الباحث القرآني
﴿يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا﴾ أيْ فَتَعَرَّفُوا وهو تَفَعَّلَ مِنَ الحِسِّ وهو في الأصْلِ الإدْراكُ بِالحاسَّةِ وكَذا أصْلُ التَّحَسُّسِ طَلَبُ الإحْساسِ واسْتِعْمالُهُ في التَّعَرُّفِ اسْتِعْمالٌ لَهُ في لازِمِ مَعْناهُ وقَرِيبٌ مِنهُ التَّجَسُّسُ بِالجِيمِ وقِيلَ: إنَّهُ بِهِ في الشَّرِّ وبِالحاءِ في الخَيْرِ ورُدَّ بِأنَّهُ قُرِئَ هُنا ( فَتَجَسَّسُوا ) بِالجِيمِ أيْضًا وقالَ الرّاغِبُ: أصْلُ الجَسِّ مَسُّ العِرْقِ وتَعَرُّفُ نَبْضِهِ لِلْحُكْمِ بِهِ عَلى الصِّحَّةِ والمَرَضِ وهو أخَصُّ مِنَ الحِسِّ فَإنَّهُ تَعَرُّفُ ما يُدْرِكُهُ الحِسُّ والجَسُّ تَعَرُّفُ حالِ ما مِن ذَلِكَ مِن يُوسُفَ وأخِيهِ أيْ مِن خَبَرِهِما ولَمْ يُذْكَرِ الثّالِثُ لِأنَّ غَيْبَتَهُ اخْتِيارِيَّةٌ لا يَعْسُرُ إزالَتُها وعَلى فَرْضِ ذَلِكَ الدّاعِيَةِ فِيهِمْ لِلتَّحَسُّسِ مِنهُ لِكَوْنِهِ أخاهم قَوِيَّةً فَلا حاجَةَ لِأمْرِهِمْ بِذَلِكَ والجارُّ مُتَعَلِّقٌ بِما عِنْدَهُ وهو بِمَعْنى عَنْ بِناءٍ عَلى ما نُقِلَ عَنِ ابْنِ الأنْبارِيِّ أنَّهُ لا يُقالُ: تَحَسَّسْتُ مِن فُلانٍ وإنَّما يُقالُ: تَحَسَّسْتُ عَنْهُ وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ عَلى مَعْنى تَحَسُّوا خَبَرًا مِن أخْبارِ يُوسُفَ وأخِيهِ.
﴿ولا تَيْأسُوا مِن رَوْحِ اللَّهِ﴾ أيْ لا تَقْنَطُوا مِن فَرَجِهِ سُبْحانَهُ وتَنْفِيسِهِ وأصْلُ مَعْنى الرَّوْحِ بِالفَتْحِ كَما قالَ الرّاغِبُ التَّنَفُّسُ يُقالُ: أراحَ الإنْسانُ إذا تَنَفَّسَ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلْفَرَجِ كَما قِيلَ: لَهُ تَنْفِيسٌ مِنَ النَّفَسِ.
وقَرَأ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ والحَسَنُ وقَتادَةُ ( رُوحِ ) بِالضَّمِّ وفُسِّرَ بِالرَّحْمَةِ عَلى أنَّهُ اسْتِعارَةٌ مِن مَعْناها المَعْرُوفِ لِأنَّ الرَّحْمَةَ سَبَبُ الحَياةِ كالرُّوحِ وإضافَتُها إلى اللَّهِ تَعالى لِأنَّها مِنهُ سُبْحانَهُ وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ كَأنَّ مَعْنى هَذِهِ القِراءَةِ لا تَيْأسُوا مِن حَيٍّ مَعَهُ رُوحُ اللَّهِ الَّذِي وهَبَهُ فَإنَّ كُلَّ مَن بَقِيَتْ رُوحُهُ يُرْجى ومِن هَذا قَوْلُهُ:
وفِي غَيْرِ مَن قَدْ وارَتِ الأرْضُ فاطْمَعْ
وقَوْلُ عُبَيْدِ بْنِ الأبْرَصِ:
؎وكُلُّ ذِي غَيْبَةٍ يَؤُوبُ وغائِبُ المَوْتِ لا يَؤُوبُ
وقَرَأ أُبَيٌّ ( مِن رَحْمَةِ اللَّهِ ) وعَبْدُ اللَّهِ ( مِن فَضْلِ اللَّهِ ) وكِلاهُما عِنْدَ أبِي حَيّانَ تَفْسِيرٌ لا قِراءَةٌ وقُرِئَ ( تَأْيَسُوا ) وقَرَأ الأعْرَجُ ( تِيئَسُوا ) بِكَسْرِ التّاءِ والأمْرُ والنَّهْيُ عَلى ما قِيلَ إرْشادٌ لَهم إلى بَعْضِ ما أُبْهِمَ في قَوْلِهِ: ﴿وأعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ ثُمَّ إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ حَذَّرَهم عَنْ تَرْكِ العَمَلِ بِمُوجِبِ نَهْيِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ﴾ أيِ الشَّأْنُ ﴿لا يَيْأسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إلا القَوْمُ الكافِرُونَ﴾ . (87) . لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِاللَّهِ تَعالى وصِفاتِهِ فَإنَّ العارِفَ لا يَقْنَطُ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ أوْ تَأْكِيدًا لِما يَعْلَمُونَهُ مِن ذَلِكَ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّ المُؤْمِنَ مِنَ اللَّهِ تَعالى عَلى خَيْرٍ يَرْجُوهُ (p-45)فِي البَلاءِ ويَحْمَدُهُ في الرَّخاءِ.
وذَكَرَ الإمامُ أنَّ اليَأْسَ لا يَحْصُلُ إلّا إذا اعْتَقَدَ الإنْسانُ أنَّ الإلَهَ غَيْرُ قادِرٍ عَلى الكَمالِ أوْ غَيْرُ عالِمٍ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ أوْ لَيَسَ بِكَرِيمٍ واعْتِقادُ كُلٍّ مِن هَذِهِ الثَّلاثِ يُوجِبُ الكُفْرَ فَإذا كانَ اليَأْسُ لا يَحْصُلُ إلّا عِنْدَ حُصُولِ أحَدِها وكُلٌّ مِنها كُفْرٌ ثَبَتَ أنَّ اليَأْسَ لا يَحْصُلُ إلّا لِمَن كانَ كافِرًا واسْتَدَلَّ بَعْضُ أصْحابِنا بِالآيَةِ عَلى أنَّ اليَأْسَ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى كُفْرٌ وادَّعى أنَّها ظاهِرَةٌ في ذَلِكَ.
وقالَ الشِّهابُ: لَيْسَ فِيها دَلِيلٌ عَلى ذَلِكَ بَلْ هو ثابِتٌ بِدَلِيلٍ آخَرَ وجُمْهُورُ الفُقَهاءِ عَلى أنَّ اليَأْسَ كَبِيرَةٌ ومَفادُ الآيَةِ أنَّهُ مِن صِفاتِ الكُفّارِ لا أنَّ مَنِ ارْتَكَبَهُ كانَ كافِرًا بِارْتِكابِهِ وكَوْنُهُ لا يَحْصُلُ إلّا عِنْدَ حُصُولِ أحَدِ المُكَفِّراتِ الَّتِي ذَكَرَها الإمامُ مَعَ كَوْنِهِ في حَيِّزِ المَنعِ لِجَوازِ أنْ يَيْأسَ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى إيّاهُ مَعَ إيمانِهِ بِعُمُومِ قُدْرَتِهِ تَعالى وشُمُولِ عِلْمِهِ وعِظَمِ كَرَمِهِ جَلَّ وعَلا لِمُجَرَّدِ اسْتِعْظامِ ذَنْبِهِ مَثَلًا واعْتِقادِهِ عَدَمَ أهْلِيَّتِهِ لِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى مِن غَيْرِ أنْ يَخْطُرَ لَهُ أدْنى ذَرَّةٍ مِن تِلْكَ الِاعْتِقاداتِ السَّيِّئَةِ المُوجِبَةِ لِلْكُفْرِ لا يَسْتَدْعِي أكْثَرَ مِنَ اقْتِضائِهِ سابِقِيَّةِ الكُفْرِ دُونَ كَوْنِ ارْتِكابِهِ نَفْسِهِ كُفْرًا كَذا قِيلَ وقِيلَ: الأوْلى التِزامُ القَوْلِ بِأنَّ اليَأْسَ قَدْ يُجامِعُ الإيمانَ وأنَّ القَوْلَ بِأنَّهُ لا يَحْصُلُ إلّا بِأحَدِ الِاعْتِقاداتِ المَذْكُورَةِ غَيْرُ بَيِّنٍ ولا مُبَيِّنٍ.
نَعَمْ كَوْنُهُ كَبِيرَةً مِمّا لا شَكَّ فِيهِ بَلْ جاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ أكْبَرُ الكَبائِرِ وكَذا القُنُوطُ وسُوءُ الظَّنِّ وفَرَّقُوا بَيْنَها بِأنَّ اليَأْسَ عَدَمُ أمَلِ وُقُوعِ شَيْءٍ مِن أنْواعِ الرَّحْمَةِ لَهُ والقُنُوطُ هو ذاكَ مَعَ انْضِمامِ حالَةٍ هي أشَدُّ مِنهُ في التَّصْمِيمِ عَلى عَدَمِ الوُقُوعِ وسُوءُ الظَّنِّ هو ذاكَ مَعَ انْضِمامِ أنَّهُ مَعَ عَدَمِ رَحْمَتِهِ لَهُ يُشَدَّدُ لَهُ العَذابُ كالكُفّارِ وذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ في بَعْضِ رَسائِلِهِ ما بِهِ يَرْجِعُ الخِلافُ بَيْنَ مَن قالَ: إنَّ اليَأْسَ كُفْرٌ ومَن قالَ: إنَّهُ كَبِيرَةٌ لَفْظِيًّا فَقالَ: قَدْ ذَكَرَ الفُقَهاءُ مِنَ الكَبائِرِ الأمْنُ مِن مَكْرِ اللَّهِ تَعالى واليَأْسُ مِن رَحْمَتِهِ وفي العَقائِدِ واليَأْسُ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى كُفْرٌ فَيَحْتاجُ إلى التَّوْفِيقِ والجَوابُ أنَّ المُرادَ بِاليَأْسِ إنْكارُ سِعَةِ الرَّحْمَةِ لِلذُّنُوبِ ومِنَ الأمْنِ الِاعْتِقادُ أنْ لا مَكْرَ ومُرادُ الفُقَهاءِ مِنَ اليَأْسِ اليَأْسُ لِاسْتِعْظامِ ذُنُوبِهِ واسْتِبْعادُ العَفْوِ عَنْها ومِنَ الأمْنِ الأمْنُ لِغَلَبَةِ الرَّجاءِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ دَخَلَ في حَدِّ الأمْنِ ثُمَّ قالَ والأوْفَقُ بِالسُّنَّةِ طَرِيقُ الفُقَهاءِ لِحَدِيثِ الدّارَقُطْنِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مَرْفُوعًا حَيْثُ عَدَّها مِنَ الكَبائِرِ وعَطَفَها عَلى الإشْراكِ بِاللَّهِ تَعالى. اهَـ. وهو تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ فَلْيُفْهَمْ
{"ayah":"یَـٰبَنِیَّ ٱذۡهَبُوا۟ فَتَحَسَّسُوا۟ مِن یُوسُفَ وَأَخِیهِ وَلَا تَا۟یۡـَٔسُوا۟ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا یَا۟یۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











