ نَفِيٌ خِلافًا لِلْكِسائِيِّ حَيْثُ قالَ: إنَّ المُسْتَثْنى مَسْكُوتٌ عَنْ نَفْيِ الحُكْمِ عَنْهُ أوْ ثُبُوتِهِ لَهُ، ولا دَلالَةَ في الكَلامِ عَلى شَيْءٍ مِن ذَلِكَ، واسْتِفادَةُ الإثْباتِ في كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مِن عُرْفِ الشَّرْعِ، وكَما وقَعَ الخِلافُ في هَذِهِ المَسْألَةِ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ وقَعَ بَيْنَ الأئِمَّةِ المُجْتَهِدِينَ وتَحْقِيقُ ذَلِكَ في مَحَلِّهِ. واخْتارَ ابْنُ المُنِيرِ كَوْنَ ( إلّا آلَ لُوطٍ ) مُسْتَثْنًى مِن ( قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ) عَلى أنَّهُ مُنْقَطِعٌ قالَ: وهو أوْلى وأمْكَنُ لِأنَّ في اسْتِثْنائِهِمْ مِنَ الضَّمِيرِ العائِدِ عَلى قَوْمٍ مُنْكِرِينَ بُعْدًا مِن حَيْثُ إنَّ مُوقِعَ الِاسْتِثْناءِ إخْراجُ ما لَوْلاهُ لَدَخَلَ المُسْتَثْنى في حُكْمِ الأوَّلِ، وهُنا الدُّخُولُ مُتَعَذَّرٌ مَعَ التَّنْكِيرِ ولِذَلِكَ قَلَّما تَجِدُ النَّكِرَةَ يُسْتَثْنى مِنها إلّا في سِياقِ نَفْيٍ لِأنَّها حِينَئِذٍ تَعُمُّ فَيَتَحَقَّقُ الدُّخُولُ لَوْلا الِاسْتِثْناءُ، ومِن ثَمَّةَ لَمْ يَحْسُنْ رَأيْتُ قَوْمًا إلّا زَيْدًا وحَسُنَ ما رَأيْتُ أحَدًا إلّا زَيْدًا انْتَهى. ورُدَّ بِأنَّ هَذا لَيْسَ نَظِيرَ رَأيْتُ قَوْمًا إلّا زَيْدًا بَلْ مِن قَبِيلِ رَأيْتُ قَوْمًا أساؤُوا إلّا زَيْدًا فالوَصْفُ يُعَيِّنُهم ويَجْعَلُهم كالمَحْصُورِينَ، قالَ في هَمْعِ الهَوامِعِ: ولا يُسْتَثْنى مِنَ النَّكِرَةِ في المُوجِبِ ما لَمْ تَفِدْ فَلا يُقالُ: جاءَ قَوْمٌ إلّا رَجُلًا ولا قامَ رِجالٌ إلّا زَيْدًا لِعَدَمِ الفائِدَةِ، فَإنْ أفادَ جازَ نَحْوَ ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ ألْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسِينَ عامًا﴾ وقامَ رِجالٌ كانُوا في دارِكَ إلّا رَجُلًا، عَلى أنَّ المُرادَ بِالقَوْمِ أهْلُ القَرْيَةِ كَما صَرَّحَ بِهِ في آيَةٍ أُخْرى فَهم مَعْنى مَحْصُورُونَ، ونَقَلَ المُدَقِّقُ عَنِ السَّكّاكِيِّ أنَّهُ صَرَّحَ في آخِرِ بَحْثِ الِاسْتِدْلالِ مِن كِتابِهِ بِأنَّ الِاسْتِثْناءَ مِن جَمْعٍ غَيْرِ مَحْصُورِ جائِزٌ عَلى المَجازِ، مَعَ أنَّ بَعْضَ الأُصُولِيِّينَ أيْضًا جَوَّزُوا الِاسْتِثْناءَ مِنَ النَّكِرَةِ في الإيجابِ وأطْلَقُوا القَوْلَ في ذَلِكَ. نَعَمِ المُصَرَّحُ بِهِ في كَثِيرٍ مِن كُتُبِ النَّحْوِ نَحْوَ ما في الهَمْعِ. وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ الِاسْتِثْناءُ مِنَ الظّاهِرِ والضَّمِيرُ مُنْقَطِعًا، وعُلِّلَ ذَلِكَ بِأنَّ الضَّمِيرَ في الصِّفَةِ هو عَيْنُ المَوْصُوفِ المُقَيَّدِ بِالصِّفَةِ، وذَكَرَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ أنَّ بَعْضَ الفُضَلاءِ رَفَعَ هَذا مَعَ عِدَّةِ أسْئِلَةٍ نَثْرًا ونَظْمًا إلى الكَمالِ ابْنِ الهَمّامِ ولَمْ يَذْكُرْ أنَّهُ أجابَ عَنْها، والجَوابُ عَمّا زَعَمَهُ هُنا قَدْ مَرَّتْ إلَيْهِ الإشارَةُ، وأمّا الجَوابُ عَنْ سائِرِ ما اسْتَشْكَلَهُ وسُئِلَ عَنْهُ الكَمالُ فَيُغْنِي عَنْهُ الِاطِّلاعُ عَلى السُّؤالِ فَإنَّهُ مِمّا يُتَعَجَّبُ مِنهُ، ومِن هُنا قالَ الشِّهابُ: أظُنُّ أنَّ ابْنَ الهَمّامِ إنَّما سَكَتَ عَنْ جَوابِ ذَلِكَ لِوُضُوحِ انْدِفاعِهِ وأنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يَصْدُرَ عَمَّنْ تَحَلّى بِحِلْيَةِ الفَضْلِ، نَعَمْ بَعُدَ كُلُّ حِسابٍ الَّذِي يَنْساقُ إلى الذِّهْنِ أنَّ الِاسْتِثْناءَ مِنَ الظّاهِرِ لَكِنَّ الرَّضِيَّ أنَّهُ إذا اجْتَمَعَ شَيْئانِ فَصاعِدًا يَصْلُحانِ لِأنْ يُسْتَثْنى مِنهُما فَهُناكَ تَفْصِيلٌ فَإمّا أنْ يَتَغايَرا مَعْنًى أوْ لا فَإنْ تَغايَرا وأُمْكِنَ اشْتِراكُهُما في (p-66)ذَلِكَ الِاسْتِثْناءِ بِلا بُعْدٍ اشْتَرَكا فِيهِ نَحْوَ ما بَرَّ أبٌ وابْنٌ إلّا زَيْدًا أيْ زَيْدٌ أبٌ بارٌّ وابْنٌ بارٌّ، فَإنْ لَمْ يُمْكِنِ الِاشْتِراكُ نَحْوَ فَضَلَ ابْنٌ أبًا إلّا زَيْدًا أوْ كانَ بَعِيدًا نَحْوَ ما ضَرَبَ أحَدٌ أحَدًا إلّا زَيْدًا فَإنَّ الأغْلَبَ مُغايِرَةُ الفاعِلِ لِلْمَفْعُولِ نَظَرْنا فَإنْ تَعَيَّنَ دُخُولُ المُسْتَثْنى في أحَدِهِما دُونَ الآخَرِ فَهو اسْتِثْناءُ مِنهُ ولِيَهُ أوَّلًا نَحْوَ ما فَدى وصِيٌّ نَبِيًّا إلّا عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ، وإنِ احْتَمَلَ دُخُولُهُ في كُلِّ واحِدٍ مِنهُما فَإنْ تَأخَّرَ عَنْهُما المُسْتَثْنى فَهو مِنَ الأخِيرِ نَحْوَ ما فَضَلَ ابْنٌ أبًا إلّا زَيْدًا وكَذا ما فَضَلَ أبًا ابْنٌ إلّا زِيدٌ لِأنَّ اخْتِصاصَهُ بِالأقْرَبِ أوْلى لِما تَعَذَّرَ رُجُوعُهُ إلَيْهِما، وإنْ تَقَدَّمَهُما مَعًا فَإنْ كانَ أحَدُهُما مَرْفُوعًا لَفْظًا أوْ مَعْنًى فالِاسْتِثْناءُ مِنهُ لِأنَّ مَرْتَبَتَهُ بَعْدَ الفِعْلِ فَكَأنَّ الِاسْتِثْناءَ ولِيَهُ بَعْدَهُ نَحْوَ ما فَضَلَ إلّا زَيْدًا أبًا ابْنٌ أوْ مِنَ ابْنٍ، وإنْ لَمْ يَكُنْ أحَدُهُما مَرْفُوعًا فالأوَّلُ أوْلى بِهِ لِقُرْبِهِ نَحْوَ ما فَضَّلْتُ إلّا زَيْدًا واحِدًا عَلى أحَدٍ ويُقَدَّرُ لِلْأخِيرِ عامِلٌ، وإنْ تَوَسَّطَهُما فالمُتَقَدَّمُ أحَقُّ بِهِ لِأنَّ أصْلَ المُسْتَثْنى تَأخُّرُهُ عَنِ المُسْتَثْنى مِنهُ نَحْوَ ما فَضَلَ أبًا إلّا زِيدٌ ابْنٌ ويُقَدَّرُ أيْضًا لِلْأخِيرِ عامِلٌ، وإنْ لَمْ يَتَغايَرا مَعْنًى اشْتَرَكا فِيهِ، وإنِ اخْتَلَفَ العامِلانِ فِيهِما نَحْوَ ما ضَرَبَ أحَدٌ وما قَتَلَ إلّا خالِدًا لِأنَّ فاعِلَ قَتَلَ ضَمِيرُ أحَدٍ انْتَهى. وجَزَمَ ابْنُ مالِكٍ فِيما إذا تَقَدَّمَ شَيْئانِ مَثَلًا يَصْلُحُ كُلٌّ مِنهُما لِلِاسْتِثْناءِ مِنهُ بِأنَّ الِاسْتِثْناءَ مِنَ الأخِيرِ وأطْلَقَ القَوْلَ في ذَلِكَ فَلْيُتَأمَّلْ ذاكَ مَعَ ما نَحْنُ فِيهِ، وقالَ القاضِي البَيْضاوِيُّ: إنَّهُ عَلى الِانْقِطاعِ يَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ ( إلّا امْرَأتَهُ ) مُسْتَثْنًى مِن ( آلَ لُوطٍ ) أوْ مِن ضَمِيرِ ﴿لَمُنَجُّوهُمْ﴾ وعَلى الِاتِّصالِ يَتَعَيَّنُ الثّانِي لِاخْتِلافِ الحُكْمَيْنِ اللَّهُمَّ إلّا إذا جَعَلْتَ جُمْلَةَ ﴿إنّا لَمُنَجُّوهُمْ﴾ مُعْتَرَضَةً انْتَهى، ومُخالَفَتُهُ لِما نُقِلَ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ ظاهِرَةٌ حَيْثُ جَوَّزَ الِاسْتِثْناءَ مِنَ المُسْتَثْنى في الِانْقِطاعِ ومَنَعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مُطْلَقًا، وحَيْثُ جَعَلَ اخْتِلافَ الحُكْمَيْنِ في الِاتِّصالِ وأثْبَتَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مُطْلَقًا أيْضًا وبَيْنَ اخْتِلافِ الحُكْمَيْنِ بِنَحْوِ ما بُيِّنَ بِهِ في كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ، ولَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ مَوْلانا سِرَّيِ الدِّينِ وقالَ: المُرادُ بِالحُكْمَيْنِ المُفادُ بِطَرِيقِ اسْتِثْناءِ الثّانِي مِنَ الأوَّلِ وهو عَلى تَقْدِيرِ الِاتِّصالِ إجْرامُ إلّا امْرَأةَ والحُكْمُ المَقْصُودُ بِالإفادَةِ وهو الحُكْمُ عَلَيْها بِالإهْلاكِ وبَيْنَ اتِّحادِ هَذا الحُكْمِ المَقْصُودِ مَعَ الحُكْمِ المُفادِ بِالِاسْتِثْناءِ عَلى تَقْدِيرِ الِانْقِطاعِ بِأنَّهُ عَلى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ تَكُونُ إلّا بِمَعْنى لَكِنَّ (وإنّا لَمُنَجُّوهُمْ) خَبَرًا لَهُ ثابِتًا كالإخْراجِ مِنهُ فَيَكُونُ الحُكْمُ الحاصِلُ مِنَ الِاسْتِثْناءِ مِنهُ بِعَيْنِهِ هو الحُكْمُ المَقْصُودُ بِالإفادَةِ ويُقالُ عَلى تَقْدِيرِ الِاتِّصالِ والِاعْتِراضِ: إنَّ الحُكْمَيْنِ وإنِ اخْتَلَفا ظاهِرًا إلّا أنَّهُ لَمّا كانَتِ الجُمْلَةُ المُعْتَرَضَةُ كالبَيانِ لِما يَقْتَضِيهِ الِاسْتِثْناءُ الأوَّلُ كانَ في المَعْنى كَأنَّهُ هو وصارَ الإخْراجُ مِنهُ، كالإخْراجِ مِنهُ وهَذا بِخِلافِ ما إذا كانَ اسْتِئْنافًا فَإنَّهُ يَكُونُ مُنْقَطِعًا ويَكُونُ جَوابًا لِسُؤالٍ مُقَدَّرٍ ولا يَتِمُّ الجَوابُ بِدُونِ الِاسْتِثْناءِ ولا يَخْلُو عَنِ الِاعْتِراضِ. وقالَ بَعْضُهم في تَوْجِيهِ الِاسْتِثْناءِ عَلى هَذا: إنَّ هُناكَ حُكْمَيْنِ الإجْرامَ والإنْجاءَ فَيَجُرُّ الثّانِي الِاسْتِثْناءَ إلى نَفْسِهِ كَيْلا يَلْزَمَ الفَصْلُ إلّا إذا جَعَلَ اعْتِراضًا فَإنَّ فِيهِ سَعَةً حَتّى يَتَخَلَّلَ بَيْنَ الصِّفَةِ ومَوْصُوفِها فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ اسْتِثْناءً مِن ( آلَ لُوطٍ ) ولِذا جَوَّزَ الرَّضِيُّ أنْ يُقالَ: أكْرَمُ القَوْمِ والنُّحاةِ بَصْرِيُّونَ إلّا زَيْدًا، ويُرَدُّ عَلَيْهِ أنَّ كَوْنَ الحُكْمِ المُفادِ بِالِاسْتِثْناءِ غَيْرَ الحُكْمِ المَقْصُودِ بِالإفادَةِ باقِيًا بِحالِهِ ولا يَحْتاجُ الأمْرُ إلى ما سَمِعْتَ وهو كَما سَمِعْتَ، والَّذِي يَنْساقُ إلى الذِّهْنِ ما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وفي الحَواشِي الشِّهابِيَّةِ أنَّهُ الحَقُّ دِرايَةً ورِوايَةً. أمّا الأوَّلُ فَلِأنَّ الحُكْمَ المَقْصُودَ بِالإخْراجِ مِنهُ هو الحُكْمُ المُخْرَجُ مِنهُ الأوَّلُ والثّانِي حُكْمٌ طارِئٌ مِن تَأْوِيلِ إلّا بَلَكِنَّ وهو أمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ، وأمّا الثّانِي فَلِما ذَكَرَ في التَّسْهِيلِ مِن أنَّهُ إذا تَعَدَّدَ الِاسْتِثْناءُ فالحُكْمُ المُخْرَجُ مِنهُ حُكْمُ الأوَّلِ، ومِمّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّهُ لَوْ كانَ الِاسْتِثْناءُ مُفَرَّغًا في هَذِهِ الصُّورَةِ كَما إذا قُلْتَ: لَمْ يَبْقَ في الدّارِ إلّا اليَعافِيرُ أبْقاها الزَّمانُ إلّا يَعْفُورَ صَيْدٍ مِنها فَإنَّهُ يَتَعَيَّنُ إعْرابُهُ بِحَسَبِ العامِلِ الأوَّلِ كَقَوْلِكَ: (p-67)ما عِنْدِي إلّا عَشْرَةٌ إلّا ثَلاثَةٌ، ثُمَّ إنَّ كَلامَهُ مَبْنِيٌّ عَلى أمْرٍ ومانِعٍ مَعْنَوِيٍّ لا عَلى عَدَمِ جَوازِ تَخَلُّلِ كَلامٍ مُنْقَطِعٍ بَيْنَ المُسْتَثْنى والمُسْتَثْنى مِنهُ كَما قِيلَ وإنْ كانَ مانِعًا أيْضًا كَما صَرَّحَ بِهِ الرَّضِيُّ فَتَدَبَّرِ انْتَهى، فافْهَمْ ذاكَ واللَّهُ سُبْحانَهُ يَتَوَلّى هُداكَ. وقَرَأ الأخْوانِ «لَمُنْجُوهُمْ» بِالتَّخْفِيفِ. ﴿قَدَّرْنا إنَّها لَمِنَ الغابِرِينَ﴾ أيِ الباقِينَ في عَذابِ اللَّهِ تَعالى كَما أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ أوِ الباقِينَ مَعَ الكَفَرَةِ لِتَهْلَكَ مَعَهُمْ، وأصْلُهُ مِنَ الغَبَرَةِ وهي بَقِيَّةُ اللَّبَنِ في الضَّرْعِ، وقَرَأ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ «قَدَرْنا» بِالتَّخْفِيفِ، وكُسِرَتْ هَمْزَةُ «أنَّ» لِتَعْلِيقِ الفِعْلِ بِوُجُودِ لامِ الِابْتِداءِ الَّتِي لَها صَدْرُ الكَلامِ، وعُلِّقَ مَعَ أنَّ التَّعْلِيقَ في المَشْهُورِ مِن خَواصِّ أفْعالِ القُلُوبِ- قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ - لِتَضَمُّنِ فِعْلِ التَّقْدِيرِ مَعْنى العِلْمِ، ولِذَلِكَ فَسَّرَهُ العُلَماءُ تَقْدِيرَ اللَّهِ تَعالى أفْعالَ العِبادِ بِالعِلْمِ، والمُرادُ بِتَضَمُّنِهِ ذَلِكَ قِيلَ المَعْنى المُصْطَلَحُ، وقِيلَ: التَّجَوُّزُ عَنْ مَعْناهُ الَّذِي كَأنَّهُ في ضِمْنِهِ لِأنَّهُ لا يُقَدَّرُ إلّا ما يُعْلَمُ ذِكْرُهُ المُدَقَّقُ تَوْجِيهًا لِكَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ، ثُمَّ قالَ: ولَيْسَ ذَلِكَ مِن بابِ تَضْمِينِ الفِعْلِ مَعْنى فِعْلٍ آخَرَ في شَيْءٍ حَتّى يَعْتَرِضَ بِأنَّهُ لا يَنْفَعُ الزَّمَخْشَرِيَّ لِبَقاءِ مَعْنى الفِعْلَيْنِ. نَعَمْ هو عَلى أصْلِهِمْ مِن أنَّهُ كِنايَةٌ مَعْلُومٌ مُحَقَّقٌ لا مُقَدَّرٌ مُرادٌ، وقالَ القاضِي: جازَ أنْ يُقالَ: أُجْرِي مَجْرى القَوْلِ لِأنَّ التَّقْدِيرَ بِمَعْنى القَضاءِ قَوْلٌ، وأمّا أنا فَلا أُنْكِرُ عَلى جارِ اللَّهِ أنَّ التَّعْلِيقَ لِتَضَمُّنِ مَعْنى العِلْمِ وإنَّما أُنْكِرُ نَفْيَ كَوْنِهِ مَقْدُورًا مُرادًا انْتَهى، وإنَّما أُنْكِرُهُ لِأنَّهُ اعْتِزالٌ تَأْباهُ الظَّواهِرُ، ومِن هُنا قالَ إبْراهِيمُ النَّخْعِيُّ فِيما أخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ: بَيْنِي وبَيْنَ القَدَرِيَّةِ هَذِهِ الآيَةُ وتَلاها. والظّاهِرُ أنَّ هَذا مِن كَلامِ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وإنَّما أسْنَدُوا ذَلِكَ إلى أنْفُسِهِمْ وهو فِعْلُ اللَّهِ سُبْحانَهُ لِما لَهم مِنَ الزُّلْفى والِاخْتِصاصِ، وهَذا كَما يَقُولُ حاشِيَةُ السُّلْطانِ أمَرْنا ورَسَمْنا بِكَذا والآمِرُ هو في الحَقِيقَةِ، وقِيلَ: ولا يَخْفى بَعْدَهُ هو مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى فَلا يَحْتاجُ إلى تَأْوِيلٍ قِيلَ: وكَذا لا يَحْتاجُ إلَيْهِ إذا كانَ المُرادُ بِالتَّقْدِيرِ العِلْمَ مَجازًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب