الباحث القرآني
﴿وإذْ قالَ مُوسى﴾ شُرُوعٌ في بَيانِ تَصَدِّيهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِما أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّذْكِيرِ لِلْإخْراجِ المَذْكُورِ ﴿وإذْ﴾ مَنصُوبٌ عَلى المَفْعُولِيَّةِ عِنْدَ كَثِيرٍ بِمُضْمَرٍ خُوطِبَ بِهِ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وتَعْلِيقُ الذِّكْرِ بِالوَقْتِ مَعَ أنَّ المَقْصُودَ تَذْكِيرُ ما وقَعَ فِيهِ مِنَ الحَوادِثِ لِما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ أيِ اذْكُرْ لَهم وقْتَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿لِقَوْمِهِ﴾ الَّذِينَ أمَرْناهُ بِإخْراجِهِمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ تَعالى الجَلِيلَةَ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ وبَدَأ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالتَّرْغِيبِ لِأنَّهُ عِنْدَ النَّفْسِ أقْبَلُ وهي إلَيْهِ أمْيَلُ وقِيلَ: بَدَأ بِهَذا الأمْرِ لِما بَيْنَهُ وبَيْنَ آخِرِ الكَلامِ السّابِقِ مِن مَزِيدِ الرَّبْطِ ولا يَخْفى أنَّ هَذا إنَّما هو عَلى تَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَأْمُورًا بِالتَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ أمّا إذا كانَ مَأْمُورًا بِالتَّرْغِيبِ فَقَطْ فَلا سُؤالَ والظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ النِّعْمَةِ إنْ جُعِلَتْ مَصْدَرًا بِمَعْنى الإنْعامِ أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنها إنْ جُعِلَتِ اسْمًا أيِ اذْكُرُوا إنْعامَهُ عَلَيْكم أوْ نِعْمَتَهُ كائِنَةً عَلَيْكم و( إذْ ) في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إذْ أنْجاكم مِن آلِ فِرْعَوْنَ﴾ يَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِالنِّعْمَةِ أيْضًا عَلى تَقْدِيرِ جَعْلِها مَصْدَرًا أيِ اذْكُرُوا إنْعامَهُ عَلَيْكم وقْتَ إنْجائِكم ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِكَلِمَةِ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ إذا كانَتْ حالًا لا ظَرْفًا لَغْوًا لِلنِّعْمَةِ لِأنَّ الظَّرْفَ المُسْتَقِرَّ لِنِيابَتِهِ عَنْ عامِلِهِ يَجُوزُ أنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُ أوْ هو عَلى هَذا مَعْمُولٌ لِمُتَعَلِّقِهِ كَأنَّهُ قِيلَ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ تَعالى مُسْتَقِرَّةً عَلَيْكم وقْتَ إنْجائِكم ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بَدَلَ اشْتِمالٍ مِن نِعْمَةِ اللَّهِ مُرادًا بِها الإنْعامُ أوِ العَطِيَّةُ المُنْعَمُ بِها ﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ يَبْغُونَكم مِن سامَهُ خَسْفًا إذا أوْلاهُ ظُلْمًا وأصْلُ السَّوْمِ كَما قالَ الرّاغِبُ الذَّهابُ في طَلَبِ الشَّيْءِ فَهو لَفْظٌ لِمَعْنى مُرَكَّبٍ مِنَ الذَّهابِ والطَّلَبِ فَأُجْرِيَ مَجْرى الذَّهابِ في قَوْلِهِمْ: سامَتِ الإبِلُ فَهي سائِمَةٌ ومَجْرى الطَّلَبِ في قَوْلِهِمْ: سُمْتُهُ كَذا ﴿سُوءَ العَذابِ﴾ مَفْعُولٌ ثانٍ لَيَسُومُونَكم والسُّوءُ مَصْدَرُ ساءَ يَسُوءُ والمُرادُ جِنْسُ العَذابِ السَّيِّئِ أوِ اسْتِبْعادُهم واسْتِعْمالُهم في الأعْمالِ الشّاقَّةِ والِاسْتِهانَةُ بِهِمْ وغَيْرُ ذَلِكَ.
وفِي أنْوارِ التَّنْزِيلِ أنَّ المُرادَ بِالعَذابِ ها هُنا غَيْرُ المُرادِ بِهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ والأعْرافِ لِأنَّهُ مُفَسَّرٌ بِالتَّذْبِيحِ والتَّقْتِيلِ ثَمَّ ومَعْطُوفٌ عَلَيْهِ التَّذْبِيحُ المُفادُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويُذَبِّحُونَ أبْناءَكُمْ﴾ ها هُنا وفِيهِ إشارَةٌ إلى وجْهِ العَطْفِ وتَرْكِهِ مَعَ أنَّ القِصَّةَ واحِدَةٌ وحاصِلُ ذَلِكَ أنَّهُ حَيْثُ طُرِحَ الواوُ قُصِدَ تَفْسِيرُ العَذابِ وبَيانُهُ فَلَمْ يُعْطَفْ لِما بَيْنَهُما مِن كَمالِ الِاتِّصالِ وحَيْثُ عُطِفَ لَمْ يُقْصَدْ ذَلِكَ والعَذابُ إنْ كانَ المُرادُ بِهِ الجِنْسَ فالتَّذْبِيحُ لِكَوْنِهِ أشَدَّ (p-190)أنْواعِهِ عُطِفَ عَلَيْهِ عَطْفَ جِبْرِيلَ عَلى المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ لِشِدَّتِهِ كَأنَّهُ لَيْسَ مِن ذَلِكَ الجِنْسِ وإنْ كانَ المُرادُ بِهِ غَيْرَهُ كالِاسْتِعْبادِ فَهُما مُتَغايِرانِ والمَحَلُّ مَحَلُّ العَطْفِ وقَدْ جَوَّزَ أهْلُ المَعانِي أنْ يَكُونا بِمَعْنًى في الجَمِيعِ وذُكِرَ الثّانِي لِلتَّفْسِيرِ وتَرْكُ العِطْفِ في السُّورَتَيْنِ ظاهِرٌ والعَطْفُ هُنا لِعَدِّ التَّفْسِيرِ لِكَوْنِهِ أوْفى بِالمُرادِ وأظْهَرَ مَنزِلَةَ المُغايِرِ وهو وجْهٌ حَسَنٌ أيْضًا وسَبَبُ هَذا التَّذْبِيحِ أنَّ فِرْعَوْنَ رَأى في المَنامِ أوْ قالَ لَهُ الكَهَنَةُ أنَّهُ سَيُولَدُ لَبَنِي إسْرائِيلَ مَن يَذْهَبُ بِمُلْكِهِ فاجْتَهَدُوا في ذَلِكَ فَلَمْ يُغْنِ عَنْهم مِن قَضاءِ اللَّهِ تَعالى شَيْئًا وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ ( ويَذْبَحُونَ ) مُضارِعُ ذَبَحَ ثُلاثِيًّا وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ حَذَفَ الواوَ ﴿ويَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ﴾ أيْ يُبْقُونَهُنَّ في الحَياةِ مَعَ الذُّلِّ ولِذَلِكَ عُدَّ مِن جُمْلَةِ البَلاءِ أوْ لِأنَّ إبْقاءَهُنَّ دُونَ البَنِينَ رَزِيَّةً في نَفْسِهِ كَما قِيلَ: .
؎ومِن أعْظَمِ الرُّزْءِ فِيما أرى بَقاءُ البَناتِ ومَوْتُ البَنِينا
والجُمَلُ أحْوالٌ مِن آلِ فِرْعَوْنَ أوْ مِن ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ أوْ مِنهُما جَمِيعًا لِأنَّ فِيها ضَمِيرَ كُلٍّ مِنهُما ولا اخْتِلافَ في العامِلِ لِأنَّهُ وإنْ كانَ في آلِ فِرْعَوْنَ مَن في الظّاهِرِ لَكِنَّهُ لَفْظُ ﴿أنْجاكُمْ﴾ في الحَقِيقَةِ والِاقْتِصارُ عَلى الِاحْتِمالَيْنِ الأوَّلَيْنِ هُنا وتَجْوِيزُ الثَّلاثَةِ في سُورَةِ البَقَرَةِ كَما فَعَلَ البَيْضاوِيُّ بَيَّضَ اللَّهُ تَعالى غُرَّةَ أحْوالِهِ لا يَظْهَرُ وجْهُهُ.
﴿وفِي ذَلِكُمْ﴾ أيْ فِيما ذَكَرْنا مِنَ الأفْعالِ الفَظِيعَةِ ﴿بَلاءٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ أيِ ابْتِلاءٌ مِنهُ تَعالى لِأنَّ البَلاءَ عَيْنُ تِلْكَ الأفْعالِ اللَّهُمَّ إلّا أنْ تَجْعَلَ ( في ) تَجْرِيدِيَّةً فَنِسْبَتُهُ إلى اللَّهِ تَعالى إمّا مِن حَيْثُ الخَلْقِ وهو الظّاهِرُ أوِ الإقْدارِ والتَّمْكِينِ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُشارُ إلَيْهِ الإنْجاءَ مِن ذَلِكَ والبَلاءُ الِابْتِلاءُ بِالنِّعْمَةِ فَإنَّهُ يَكُونُ بِها كَما يَكُونُ بِالمِحْنَةِ قالَ تَعالى: ﴿ونَبْلُوكم بِالشَّرِّ والخَيْرِ فِتْنَةً﴾ وقالَ زُهَيْرٌ: .
؎جَزى اللَّهُ بِالإحْسانِ ما فَعَلا بِكم ∗∗∗ فَأبْلاهُما خَيْرَ البَلاءِ الَّذِي يَبْلُو
وهُوَ الأنْسَبُ بِصَدْرِ الآيَةِ ويُلَوِّحُ إلَيْهِ التَّعَرُّضُ لِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ وعَلى الأوَّلِ يَكُونُ ذَلِكَ بِاعْتِبارِ المَآلِ الَّذِي هو الإنْجاءُ أوْ بِاعْتِبارِ أنَّ بَلاءَ المُؤْمِنِ تَرْبِيَةٌ لَهُ ونَفْعٌ في الحَقِيقَةِ ﴿عَظِيمٌ﴾ . (6) . لا يُطاقُ حَمْلُهُ أوْ عَظِيمُ الشَّأْنِ جَلِيلُ القَدْرِ
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ یَسُومُونَكُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ وَیُذَبِّحُونَ أَبۡنَاۤءَكُمۡ وَیَسۡتَحۡیُونَ نِسَاۤءَكُمۡۚ وَفِی ذَ ٰلِكُم بَلَاۤءࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق