الباحث القرآني
﴿قالَ رَبِّ بِما أغْوَيْتَنِي﴾ أيْ بِسَبَبِ إغْوائِكَ إيّايَ ﴿لأُزَيِّنَنَّ﴾ أيْ أقْسَمَ لَأُزَيِّنَنَّ ﴿لَهُمْ﴾ أيْ لِذُرِّيَّتِهِ وهو مَفْهُومٌ مِنَ السِّياقِ وإنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ، وقَدْ جاءَ مُصَرَّحًا بِهِ في قَوْلِهِ تَعالى حِكايَةً عَنِ اللَّعِينِ أيْضًا: ﴿لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ﴾ ومَفْعُولُ ﴿لأُزَيِّنَنَّ﴾ مَحْذُوفٌ أيِ المَعاصِي ﴿فِي الأرْضِ﴾ أيْ هَذا الجِرْمُ المَدْحُوُّ وكَأنَّ اللَّعِينَ أشارَ بِذَلِكَ إلى أنِّي أقْدِرُ عَلى الِاحْتِيالِ لِآدَمَ والتَّزْيِينِ لَهُ الأكْلَ مِنَ الشَّجَرَةِ في السَّماءِ فَأنا عَلى التَّزْيِينِ لِذُرِّيَّتِهِ في الأرْضِ أقْدِرُ، ويَجُوزُ أنَّهُ أرادَ بِالأرْضِ الدُّنْيا لِأنَّها مَحَلُّ مَتاعِها ودارِها، وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّ هَذا المَعْنى عُرْفِيٌّ لِلْأرْضِ وأنَّها إنَّما ذُكِرَتْ بِهَذا اللَّفْظِ تَحْقِيرًا لَها، ولَعَلَّ التَّقْيِيدَ عَلى ما قِيلَ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ لِلتَّزْيِينِ مَحَلًّا يَقْوى قَبُولُهُ أيْ لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمُ المَعاصِيَ في الدُّنْيا الَّتِي هي دارُ الغُرُورِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ يُرادُ بِها هَذا المَعْنى ويَنْزِلُ الفِعْلُ مَنزِلَةَ اللّازِمِ ثُمَّ يُعَدّى بِفِي، وفي ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلى أنَّها مُسْتَقَرُّ التَّزْيِينِ وأنَّهُ تَمَكُّنُ المَظْرُوفِ في ظَرْفِهِ، ونَحْوُهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:(p-50)
؎فَإنْ تَعْتَذِرْ بِالمَحَلِّ مِن ذِي ضُرُوعِها إلى الضَّيْفِ يَجْرَحُ في عَراقِيبِها نَصْلِي
والمَعْنى لَأُحَسِّنَنَّ الدُّنْيا وأُزَيِّنَنَّها لَهم حَتّى يَشْتَغِلُوا بِها عَنِ الآخِرَةِ، وجُوِّزَ جَعْلُ الباءِ لِلْقَسَمِ و«ما» مَصْدَرِيَّةٌ أيْضًا أيْ أُقْسِمُ بِإغْوائِكَ إيّايَ لَأُزَيِّنَنَّ، وإقْسامُهُ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعالى المُفَسَّرَةِ بِسُلْطانِهِ وقَهْرِهِ لا يُنافِي إقْسامَهُ بِهَذا فَإنَّهُ فَرْعٌ مِن فُرُوعِها وأثَرٌ مِن آثارِها فَلَعَلَّهُ أقْسَمَ بِهِما جَمِيعًا فَحَكى تارَةً قَسَمَهُ بِهَذا وأُخْرى بِذاكَ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ السَّبَبِيَّةَ أوْلى لِأنَّهُ وقَعَ في مَكانٍ آخَرَ ﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾ والقِصَّةُ واحِدَةٌ والحَمْلُ عَلى مُحاوَرَتَيْنِ لا مُوجِبَ لَهُ ولِأنَّ القَسَمَ بِالإغْواءِ غَيْرُ مُتَعارَفٍ انْتَهى، وفِيهِ نَظَرٌ ظاهِرٌ فَإنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾ يَحْتَمِلُ القَسَمِيَّةَ أيْضًا، وقَدْ صَرَّحَ الطَّيِّبِيُّ بِأنَّ مَذْهَبَ الشّافِعِيَّةِ أنَّ القَسَمَ بِالعِزَّةِ والجَلالِ يَمِينٌ شَرْعًا فالآيَةُ عَلى الزّاعِمِ لا لَهُ. نَعَمْ إنَّ دَعْواهُ عَدَمَ تَعارُفِ القَسَمِ بِالإغْواءِ مُسَلَّمَةٌ وهو عِنْدِي يَكْفِي لِأوْلَوِيَّةِ السَّبَبِيَّةِ ولِعَدَمِ التَّعارُفِ مَعَ عَدَمِ الإشْعارِ بِالتَّعْظِيمِ لا يُعَدُّ القَسَمُ بِها يَمِينًا شَرْعًا فَإنَّ القائِلِينَ بِانْعِقادِ القَسَمِ بِصِفَةٍ لَهُ تَعالى يَشْتَرِطُونَ أنْ تُشْعِرَ بِتَعْظِيمٍ ويُتَعارَفَ مِثْلُها، وفي نِسْبَةِ الإغْواءِ إلَيْهِ تَعالى بِلا إنْكارٍ مِنهُ سُبْحانَهُ قَوْلٌ بِأنَّ الشَّرَّ كالخَيْرِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وأوَّلَ المُعْتَزِلَةُ ذَلِكَ وقالُوا: المُرادُ النِّسْبَةُ إلى الغَيِّ كَفَسَّقْتُهُ نَسَبْتُهُ إلى الفِسْقِ لا فَعَلْتُهُ أوْ أنَّ المُرادَ فَعَلَ بِهِ فِعْلًا حَسَنًا أفْضى بِهِ لِخُبْثِهِ إلى الغَيِّ حَيْثُ أمَرَهُ سُبْحانَهُ بِالسُّجُودِ فَأبى واسْتَكْبَرَ أوْ أضَلَّهُ عَنْ طَرِيقِ الجَنَّةِ وتَرَكَ هِدايَتَهُ واللُّطْفَ بِهِ واعْتَذَرُوا عَنْ إنْظارِ اللَّهِ تَعالى إيّاهُ مَعَ أنَّهُ مُفْضٍ إلى الإغْواءِ القَبِيحِ بِأنَّهُ تَعالى قَدْ عَلِمَ مِنهُ ومِمَّنِ اتَّبَعَهُ أنَّهم يَمُوتُونَ عَلى الكُفْرِ ويَصِيرُونَ إلى النّارِ أُنْظِرَ أمْ لَمْ يُنْظَرْ وأنَّ في إنْظارِهِ تَعْرِيضًا لِمَن خالَفَهُ لِاسْتِحْقاقِ مَزِيدِ الثَّوابِ.
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ في إنْظارِ إبْلِيسَ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ وتَمْكِينِهِ مِنَ الإغْواءِ وتَسْلِيطِهِ عَلى أكْثَرِ بَنِي آدَمَ ما يَأْبى القَوْلُ بِوُجُوبِ رِعايَةِ الأصْلَحِ المَشْهُورِ عَنِ المُعْتَزِلَةِ، وأيْضًا مَن زَعَمَ أنَّ حَكِيمًا أوْ غَيْرَهُ يَحْصُرُ قَوْمًا في دارٍ ويُرْسِلُ فِيها النّارَ العَظِيمَةَ والأفاعِيَ القاتِلَةَ الكَثِيرَةَ ولَمْ يُرِدْ أذى أحَدٍ مِن أُولَئِكَ القَوْمِ بِالإحْراقِ أوِ اللَّسْعِ فَقَدْ خَرَجَ عَنِ الفِطْرَةِ البَشَرِيَّةِ.
فَحِينَئِذٍ الَّذِي تَحْكُمُ بِهِ الفِطْرَةُ أنَّ اللَّهَ تَعالى أرادَ بِالإنْظارِ إضْلالَ بَعْضِ النّاسِ فَسُبْحانَهُ مِن إلَهٍ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ويَحْكُمُ ما يُرِيدُ، وتَمَسُّكُ بَعْضِ المُعْتَزِلَةِ في تَأْوِيلِ ما تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: (ولَأُغْوِيَنَّهُمْ) حَيْثُ أفادَ أنَّ الإغْواءَ فِعْلُهُ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُنْسَبَ إلى اللَّهِ تَعالى، وأُجِيبَ بِأنَّ المُرادَ بِهِ هُنا الحَمْلُ عَلى الغَوايَةِ لا إيجادُها وتَأْوِيلُ اللّاحِقِ لِلسّابِقِ أوْلى مِنَ العَكْسِ، وبِالجُمْلَةِ ضَعْفُ الِاسْتِدْلالِ ظاهِرٌ فَلا يَصْلُحُ ذَلِكَ مُتَمَسَّكًا لَهم ﴿أجْمَعِينَ﴾ أيْ كُلَّهم فَهو لِمُجَرَّدِ الإحاطَةِ هُنا.
{"ayah":"قَالَ رَبِّ بِمَاۤ أَغۡوَیۡتَنِی لَأُزَیِّنَنَّ لَهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











