الباحث القرآني

﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ مِثْلُ ذَلِكَ الإرْسالِ العَظِيمِ الشَّأْنِ المَصْحُوبِ بِالمُعْجِزَةِ الباهِرَةِ ويَجُوزُ أنْ يُرادَ مِثْلُ إرْسالِ الرُّسُلِ قَبْلَكَ ﴿أرْسَلْناكَ في أُمَّةٍ﴾ فَيَكُونُ قَدْ شُبِّهَ إرْسالُهُ ﷺ بِإرْسال مَن قَبْلَهُ وإنْ لَمْ يَجْرِ لَهم ذِكْرٌ لِدَلالَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ أيْ مَضَتْ ﴿مِن قَبْلِها أُمَمٌ﴾ كَثِيرَةٌ قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ رُسُلٌ عَلَيْهِمْ ورُوِيَ هَذا عَنِ الحَسَنِ وقِيلَ: الكافُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالمَعْنى الَّذِي في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ﴾ .. إلَخْ أيْ كَما أنْفَذْنا ذَلِكَ أرْسَلْناكَ (p-152)ونُقِلَ نَحْوُهُ عَنِ الحَوْفِيِّ وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الَّذِي يَظْهَرُ أنَّ المَعْنى كَما أجْرَيْنا العادَةَ في الأُمَمِ السّابِقَةِ بِأنْ نُضِلَّ ونَهْدِيَ بِوَحْيٍ لا بِالآياتِ المُقْتَرَحَةِ كَذَلِكَ أيْضًا فَعَلْنا في هَذِهِ الأُمَّةِ وأرْسَلْناكَ إلَيْهِمْ بِوَحْيٍ لا بِالآياتِ المُقْتَرَحَةِ فَنُضِلُّ مَن نَشاءُ ونَهْدِي مَن أنابَ وقالَ أبُو البَقاءِ: التَّقْدِيرُ الأمْرُ كَذَلِكَ والحَسَنُ ما قَدَّمْناهُ وما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ. و( في ) بِمَعْنى إلى كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَرَدُّوا أيْدِيَهم في أفْواهِهِمْ﴾ وقِيلَ: هي عَلى ظاهِرِها وفِيها إشارَةٌ إلى أنَّهُ مِن جُمْلَتِهِمْ وناشِئٌ بَيْنَهم ولا تَكُونُ بِمَعْنى إلى إذْ لا حاجَةَ لِبَيانِ مَن أُرْسِلَ إلَيْهِمْ وفِيهِ نَظَرٌ ظاهِرٌ وهي مُتَعَلِّقَةٌ بِالفِعْلِ المَذْكُورِ وقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: في تَفْسِيرِ الآيَةِ يَعْنِي أرْسَلْنا إرْسالًا لَهُ شَأْنٌ وفَضْلٌ عَلى الإرْسالاتِ ثُمَّ فَسَّرَ كَيْفَ أرْسَلَهُ بِقَوْلِهِ: إلى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِها أُمَمٌ أيِ أرْسَلْناكَ في أُمَّةٍ قَدْ تَقَدَّمَها أُمَمٌ كَثِيرَةٌ فَهي آخِرُ الأُمَمِ وأنْتَ خاتَمُ الأنْبِياءِ لَمْ يَرِدْ بِهِ أنَّها لا تَتَعَلَّقُ بِالمَذْكُورِ بَلْ أرادَ أنَّ المُشارَ إلَيْهِ المُبْهَمَ لَمّا كانَ ما بَعْدَهُ تَفْخِيمًا كانَ بَيانُهُ بِصِلَةِ ذَلِكَ الفِعْلِ حَتّى يَزُولَ الإبْهامُ ويَجُوزُ أنْ يُرِيدَ ذَلِكَ فَيُقَدَّرُ أرْسَلْناكَ ثانِيًا ويَكُونُ قَوْلُهُ: أيْ أرْسَلْناكَ في أُمَّةٍ إظْهارًا لِلْمَحْذُوفِ أيْضًا لا بَيانًا لِحاصِلِ الآيَةِ وهو الَّذِي آثَرَهُ العَلّامَةُ الطَّيِّبِيُّ والتَّعَلُّقُ بِالمَذْكُورِ هو الظّاهِرُ وجُمْلَةُ ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ .. إلَخْ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِأُمَّةٍ وفائِدَةُ الوَصْفِ بِذَلِكَ قِيلَ: ما أشارَ إلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ. واعْتُرِضَ بِأنَّهُ لا يَلْزَمُ مِن تَقَدُّمِ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ قَبْلَ أنْ لا يَكُونَ أُمَّةٌ يُرْسَلُ إلَيْها بَعْدُ حَتّى يَلْزَمَ أنْ يَكُونَ ﷺ خاتَمَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وبَحَثَ فِيهِ الشِّهابُ بِأنَّ المُرادَ بِكَوْنِ إرْسالِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَجِيبًا أنَّ رِسالَتَهُ أعْظَمُ مِن كُلِّ رِسالَةٍ فَهي جامِعَةٌ لِكُلِّ ما يُحْتاجُ إلَيْهِ فَيَلْزَمُ أنْ لا نَسْخَ إذِ النَّسْخُ إنَّما يَكُونُ لِلتَّكْمِيلِ والكامِلُ أتَمَّ كَمالٍ غَيْرُ مُحْتاجٍ لِتَكْمِيلٍ كَما قالَ تَعالى: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكُمْ﴾ . اهَـ. ولَعَمْرِي أنَّ الِاعْتِراضَ قَوِيٌّ والبَحْثَ في غايَةِ الضَّعْفِ إذْ لا يَلْزَمُ مِن كَوْنِ إرْسالِهِ ﷺ عَجِيبًا ما ادَّعاهُ ولَوْ سَلَّمْنا ذَلِكَ لا يَلْزَمُ مِنهُ أيْضًا كَوْنُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ خاتَمًا إذْ بَعْثُهُ مُقَرِّرٌ دِينَهُ الكامِلَ كَما بُعِثَ كَثِيرٌ مِن أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ لِتَقْرِيرِ دِينِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لا يَأْبى ما ذُكِرَ مِن جامِعِيَّةِ رِسالَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ولُزُومِ عَدَمِ النَّسْخِ لِذَلِكَ كَما لا يَخْفى ولَعَلَّهُ لِهَذا اخْتارَ بَعْضُهم ما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ وقالَ: مُنَبِّهًا عَلى فائِدَةِ الوَصْفِ يَعْنِي مِثْلَ إرْسالِ الرُّسُلِ قَبْلَكَ أرْسَلْناكَ إلى أُمَمٍ تَقَدَّمَتْها أُمَمٌ أُرْسِلُوا إلَيْهِمْ فَلَيْسَ بِبِدْعٍ إرْسالُكَ إلَيْها ﴿لِتَتْلُوَ﴾ لِتَقْرَأ ﴿عَلَيْهِمُ الَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ أيِ الكِتابَ العَظِيمَ الشَّأْنِ: ويُشْعِرُ بِهَذا الوَصْفِ ذِكْرُ المَوْصُوفِ غَيْرَ جارٍ عَلى مَوْصُوفٍ وإسْنادُ الفِعْلِ في صِلَتِهِ إلى ضَمِيرِ العَظَمَةِ وكَذا الإيصالُ إلى المُخاطَبِ المُعَظَّمِ بِدَلِيلِ سابِقِهِ عَلى ما سَمِعْتَ أوَّلًا وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ عَلى المَنصُوبِ مِن قَبِيلِ الإبْهامِ ثُمَّ البَيانِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ووَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ وفِيهِ ما لا يَخْفى مِن تَرْقُّبِ النَّفْسِ إلى ما سَيَرِدُ وحُسْنِ قَبُولِها لَهُ عِنْدَ وُرُودِهِ عَلَيْها وضَمِيرُ الجَمْعِ لِلْأُمَّةِ بِاعْتِبارِ مَعْناها كَما رُوعِيَ في ضَمِيرِ ﴿خَلَتْ﴾ لَفْظُها. ﴿وهم يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ أيْ بِالبَلِيغِ الرَّحْمَةِ الَّذِي أحاطَتْ بِهِمْ نِعْمَتُهُ ووَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَتُهُ فَلَمْ يَشْكُرُوا نِعَمَهُ سُبْحانَهُ لا سِيَّما ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ بِإرْسالِكَ إلَيْهِمْ وإنْزالِ القُرْآنِ الَّذِي هو مَدارُ المَنافِعِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ عَلَيْهِمْ بَلْ قابَلُوا رَحْمَتَهُ ونِعَمَهُ بِالكُفْرِ ومُقْتَضى العَقْلِ عَكْسُ ذَلِكَ وكانَ الظّاهِرَ بِنا إلّا أنَّهُ التَفَتَ إلى الظّاهِرِ وأُوثِرَ هَذا الِاسْمُ الدّالُّ عَلى المُبالَغَةِ في الرَّحْمَةِ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ الإرْسالَ ناشِئٌ مِنها كَما قالَ سُبْحانَهُ: ﴿وما أرْسَلْناكَ إلا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ وضَمِيرُ الجَمْعِ لِلْأُمَّةِ أيْضًا والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ مِن فاعِلِ ( أرْسَلْنا ) لا مِن ضَمِيرِ ﴿عَلَيْهِمُ﴾ إذِ الإرْسالُ لَيْسَ لِلتِّلاوَةِ عَلَيْهِمْ حالَ كُفْرِهِمْ ومِنهم مَن جَوَّزَ ذَلِكَ والتِّلاوَةُ عَلَيْهِمْ حالَ الكُفْرِ لِيَقِفُوا عَلى (p-153)إعْجازِهِ فَيُصَدِّقُوا بِهِ لِعِلْمِهِمْ بِأفانِينِ البَلاغَةِ ولا يُنافِي تِلاوَتَهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ إسْلامِهِمْ وجُوِّزَ في الجُمْلَةِ أنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً والضَّمِيرُ حَسْبَما عَلِمْتَ وقِيلَ: إنَّهُ يَعُودُ عَلى الَّذِينَ قالُوا ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ وقِيلَ: يَعُودُ عَلى ﴿أُمَّةٍ﴾ وعَلى ( أُمَمٍ ) ويَكُونُ في الآيَةِ تَسْلِيَةٌ لَهُ ﷺ وعَنْ قَتادَةَ وابْنِ جُرَيْجٍ ومُقاتِلٍ «أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في مُشْرِكِي مَكَّةَ لَمّا رَأوْا كِتابَ الصُّلْحِ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ وقَدْ كَتَبَ فِيهِ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) فَقالَ: سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: ما نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إلّا مُسَيْلَمَةَ وقِيلَ: سَمِعَ أبُو جَهْلٍ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يا اللَّهُ يا رَحْمَنُ فَقالَ إنَّ مُحَمَّدًا يَنْهانا عَنْ عِبادَةِ الآلِهَةِ وهو يَدْعُو إلَهَيْنِ فَنَزَلَتْ» وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ لَمّا قِيلَ لِكُفّارِ قُرَيْشٍ: ﴿اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قالُوا وما الرَّحْمَنُ﴾ فَنَزَلَتْ وضُعِّفَ كُلُّ ذَلِكَ بِأنَّهُ غَيْرُ مُناسِبٍ لِأنَّهُ يَقْتَضِي أنَّهم يَكْفُرُونَ بِهَذا الِاسْمِ وإطْلاقِهِ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَعالى والظّاهِرُ أنَّ كُفْرَهم بِمُسَمّاهُ ﴿قُلْ﴾ حِينَ كَفَرُوا بِهِ سُبْحانَهُ ولَمْ يُوَحِّدُوهُ ﴿هُوَ﴾ أيِ الرَّحْمَنُ الَّذِي كَفَرْتُمْ بِهِ ﴿رَبِّي﴾ خالِقِي ومُتَوَلِّي أمْرِي ومُبَلِّغِي إلى مَراتِبِ الكَمالِ وإيرادُ هَذا قَبْلَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ أيْ لا مُسْتَحِقَّ لِلْعِبادَةِ سِواهُ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ اسْتِحْقاقَ العِبادَةِ مَنُوطٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ والجُمْلَةُ داخِلَةٌ في حَيِّزِ القَوْلِ وهي خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ عِنْدَ بَعْضٍ وقالَ بَعْضُ آخَرُ: إنَّهُ تَعالى بَعْدَ أنْ نَعى عَلى الكَفَرَةِ حالَهم وعَكْسَهم مُقْتَضى العَقْلِ أمَرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يُنَبِّهَهم عَلى خاصَّةِ نَفْسِهِ ووَظِيفَتِهِ مِنَ الشُّكْرِ ومَآلِ أمْرِهِ تَأْنِيبًا لَهم فَقالَ: قُلْ هو رَبِّي الَّذِي أرْسَلَنِي إلَيْكم وأيَّدَنِي بِما أيَّدَنِي ولا رَبَّ لِي سِواهُ ﴿عَلَيْهِ﴾ لا عَلى أحَدٍ سِواهُ ﴿تَوَكَّلْتُ﴾ في جَمِيعِ أُمُورِي لا سِيَّما في النُّصْرَةِ عَلَيْكم ﴿وإلَيْهِ﴾ خاصَّةً ﴿مَتابِ﴾ . (30) . أيْ مَرْجِعِي فَيُثِيبُنِي عَلى مُصابِرَتِكم ومُجاهَدَتِكم وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ ﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ اعْتِراضٌ أُكِّدَ بِهِ اخْتِصاصُ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَفْوِيضُ الأُمُورِ عاجِلًا وآجِلًا إلَيْهِ ومِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ لا إلَهَ إلا هو وأعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ﴾ . اهَـ. وإلى القَوْلِ بِالِاعْتِراضِ ذَهَبَ صاحِبُ الكَشْفِ وحَمَلَ عَلى ذَلِكَ كَلامَ الكَشّافِ حَيْثُ ذَكَرَ بَعْدَ ﴿هُوَ رَبِّي﴾ الواحِدُ المُتَعالِي عَنِ الشُّرَكاءِ فَقالَ: جَعَلَهُ فائِدَةَ الِاعْتِراضِ بِلا إلَهَ إلّا هو أيْ هَذا البَلِيغُ الرَّحْمَةِ ولا إلَهَ إلّا هو فَهو بَلِيغُ الِانْتِقامِ كَما هو بَلِيغُ الرَّحْمَةِ يَرْحَمُنِي ويَنْتَقِمُ لِي مِنكم وهو تَمْهِيدٌ أيْضًا لِقَوْلِهِ: ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ ولَمْ يُجْعَلْ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ إذْ لَيْسَ المَقْصُودُ الإخْبارَ بِأنَّهُ تَعالى مُتَوَحِّدٌ بِالإلَهِيَّةِ بَلِ المَقْصُودُ أنَّ المُتَوَحِّدَ بِها رَبِّي وذَلِكَ يُفِيدُهُ الِاعْتِراضُ وأمّا أنَّ المَفْهُومَ مِن كَلامِهِ أنَّهُ حالٌ ولِذَلِكَ أُجْرِيَ مَجْرى الوَصْفِ فَكَلّا إلّا أنْ يُجْعَلَ حالًا مُؤَكِّدَةً ولا يُغايِرُ الِاعْتِراضُ إذًا كَثِيرَ مُغايِرَةٍ لَكِنَّ الأوَّلَ أمْلَأُ بِالفائِدَةِ. اهَـ. ولا يَخْفى ما في تَوْجِيهِ كَلامِ الكَشّافِ بِذَلِكَ مِنَ الخَفاءِ وفي كَوْنِ المَقْصُودِ أنَّ المُتَوَحِّدَ بِالإلَهِيَّةِ رَبِّي دُونَ الإخْبارِ بِأنَّهُ تَعالى مُتَوَحِّدٌ بِها عَلى ما قِيلَ تَأمَّلْ ولَعَلَّ مَبْناهُ أنَّ ما أثْبَتَهُ أوْفَقُ بِالغَرَضِ الَّذِي يُشِيرُ كَلامُهُ إلى اعْتِبارِهِ مَساقًا لِلْآيَةِ وفِيهِ مِنَ المُبالَغَةِ في وصْفِهِ تَعالى بِالتَّوَحُّدِ ما لا يَخْفى. نَعَمْ قِيلَ لِلْقَوْلِ بِالِاعْتِراضِ وجْهٌ وأنَّهُ حِينَئِذٍ لا يَبْعُدُ أنْ يُقالَ: إنَّهُ تَعالى بَعْدَ أنْ ذَكَرَ إرْسالَهُ ﷺ إلَيْهِمْ وأنَّ حالَهم أنَّهم يَكْفُرُونَ بِالبَلِيغِ الرَّحْمَةِ ولا يُقابِلُونَ رَحْمَتَهُ بِالشُّكْرِ فَيُؤْمِنُوا بِهِ ويُوَحِّدُوهُ أمَرَهُ بِالإخْبارِ بِتَخْصِيصِ تَوَكُّلِهِ واعْتِمادِهِ عَلى ذَلِكَ البَلِيغِ الرَّحْمَةِ ورُجُوعِهِ في سائِرِ أُمُورِهِ إلَيْهِ إيماءً إلى أنَّ إصْرارَهم عَلى الكُفْرِ لا يَضُرُّهُ (p-154)شَيْئًا وأنَّ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عاقِبَةً مَحْمُودَةً وأنَّهُ سُبْحانَهُ سَيَنْصُرُهُ عَلَيْهِمْ وفي ذَلِكَ مِن تَسْفِيهِ رَأْيِهِمْ في الإصْرارِ عَلى الكُفْرِ واسْتِنْهاضِهِمْ إلى اتِّباعِهِ ما فِيهِ إلّا أنَّهُ عَزَّ شَأْنُهُ أمَرَهُ أوَّلًا أنْ يَقُولَ: ﴿هُوَ رَبِّي﴾ تَوْطِئَةً لِذَلِكَ وجِيءَ بِلا إلَهَ إلّا هو اعْتِراضًا لِلتَّأْكِيدِ والَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ بَعْدَ التَّأمُّلِ ومُلاحَظَةِ الأُسْلُوبِ القَوْلُ بِالِاعْتِراضِ ثُمَّ لا يَخْفى أنَّ جُمَلَ ﴿وإلَيْهِ مَتابِ﴾ عَلى إلَيْهِ رُجُوعِي في سائِرِ أُمُورِي خِلافُ الظّاهِرِ وأنَّهُ عَلى ذَلِكَ يَكُونُ كالتَّأْكِيدِ لِما قَبْلَهُ وقالَ شَيْخُ الإسْلامِ في تَفْسِيرِهِ: أيْ إلَيْهِ تَوْبَتِي كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ أُمِرَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِذَلِكَ إبانَةً لِفَضْلِ التَّوْبَةِ ومِقْدارِها عِنْدَ اللَّهِ تَعالى وأنَّها صِفَةُ الأنْبِياءِ وبَعْثًا لِلْكَفَرَةِ عَلى الرُّجُوعِ عَمّا هم عَلَيْهِ بِأبْلَغِ وجْهٍ وألْطَفِهِ فَإنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَيْثُ أُمِرَ بِها وهو مُنَزَّهٌ عَنْ شائِبَةِ اقْتِرافِ ما يُوجِبُها مِنَ الذَّنْبِ وإنْ قَلَّ فَتَوْبَتُهم وهم عاكِفُونَ عَلى أنْواعِ الكُفْرِ والمَعاصِي مِمّا لا بُدَّ مِنهُ أصْلًا. اهَـ. وفِيهِ أنَّ هَذا إنَّما يَصْلُحُ باعِثًا لِلْإقْلاعِ عَنِ الذَّنْبِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ وألْطَفِهِ لَوْ كانَ الكَلامُ مَعَ غَيْرِ الكَفَرَةِ الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أنَّهم يُحْسِنُونَ صُنْعًا ولَعَلَّ ذَلِكَ ظاهِرٌ عِنْدَ المُنْصِفِ وقالَ العَلّامَةُ البَيْضاوِيُّ في ذَلِكَ: أيْ إلَيْهِ مَرْجِعِي ومَرْجِعُكم وكَأنَّهُ أرادَ أيْضًا فَيَرْحَمُنِي ويَنْتَقِمُ مِنكم والِانْتِقامُ مِنَ الرَّحْمَنِ أشَدُّ كَما قِيلَ: أعُوذُ بِاللَّهِ تَعالى مِن غَضَبِ الحَلِيمِ. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ إنَّما يَتِمُّ ولَوْ كانَ المُضافُ إلَيْهِ المَحْذُوفُ ضَمِيرَ المُتَكَلِّمِ ومَعَهُ غَيْرُهُ أيْ مَتابُنا إذْ يَكُونُ حِينَئِذٍ مَرْجِعِي ومَرْجِعُكم تَفْصِيلًا لِذَلِكَ ولا يَكادُ يَقُولُ بِهِ أحَدٌ مَعَ قَوْلِهِ بِكَسْرِ الباءِ فَإنَّهُ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ المَحْذُوفُ الياءَ عَلى أنَّ ذَلِكَ الضَّمِيرَ لا يُناسِبُ ما قَبْلَهُ ولَعَلَّ العَلّامَةَ اعْتَبَرَ أنَّ في الآيَةِ اكْتِفاءً عَلى ما قِيلَ: أيْ مَتابِي ومَتابُكم أوْ أنَّ الكَلامَ دالٌّ عَلَيْهِ التِزامًا وهَذا أوْلى عَلى ما قِيلَ فَتَأمَّلْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب