الباحث القرآني

﴿ويُسَبِّحُ الرَّعْدُ﴾ قِيلَ: هو اسْمٌ لِلصَّوْتِ المَعْلُومِ والكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ سامِعُو الرَّعْدِ أوِ الإسْنادُ مَجازِيٌّ مِن بابِ الإسْنادِ لِلْحامِلِ والسَّبَبِ والباءُ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿بِحَمْدِهِ﴾ لِلْمُلابَسَةِ والجارُّ والمَجْرُورُ في مَوْضِعِ الحالِ أيْ يُسَبِّحُ السّامِعُونَ لِذَلِكَ الصَّوْتِ مُلْتَبِسِينَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعالى فَيَضِجُّونَ بِسُبْحانَ اللَّهِ والحَمْدُ لِلَّهِ. وقِيلَ: لا حَذْفَ ولا تَجُوزُ في الإسْنادِ وإنَّما التَّجَوُّزُ في التَّسْبِيحِ والتَّحْمِيدِ حَيْثُ شَبَّهَ دَلالَةَ الرَّعْدِ بِنَفْسِهِ عَلى تَنْزِيهِهِ تَعالى عَنِ الشَّرِيكِ والعَجْزِ بِالتَّسْبِيحِ والتَّنْزِيهِ اللَّفْظِيِّ ودَلالَتِهِ عَلى فَضْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ ورَحِمَتْهُ بِحَمْدِ الحامِدِ لِما فِيهِما مِنَ الدَّلالَةِ عَلى صِفاتِ الكَمالِ وقِيلَ: إنَّهُ مَجازٌ مُرْسَلٌ اسْتُعْمِلَ في لازِمِهِ وقِيلَ: الرَّعْدُ اسْمُ مَلَكٍ فَإسْنادُ التَّسْبِيحِ والتَّحْمِيدِ إلَيْهِ حَقِيقَةٌ. (p-119)قالَ في الكَشْفِ: والأشْبَهُ في الآيَةِ الحَمْلُ عَلى الإسْنادِ المَجازِيِّ لِيَتَلاءَمَ الكَلامُ فَإنَّ الرَّعْدَ في المُتَعارَفِ يَقَعُ عَلى الصَّوْتِ المَخْصُوصِ وهو الَّذِي يُقْرَنُ بِالذِّكْرِ مَعَ البَرْقِ والسَّحابِ والكَلامُ في إراءَةِ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى القُدْرَةِ الباهِرَةِ وإيجادِها وتَسْبِيحِ مَلَكِ الرَّعْدِ لا يُلائِمُ ذَلِكَ أمّا حَمْلُ الصَّوْتِ المَخْصُوصِ لِلسّامِعِينَ عَلى التَّسْبِيحِ والحَمْدِ فَتَشْدِيدُ المُلاءَمَةِ جِدًّا وإذا حُمِلَ عَلى الإسْنادِ حَقِيقَةً فالوَجْهُ أنْ يَكُونَ اعْتِراضًا دَلالَةً عَلى اعْتِرافِ المَلَكِ المُوَكَّلِ بِالسَّحابِ وسائِرِ المَلائِكَةِ بِكَمالِ قُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وجُحُودِ الإنْسانِ ذَلِكَ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ تَسْبِيحَ المَلائِكَةِ عَلى ما ادَّعى أنَّهُ الأشْبَهُ يَبْقى كالِاعْتِراضِ في البَيْنِ والَّذِي اخْتارَهُ أكْثَرُ المُحَدِّثِينَ كَوْنُ الإسْنادِ حَقِيقِيًّا بِناءً عَلى أنَّ الرَّعْدَ اسْمٌ لِلْمَلَكِ الَّذِي يَسُوقُ السَّحابَ فَقَدْ أخْرَجَ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ والنَّسائِيُّ وآخَرُونَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما «أنَّ اليَهُودَ سَألُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: أخْبِرْنا ما هَذا الرَّعْدُ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: مَلَكٌ مِن مَلائِكَةِ اللَّهِ تَعالى مُوَكَّلٌ بِالسَّحابِ بِيَدَيْهِ مِخْراقٌ مِن نارٍ يَزْجُرُ بِهِ السَّحابَ يَسُوقُهُ حَيْثُ أمَرَهُ اللَّهُ تَعالى قالُوا: فَما هَذا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: صَوْتُهُ فَقالُوا: صَدَّقْتَ» والأخْبارُ في ذَلِكَ كَثِيرَةٌ واسْتُشْكِلَ بِأنَّهُ لَوْ كانَ عَلَمًا لِلْمَلَكِ لَما ساغَ تَنْكِيرُهُ وقَدْ نُكِّرَ في البَقَرَةِ وأُجِيبَ بِأنَّ لَهُ إطْلاقَيْنِ ثانِيهِما إطْلاقُهُ عَلى نَفْسِ الصَّوْتِ والتَّنْكِيرُ عَلى هَذا الإطْلاقِ وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقِيلَ: إنَّ الرَّعْدَ رِيحٌ تَخْفُقُ بَيْنَ السَّحابِ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِقَوْلِهِ: وهَذا عِنْدِي لا يَصِحُّ فَإنَّ ذَلِكَ مِن نَزَعاتِ الطَّبِيعِيِّينَ وغَيْرِهِمْ. وقالَ الإمامُ: إنَّ المُحَقِّقِينَ مِنَ الحُكَماءِ يَذْكُرُونَ أنَّ هَذِهِ الآثارَ العُلْوِيَّةَ إنَّما تَتِمُّ بِقُوًى رُوحانِيَّةٍ فَلَكِيَّةٍ ولِلسَّحابِ رُوحٌ مُعِينٌ مِنَ الأرْواحِ الفَلَكِيَّةِ يُدَبِّرُهُ وكَذا القَوْلُ في الرِّياحِ وسائِرِ الآثارِ العُلْوِيَّةِ وهو عَيْنُ ما قُلْنا مِن أنَّ الرَّعْدَ اسْمٌ لِمَلَكٍ مِنَ المَلائِكَةِ يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعالى فَهَذا الَّذِي قالَهُ المُفَسِّرُونَ بِهَذِهِ العِبارَةِ هو عَيْنُ ما ذَكَرَهُ المُحَقِّقُونَ مِنَ الحُكَماءِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالعاقِلِ الإنْكارُ. اهَـ. وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ أيْضًا بِأنَّ غَرَضَهُ جَرَيانُ ما يَتَخَيَّلَهُ الفَلاسِفَةُ عَلى مَناهِجِ الشَّرِيعَةِ ولَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أبَدًا ولَقَدْ صَدَقَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى في عَدَمِ صِحَّةِ التَّطْبِيقِ بَيْنَ ما جاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ وما نَسَجَتْهُ عَناكِبُ أفْكارِ الفَلاسِفَةِ نَعَمْ إنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ في أقَلِّ قَلِيلٍ مِن ذاكَ وهَذا، والمَشْهُورُ عَنِ الفَلاسِفَةِ أنَّ الرِّيحَ تَحْتَقِنُ في داخِلِ السَّحابِ ويَسْتَوْلِي البَرَدُ عَلى ظاهِرِهِ فَيَتَجَمَّدُ السَّطْحُ الظّاهِرُ ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الرِّيحَ يُمَزِّقُهُ تَمْزِيقًا عَنِيفًا فَيَتَوَلَّدُ مِن ذَلِكَ حَرَكَةٌ عَنِيفَةٌ وهي مُوجِبَةٌ لِلسُّخْرِيَةِ ولَيْسَ البَرْقُ والرَّعْدُ إلّا ما حَصَلَ مِنَ الحَرَكَةِ وتَسْخِينِها وأمّا السَّحابُ فَهو أبْخِرَةٌ مُتَصاعِدَةٌ قَدْ بَلَغَتْ في صُعُودِها إلى الطَّبَقَةِ البارِدَةِ مِنَ الهَواءِ لَكِنْ لَمّا لَمْ يَقْوَ البَرَدُ تَكاثَفَتْ بِذَلِكَ القَدْرِ مِنَ البَرَدِ واجْتَمَعَتْ وتَقاطَرَتْ ويُقالُ لِلْمُتَقاطِرِ مَطَرٌ ورُدَّ الأوَّلُ بِأنَّهُ خِلافُ المَعْقُولِ مِن وُجُوهٍ أحَدُها أنَّهُ لَوْ كانَ الأمْرُ كَما ذُكِرَ لَوَجَبَ أنْ يَكُونَ كُلَّما حَصَلَ البَرْقُ حَصَلَ الرَّعْدُ وهو الصَّوْتُ الحادِثُ مِن تَمْزِيقِ السَّحابِ ومَعْلُومٌ أنَّهُ كَثِيرًا ما يَحْدُثُ البَرْقُ القَوِيُّ مِن غَيْرِ حُدُوثِ الرَّعْدِ. ثانِيهِما أنَّ السُّخُونَةَ الحاصِلَةَ بِسَبَبِ قُوَّةِ الحَرَكَةِ مُقابَلَةٌ بِالطَّبِيعَةِ المائِيَّةِ المُوجِبَةِ لِلْبَرَدِ وعِنْدَ حُصُولِ هَذا المُعارِضِ القَوِيِّ كَيْفَ تَحْدُثُ النّارِيَّةُ بَلْ يُقالُ: النِّيرانُ العَظِيمَةُ تَنْطَفِئُ بِصَبِّ الماءِ عَلَيْها والسَّحابُ كُلُّهُ ماءٌ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أنْ يَحْدُثَ فِيهِ شُعْلَةٌ ضَعِيفَةٌ نارِيَّةٌ ثالِثُهُما أنَّ مِن مَذْهَبِكم أنَّ النّارَ الصِّرْفَةَ لا لَوْنَ لَها البَتَّةَ فَهَبْ أنَّهُ حَصَلَتِ النّارِيَّةُ بِسَبَبِ قُوَّةِ المُحاكَّةِ الحاصِلَةِ في أجْزاءِ السَّحابِ لَكِنْ مِن أيْنَ حَدَثَ ذَلِكَ اللَّوْنُ الأحْمَرُ ورُدَّ الثّانِي بِأنَّ الأمْطارَ مُخْتَلِفَةٌ فَتارَةً تَكُونُ قَطَراتُها كَبِيرَةً وتارَةً تَكُونُ صَغِيرَةً وتارَةً تَكُونُ مُتَقارِبَةً وأُخْرى تَكُونُ مُتَباعِدَةً إلى غَيْرِ (p-120)ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلافاتِ وذَلِكَ مَعَ أنَّ طَبِيعَةَ الأرْضِ واحِدَةٌ وطَبِيعَةَ الشَّمْسِ المُسَخِّنَةِ لِلْبُخاراتِ واحِدَةٌ يَأْبى أنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَما قَرَّرُوا وأيْضًا التَّجْرِبَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّ لِلتَّضَرُّعِ والدُّعاءِ في انْعِقادِ السَّحابِ ونُزُولِ الغَيْثِ أثَرًا عَظِيمًا وهو يَأْبى أنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلطَّبِيعَةِ والخاصِّيَّةِ فَلَيْسَ كُلُّ ذَلِكَ إلّا بِإحْداثِ مُحْدِثٍ حَكِيمٍ قادِرٍ يَخْلُقُ ما يَشاءُ كَيْفَ يَشاءُ وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: لا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ في تَكَوُّنِ ما ذُكِرَ أسْبابٌ عادِيَّةٌ كَما في الكَثِيرِ مِن أفْعالِهِ تَعالى وذَلِكَ لا يُنافِي نِسْبَتُهُ إلى المُحْدِثِ الحَكِيمِ القادِرِ جَلَّ شَأْنُهُ ومَن أنْصَفَ لَمْ يُسْعِفْهُ إنْكارُ الأسْبابِ بِالكُلِّيَّةِ فَإنَّ بَعْضَها كالمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ وبِهَذا أنا أقُولُ وقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ الكَلامِ في هَذا المَقامِ. وكانَ ﷺ كَما أخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ «إذا هَبَّتِ الرِّيحُ أوْ سُمِعَ صَوْتُ الرَّعْدِ تَغَيَّرُ لَوْنُهُ حَتّى يُعْرَفَ ذَلِكَ في وجْهِهِ الشَّرِيفِ ثُمَّ يَقُولُ لِلرَّعْدِ: سُبْحانَ مَن سَبَحْتَ لَهُ ولِلرِّيحِ اللَّهُمَّ اجْعَلْها رَحْمَةً ولا تَجْعَلْها عَذابًا». وأخْرَجَ أحْمَدُ والبُخارِيُّ في الأدَبِ المُفْرَدِ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وغَيْرُهم عَنِ ابْنِ عُمَرَ «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ والصَّواعِقِ قالَ: اللَّهُمَّ لا تَقْتُلْنا بِغَضَبِكَ ولا تُهْلِكْنا بِعَذابِكَ وعافِنا قَبْلَ ذَلِكَ». وأخْرَجَ أبُو داوُدَ في مَراسِيلِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي جَعْفَرٍ «أنَّ قَوْمًا سَمِعُوا الرَّعْدَ فَكَبَّرُوا فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذا سَمِعْتُمُ الرَّعْدَ فَسَبِّحُوا ولا تُكَبِّرُوا» وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ يَقُولُ إذا سَمِعَ الرَّعْدَ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ» وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «كانَ ﷺ إذا سَمِعَ الرَّعْدَ قالَ سُبْحانَ مَن يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ» ﴿والمَلائِكَةُ مِن خِيفَتِهِ﴾ أيْ ويُسَبِّحُ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِن هَيْبَتِهِ تَعالى وإجْلالِهِ جَلَّ جَلالُهُ وقِيلَ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلى الرَّعْدِ والمُرادُ بِالمَلائِكَةِ أعْوانُهُ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَعالى تَحْتَ يَدِهِ خائِفِينَ خاضِعِينَ لَهُ وهو قَوْلٌ ضَعِيفٌ ﴿ويُرْسِلُ الصَّواعِقَ﴾ جَمْعُ صاعِقَةٍ وهي كالصّاعِقَةِ في الأصْلِ الهَدَّةُ الكَبِيرَةُ إلّا أنَّ الصَّقْعَ يُقالُ في الأجْسامِ الأرْضِيَّةِ والصَّعْقَ في الأجْسامِ العُلْوِيَّةِ والمُرادُ بِها هُنا النّارُ النّازِلَةُ مِنَ السَّحابِ مَعَ صَوْتٍ شَدِيدٍ ﴿فَيُصِيبُ﴾ سُبْحانَهُ ﴿بِها مَن يَشاءُ﴾ إصابَتُهُ بِها فَيُهْلِكُهُ قِيلَ: وهَذِهِ النّارُ قِيلَ تَحْصُلُ مِنَ احْتِكاكِ أجْزاءِ السَّحابِ واسْتَدَلَّ بِما أخْرَجَهُ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الرَّعْدُ مَلَكٌ اسْمُهُ الرَّعْدُ وصَوْتُهُ هَذا تَسْبِيحُهُ فَإذا اشْتَدَّ زَجْرُهُ احْتَكَّ السَّحابُ واصْطَدَمَ مِن خَوْفِهِ فَتُخْرِجُهُ الصَّواعِقُ مِن بَيْنِهِ وقالَ الفَلاسِفَةُ: إنَّ الدُّخانَ المُحْتَبِسَ في جَوْفِ السَّحابِ إذا نَزَلَ ومَزَّقَ السَّحابَ قَدْ يَشْتَعِلُ بِقُوَّةِ التَّسْخِينِ الحاصِلِ مِنَ الحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ والمُصاكَّةِ العَنِيفَةِ وإذا اشْتَعَلَ فَلَطِيفُهُ يَنْطَفِئُ سَرِيعًا وهو البَرْقُ وكَثِيفُهُ لا يَنْطَفِئُ حَتّى يَصِلَ إلى الأرْضِ وهو الصّاعِقَةُ وإذا وصَلَ إلَيْها فَرُبَّما صارَ لَطِيفًا يَنْفُذُ في المُتَخَلْخِلِ ولا يَحْرُقُهُ بَلْ يَبْقى مِنهُ أثَرُ سَوادٍ ويُذِيبُ ما يُصادِمُهُ مِنَ الأجْسامِ الكَثِيفَةِ المُنْدَمِجَةِ فَيُذِيبُ الذَّهَبَ والفِضَّةَ في الصُّرَّةِ مَثَلًا ولا يَحْرُقُها إلّا ما أُحْرِقَ مِنَ المُذَوِّبِ وقَدْ أخْبَرَ أهْلُ التَّواتُرِ بِأنَّ صاعِقَةً وقَعَتْ مُنْذُ زَمانٍ بِشِيرازَ عَلى قُبَّةِ الشَّيْخِ الكَبِيرِ أبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَفِيفٍ قُدِّسَ سِرُّهُ فَأذابَتْ قِنْدِيلًا فِيها ولَمْ تَحْرِقْ شَيْئًا مِنها ورُبَّما كانَ كَثِيفًا غَلِيظًا جِدًّا فَيَحْرُقُ كُلَّ شَيْءٍ أصابَهُ وكَثِيرًا ما يَقَعُ عَلى الجَبَلِ فَيَدُكُّهُ دَكًّا وقَدْ يَقَعُ عَلى البَحْرِ فَيَغُوصُ فِيهِ ويَحْرُقُ ما فِيهِ مِنَ الحَيَواناتِ ورُبَّما كانَ جِرْمُ الصّاعِقَةِ دَقِيقًا جِدًّا مِثْلَ السَّيْفِ فَإذا وصَلَ إلى شَيْءٍ قَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ ولا يَكُونُ مِقْدارُ الِانْفِراجِ إلّا قَلِيلًا ويُحْكى أنَّ صَبِيًّا كانَ نائِمًا بِصَحْراءَ فَأصابَتِ الصّاعِقَةُ ساقَيْهِ فَسَقَطَتْ رِجْلاهُ ولَمْ يَخْرُجْ دَمٌ لِحُصُولِ (p-121)الكَيِّ مِن حَرارَتِها وهَذا الَّذِي قالُوهُ في سَبَبِ تَكْوِينِها لَيْسَ بِالبَعِيدِ عَمّا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما في ذَلِكَ ومادَّتُها عَلى ما نَقَلَ بَعْضُهم عَنِ ابْنِ سِينا أجْسامٌ نارِيَّةٌ فارَقَتْها السُّخُونَةُ وصارَتْ لِاسْتِيلاءِ البُرُودَةِ عَلى جَوْهَرِها مُتَكافِئَةً وقالَ الإمامُ في شَرْحِ الإشاراتِ: الصَّواعِقُ عَلى ما نُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ تُشْبِهُ الحَدِيدَ تارَةً والنُّحاسَ تارَةً والحَجَرَ تارَةً وهو ظاهِرٌ في أنَّ مادَّتَها لَيْسَتْ كَذَلِكَ إلّا لَما اخْتَلَفَتْ ومِن هُنا قِيلَ: إنَّ مادَّتَها الأبْخِرَةُ والأدْخِنَةُ الشَّبِيهَةُ بِمَوادِّ هَذِهِ الأجْسامِ وقِيلَ: إنَّها نارٌ تَخْرُجُ مِن فَمِ المَلَكِ المُوَكَّلِ بِالسَّحابِ إذا اشْتَدَّ زَجْرُهُ وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ أبِي عِمْرانَ الجَوْنِيِّ قالَ: إنَّ بُحُورًا مِن نارٍ دُونَ العَرْشِ يَكُونُ مِنها الصَّواعِقُ وإذا صَحَّ ما رُوِيَ عَنِ الحَبْرِ لا يَعْدِلُ عَنْهُ. وقَدْ أخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ قالَ مَن سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ فَقالَ سُبْحانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ والمَلائِكَةُ مَن خِيفَتِهِ وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَإنْ أصابَتْهُ صاعِقَةٌ فَعَلَيَّ دِيَتُهُ وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وغَيْرُهُ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ قالَ: الصّاعِقَةُ تُصِيبُ المُؤْمِنَ والكافِرَ ولا تُصِيبُ ذاكِرًا وفي خَبَرٍ مَرْفُوعٍ ما يُؤَيِّدُهُ وقَدْ أهْلَكَتْ أرْبَدَ كَما عَلِمْتَ وقَدْ أشارَ إلى ذَلِكَ أخُوهُ لِأُمِّهِ لَبِيدٌ العامِرِيُّ بِقَوْلِهِ يَرْثِيهِ: . ؎أخْشى عَلى أرْبَدَ الحُتُوفَ ولا أرْهَبُ نَوْءَ السِّماكِ والَأسَدِ ؎فَجَعَنِي البَرْقُ والصَّواعِقُ ∗∗∗ بِالفارِسِ يَوْمَ الكَرِيهَةِ النَّجَدِ وفِي تِلْكَ القِصَّةِ عَلى ما قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وغَيْرُهُ نَزَلَتِ الآيَةُ وعَنْ مُجاهِدٍ أنَّ يَهُودِيًّا ناظَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَبَيْنا هو كَذَلِكَ نَزَلَتْ صاعِقَةٌ فَأخَذَتْ قِحْفَ رَأْسِهِ فَنَزَلَتْ وقِيلَ: «إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بَعَثَ إلى جَبّارٍ مِنَ العَرَبِ لِيُسْلِمَ فَقالَ: أخْبِرُونِي عَنْ إلَهِ مُحَمَّدٍ أمِن لُؤْلُؤٍ هو أمْ مِن ذَهَبٍ أمْ مِن نُحاسٍ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ صاعِقَةٌ فَأهْلَكَتْهُ فَنَزَلَتْ». و( مَن ) مَفْعُولُ ﴿يُصِيبُ﴾ والكَلامُ عَلى ما في البَحْرِ مِن بابِ الإعْمالِ وقَدْ أُعْمِلَ فِيهِ الثّانِي إذْ كُلٌّ مِن ( يُرْسِلُ ) و﴿يُصِيبُ﴾ يَطْلُبُ ( مَن ) ولَوِ أُعْمِلَ الأوَّلُ لَكانَ التَّرْكِيبُ ويُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها عَلى مَن يَشاءُ لَكِنْ جاءَ عَلى الكَثِيرِ في لِسانِ العَرَبِ المُخْتارِ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ وهو إعْمالُ الثّانِي ثُمَّ إنَّهُ تَعالى بَعْدَ أنْ ذَكَرَ عِلْمَهُ النّافِذَ في كُلِّ شَيْءٍ واسْتِواءَ الظّاهِرِ والخَفِيِّ عِنْدَهُ تَعالى وما دَلَّ عَلى قُدْرَتِهِ الباهِرَةِ ووَحْدانِيَّتِهِ قالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿وهُمْ﴾ أيِ الَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا الرَّسُولَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأنْكَرُوا آياتِهِ ﴿يُجادِلُونَ في اللَّهِ﴾ حَيْثُ يُكَذِّبُونَ ما يَصِفُهُ الصّادِقُ بِهِ مِن كَمالِ العِلْمِ والقُدْرَةِ والتَّفَرُّدِ بِالأُلُوهِيَّةِ وإعادَةِ النّاسِ ومَجازاتِهِمْ فالمُرادُ بِالمُجادَلَةِ فِيهِ تَعالى المُجادَلَةُ في شَأْنِهِ سُبْحانَهُ وما أخْبَرَ بِهِ عَنْهُ جَلَّ شَأْنُهُ وهي مِنَ الجَدَلِ بِفَتْحَتَيْنِ أشَدُّ الخُصُومَةِ وأصْلُهُ مِنَ الجَدْلِ بِالسُّكُونِ وهو فَتْلُ الحَبْلِ ونَحْوِهِ لِأنَّهُ يَقْوى بِهِ ويَشُدُّ طاقاتِهِ. وقالَ الرّاغِبُ: أصْلُ ذَلِكَ مِن جَدَلْتُ الحَبْلَ أيْ أحْكَمْتُ فَتْلَهُ كَأنَّ المُتَجادِلَيْنِ يَفْتُلُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما الآخَرَ عَنْ رَأْيِهِ وقِيلَ: الأصْلُ في الجِدالِ الصِّراعُ وإسْقاطُ الإنْسانِ صاحِبَهُ عَلى الجَدالَةِ وهي الأرْضُ الصُّلْبَةُ وإلى تَفْسِيرِ الآيَةِ بِما ذُكِرَ ذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ قالَ في الكَشْفِ: وفي كَلامِهِ إشارَةٌ إلى أنَّ في الكَلامِ التِفاتًا لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿سَواءٌ مِنكُمْ﴾ . ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ﴾ فِيهِ التِفاتٌ مِنَ الغَيْبَةِ إلى الخِطابِ وإنَّ شِئْتَ فَتَأمَّلْ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿الكَبِيرُ المُتَعالِ﴾ ثُمَّ التَفِتْ مِنَ الخِطابِ إلى (p-122)الغَيْبَةِ وحُسْنِ مَوْقِعِها أمّا الأوَّلُ فَما فِيهِ مِن تَخْصِيصِ الوَعِيدِ المُدْمَجِ في ﴿سَواءٌ مِنكُمْ﴾ ولِهَذا ذُيِّلَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ﴾ إلى ﴿مِن والٍ﴾ وفِيهِ مِنَ التَّهْدِيدِ ما لا يَخْفى عَلى ذِي بَصِيرَةٍ والحَثُّ عَلى طَلَبِ النَّجاةِ زِيادَةُ التَّقْرِيعِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ﴾ وفي مَجِيءِ ﴿سَواءٌ مِنكُمْ﴾ . ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ﴾ هَكَذا مِن دُونِ حَرْفِ النَّسَقَ لِأنَّ الأوَّلَ مُقَرِّرٌ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ﴾ مَعَ زِيادَةِ الإدْماجِ المَذْكُورِ تَحْقِيقًا لِلْعِلْمِ والثّانِي مُقَرِّرٌ لِما ضُمِّنَ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى القُدْرَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ﴾ مَعَ رِعايَةِ نَمَطِ التَّعْدِيدِ عَلى أُسْلُوبِ ﴿الرَّحْمَنُ﴾ ﴿عَلَّمَ القُرْآنَ﴾ ما يُبْهِرُ الألْبابَ ويُظْهِرُ لِلْمَتَأمِّلِ في وجْهِ الإعْجازِ التَّنْزِيلِيِّ العَجَبَ العُجابَ وأمّا الثّانِي فَما فِيهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى أنَّهم مَعَ وُضُوحِ الآياتِ وتِلاوَتِها عَلَيْهِمْ والتَّنْبِيهِ البالِغِ تَرْغِيبًا وتَرْهِيبًا لَمْ يُبالُوا بِها بالَةً فَكَأنَّهُ يَشُكُوا جِنايَتَهم إلى مَن يَسْتَحِقُّ الخِطابَ أوْ كَمَن يُدَمْدِمُ في نَفْسِهِ أنِّي أصْنَعُ بِهِمْ وأفْعَلُ كَيْتَ وكَيْتَ جَزاءَ ما ارْتَكَبُوهُ لِيَرى ما يُرِيدُ أنْ يُوقِعَ بِهِمْ وعَلى هَذا فَقَوْلُهُ تَعالى: ( هم ) إلى آخِرِهِ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ﴾ المَعْطُوفُ عَلى ﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ﴾ والعُدُولُ عَنِ الفِعْلِيَّةِ إلى الِاسْمِيَّةِ وطَرْحُ رِعايَةِ التَّناسُبِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم ما ازْدادُوا بَعْدَ الآياتِ إلّا عِنادًا ( وأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَزادَتْهم رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ ) وجازَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ﴾ عَلى مَعْنى هو الَّذِي يُرِيكم هَذِهِ الآياتِ الكَوامِلَ الدّالَّةَ عَلى القُدْرَةِ والرَّحْمَةِ وأنْتُمْ تُجادِلُونَ فِيهِ سُبْحانَهُ وهَذا أقْرَبُ مَأْخَذًا والأوَّلُ أمَلًا بِالفائِدَةِ. اهَـ. ومَخايِلُ التَّحْقِيقِ ظاهِرَةٌ عَلَيْهِ وزَعَمَ الطَّيِّبِيُّ أنَّ الأنْسَبَ لِتَأْلِيفِ النَّظْمِ أنْ يَكُونَ هَذا تَسْلِيَةً لِحَبِيبِهِ ﷺ فَإنَّهُ تَعالى لَمّا نَعى عَلى كُفّارِ قُرَيْشٍ عِنادَهم في اقْتِراحِهِمُ الآياتِ كَآياتِ مُوسى وعِيسى عَلَيْهِما السَّلامُ وإنْكارِهِمْ كَوْنَ الَّذِي جاءَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ آياتٍ سَلّاهُ جَلَّ شَأْنُهُ بِما ذُكِرَ كَأنَّهُ قالَ: هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإنَّكَ لَسْتَ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ فَإنَّهُ مَعَ ظُهُورِ الآياتِ البَيِّناتِ ودَلائِلِ التَّوْحِيدِ يُجادِلُونَ في اللَّهِ تَعالى بِاتِّخاذِ الشُّرَكاءِ وإثْباتِ الأوْلادِ ومَعَ شُمُولِ عِلْمِهِ تَعالى وكَمالِ قُدْرَتِهِ جَلَّ جَلالُهُ يُنْكِرُونَ الحَشْرَ والنَّشْرَ ومَعَ قَهْرِ سُلْطانِهِ وشَدِيدِ سَطْوَتِهِ يُقْدِمُونَ عَلى المُكايَدَةِ والعِنادِ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ فَلْيُتَأمَّلْ ولا يُسْتَحْسَنُ العَطْفُ عَلى ( يُرْسِلُ الصَّواعِقَ ) لِعَدَمِ الِاتِّساقِ وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ حالًا مِن مَفْعُولِ ( يُصِيبُ ) أيْ يُصِيبُ بِها مَن يَشاءُ في حالِ جِدالِهِ أوْ مِن مَفْعُولِ ﴿يَشاءُ﴾ عَلى ما قِيلَ وهو كَما تَرى ولا يُعَيِّنُ سَبَبُ النُّزُولِ الحالِيَّةَ كَما لا يَخْفى ﴿وهُوَ﴾ سُبْحانَهُ وتَعالى ﴿شَدِيدُ المِحالِ﴾ . (13) . أيِ المُماحَلَةِ وهي المُكايَدَةُ مِن مَحَلَ بِفُلانٍ بِالتَّخْفِيفِ إذا كادَهُ وعَرَّضَهُ لِلْهَلاكِ ومِنهُ تَمَحَّلَ لِكَذا إذا تَكَلَّفَ اسْتِعْمالَ الحِيلَةِ واجْتَهَدَ فِيهِ فَهو مَصْدَرٌ كالقِتالِ وقِيلَ: هو اسْمُ لا مَصْدَرٌ مِنَ المَحْلِ بِمَعْنى القُوَّةِ وحُمِلَ عَلى ذَلِكَ قَوْلُ الأعْشى: . ؎فَرْعُ نَبْلٍ يَهْتَزُّ في غُصْنِ المَجْـ ∗∗∗ دِ عَظِيمُ النَّدى شَدِيدُ المِحالِ وقَوْلُ عَبْدِ المُطَّلِبِ: . ؎لا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهم ∗∗∗ ومِحالُهم عَدُوًّا مِحالَكَ. وكَأنَّ أصْلَهُ مِنَ المَحْلِ بِمَعْنى القَحْطِ وكِلا التَّفْسِيرَيْنِ مُرْوِيٌّ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ وقِيلَ: هو مِفْعَلٌ لا فِعالٌ مِنَ الحَوْلِ بِمَعْنى القُوَّةِ وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ هو كَذَلِكَ مِنَ الحِيلَةِ المَعْرُوفَةِ ومِيمُهُ زائِدَةٌ كَمِيمِ مَكانٍ وغَلَّطَهُ الأزْهَرِيُّ بِأنَّهُ لَوْ كانَ مِفْعَلًا لَكانَ كَمِرْوَدٍ ومِحْوَرٍ واعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِأنَّهُ أُعِلَّ عَلى غَيْرِ قِياسٍ وأيَّدَ دَعْوى الزِّيادَةِ بِقِراءَةِ الضَّحّاكِ والأعْرَجِ ( المَحالِ ) بِفَتْحِ المِيمِ (p-123)عَلى أنَّهُ مَفْعَلٌ مِن حالَ يَحُولُ إذا احْتالَ لِأنَّ الأصْلَ تَوافُقُ القِراءَتَيْنِ ويُقالُ لِلْحِيلَةِ أيْضًا المَحالَةُ ومِنهُ المَثَلُ المَرْءُ يَعْجِزُ لا المَحالَةُ وقالَ أبُو زَيْدٍ: هو بِمَعْنى النِّقْمَةِ وكَأنَّهُ أخَذَهُ مِنَ المَحْلِ بِمَعْنى القَحْطِ أيْضًا وقالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هو الجِدالُ يُقالُ: ماحَلَ عَنْ أمْرِهِ أيْ جادَلَ وقِيلَ: هو بِمَعْنى الحِقْدِ ورُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وحَمَلُوهُ عَلى التَّجَوُّزِ. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ( المَحالُ ) بِالفَتْحِ بِمَعْنى الفَقارِ وهو عَمُودُ الظَّهْرِ وقِوامُهُ قالَ في الأساسِ: يُقالُ فَرَسٌ قَوِيُّ المَحالِ أيِ الفَقارِ الواحِدَةُ مَحالَةٌ والمِيمُ أصْلِيَّةٌ ويَكُونُ ذَلِكَ مَثَلًا في القُوَّةِ والقُدْرَةِ كَما جاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ «فَساعِدُ اللَّهِ تَعالى أسَدُّ ومُوساهُ أحَدُّ» لِأنَّ الشَّخْصَ إذا اشْتَدَّ مَحالُهُ كانَ مَنعُوتًا بِشِدَّةِ القُوَّةِ والِاضْطِلاعِ بِما يَعْجَزُ عَنْهُ غَيْرُهُ ألا تَرى إلى قَوْلِهِمْ: فَقَرَتْهُ الفَواقِرُ وهو مَثَلٌ لِتَوْهِينِ القُوى وبِهَذا الحَمْلِ لا يَلْزَمُ إثْباتُ الجِسْمِيَّةِ لَهُ تَعالى والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الِاسْمِ الجَلِيلِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب