الباحث القرآني

لِما رَأى مِنهم ما يُوجِبُ ذَلِكَ شَرَعَ في التَّرْهِيبِ بِتَذْكِيرِ ما جَرى عَلى الأُمَمِ الدّارِجَةِ فَقالَ: ﴿ألَمْ يَأْتِكم نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ لِيَتَدَبَّرُوا ما أصابَ كُلَّ واحِدٍ مِن حِزْبَيِ المُؤْمِنِ والكافِرِ فَيَتِمُّ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَقْصُودُهُ مِنهم وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مِن تَتِمَّةِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ (p-192)السَّلامُ: ﴿إنْ تَكْفُرُوا﴾ .. إلَخْ عَلى أنَّهُ كالبَيانِ لِما أُشِيرَ إلَيْهِ في الجَوابِ مِن عَوْدِ ضَرَرِ الكُفْرانِ عَلى الكافِرِ دُونَهُ عَزَّ وجَلَّ وقِيلَ: هو مِن كَلامِهِ تَعالى جِيءَ تَتِمَّةً لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ﴾ .. إلَخْ وبَيانًا لِشِدَّةِ عَذابِهِ ونُقِلَ كَلامُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مُعْتَرِضٌ في البَيْنِ وهو كَما تَرى وقِيلَ: هو ابْتِداءُ كَلامٍ مِنهُ تَعالى مُخاطِبًا بِهِ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَ ما ذَكَرَ إرْسالَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالقُرْآنِ وقَصَّ عَلَيْهِمْ مِن قَصَصِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَعَ أُمَّتِهِ ولَعَلَّ تَخْصِيصَ تَذْكِيرِهِمْ بِما أصابَ أُولَئِكَ المَعْدُودِينَ مَعَ قُرْبِ غَيْرِهِمُ إلَيْهِمْ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ إهْلاكَهُ تَعالى لِلظّالِمِينَ ونَصْرَهُ المُؤْمِنِينَ عادَةٌ قَدِيمَةٌ لَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى ومِنَ النّاسِ مَنِ اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ. ﴿قَوْمِ نُوحٍ﴾ بَدَلٌ مِنَ المَوْصُولِ أوْ عَطْفُ بَيانٍ ﴿وعادٍ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْمِ نُوحٍ ﴿وثَمُودَ والَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ أيْ مِن بَعْدِ هَؤُلاءِ المَذْكُورِينَ عُطِفَ عَلى قَوْمِ نُوحٍ وما عُطِفَ عَلَيْهِ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَعْلَمُهم إلا اللَّهُ﴾ اعْتِراضٌ أوِ المَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ وهَذِهِ الجُمْلَةُ خَبَرُهُ وجُمْلَةُ المُبْتَدَأِ وخَبَرِهِ اعْتِراضٌ والمَعْنى عَلى الوَجْهَيْنِ إنَّهم مِنَ الكَثْرَةِ بِحَيْثُ لا يَعْلَمُ عَدَدَهم إلّا اللَّهُ تَعالى ومَعْنى الِاعْتِراضِ عَلى الأوَّلِ ألَمْ يَأْتِكم أنْباءُ الجَمِّ الغَفِيرِ الَّذِي لا يُحْصى كَثْرَةً فَتَعْتَبِرُوا بِها إنَّ في ذَلِكَ لَمُعْتَبِرًا وعَلى الثّانِي هو تَرِقٍّ ومَعْناهُ ألَمْ يَأْتِكم نَبَأُ هَؤُلاءِ ومَن لا يُحْصى عَدَدُهم كَأنَّهُ يَقُولُ: دَعِ التَّفْصِيلَ فَإنَّهُ لا مَطْمَعَ في الحَصْرِ وفِيهِ لُطْفٌ لِإيهامِ الجَمْعِ بَيْنَ الإجْمالِ والتَّفْصِيلِ ولِذا جَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ أوَّلَ الوَجْهَيْنِ وما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ قالَ: بَيْنَ عَدْنانَ وإسْماعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ثَلاثُونَ أبًا لا يُعْرَفُونَ وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ إذا قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ قالَ: كَذِبَ النَّسّابُونَ يَعْنِي أنَّهم يَدَّعُونَ عِلْمَ الأنْسابِ وقَدْ نَفى اللَّهُ تَعالى عِلْمَها عَنِ العِبادِ أظْهَرَ فِيهِ عَلى ما قِيلَ. ومِن هُنا يُعْلَمُ أنَّ تَرْجِيحَ الطَّيِّبِيُّ الوَجْهَ الأوَّلَ بِما رَجَّحَهُ بِهِ لَيْسَ في مَحَلِّهِ: واعْتَرَضَ أبُو حَيّانَ القَوْلَ بِالِاعْتِراضِ بِأنَّهُ لا يَكُونُ إلّا بَيْنَ جُزْأيْنِ يَطْلُبُ أحَدُهُما الآخَرُ وما ذُكِرَ لَيْسَ كَذَلِكَ ومَنَعَ بِأنَّ بَيْنَ المُعْتَرِضِ بَيْنَهُما ارْتِباطًا يَطْلُبُ بِهِ أحَدُهُما الآخَرَ لِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ الآتِيَةُ حالًا بِتَقْدِيرِ قَدَّرُوا الِاعْتِراضَ يَقَعُ بَيْنَ الحالِ وصاحِبِها فَلَيْسَ ما ذُكِرَ مُخالِفًا لِكَلامِ النُّحاةِ ولَوْ سُلِّمَ أنَّها لَيْسَتْ بِحالِيَّةٍ فَما ذَكَرُوهُ هُنا عَلى مُصْطَلَحِ أهْلِ المَعانِي وهم لا يَشْتَرِطُونُ الشَّرْطَ المَذْكُورَ حَتّى جَوَّزُوا أنْ يَكُونَ الِاعْتِراضُ في آخِرِ الكَلامِ كَما صَرَّحَ بِهِ ابْنُ هِشامٍ في المُغْنِي مَعَ أنَّ الجُمْلَةَ الآتِيَةَ مُفَسِّرَةٌ لِما في الجُمْلَةِ الأُولى فَهي مُرْتَبِطَةٌ بِها مَعْنًى واشْتِراطُ الِارْتِباطِ الأعْرابِيِّ عِنْدَ النُّحاةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أيْضًا فَتَأمَّلْ وجَعَلَ أبُو البَقاءِ جُمْلَةَ ﴿لا يَعْلَمُهم إلا اللَّهُ﴾ عَلى تَقْدِيرِ عَطْفِ المَوْصُولِ عَلى ما قَبْلُ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في ﴿مِن بَعْدِهِمْ﴾ وجُوِّزَ الِاسْتِئْنافُ ولَعَلَّهُ أرادَ بِذَلِكَ الضَّمِيرَ المُسْتَقِرَّ في الجارِّ والمَجْرُورِ لا الضَّمِيرَ المَجْرُورَ بِالإضافَةِ لِفَقْدِ شَرْطِ مَجِيءِ الحالِ مِنهُ وجُوِّزَ عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ المَوْصُولِ مُبْتَدَأً كَوْنُ تِلْكَ الجُمْلَةِ خَبَرًا وكَوْنُها حالًا والخَبَرُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿جاءَتْهم رُسُلُهُمْ﴾ والكَثِيرُ عَلى أنَّهُ اسْتِئْنافٌ لِبَيانِ نَبَئِهِمْ ﴿بِالبَيِّناتِ﴾ بِالمُعْجِزاتِ الظّاهِرَةِ فَبَيَّنَ كُلُّ رَسُولٍ مِنهم لِأُمَّتِهِ طَرِيقَ الحَقِّ وهَداهم إلَيْهِ لِيُخْرِجَهم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ ﴿فَرَدُّوا أيْدِيَهم في أفْواهِهِمْ﴾ أيْ أشارُوا بِأيْدِيهِمْ إلى ألْسِنَتِهِمْ وما نَطَقَتْ بِهِ ﴿وقالُوا إنّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ أيْ عَلى زَعْمِكم وهي البَيِّناتُ الَّتِي أظْهَرُوها حُجَّةً عَلى صِحَّةِ رِسالَتِهِمْ. (p-193)ومُرادُهم بِالكُفْرِ بِها الكُفْرُ بِدَلالَتِها عَلى صِحَّةِ رِسالَتِهِمْ أوِ الكُتُبِ والشَّرائِعِ وحاصِلُهُ أنَّهم أشارُوا إلى جَوابِهِمْ هَذا كَأنَّهم قالُوا: هَذا جَوابُنا لَكم لَيْسَ عِنْدَنا غَيْرُهُ إقْناطًا لَهم مِنَ التَّصْدِيقِ وهَذا كَما يَقَعُ في كَلامِ المُخاطَبِينَ أنَّهم يُشِيرُونَ إلى أنَّ هَذا هو الجَوابُ ثُمَّ يُقَرِّرُونَهُ أوْ يُقَرِّرُونَهُ ثُمَّ يُشِيرُونَ بِأيْدِيهِمْ إلى أنَّ هَذا هو الجَوابُ فَضَمِيرُ ( أيْدِيَهم، وأفْواهِهِمْ ) إلى الكُفّارِ والأيْدِي عَلى حَقِيقَتِها والرَّدُّ مَجازٌ عَنِ الإشارَةِ وهي تَحْتَمِلُ المُقارَنَةَ والتَّقَدُّمَ والتَّأخُّرَ وقالَ أبُو صالِحٍ: المُرادُ أنَّهم وضَعُوا أيْدِيَهم عَلى أفْواهِهِمْ مُشِيرِينَ بِذَلِكَ لِلرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أنْ يَكُفُّوا ويَسْكُتُوا عَنْ كَلامِهِمْ كَأنَّهم قالُوا: اسْكُتُوا فَلا يَنْفَعُكُمُ الإكْثارُ ونَحْنُ مُصِرُّونَ عَنِ الكُفْرِ لا نُقْلِعَ عَنْهُ. ؎فَكَمْ أنا لا أُصْغِي وأنْتَ تُطِيلُ. فالضَّمِيرانِ لِلْكُفّارِ أيْضًا وسائِرُ ما في النَّظْمِ عَلى حَقِيقَتِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّ المُرادَ أنَّهم عَضُّوا أيْدِيَهم غَيْظًا مِن شِدَّةِ نَفْرَتِهِمْ مِن رُؤْيَةِ الرُّسُلِ وسَماعِ كَلامِهِمْ فالضَّمِيرانِ أيْضًا كَما تَقَدَّمَ واليَدُ والفَمُ عَلى حَقِيقَتِهِما والرَّدُّ كِنايَةً عَنِ العَضِّ ولا يُنافِي الحَقِيقَةَ كَوْنُ المَعْضُوضِ الأنامِلَ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظِ﴾ فَإنَّ مَن عَضَّ مَوْضِعًا مِنَ اليَدِ يُقالُ حَقِيقَةً إنَّهُ عَضَّ اليَدَ وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ المُرادَ أنَّهم وضَعُوا أيْدِيَهم عَلى أفْواهِهِمْ تَعَجُّبًا مِمّا جاءَ بِهِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وهَذا كَما يَضَعُ مَن غَلَبَهُ الضَّحِكُ يَدَهُ عَلى فِيهِ فالضَّمِيرانِ وسائِرُ ما في النَّظْمِ كَما في القَوْلِ الثّانِي وجُوِّزَ أنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ في ﴿أيْدِيَهُمْ﴾ إلى الكُفّارِ وفي ﴿أفْواهِهِمْ﴾ إلى الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وفِيهِ احْتِمالانِ الأوَّلُ أنَّهم أشارُوا بِأيْدِيهِمْ إلى أفْواهِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أنِ اسْكُتُوا والآخَرُ أنَّهم وضَعُوا أيْدِيَهم عَلى أفْواهِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مَنعًا لَهم مِنَ الكَلامِ ورُوِيَ هَذا عَنِ الحَسَنِ والكَلامُ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ حَقِيقَةً ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ اسْتِعارَةً تَمْثِيلِيَّةً بِأنْ يُرادَ بِرَدِّ أيْدِي القَوْمِ إلى أفْواهِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَدَمُ قَبُولِ كَلامِهِمْ واسْتِماعِهِ مُشَبَّهًا بِوَضْعِ اليَدِ عَلى فَمِ المُتَكَلِّمِ لِإسْكاتِهِ وظاهِرُ ما في البَحْرِ يَقْتَضِي أنَّهُ حَقِيقَةٌ حَيْثُ قالَ: إنَّ ذَلِكَ أبْلَغُ في الرَّدِّ وأذْهَبُ في الِاسْتِطالَةِ عَلى الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ والنَّيْلِ مِنهم وأنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ في ﴿أيْدِيَهُمْ﴾ لِلْكُفّارِ وضَمِيرُ ﴿أفْواهِهِمْ﴾ لِلرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. والأيْدِي جَمْعُ يَدٍ بِمَعْنى النِّعْمَةِ أيْ رَدُّوا نِعَمَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ الَّتِي هي أجَلُّ النِّعَمِ مِن مَواعِظِهِمْ ونَصائِحِهِمْ وما أُوِحِيَ إلَيْهِمْ مِنَ الشَّرائِعِ والأحْكامِ في أفْواهِهِمْ ويَكُونُ ذَلِكَ مَثَلًا لِرَدِّها وتَكْذِيبِها بِأنْ يُشَبَّهَ رَدُّ الكُفّارِ ذَلِكَ بِرَدِّ الكَلامِ الخارِجِ مِنَ الفَمِ فَقِيلَ: رَدُّوا أيْدِيَهم أيْ مَواعِظَهم في أفْواهِهِمْ والمُرادُ عَدَمُ قَبُولِها وقِيلَ: المُرادُ بِالأيْدِي النِّعَمُ والضَّمِيرُ الأوَّلُ لِلرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أيْضًا لَكِنَّ الضَّمِيرَ الثّانِيَ لِلْكُفّارِ عَلى مَعْنى كَذَّبُوا ما جاءُوا بِأفْواهِهِمْ أيْ تَكْذِيبًا لا مُسْتَنَدَ لَهُ وفي بِمَعْنى الباءِ وقَدْ أثْبَتَ الفَرّاءُ مَجِيئَها بِمَعْناها وأنْشَدَ: . ؎وأرْغَبُ فِيها عَنْ لَقِيطٍ ورَهْطِهِ ∗∗∗ ولَكِنَّنِي عَنْ سُنْبُسَ لَسْتُ أرْغَبُ وضُعِّفَ حَمْلُ الأيْدِي عَلى النِّعَمِ بِأنَّ مَجِيئَها بِمَعْنى ذَلِكَ قَلِيلٌ في الِاسْتِعْمالِ حَتّى أنْكَرَهُ بَعْضُ أهْلِ اللُّغَةِ وإنْ كانَ الصَّحِيحُ خِلافَهُ والمَعْرُوفُ في ذَلِكَ الأيادِي كَما في قَوْلِهِ: .(p-194) ؎سَأشْكُرُ عَمْرًا إنْ تَراخَتْ مَنِيَّتِي ∗∗∗ أيادِيَ لَمْ تُمْنَنْ وإنْ هي جَلَّتْ وبِأنَّ الرَّدَّ والأفْواهَ يُناسِبُ إرادَةَ الجارِحَةِ وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ الضَّمِيرانِ لِلْكُفّارِ والكَلامُ ضَرْبُ مَثَلٍ أيْ لَمْ يُؤْمِنُوا ولَمْ يُجِيبُوا والعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إذا سَكَتَ عَنِ الجَوابِ وأمْسَكَ رَدَّ يَدَهُ في فِيهِ ومِثْلُهُ عَنِ الأخْفَشِ. وتَعَقَّبَهُ القُتْبِيُّ بِأنّا لَمْ نَسْمَعْ أحَدًا مِنَ العَرَبِ يَقُولُ رَدَّ فُلانٌ يَدَهُ في فِيهِ إذا سَكَتَ وتَرَكَ ما أُمِرَ بِهِ وفِيهِ أنَّهُما سَمِعا ذَلِكَ ومَن سَمِعَ حُجَّةٌ عَلى مَن لَمْ يَسْمَعْ قالَ أبُو حَيّانَ: وعَلى ما ذَكَراهُ يَكُونُ ذَلِكَ مِن مَجازِ التَّمْثِيلِ كَأنَّ المُمْسِكَ عَنِ الجَوابِ السّاكِتِ عَنْهُ وضَعَ يَدَهُ عَلى فِيهِ ورَدَّهُ الطَّبَرِيُّ بِأنَّهم قَدْ أجابُوا بِالتَّكْذِيبِ لِأنَّهم قالُوا: ﴿إنّا كَفَرْنا﴾ إلى آخِرِهِ وأُجِيبَ بِأنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُرادُ القائِلِ أنَّهم أمْسَكُوا وسَكَتُوا عَنِ الجَوابِ المَرْضِيِّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَجِيءُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ إلَيْهِمْ بِالبَيِّناتِ وهو الِاعْتِرافُ والتَّصْدِيقُ وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الضَّمِيرانِ لِلْكُفّارِ ويُحْتَمَلُ أنْ يُتَجَوَّزَ في الأيْدِي ويُرادُ مِنها ما يَشْمَلُ أنْواعَ المُدافَعَةِ والمَعْنى رَدُّوا جَمِيعَ مُدافَعَتِهِمْ في أفْواهِهِمْ أيْ إلى ما قالُوا بِأفْواهِهِمْ مِنَ التَّكْذِيبِ وحاصِلُهُ أنَّهم لَمْ يَجِدُوا ما يَدْفَعُونَ بِهِ كَلامَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ سِوى التَّكْذِيبِ المَحْضِ وعَبَّرَ عَنْ جَمِيعِ المُدافَعَةِ بِالأيْدِي إذْ هي مَوْضِعُ أشَدِّ المُدافَعَةِ والمُرادَّةِ. وقِيلَ: المُرادُ أنَّهم جَعَلُوا أيْدِيَهم في مَحَلِّ ألْسِنَتِهِمْ عَلى مَعْنى أنَّهم آذَوُا الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِألْسِنَتِهِمْ نَحْوَ الإيذاءِ بِالأيْدِي والَّذِي يُطابِقُ المَقامَ وتَشْهَدُ لَهُ بَلاغَةُ التَّنْزِيلِ هو الوَجْهُ الأوَّلُ ونَصَّ غَيْرُ واحِدٍ عَلى أنَّهُ الوَجْهُ القَوِيُّ لِأنَّهم لَمّا حاوَلُوا الإنْكارَ عَلى الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ كُلَّ الإنْكارِ جَمَعُوا في الإنْكارِ بَيْنَ الفِعْلِ والقَوْلِ ولِذا أتى بِالفاءِ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهم لَمْ يُمْهِلُوا بَلْ عَقَّبُوا دَعْوَتَهم بِالتَّكْذِيبِ وصَدَّرُوا الجُمْلَةَ بِإنَّ ويَلِي ذَلِكَ عَلى ما في الكَشْفِ الوَجْهُ الثّانِي ولا يَخْفى ما في أكْثَرِ الوُجُوهِ الباقِيَةِ فَتَأمَّلْ ﴿وإنّا لَفي شَكٍّ﴾ عَظِيمٍ ﴿مِمّا تَدْعُونَنا﴾ إلَيْهِ مَنِ الإيمانِ والتَّوْحِيدِ وبِهَذا وتَفْسِيرِ ( ما أُرْسِلْتُمْ بِهِ ) بِما ذُكِرَ أوَّلًا يَنْدَفِعُ ما يُتَوَهَّمُ مِنَ المُنافاةِ بَيْنَ جَزْمِهِمْ بِالكُفْرِ وشَكِّهِمْ هَذا وقِيلَ في دَفْعِ ذَلِكَ عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ مُتَعَلِّقِي الكُفْرِ والشَّكِّ واحِدًا: إنَّ الواوَ بِمَعْنى أوْ أيْ أحَدُ الأمْرَيْنِ لازِمٌ وهو إنّا كَفَرْنا جَزْمًا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ فَإنْ لَمْ نَجْزِمْ فَلا أقَلَّ مِن أنْ نَكُونَ شاكِّينَ فِيهِ وأيًّا ما كانَ فَلا سَبِيلَ إلى الإقْرارِ والتَّصْدِيقِ وقِيلَ: إنَّ الكُفْرَ عَدَمُ الإيمانِ عَمَّنْ هو مِن شَأْنِهِ فَكَفَرْنا بِمَعْنى لَمْ نُصَدِّقْ وبِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وذَلِكَ لا يُنافِي الشَّكَّ وفي البَحْرِ أنَّهم بادَرُوا أوَّلًا إلى الكُفْرِ وهو التَّكْذِيبُ المَحْضُ ثُمَّ أخْبَرُوا أنَّهم في شَكٍّ وهو التَّرَدُّدُ كَأنَّهم نَظَرُوا بَعْضَ نَظَرٍ اقْتَضى أنِ انْتَقَلُوا مِنَ التَّكْذِيبِ المَحْضِ إلى التَّرَدُّدِ أوْ هُما قَوْلانِ مِن طائِفَتَيْنِ طائِفَةٌ بادَرَتْ بِالتَّكْذِيبِ والكُفْرِ وأُخْرى شَكَّتْ والشَّكُّ في مِثْلِ ما جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ كُفْرٌ وهَذا أوْلى مِن قَرِينِهِ وقَرَأ طَلْحَةُ ( مِمّا تَدْعُونا ) بِإدْغامِ نُونِ الرَّفْعِ في نُونِ الضَّمِيرِ كَما تُدْغَمُ في نُونِ الوِقايَةِ في نَحْوِ أتُحاجُّونِّي. ﴿مُرِيبٍ﴾ . (9) . أيْ مُوقِعٍ في الرِّيبَةِ مِن أرابَنِي بِمَعْنى أوْقَعَنِي في رِيبَةٍ أوْ ذِي رِيبَةٍ مِن أرابَ صارَ ذا رِيبَةٍ وهي قَلَقُ النَّفْسِ وعَدَمُ اطْمِئْنانِها بِالشَّيْءِ وهو صِفَةٌ تَوْكِيدِيَّةٌ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب