الباحث القرآني

﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ﴾ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهم وتَمَكَّنَ في قُلُوبِهِمْ وهو الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي ذُكِرَتْ صِفَتُها العَجِيبَةُ والظّاهِرُ أنَّ الجارَّ مُتَعَلِّقٌ بِيُثَبِّتُ وكَذا قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿فِي الحَياةِ الدُّنْيا﴾ أيْ يُثَبِّتُهم بِالبَقاءِ عَلى ذَلِكَ مُدَّةَ حَياتِهِمْ فَلا يَزالُونَ إذا قُيِّضَ لَهم مَن يَفْتِنُهم ويُحاوِلُ زَلَلَهم عَنْهُ كَما جَرى لِأصْحابِ الأُخْدُودِ ولِجُرْجِيسَ وشَمْسُونَ وكَما جَرى لِبِلالٍ وكَثِيرٍ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ورَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم ﴿وفِي الآخِرَةِ﴾ أيْ بَعْدَ المَوْتِ وذَلِكَ في القَبْرِ الَّذِي هو أوَّلُ مَنزِلٍ مِن مَنازِلِ الآخِرَةِ وفي مَواقِفِ القِيامَةِ فَلا يَتَلَعْثَمُونَ إذا سُئِلُوا عَنْ مُعْتَقَدِهِمْ هُناكَ ولا تَدْهَشُهُمُ الأهْوالُ وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ أنَّهُ قالَ في الآيَةِ: التَّثْبِيتُ في الحَياةِ الدُّنْيا إذا جاءَ المَلَكانِ إلى الرَّجُلِ في القَبْرِ فَقالا لَهُ: مَن رَبُّكَ قالَ: رَبِّيَ اللَّهُ قالا: وما دِينُكَ قالَ: دِينِي الإسْلامُ قالا: ومَن نَبِيُّكَ قالَ: نَبِيِّ مُحَمَّدٌ ﷺ وعَلى هَذا فالمُرادُ مِنَ الآخِرَةِ يَوْمُ القِيامَةِ وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ﴾ .. إلَخْ في الآخِرَةِ القَبْرِ» وعَلى هَذا فالمُرادُ بِالحَياةِ الدُّنْيا مُدَّةُ الحَياةِ وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ جُمْهُورُ العُلَماءِ واخْتارَهُ الطَّبَرِيُّ نَعَمِ اخْتارَ بَعْضُهم أنَّ الحَياةَ الدُّنْيا مُدَّةُ حَياتِهِمْ والآخِرَةَ يَوْمُ القِيامَةِ والعَرَضُ وكانَ الدّاعِي لِذَلِكَ عُمُومَ الَّذِينَ آمَنُوا وشُمُولَهم لِمُؤْمِنِي الأُمَمِ السّابِقَةِ مَعَ عَدَمِ عُمُومِ سُؤالِ القَبْرِ وجُوِّزَ تَعَلُّقُ الجارِّ الأوَّلِ بِآمَنُوا عَلى مَعْنى آمَنُوا بِالتَّوْحِيدِ الخالِصِ فَوَحَّدُوهُ ونَزَّهُوهُ عَمّا لا يَلِيقُ بِجَنابِهِ سُبْحانَهُ وكَذا جُوِّزَ تَعَلُّقُ الجارِّ الثّانِي بِالثّابِتِ ومِنَ النّاسِ مَن زَعَمَ أنَّ التَّثْبِيتَ في الدُّنْيا الفَتْحُ والنَّصْرُ وفي الآخِرَةِ الجَنَّةُ والثَّوابُ ولا يَخْفى أنَّ هَذا مِمّا لا يَكادُ يُقالُ وأمْرُ تَعَلُّقِ الجارَّيْنِ ما قَدَّمْنا وهَذا عِنْدَ بَعْضِهِمْ مِثالُ إيتاءِ الشَّجَرَةِ أُكُلَها كُلَّ حِينٍ ﴿ويُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ﴾ أيْ يَخْلُقُ فِيهِمُ الضَّلالَ عَنِ الحَقِّ الَّذِي ثَبَّتَ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ حَسَبَ إرادَتِهِمْ واخْتِيارِهِمُ النّاشِئِ عَنْ سُوءِ اسْتِعْدادِهِمْ والمُرادُ بِهِمُ الكَفَرَةُ بِدَلِيلِ مُقابَلَتِهِمْ بِالَّذِينِ آمَنُوا ووَصْفُهم بِالظُّلْمِ إمّا بِاعْتِبارِ وضْعِهِمْ لِلشَّيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ وإمّا بِاعْتِبارِ ظُلْمِهِمْ لِأنْفُسِهِمْ حَيْثُ بَدَّلُوا فِطْرَةَ اللَّهِ تَعالى الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها فَلَمْ يَهْتَدُوا إلى القَوْلِ الثّابِتِ أوْ حَيْثُ قَلَّدُوا أهْلَ الضَّلالِ وأعْرَضُوا عَنِ البَيِّناتِ الواضِحَةِ وإضْلالُهم عَلى ما قِيلَ في الدُّنْيا أنَّهم لا يَثْبُتُونَ في مَواقِفِ الفِتَنِ وتَزِلُّ أقْدامُهم أوَّلَ شَيْءٍ وهم في الآخِرَةِ أضَلُّ وأزَلُّ وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ الكافِرَ إذا حَضَرَهُ المَوْتُ تَنْزِلُ عَلَيْهِ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ يَضْرِبُونَ وجْهَهُ ودُبُرَهُ فَإذا دَخَلَ قَبْرَهُ أُقْعِدَ فَقِيلَ لَهُ: مَن رَبُّكَ فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِمْ شَيْئًا وأنْساهُ اللَّهُ تَعالى ذِكْرَ ذَلِكَ وإذا قِيلَ لَهُ: مَنِ (p-218)الرَّسُولُ الَّذِي بُعِثَ إلَيْكم لَمْ يَهْتَدِ لَهُ ولَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِمْ شَيْئًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ﴾: ﴿ويَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ . (27) . مِن تَثْبِيتِ بَعْضٍ وإضْلالِ بَعْضٍ آخَرِينَ حَسْبَما تُوجِبُهُ مَشِيئَتُهُ التّابِعَةُ لِلْحِكَمِ البالِغَةِ المُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ وفي إظْهارِ الِاسْمِ الجَلِيلِ في المَوْضِعَيْنِ مِنَ الفَخامَةِ وتَرْبِيَةِ المَهابَةِ ما لا يَخْفى مَعَ ما فِيهِ كَما قِيلَ مِنَ الإيذانِ بِالتَّفاوُتِ في مَبادِئِ التَّثْبِيتِ والإضْلالِ فَإنَّ مَبْدَأ صُدُورِ كُلٍّ مِنهُما عَنْهُ سُبْحانَهُ وتَعالى مِن صِفاتِهِ العُلا غَيْرُ ما هو مَبْدَأُ صُدُورِ الآخَرِ وفي ظاهِرِ الآيَةِ مِنَ الرَّدِّ عَلى المُعْتَزِلَةِ ما
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب