الباحث القرآني

﴿وقالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أسْتَخْلِصْهُ﴾ أجْعَلْهُ خالِصًا لِنَفْسِي وخاصًّا بِي ﴿فَلَمّا كَلَّمَهُ﴾ في الكَلامِ إيجازٌ أيْ فَأتَوْا بِهِ فَلَمّا .. إلَخْ وحُذِفَ ذَلِكَ لِلْإيذانِ بِسُرْعَةِ الإتْيانِ فَكَأنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وبَيْنَ الأمْرِ بِإحْضارِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ والخِطابُ مَعَهُ زَمانٌ أصْلًا ولَمْ يَكُنْ حاضِرًا مَعَ النِّسْوَةِ في المَجْلِسِ كَما زَعَمَهُ بَعْضٌ وجَعَلَ المُرادَ مِن هَذا الأمْرِ قَرِّبُوهُ إلَيَّ والضَّمِيرُ المُسْتَكِنُ في ( كَلَّمَهَ ) لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ والبارِزُ لِلْمَلِكِ أيْ فَلَمّا كَلَّمَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ المَلِكَ إثْرَ ما أتاهُ فاسْتَنْطَقَهُ ورَأى حُسْنَ مَنطِقِهِ بِما صَدَّقَ الخَبَرُ الخَبَرَ واسْتَظْهَرَ في البَحْرِ كَوْنَ الضَّمِيرِ الأوَّلِ لِلْمَلِكِ والثّانِي لِيُوسُفَ أيْ فَلَمّا كَلَّمَهُ المَلِكُ ورَأى حُسْنَ جَوابِهِ ومُحاوَرَتِهِ ﴿قالَ إنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ﴾ ذُو مَكانَةٍ ومَنزِلَةٍ رَفِيعَةٍ ﴿أمِينٌ﴾ . (54) . مُؤْتَمَنٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وقِيلَ: آمِنٌ مِن كُلِّ مَكْرُوهٍ والوَصْفُ بِالأمانَةِ هو الأبْلَغُ في الإكْرامِ و﴿اليَوْمَ﴾ لَيْسَ بِمِعْيارٍ لِلْمَكانَةِ والأمانَةِ بَلْ هو آنُ التَّكَلُّمِ والمُرادُ تَحْدِيدُ مَبْدَئِهِما احْتِرازًا عَنْ كَوْنِهِما بَعْدَ حِينٍ وفي اخْتِيارِ لَدَيَّ عَلى عِنْدَ ما لا يَخْفى مِنَ الِاعْتِناءِ بِشَأْنِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ وكَذا في اسْمِيَّةِ الجُمْلَةِ وتَأْكِيدِها رُوِيَ أنَّ الرَّسُولَ جاءَهُ فَقالَ لَهُ: أجِبِ المَلِكَ الآنَ بِلا مُعاوَدَةٍ وألْقِ عَنْكَ ثِيابَ السِّجْنِ واغْتَسِلْ والبَسْ ثِيابًا جُدُدًا فَفَعَلَ فَلَمّا قامَ لِيَخْرُجَ دَعا لِأهْلِ السِّجْنِ اللَّهُمَّ عَطِّفْ عَلَيْهِمْ قُلُوبَ الأخْيارِ ولا تُعَمِّ عَلَيْهِمُ الأخْبارَ فَهم أعْلَمُ النّاسِ بِالأخْبارِ في كُلِّ بَلَدٍ ثُمَّ خَرَجَ فَكُتِبَ عَلى البابِ هَذِهِ مَنازِلُ البَلْوى وقُبُورُ الأحْياءِ وشَماتَةُ الأعْداءِ وتَجْرِبَةُ الأصْدِقاءِ فَلَمّا وصَلَ إلى بابِ المَلِكِ قالَ: حَسْبِي رَبِّي مِن دُنْيايَ وحَسْبِي رَبِّي مِن خَلْقِهِ عَزَّ جارُكَ وجَلَّ ثَناؤُكَ ولا إلَهَ غَيْرُكَ فَلَمّا دَخَلَ عَلى المَلِكِ قالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بِخَيْرِكَ مِن خَيْرِهِ وأعُوذُ بِكَ مِن شَرِّهِ وشَرِّ غَيْرِهِ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ بِالعَرَبِيَّةِ فَقالَ لَهُ المَلِكُ: ما هَذا اللِّسانُ فَقالَ: لِسانُ عَمِّي إسْماعِيلَ ثُمَّ دَعا لَهُ بِالعِبْرانِيَّةِ فَقالَ لَهُ: وما هَذا اللِّسانُ أيْضًا فَقالَ: هَذا لِسانُ آبائِي وكانَ المَلِكُ يَعْرِفُ سَبْعِينَ لِسانًا فَكَلَّمَهُ بِها فَأجابَهُ بِجَمِيعِها فَتَعَجَّبَ مِنهُ وقالَ: أيُّها الصِّدِّيقُ إنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَ رُؤْيايَ مِنكَ فَحَكاها عَلَيْهِ السَّلامُ لَهُ طِبْقَ ما رَأى لَمْ يَخْرِمْ مِنها حَرْفًا فَقالَ المَلِكُ: أعْجَبُ مِن تَأْوِيلِكَ إيّاها مَعْرِفَتُكَ لَها فَأجْلَسَهُ مَعَهُ عَلى السَّرِيرِ وفَوَّضَ إلَيْهِ أمْرَهُ وقِيلَ: إنَّهُ أجْلَسَهُ قَبْلَ أنْ يَقُصَّ الرُّؤْيا وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ إسْحاقَ قالَ: ذَكَرُوا أنَّ قِطْفِيرَ هَلَكَ في تِلْكَ اللَّيالِي وأنَّ المَلِكَ زَوَّجَ يُوسُفَ امْرَأتَهُ راعِيلَ فَقالَ لَها حِينَ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ: ألَيْسَ هَذا خَيْرًا مِمّا كُنْتِ تُرِيدِينَ فَقالَتْ: أيُّها الصِّدِّيقُ لا تَلُمْنِي فَإنِّي كُنْتُ امْرَأةً (p-5)كَما تَرى حَسْناءَ جَمْلاءَ ناعِمَةً في مُلْكٍ ودُنْيا وكانَ صاحِبِي لا يَأْتِي النِّساءَ وكُنْتَ كَما جَعَلَكَ اللَّهُ تَعالى في حُسْنِكَ وهَيْئَتِكَ فَغَلَبَتْنِي نَفْسِي عَلى ما رَأيْتَ فَيَزْعُمُونَ أنَّهُ وجَدَها عَذْراءَ فَأصابَها فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلَيْنِ أفْراثِيمَ ومِيشا. أخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ وهْبٍ قالَ: أصابَتِ امْرَأةُ العَزِيزِ حاجَةً فَقِيلَ لَها: لَوْ أتَيْتِ يُوسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ فَسَأْلَتِيهِ فاسْتَشارَتِ النّاسَ في ذَلِكَ فَقالُوا: لا تَفْعَلِي فَإنّا نَخافُهُ عَلَيْكِ قالَتْ: كَلّا إنِّي لا أخافُ مِمَّنْ يَخافُ اللَّهَ تَعالى فَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فَرَأتْهُ في مُلْكِهِ فَقالَتِ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ العَبِيدَ مُلُوكًا بِطاعَتِهِ ثُمَّ نَظَرَتْ إلى نَفْسِها فَقالَتِ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ المُلُوكَ عَبِيدًا بِمَعْصِيَتِهِ فَقَضى لَها جَمِيعَ حَوائِجِها ثُمَّ تَزَوَّجَها بِكْرًا، الخَبَرَ. وفِي رِوايَةٍ أنَّها تَعَرَّضَتْ لَهُ في الطَّرِيقِ فَقالَتْ ما قالَتْ فَعَرَفَها فَتَزَوَّجَها فَوَجَدَها بِكْرًا وكانَ زَوْجُها عِنِّينًا وشاعَ عِنْدَ القَصّاصِ أنَّها عادَتْ شابَّةً بِكْرًا إكْرامًا لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ ما كانَتْ ثَيِّبًا غَيْرَ شابَّةٍ وهَذا مِمّا لا أصْلَ لَهُ وخَبَرُ تَزَوُّجِها أيْضًا مِمّا لا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ المُحَدِّثِينَ وعَلى فَرْضِ ثُبُوتِ التَّزْوِيجِ فَظاهِرُ خَبَرِ الحَكِيمِ أنَّهُ إنَّما كانَ بَعْدَ تَعْيِينِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِما عُيِّنَ لَهُ مِن أمْرِ الخَزائِنِ قِيلَ: ويُعْرِبُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب