الباحث القرآني
﴿قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ﴾ بَعْدَ أنْ عايَنْتُ مِنكم ما أجْرى المَدامِعَ ﴿حَتّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ﴾ أيْ حَتّى تُعْطُونِي ما أتَوَثَّقُ بِهِ مِن جِهَتِهِ فالمَوْثِقُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنى المَفْعُولِ وأرادَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يَحْلِفُوا لَهُ بِاللَّهِ تَعالى وإنَّما جَعَلَ الحَلِفَ بِهِ سُبْحانَهُ مَوْثِقًا مِنهُ لِأنَّهُ مِمّا تُؤَكَّدُ العُهُودُ بِهِ وتُشَدَّدُ وقَدْ أذِنَ اللَّهُ تَعالى بِذَلِكَ فَهو إذْنٌ مِنهُ تَعالى شَأْنُهُ ﴿لَتَأْتُنَّنِي بِهِ﴾ جَوابُ قَسَمٍ مُضْمَرٍ إذِ المَعْنى حَتّى تَحْلِفُوا بِاللَّهِ وتَقُولُوا واللَّهِ لَنَأْتِيَنَّكَ بِهِ.
وفِي مَجْمَعِ البَيانِ نَقْلًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ طَلَبَ مِنهم أنْ يَحْلِفُوا بِمُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وسَيِّدِ المُرْسَلِينَ والظّاهِرُ عَدَمُ صِحَّةِ الخَبَرِ وذَكَرَ العِمادِيُّ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ لَهم: قُولُوا بِاللَّهِ رَبِّ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَنَأْتِيَنَّكَ بِهِ ﴿إلا أنْ يُحاطَ بِكُمْ﴾ أيْ إلّا أنْ تُغْلَبُوا فَلا تُطِيقُوا ذَلِكَ أوْ إلّا أنْ تَهْلَكُوا جَمِيعًا وكِلاهُما مَرْوِيٌّ عَنْ مُجاهِدٍ وأصْلُهُ مِن إحاطَةِ العَدُوِّ واسْتِعْمالُهُ في الهَلاكِ لِأنَّ مَن أحاطَ بِهِ العَدُوُّ فَقَدْ هَلَكَ غالِبًا والِاسْتِثْناءُ قِيلَ مُفَرَّغٌ مِن أعَمِّ الأحْوالِ والتَّقْدِيرُ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ عَلى كُلِّ حالٍ إلّا حالَ الإحاطَةِ بِكم ورُدَّ بِأنَّ المَصْدَرَ مِن ( أنْ ) والفِعْلِ لا يَقَعُ مَوْقِعَ الحالِ كالمَصْدَرِ الصَّرِيحِ فَيَجُوزُ جِئْتُكَ رَكْضًا أيْ راكِضًا دُونَ جِئْتُكَ أنْ تَرْكُضَ وإنْ كانَ في تَأْوِيلِهِ لِما أنَّ الحالَ عِنْدَهم نَكِرَةٌ و( أنْ ) مَعَ ما في حَيِّزِها مَعْرِفَةٌ في رُتْبَةِ الضَّمِيرِ وأُجِيبَ بِأنَّهُ لَيْسَ المُرادُ بِالحالِ الحالَ المُصْطَلَحَ عَلَيْها بَلِ الحالُ اللُّغَوِيَّةُ ويَؤُولُ ذَلِكَ إلى نَصْبِ المَصْدَرِ المُؤَوَّلِ عَلى الظَّرْفِيَّةِ وفِيهِ نَظَرٌ وفي البَحْرِ أنَّهُ لَوْ قُدِّرَ كَوْنُ أنْ والفِعْلِ في مَوْقِعِ المَصْدَرِ الواقِعِ ظَرْفَ زَمانٍ أيْ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ في كُلِّ وقْتٍ إلّا إحاطَةً بِكم أيْ إلّا وقْتَ إحاطَةٍ بِكم لَمْ يَجُزْ عِنْدَ ابْنِ الأنْبارِيِّ لِأنَّهُ يَمْنَعُ وُقُوعَ المَصْدَرِ المُؤَوَّلِ ظَرْفًا ويَشْتَرِطُ المَصْدَرَ الصَّرِيحَ فَيَجُوزُ خَرَجْنا صِياحَ الدِّيكِ دُونَ خَرَجْنا أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ أوْ ما يَصِيحُ الدِّيكُ وجازَ عِنْدَ ابْنِ جِنِّيٍّ المُجَوِّزِ لِذاكَ كَما في قَوْلِ أبِي ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيِّ:
وتاللَّهِ ما إنَّ شَهْلَةَ أُمَّ واحِدٍ بِأوْجَدَ مِنِّي أنْ يُهانَ صَغِيرُها
وقِيلَ: مِن أعَمِّ العِلَلِ عَلى تَأْوِيلِ الكَلامِ بِالنَّفْيِ الَّذِي يَنْساقُ إلَيْهِ أيْ لَتَأْتُنَّنِي ولا تَمْتَنِعُنَّ مِنَ الإتْيانِ بِهِ إلّا الإحاطَةَ بِكم كَقَوْلِهِمْ: أقْسَمْتُ عَلَيْكَ إلّا فَعَلْتَ أيْ ما أطْلُبُ إلّا فِعْلَكَ والظّاهِرُ اعْتِبارُ التَّأْوِيلِ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ أيْضًا فَإنَّ الِاسْتِثْناءَ فِيهِ مُفَرَّغٌ كَما عَلِمْتَ وهو لا يَكُونُ في الإثْباتِ إلّا إذا كانَ صَحَّ وظَهَرَ إرادَةُ العُمُومِ فِيهِ نَحْوَ قَرَأْتُ إلّا يَوْمَ الجُمُعَةِ لِإمْكانِ القِراءَةِ في كُلِّ يَوْمٍ غَيْرَ الجُمُعَةِ وهُنا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأنَّهُ لا يُمْكِنُ لِإخْوَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يَأْتُوا بِأخِيهِمْ في كُلِّ وقْتٍ وعَلى كُلِّ حالٍ سِوى وقْتِ الإحاطَةِ بِهِمْ لِظُهُورِ أنَّهم لا يَأْتُونَ بِهِ لَهُ وهو في الطَّرِيقِ أوْ في مِصْرَ اللَّهُمَّ إلّا أنْ يُقالَ: إنَّهُ مِن ذَلِكَ القَبِيلِ وأنَّ العُمُومَ والِاسْتِغْراقَ فِيهِ عُرْفِيٌّ أيْ في كُلِّ حالٍ يُتَصَوَّرُ الإتْيانُ فِيها وتَعَقَّبَ المَوْلى أبُو السُّعُودِ تَجْوِيزَ الأوَّلِ بِلا تَأْوِيلٍ بِقَوْلِهِ: وأنْتَ تَدْرِي أنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنِ الإتْيانُ مِنَ الأفْعالِ المُمْتَدَّةِ الشّامِلَةِ لِلْأحْوالِ عَلى سَبِيلِ المَعِيَّةِ كَما في قَوْلِكَ: لَألْزَمَنَّكَ إلّا أنْ تَقْضِيَنِي حَقِّي ولَمْ يَكُنْ مُرادُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُقارَنَتَهُ عَلى سَبِيلِ البَدَلِ لِما عَدا الحالَ المُسْتَثْناةَ كَما إذا قُلْتَ: صِلْ إلّا أنْ تَكُونَ مُحَدِّثًا (p-15)بَلْ مُجَرَّدَ تَحَقُّقِهِ ووُقُوعِهِ مِن غَيْرِ إخْلالٍ بِهِ كَما في قَوْلِكَ: لَأحُجَّنَّ العامَ إلّا أنْ أُحْصَرَ فَإنَّ مُرادَكَ إنَّما هو الإخْبارُ بِعَدَمِ مَنعِ ما سِوى حالِ الإحْصارِ عَنِ الحَجِّ لا الإخْبارُ بِمُقارَنَتِهِ لِتِلْكَ الأحْوالِ عَلى سَبِيلِ البَدَلِ كَما هو مُرادُكَ في مِثالِ الصَّلاةِ كانَ اعْتِبارُ الأحْوالِ مَعَهُ مِن حَيْثُ عَدَمِ مَنعِها مِنهُ فَآلَ المَعْنى إلى التَّأْوِيلِ المَذْكُورِ. اهَـ.
وبَحَثَ فِيهِ واحِدٌ مِنَ الفُضَلاءِ بِثَلاثَةِ أوْجُهٍ الأوَّلُ أنَّهُ لَوْ كانَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ الإخْبارُ بِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ الإتْيانِ ووُقُوعِهِ مِن غَيْرِ إخْلالٍ بِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلى التَّأْوِيلِ المَذْكُورِ أعْنِي التَّأْوِيلَ بِالنَّفْيِ كَما لا يَخْفى عَلى المُتَأمِّلِ فَكَلامُهُ يُفِيدُ خِلافَ مُرادِهِ الثّانِي أنّا سَلَّمْنا أنْ لَيْسَ مُرادُ القائِلِ مِن قَوْلِهِ: لَأحُجَّنَّ .. إلَخِ الإخْبارَ بِمُقارَنَةِ الحَجِّ لِما عَدا حالِ الإحْصارِ عَلى سَبِيلِ البَدَلِ لَكِنْ لا نُسَلِّمُ أنْ لَيْسَ مُرادُهُ مِنهُ إلّا الإخْبارَ بِعَدَمِ مَنعِ ما سِوى حالِ الإحْصارِ عَنْهُ غايَتُهُ أنَّ بَيْنَهُما مُلازِمَةً وذاكَ لا يَسْتَلْزِمُ الِاحْتِياجَ إلى التَّأْوِيلِ بِالنَّفْيِ الثّالِثُ أنَّهُ إنْ أرادَ مِن قَوْلِهِ: كانَ اعْتِبارُ الأحْوالِ .. إلَخْ أنَّ الإتْيانَ بِهِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ اعْتِبارُ الأحْوالِ كَما هو الظّاهِرُ فَمَمْنُوعٌ وإنْ أرادَ أنَّ اعْتِبارَ الأحْوالِ مَعَهُ يَسْتَلْزِمُ حَيْثِيَّةَ عَدَمِ مَنعِها مِنهُ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ لا يَلْزَمُ مِنهُ الِاحْتِياجُ إلى التَّأْوِيلِ المَذْكُورِ أيْضًا ولَيْسَ المُدَّعى إلّا ذاكَ. اهَـ. وهو كَما تَرى فَتَبَصَّرْ ثُمَّ إنَّهم أجابُوهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى ما أرادَ ﴿فَلَمّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ﴾ عَهْدَهم مِنَ اللَّهِ تَعالى حَسْبَما أرادَ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿قالَ﴾ عَرْضًا لِثِقَتِهِ بِاللَّهِ تَعالى وحَثًّا لَهم عَلى مُراعاةِ حَلِفِهِمْ بِهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ﴾ في أثْناءِ طَلَبِ المَوْثِقِ وإيتائِهِ مِنَ الجانِبَيْنِ وإيثارِ صِيغَةِ الِاسْتِقْبالِ لِاسْتِحْضارِ الصُّورَةِ المُؤَدِّي إلى تَثَبُّتِهِمْ ومُحافَظَتِهِمْ عَلى تَذَكُّرِهِ ومُراقَبَتِهِ ﴿وكِيلٌ﴾ . (66) . أيْ مُطَّلِعٌ رَقِيبٌ فَإنَّ المُوَكَّلَ بِالأمْرِ يُراقِبُهُ ويَحْفَظُهُ قِيلَ: والمُرادُ أنَّهُ سُبْحانَهُ مُجازٍ عَلى ذَلِكَ.
{"ayah":"قَالَ لَنۡ أُرۡسِلَهُۥ مَعَكُمۡ حَتَّىٰ تُؤۡتُونِ مَوۡثِقࣰا مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأۡتُنَّنِی بِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن یُحَاطَ بِكُمۡۖ فَلَمَّاۤ ءَاتَوۡهُ مَوۡثِقَهُمۡ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِیلࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











