الباحث القرآني
﴿رَبِّ إنَّهُنَّ﴾ أيِ الأصْنامُ ﴿أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ﴾ أيْ تَسَبَّبْنَ لَهُ في الضَّلالِ فَإسْنادُ الإضْلالِ إلَيْهِمْ مَجازِيٌّ لِأنَّهُنَّ جَمادٌ لا يُعْقَلُ مِنهُنَّ ذَلِكَ والمُضِلُّ في الحَقِيقَةِ هو اللَّهُ تَعالى وهَذا تَعْلِيلٌ لِدُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ السّابِقِ وصُدِّرَ بِالنِّداءِ إظْهارًا لِلِاعْتِناءِ بِهِ ورَغْبَةً في اسْتِجابَتِهِ ﴿فَمَن تَبِعَنِي﴾ مِنهم فِيما أدْعُو إلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ ومِلَّةِ الإسْلامِ ﴿فَإنَّهُ مِنِّي﴾ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مِن تَبْعِيضِيَّةً عَلى التَّشْبِيهِ أيْ فَإنَّهُ كَبَعْضِي في عَدَمِ الِانْفِكاكِ ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ اتِّصالِيَّةً كَما في «قَوْلِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ أنْتَ مِنِّي بِمَنزِلَةِ هارُونَ مِن مُوسى» أيْ فَإنَّهُ مُتَّصِلٌ بِي لا يَنْفَكُّ عَنِّي في أمْرِ الدِّينِ وتَسْمِيَتُها اتِّصالِيَّةً لِأنَّهُ يُفْهَمُ مِنها اتِّصالُ شَيْءٍ بِمَجْرُورِها وهي ابْتِدائِيَّةٌ إلّا أنَّ ابْتِدائِيَّتَهُ بِاعْتِبارِ الِاتِّصالِ كَذا في حَواشِي شَرْحِ المِفْتاحِ لِلشَّرِيفِيِّ يَعْنِي أنَّ مَجْرُورَها لَيْسَ مَبْدَأً أوْ مَنشَأً لِنَفْسِ ما قَبْلَها بَلْ لِاتِّصالِهِ فَإمّا أنْ يُقَدَّرَ مُتَعَلِّقُها فِعْلًا خاصًّا كَما قالَهُ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ في بَيانِ الخَبَرِ مِن أنَّ مِنِّي فِيهِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ ومِنَ اتِّصالِيَّةٌ ومُتَعَلِّقُ الخَبَرِ خاصٌّ والباءُ زائِدَةٌ بِمَعْنى أنْتَ مُتَّصِلٌ بِي ونازِلٌ مِنِّي بِمَنزِلَةِ هارُونَ مِن مُوسى وإمّا أنْ يُقَدَّرَ فِعْلٌ عامٌّ كَما ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّرِيفُ هُناكَ أيْ مَنزِلَتُهُ بِمَنزِلَةٍ كائِنَةٍ وناشِئَةٍ مِنِّي كَمَنزِلَةِ هارُونَ مِن مُوسى عَلَيْهِما السَّلامُ وتَقْدِيرُهُ خاصًّا هُنا كَما فَعَلْنا عَلى تَقْدِيرِ جَعْلِها اتِّصالِيَّةً مِمّا يَسْتَطِيبُهُ الذَّوْقُ السَّلِيمُ دُونَ تَقْدِيرِهِ عامًّا ﴿ومَن عَصانِي﴾ أيْ لَمْ يَتْبَعْنِي والتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالعِصْيانِ كَما قِيلَ لِلْإيذانِ بِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُسْتَمِرٌّ عَلى الدَّعْوَةِ وأنَّ عَدَمَ اتِّباعِ مَن لَمْ يَتْبَعْهُ إنَّما هو لِعِصْيانِهِ لا لِأنَّ الدَّعْوَةَ لَمْ تَبْلُغْهُ وفي البَحْرِ أنَّ بَيْنَ الِاتِّباعِ والعِصْيانِ طِباقًا مَعْنَوِيًّا لِأنَّ الِاتِّباعَ طاعَةٌ ﴿فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ . (36) . أيْ قادِرٌ عَلى أنْ تَغْفِرَ لَهُ وتَرْحَمَهُ وفي الكَلامِ عَلى ما أشارَ إلَيْهِ البَعْضُ حَذْفٌ والتَّقْدِيرُ ومَن عَصانِي فَلا أدْعُو عَلَيْهِ فَإنَّكَ .. إلَخْ وفي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الشِّرْكَ يَجُوزُ أنْ يُغْفَرَ ولا إشْكالَ في ذَلِكَ بِناءً عَلى ما قالَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ مِن أنَّ مَغْفِرَةَ الشِّرْكِ كانَتْ في الشَّرائِعِ القَدِيمَةِ جائِزَةً في أُمَمِهِمْ وإنَّما امْتَنَعَتْ في شَرْعِنا.
واخْتَلَفَ القائِلُونَ بِأنَّ مَغْفِرَةَ الشِّرْكِ لَمْ تَكُنْ جائِزَةً في شَرِيعَةٍ مِنَ الشَّرائِعِ في تَوْجِيهِ الآيَةِ فَمِنهم مَن ذَهَبَ إلى أنَّ المُرادَ غَفُورٌ رَحِيمٌ بَعْدَ التَّوْبَةِ ونَسَبَ ذَلِكَ إلى السُّدِّيِّ ومِنهم مَن ذَهَبَ إلى تَقْيِيدِ العِصْيانِ بِما دُونَ الشِّرْكِ وغَفَلَ عَمّا تَقْتَضِيهِ المُعادَلَةُ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُقاتِلٍ وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّهُ قالَ: إنَّ المَعْنى ومَن عَصانِي بِإقامَتِهِ عَلى الكُفْرِ فَإنَّكَ قادِرٌ عَلى أنْ تَغْفِرَ لَهُ وتَرْحَمَهُ بِأنْ تَنْقُلَهُ مِنَ الكُفْرِ إلى الإيمانِ والإسْلامِ وتَهْدِيَهُ إلى الصَّوابِ ومِنهم مَن قالَ: المَعْنى ومَن لَمْ يَتْبَعْنِي فِيما أدْعُو إلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وأقامَ عَلى الشِّرْكِ فَإنَّكَ قادِرٌ عَلى أنْ تَسْتُرَهُ عَلَيْهِ وتَرْحَمَهُ بِعَدَمِ مُعالَجَتِهِ بِالعَذابِ ونَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ﴾ ومِنهم مَن قالَ: إنَّ الكَلامَ عَلى ظاهِرِهِ وكانَ ذَلِكَ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَبْلَ أنْ يَعْلَمَ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ (p-236)لا يَغْفِرُ الشِّرْكَ ولا نَقْصَ بِجَهْلِ ذَلِكَ لِأنَّ مَغْفِرَةَ الشِّرْكِ جائِزَةٌ عَقْلًا كَما تَقَرَّرَ في الأُصُولِ لَكِنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ مَنَعَ مِنها ولا يَلْزَمُ النَّبِيَّ أنْ يَعْلَمَ جَمِيعَ الأدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ في يَوْمٍ واحِدٍ والإمامُ لَمْ يَرْتَضِ أكْثَرَ هَذِهِ الأوْجُهِ وجَعَلَ هَذا الكَلامَ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ شَفاعَةً في إسْقاطِ العِقابِ عَنْ أهْلِ الكَبائِرِ قَبْلَ التَّوْبَةِ وأنَّهُ دَلِيلٌ لِحُصُولِ ذَلِكَ لِنَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقالَ: إنَّ المَعْصِيَةَ المَفْهُومَةَ مِنَ الآيَةِ إمّا أنْ تَكُونَ مِنَ الصَّغائِرِ أوْ مِنَ الكَبائِرِ بَعْدَ التَّوْبَةِ أوْ قَبْلَها والأوَّلُ والثّانِي باطِلانِ لِأنَّ ( مَن عَصانِي ) مُطْلَقٌ فَتَخْصِيصُهُ عُدُولٌ عَنِ الظّاهِرِ وأيْضًا الصَّغائِرُ والكَبائِرُ بَعْدَ التَّوْبَةِ واجِبَةُ الغُفْرانِ عِنْدَ الخَصْمِ فَلا يُمْكِنُ اللَّفْظُ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أنَّ الآيَةَ شَفاعَةٌ لِأهْلِ الكَبائِرِ قَبْلَ التَّوْبَةِ ومَتى ثَبَتَتْ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثَبَتَتْ في حَقِّ نَبِيِّنا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِمَكانِ ﴿اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْراهِيمَ﴾ ونَحْوَهُ ولِئَلّا يَلْزَمَ النَّقْصُ وهو كَما تَرى وقَدْ مَرَّ لَكَ ما يَنْفَعُكَ في هَذا المَقامِ فَتَذَكَّرْ هَداكَ اللَّهُ تَعالى.
{"ayah":"رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضۡلَلۡنَ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِی فَإِنَّهُۥ مِنِّیۖ وَمَنۡ عَصَانِی فَإِنَّكَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق