الباحث القرآني

﴿رَبَّنا اغْفِرْ لِي﴾ أيْ ما فَرَطَ مِنِّي مِمّا أعُدُّهُ ذَنْبًا ﴿ولِوالِدَيَّ﴾ أيْ لِأُمِّي وأبِي وكانَتْ أُمُّهُ عَلى ما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ مُؤْمِنَةً فَلا إشْكالَ في الِاسْتِغْفارِ لَها وأمّا اسْتِغْفارُهُ لِأبِيهِ فَقَدْ قِيلَ في الِاعْتِذارِ عَنْهُ إنَّهُ كانَ قَبْلَ أنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ سُبْحانَهُ واللَّهُ تَعالى قَدْ حَكى ما قالَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ في أحايِينَ مُخْتَلِفَةٍ وقِيلَ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ نَوى شَرْطِيَّةَ الإسْلامِ والتَّوْبَةَ وإلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الخازِنِ وقِيلَ: أرادَ بِوالِدِهِ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ وقِيلَ: أرادَ بِوالِدِهِ آدَمَ وبِوالِدَتِهِ حَوّاءَ عَلَيْهِما السَّلامُ وإلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ مَن قالَ بِكُفْرِ أُمِّهِ والوَجْهُ ما تَقَدَّمَ. وقالَتِ الشِّيعَةُ: إنَّ والِدَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ كانا مُؤْمِنَيْنِ ولِذا دَعا لَهُما وأمّا الكافِرُ فَأبُوهُ والمُرادُ بِهِ عَمُّهُ أوْ جَدُّهُ لِأُمِّهِ واسْتَدَلُّوا عَلى إيمانِ أبَوَيْهِ بِهَذِهِ الآيَةِ ولَمْ يَرْضَوْا ما قِيلَ فِيها حَتّى القَوْلَ الأوَّلَ بِناءً عَلى زَعْمِهِمْ أنَّ هَذا الدُّعاءَ كانَ بَعْدَ الكِبَرِ وهْبَةِ إسْماعِيلَ وإسْحاقَ عَلَيْهِما السَّلامُ لَهُ وقَدْ كانَ تَبَيَّنَ لَهُ في ذَلِكَ الوَقْتِ عَداوَةُ أبِيهِ الكافِرِ لِلَّهِ تَعالى. وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وأبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ وزَيْدٌ ابْنا عَلِيٍّ وابْنُ يَعْمُرَ والزُّهْرِيُّ والنَّخَعِيُّ ( ولِوَلَدَيَّ ) بِغَيْرِ ألِفٍ وبِفَتْحِ اللّامِ تَثْنِيَةَ ولَدٍ يَعْنِي بِهِما إسْماعِيلَ وإسْحاقَ وأنْكَرَ عاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ هَذِهِ القِراءَةَ ونَقَلَ أنَّ في مُصْحَفِ أُبَيٍّ ( ولِأبَوَيَّ ) وفي بَعْضِ المَصاحِفِ ( ولِذُرِّيَّتِي ) وعَنْ يَحْيى بْنِ يَعْمُرَ ( ولِوُلْدِي ) بِضَمِّ الواوِ وسُكُونِ اللّامِ فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ جَمْعَ ولَدٍ كَأسَدٍ في أُسْدٍ ويَكُونُ قَدْ دَعا عَلَيْهِ السَّلامُ لِذُرِّيَّتِهِ وأنْ (p-244)يَكُونَ لُغَةً في الوَلَدِ كَما في قَوْلِ الشّاعِرِ: . ؎فَلَيْتَ زِيادًا كانَ في بَطْنِ أُمِّهِ ولَيْتَ زِيادًا كانَ وُلْدَ حِمارِ ومِثْلُ ذَلِكَ العَدَمُ والعُدْمُ وقَرَأ ابْنُ جُبَيْرٍ ( ولِوالِدِي ) بِإسْكانِ الياءِ عَلى الإفْرادِ كَقَوْلِهِ: واغْفِرْ لِأبِي ﴿ولِلْمُؤْمِنِينَ﴾ كافَّةً مِن ذُرِّيَّتِهِ وغَيْرِهِمْ ومِن هُنا قالَ الشَّعْبِيُّ فِيما رَواهُ عَنْهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ: ما يَسُرُّنِي بِنَصِيبِي مِن دَعْوَةِ نُوحٍ وإبْراهِيمَ عَلَيْهِما السَّلامُ لِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ حُمْرُ النِّعَمِ ولِلْإيذانِ بِاشْتِراكِ الكُلِّ في الدُّعاءِ بِالمَغْفِرَةِ جِيءَ بِضَمِيرِ الجَماعَةِ ﴿يَوْمَ يَقُومُ الحِسابُ﴾ . (41) أيْ يَثْبُتُ ويَتَحَقَّقُ واسْتِعْمالُ القِيامِ فِيما ذُكِرَ إمّا مَجازٌ مُرْسَلٌ أوِ اسْتِعارَةٌ ومِن ذَلِكَ قامَتِ الحَرْبُ والسُّوقُ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ قَدْ شَبَّهَ الحِسابَ بِرَجُلٍ قائِمٍ عَلى الِاسْتِعارَةِ المَكْنِيَّةِ وأثْبَتَ لَهُ القِيامَ عَلى التَّخْيِيلِ وأنْ يَكُونَ المُرادُ يَقُومُ أهْلُ الحِسابِ فَحُذِفَ المُضافُ أوْ أُسْنِدَ إلى الحِسابِ ما لِأهْلِهِ مَجازًا وجَعَلَ ذَلِكَ العَلّامَةُ الثّانِي في شَرْحِ التَّلْخِيصِ مِثْلَ ضَرْبِهِ التَّأْدِيبَ مِمّا فِيهِ الإسْنادُ إلى السَّبَبِ الغائِيِّ أيْ يَقُومُ أهْلُهُ لِأجْلِهِ وذَكَرَ السّالَكُوتِيُّ أنَّهُ إنَّما قالَ مِثْلَهُ لِأنَّ الحِسابَ لَيْسَ ما لِأجْلِهِ القِيامُ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ شَبِيهٌ بِهِ تَرَتُّبُهُ عَلَيْهِ وفِيهِ بَحْثٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب