الباحث القرآني
﴿وإذْ تَأذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ داخِلٌ في مَقُولِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لا كَلامٌ مُبْتَدَأٌ وهو مَعْطُوفٌ عَلى نِعْمَةِ اللَّهِ أيِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ تَعالى عَلَيْكم واذْكُرُوا حِينَ تَأذَّنَ رَبُّكم أيْ آذَنَ إيذانًا بَلِيغًا وأعْلَمَ إعْلامًا لا يَبْقى مَعَهُ شُبْهَةٌ لِما في صِيغَةِ التَّفَعُّلِ مِن مَعْنى التَّكَلُّفِ المَحْمُولِ في حَقِّهِ تَعالى لِاسْتِحالَةِ حَقِيقَتِهِ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ عَلى غايَتِهِ الَّتِي هي الكَمالُ وجُوِّزَ عَطْفُهُ عَلى ﴿إذْ أنْجاكُمْ﴾ أيِ اذْكُرُوا نِعْمَتَهُ تَعالى في هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ فَإنَّ هَذا التَّأذُّنَ أيْضًا نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ لِما فِيهِ مِنَ التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ الباعِثَيْنِ إلى ما يَنالُونَ بِهِ خَيْرىِ الدُّنْيا والآخِرَةِ وفي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ( وإذْ قالَ رَبُّكم ) .
﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ﴾ ما خَوَّلْتُكم مِن نِعْمَةِ الإنْجاءِ مِن إهْلاكٍ وغَيْرِ ذَلِكَ وقابَلْتُمُوهُ بِالإيمانِ أوْ بِالثَّباتِ عَلَيْهِ أوِ الإخْلاصِ فِيهِ والعَمَلِ الصّالِحِ ﴿لأزِيدَنَّكُمْ﴾ أيْ نِعْمَةً إلى نِعْمَةٍ فَإنَّ زِيادَةَ النِّعْمَةِ ظاهِرَةٌ في سَبْقِ نِعْمَةٍ أُخْرى وقِيلَ: يُفْهَمُ ذَلِكَ أيْضًا مِن لَفْظِ الشُّكْرِ فَإنَّهُ دالٌّ عَلى سَبْقِ النِّعَمِ فَلَيْسَ الزِّيادَةُ لِمُجَرَّدِ الإحْداثِ والظّاهِرُ عَلى ما قِيلَ إنَّ هَذِهِ الزِّيادَةَ في الدُّنْيا وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ في الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ ولَيْسَ بِبَعِيدٍ وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما لَئِنْ وحَّدْتُمْ وأطَعْتُمْ (p-191)لَأزِيدَنَّكم في الثَّوابِ وعَنِ الحَسَنِ وسُفْيانَ الثَّوْرِيِّ أنَّ المَعْنى لَئِنْ شَكَرْتُمُ إنْعامِيَ لَأزِيدَنَّكم مِن طاعَتِي والكُلُّ خِلافُ الظّاهِرِ وذَكَرَ الإمامُ أنَّ حَقِيقَةَ الشُّكْرِ الِاعْتِرافُ بِنِعْمَةِ المُنْعِمِ مَعَ تَعْظِيمِهِ وبَيانُ زِيادَةِ النِّعَمِ بِهِ أنَّ النِّعَمَ مِنها رُوحانِيَّةٌ ومِنها جُسْمانِيَّةٌ والشّاكِرُ يَكُونُ أبَدًا في مُطالَعَةِ أقْسامِ نِعَمِ اللَّهِ تَعالى وأنْواعِ فَضْلِهِ وكَرَمِهِ وذَلِكَ يُوجِبُ تَأكُّدَ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعالى المُحْسَنَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ومَقامُ المَحَبَّةِ أعْلى مَقاماتِ الصِّدِّيقِينَ ثُمَّ قَدْ يَتَرَقّى العَبْدُ مِن تِلْكَ الحالَةِ إلى أنْ يَكُونَ حُبُّهُ لِلْمُنْعِمِ شاغِلًا لَهُ عَنِ الِالتِفاتِ إلى النِّعْمَةِ وهَذِهِ أعْلى وأغْلى فَثَبَتَ مِن هَذا أنَّ الِاشْتِغالَ بِالشُّكْرِ يُوجِبُ زِيادَةَ النِّعَمِ الرُّوحانِيَّةِ وكَوْنُهُ مُوجِبًا لِزِيادَةِ النِّعَمِ الجُسْمانِيَّةِ فَلِلِاسْتِقْراءِ الدّالِّ عَلى أنَّ كُلَّ مَن كانَ اشْتِغالُهُ بِالشُّكْرِ أكْثَرَ كانَ وُصُولُ النِّعَمِ إلَيْهِ أكْثَرَ وهو كَما تَرى ﴿ولَئِنْ كَفَرْتُمْ﴾ ذَلِكَ وغَمَطْتُمُوهُ ولَمْ تَشْكُرُوهُ كَما تَدُلُّ عَلَيْهِ المُقابَلَةُ وقِيلَ: المُرادُ بِالكُفْرِ ما يُقابِلُ الإيمانَ كَأنَّهُ قِيلَ: ولَئِنْ أشْرَكْتُمْ ﴿إنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ﴾ . (7) . فَعَسى يُصِيبُكم مِنهُ ما يُصِيبُكم ومِن عادَةِ الكِرامِ غالِبًا التَّصْرِيحُ بِالوَعْدِ والتَّعْرِيضُ بِالوَعِيدِ فَما ظَنُّكَ بِأكْرَمِ الأكْرَمِينَ فَلِذا لَمْ يَقُلْ سُبْحانَهُ: إنَّ عَذابِي لَكم لَأُعَذِّبَنَّكم كَما قالَ جَلَّ وعَلا: ﴿لأزِيدَنَّكُمْ﴾ .
وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المَذْكُورُ تَعْلِيلًا لِلْجَوابِ المَحْذُوفِ أيْ لَأُعَذِّبَنَّكم وبَيَّنَ الإمامُ وجْهَ كَوْنِ كُفْرانِ النِّعَمِ سَبَبًا لِلْعَذابِ أنَّهُ لا يَحْصُلُ الكُفْرانُ إلّا عِنْدَ الجَهْلِ بِكَوْنِ تِلْكَ النِّعْمَةِ مِنَ اللَّهِ تَعالى والجاهِلُ بِذَلِكَ جاهِلٌ بِاللَّهِ تَعالى والجَهْلُ بِهِ سُبْحانَهُ مِن أعْظَمِ أنْواعِ العَذابِ والآيَةُ مِمّا اجْتَمَعَ فِيها القَسَمُ والشَّرْطُ فالجَوابُ سادٌّ مَسَدَّ جَوابَيْهِما والجُمْلَةُ إمّا مَفْعُولٌ لِتَأذَّنَ لِأنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ القَوْلِ أوْ مَفْعُولُ قَوْلٍ مُقَدَّرٍ مَنصُوبٌ عَلى الحالِ سادٌّ مَعْمُولُهُ مَسَدَّهُ أيْ قائِلًا لَئِنْ شَكَرْتُمْ .. إلَخْ وهَذانَ مَذْهَبانِ مَشْهُورانِ لِلْكُوفِيَّةِ والبَصْرِيَّةِ في أمْثالِ ذَلِكَ.
واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ شُكْرَ المُنْعِمِ واجِبٌ وهو مِمّا أجْمَعَ عَلَيْهِ السُّنِّيُّونَ والمُعْتَزِلَةُ إلّا أنَّ الأوَّلِينَ عَلى وُجُوبِهِ شَرْعًا والآخَرِينَ عَلى وُجُوبِهِ عَقْلًا وهو مَبْنِيٌّ عَلى قَوْلِهِمْ بِالحُسْنِ والقُبْحِ العَقْلِيَّيْنِ وقَدْ هَدَّ أرْكانَهُ أهْلُ السُّنَّةِ عَلى أنَّهُ لَوْ قِيلَ بِهِ لَمْ يَكَدْ يَتِمُّ لَهُمُ الِاسْتِدْلالُ بِذَلِكَ في هَذا المَقامِ كَما بُيِّنَ في مَحَلِّهِ
{"ayah":"وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَىِٕن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِیدَنَّكُمۡۖ وَلَىِٕن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











