الباحث القرآني

﴿رَبَّنا إنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وما نُعْلِنُ﴾ مِنَ الحاجاتِ وغَيْرِها وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ إبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ أنَّ مُرادَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ما نُخْفِي مِن حُبِّ إسْماعِيلَ وأُمِّهِ وما نُعْلِنُ لِسارَةَ مِنَ الجَفاءِ لَهُما وقِيلَ: ما نُخْفِي مِنَ الوَجْدِ لِما وقَعَ بَيْنَنا مِنَ الفُرْقَةِ وما نُعْلِنُ مِنَ البُكاءِ والدُّعاءِ وقِيلَ: ما نُخْفِي مِن كَآبَةِ الِافْتِراقِ وما نُعْلِنُ مِمّا جَرى بَيْنَنا وبَيْنَ هاجَرَ عِنْدَ الوَداعِ مِن قَوْلِها: إلى مَن تَكِلُنا وقَوْلِي لَها: إلى اللَّهِ تَعالى و( ما ) في جَمِيعِ هَذِهِ الأقْوالِ مَوْصُولَةٌ والعائِدُ مَحْذُوفٌ والظّاهِرُ العُمُومُ وهو المُخْتارُ والمُرادُ بِما نُخْفِي عَلى ما قِيلَ ما يُقابِلُ لا ما نُعْلِنُ سَواءً (p-241)تَعَلَّقَ بِهِ الإخْفاءُ أوْ لا أيْ تَعْلَمُ ما نُظْهِرُهُ وما لا نُظْهِرُهُ فَإنَّ عِلْمَهُ تَعالى مُتَعَلِّقٌ بِما لا يَخْطُرُ بِبالِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الأحْوالِ الخَفِيَّةِ وتَقْدِيمُ ﴿ما نُخْفِي﴾ عَلى ( ما نُعْلِنُ ) لِتَحْقِيقِ المُساواةِ بَيْنَهُما في تَعَلُّقِ العِلْمِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ فَكانَ تَعَلُّقُهُ بِما يُخْفى أقْدَمَ مِنهُ بِما يُعْلَنُ أوْ لِأنَّ مَرْتَبَةَ السِّرِّ والخَفاءِ مُتَقَدِّمَةٌ عَلى مَرْتَبَةِ العَلَنِ إذْ ما مِن شَيْءٍ يُعْلَنُ إلّا وهو قَبْلَ ذَلِكَ خَفِيٌّ فَتَعَلُّقُ عِلْمِهِ تَعالى بِحالَتِهِ الأُولى أقْدَمُ مِن تَعَلُّقِهِ بِحالَتِهِ الثّانِيَةِ وجَعَلَ بَعْضُهم ( ما ) مَصْدَرِيَّةً والتَّقْدِيمَ والتَّأْخِيرَ لِتَحْقِيقِ المُساواةِ أيْضًا ومِن هُنا قِيلَ: أيْ تَعْلَمُ سِرَّنا كَما تَعْلَمُ عَلَنَنا. والمَقْصُودُ مِن فَحْوى كَلامِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ إظْهارَ هَذِهِ الحاجاتِ وما هو مِن مَبادِيها وتَتِمّاتِها لَيْسَ لِكَوْنِها غَيْرَ مَعْلُومَةٍ لَكَ بَلْ إنَّما هو لِإظْهارِ العُبُودِيَّةِ والتَّخَشُّعِ لِعَظَمَتِكَ والتَّذَلُّلِ لِعِزَّتِكَ وعَرْضِ الِافْتِقارِ لِما عِنْدَكَ والِاسْتِعْجالِ لِنِيلِ أيادِيكَ وقِيلَ: أرادَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّكَ أعْلَمُ بِأحْوالِنا ومَصالِحِنا وأرْحَمُ بِنا مِن أنْفُسِنا فَلا حاجَةَ لَنا إلى الطَّلَبِ لَكِنْ نَدْعُوكَ لِإظْهارِ العُبُودِيَّةِ إلى آخِرِهِ وقَدْ أشارَ السَّهَرَوَرْدِيُّ إلى أنَّ ظُهُورَ الحالِ يُغْنِي عَنِ السُّؤالِ بِقَوْلِهِ: . ؎ويَمْنَعُنِي الشَّكْوى إلى النّاسِ أنَّنِي عَلِيلٌ ومَن أشْكُو إلَيْهِ عَلِيلُ ؎ويَمْنَعُنِي الشَّكْوى إلى اللَّهِ أنَّهُ ∗∗∗ عَلِيمٌ بِما أشْكُوهُ قَبْلَ أقُولُ وتَكْرِيرُ النِّداءِ لِلْمُبالَغَةِ في الضَّراعَةِ والِابْتِهالِ وضَمِيرُ الجَماعَةِ كَما قالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ لِأنَّ المُرادَ لَيْسَ مُجَرَّدَ عِلْمِهِ تَعالى بِما يَخْفى وما يُعْلَنُ بَلْ بِجَمِيعِ خَفايا المُلْكِ والمَلَكُوتِ وقَدْ حَقَّقَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِقَوْلِهِ عَلى وجْهِ الِاعْتِراضِ: ﴿وما يَخْفى عَلى اللَّهِ مِن شَيْءٍ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ﴾ . (38) لَمّا أنَّ عِلْمَهُ تَعالى ذاتِيٌّ فَلا يَتَفاوَتُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مَعْلُومٌ دُونَ مَعْلُومٍ وقالَ أبُو حَيّانَ: لا يَظْهَرُ تَفاوُتٌ بَيْنَ إضافَةِ رَبٍّ إلى ياءِ المُتَكَلِّمِ وبَيْنَ إضافَتِهِ إلى جَمْعِ المُتَكَلِّمِ. اهَـ. ومِمّا نَقَلْنا يُعْلَمُ وجْهُ إضافَةِ ( رَبِّ ) هُنا إلى ضَمِيرِ الجَمْعِ ولا أدْرِي ماذا أرادَ أبُو حَيّانَ بِكَلامِهِ هَذا وما يَرُدُّ عَلَيْهِ أظْهَرَ مِن أنْ يَخْفى وإنَّما قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وما يَخْفى﴾ إلى آخِرِهِ دُونَ أنْ يَقُولَ: ويَعْلَمُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ تَحْقِيقًا لِما عَناهُ بِقَوْلِهِ: ﴿تَعْلَمُ ما نُخْفِي﴾ مِن أنَّ عِلْمَهُ تَعالى بِذَلِكَ لَيْسَ عَلى وجْهٍ يَكُونُ فِيهِ شائِبَةُ خَفاءٍ بِالنِّسْبَةِ إلى عِلْمِهِ تَعالى كَما يَكُونُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلى عُلُومِ المَخْلُوقاتِ وكَلِمَةُ ( في ) مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِشَيْءٍ أيْ لِشَيْءٍ كائِنٍ فِيهِما أعَمَّ مِن أنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلى وجْهِ الِاسْتِقْرارِ فِيهِما أوْ عَلى وجْهِ الجُزْئِيَّةِ مِنهُما وجُوِّزَ أنْ تَتَعَلَّقَ بِيَخْفى وهو كَما تَرى وتَقْدِيمُ ( الأرْضَ ) عَلى السَّماءِ مَعَ تَوْسِيطِ ( لا ) بَيْنُهُما بِاعْتِبارِ القُرْبِ والبُعْدِ مِنّا المُسْتَعِدَّيْنِ لِلتَّفاوُتِ بِالنِّسْبَةِ إلى عُلُومِنا والمُرادُ مِنَ السَّماءِ ما يَشْمَلُ السَّماواتِ كُلَّها ولَوْ أُرِيدَ مِنَ الأرْضِ جِهَةَ السُّفْلِ ومِنَ السَّماءِ جِهَةَ العُلُوِّ كَما قِيلَ جازَ والِالتِفاتُ مِنَ الخِطابِ إلى الِاسْمِ الجَلِيلِ لِلْإشْعارِ بِعِلَّةِ الحُكْمِ والإيذانِ بِعُمُومِهِ لِأنَّهُ لَيْسَ بِشَأْنٍ يَخْتَصُّ بِهِ أوْ بِمَن يَتَعَلَّقُ بِهِ بَلْ شامِلٌ لِجَمِيعِ الأشْياءِ فالمُناسِبُ ذِكْرُهُ تَعالى بِعُنْوانٍ مُصَحِّحٍ لِمَبْدَئِيَّةِ الكُلِّ وعَنِ الجُبّائِيِّ أنَّ هَذا مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى شَأْنُهُ وارِدٌ بِطَرِيقِ الِاعْتِراضِ لِتَصْدِيقِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ كَقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ والأكْثَرُونَ عَلى الأوَّلِ و( مِن ) عَلى الوَجْهَيْنِ لِلِاسْتِغْراقِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب