الباحث القرآني
﴿قالَ يا بُنَيَّ﴾ صَغَّرَهُ لِلشَّفَقَةِ ويُسَمِّي النُّحاةُ مِثْلَ هَذا تَصْغِيرَ التَّحْبِيبِ، وما ألْطَفَ قَوْلَ بَعْضِ المُتَأخِّرِينَ: (p-181)قَدْ صَغَّرَ الجَوْهَرَ في ثَغْرِهِ لَكِنَّهُ تَصْغِيرُ تَحْبِيبٍ
ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِذَلِكَ ولِصِغَرِ السِّنِّ، وفَتْحِ الياءِ قِراءَةُ حَفْصٍ، وقَرَأ الباقُونَ بِكَسْرِها، والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالٍ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا قالَ الأبُ بَعْدَ سَماعِ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ العَجِيبَةِ مِنِ ابْنِهِ؟ فَقِيلَ: قالَ: ﴿يا بُنَيَّ) لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾ أيْ فَيَحْتالُوا لِإهْلاكِكَ حِيلَةً عَظِيمَةً لا تَقْدِرُ عَلى التَّفَصِّي عَنْها أوْ خُفْيَةً لا تَتَصَدّى لِمُدافَعَتِها، وإنَّما قالَ لَهُ ذَلِكَ لِما أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَرَفَ مِن رُؤْياهُ أنْ سَيُبَلِّغُهُ اللَّهُ تَعالى مَبْلَغًا جَلِيلًا مِنَ الحِكْمَةِ ويَصْطَفِيهِ لِلنُّبُوَّةِ ويُنْعِمُ عَلَيْهِ بِشَرَفِ الدّارَيْنِ فَخافَ عَلَيْهِ حَسَدَ الأُخُوَةِ وبَغْيِهِمْ، فَقالَ لَهُ ذَلِكَ صِيانَةً لَهم مِنَ الوُقُوعِ فِيما لا يَنْبَغِي في حَقِّهِ ولَهُ مِن مُعاناةِ المَشاقِّ ومُقاساةِ الأحْزانِ، وإنْ كانَ واثِقًا بِأنَّهم لا يَقْدِرُونَ عَلى تَحْوِيلِ ما دَلَّتْ عَلَيْهِ الرُّؤْيا وأنَّهُ سُبْحانَهُ سَيُحَقِّقُ ذَلِكَ لا مَحالَةَ، وطَمَعًا في حُصُولِهِ بِلا مَشَقَّةٍ ولَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الغَيْبَةِ المَحْظُورَةِ في شَيْءٍ، والرُّؤْيا -مَصْدَرُ رَأى- الحُلْمِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى ما يَقَعُ في النَّوْمِ سَواءٌ كانَ مَرْئِيًّا أمْ لا عَلى ما هو المَشْهُورُ، والرُّؤْيَةُ -مَصْدَرُ رَأى- البَصَرِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى إدْراكٍ مَخْصُوصٍ، وفُرِّقَ بَيْنَ مَصْدَرِ المَعْنَيَيْنِ بِالتَّأُنِيثَيْنِ، ونَظِيرُ ذَلِكَ القُرْبَةُ لِلتَّقَرُّبِ المَعْنَوِيِّ بِعِبادَةٍ ونَحْوِها، والقُرْبى لِلتَّقَرُّبِ النِّسْبِيِّ وحَقِيقَتُها عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ، كَما قالَ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ نَقْلًا عَنِ المازِنِيِّ: إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ يَخْلُقُ في قَلْبِ النّائِمِ اعْتِقاداتٍ كَما يَخْلُقُها في قَلْبِ اليَقِظانِ وهو سُبْحانُهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ لا يَمْنَعُهُ نَوْمٌ ولا يَقَظَةٌ، وقَدْ جَعَلَ سُبْحانَهُ تِلْكَ الِاعْتِقاداتِ عِلْمًا عَلى أُمُورٍ أُخَرَ يَخْلُقُها في ثانِي الحالِ، ثُمَّ إنَّ ما يَكُونُ عِلْمًا عَلى ما يَسُرُّ يَخْلُقُهُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الشَّيْطانِ، وما يَكُونُ عِلْمًا عَلى ما يَضُرُّ يَخْلُقُهُ بِحَضْرَتِهِ، ويُسَمّى الأوَّلُ رُؤْيا وتُضافُ إلَيْهِ تَعالى إضافَةَ تَشْرِيفٍ، والثّانِي حُلْمًا تُضافُ إلى الشَّيْطانِ كَما هو الشّائِعُ مِن إضافَةِ الشَّيْءِ المَكْرُوهِ إلَيْهِ، وإنْ كانَ الكُلُّ مِنهُ تَعالى، وعَلى ذَلِكَ جاءَ قَوْلُهُ ﷺ: «”الرُّؤْيا مِنَ اللَّهِ تَعالى والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ“،» وفي الصَّحِيحِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «”إذا رَأى أحَدُكُمُ الرُّؤْيا يُحِبُّها فَإنَّها مِنَ اللَّهِ تَعالى فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ تَعالى ولْيُحَدِّثْ بِها، وإذا رَأى غَيْرَ ذَلِكَ مِمّا يَكْرَهُ فَإنَّما هي مِنَ الشَّيْطانِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ تَعالى مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ومِن شَرِّها ولا يَذْكُرْها لِأحَدٍ فَإنَّها لَنْ تَضُرَّهُ“».
وصَحَّ عَنْ جابِرٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: «”إذا رَأى أحَدُكُمُ الرُّؤْيا يَكْرَهُها فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسارِهِ ثَلاثًا ولْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ تَعالى مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ، ولْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كانَ عَلَيْهِ“،» ولا يَبْعُدُ جَعْلُ اللَّهِ تَعالى ما ذُكِرَ سَبَبًا لِلسَّلامَةِ عَنِ المَكْرُوهِ كَما جَعَلَ اللَّهُ الصَّدَقَةَ سَبَبًا لِدَفْعِ البَلاءِ، وإنْ لَمْ نَعْرِفْ وجْهَ مَدْخَلِيَّةِ البَصْقِ عَنِ اليَسارِ والتَّحَوُّلِ عَنِ الجَنْبِ الَّذِي كانَ عَلَيْهِ مَثَلًا في السَّبَبِيَّةِ، وقِيلَ: هي أحادِيثُ المَلَكِ المُوَكَّلِ بِالأرْواحِ إنْ كانَتْ صادِقَةً ووَسْوَسَةُ الشَّيْطانِ والنَّفْسِ إنْ كانَتْ كاذِبَةً، ونُسِبَ هَذا إلى المُحَدِّثِينَ، وقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَ القَوْلَيْنِ بِأنَّ مَقْصُودَ القائِلِ بِأنَّها اعْتِقاداتٌ يَخْلُقُها اللَّهُ تَعالى في قَلْبٍ إلَخْ أنَّها اعْتِقاداتٌ تُخْلَقُ كَذَلِكَ بِواسِطَةِ حَدِيثِ المَلَكِ، أوْ بِواسِطَةِ وسْوَسَةِ الشَّيْطانِ مَثَلًا، والمُسَبِّباتُ في المَشْهُورِ عَنِ الأشاعِرَةِ مَخْلُوقَةٌ لَهُ تَعالى عِنْدَ الأسْبابِ لا بِها فَتَدَبَّرْ.
وقالَ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ المُتَفَلْسِفَةِ هي انْطِباعُ الصُّورَةِ المُنْحَدِرَةِ مِن أُفُقِ المُتَخَيِّلَةِ إلى الحِسِّ المُشْتَرَكِ، والصّادِقَةُ مِنها إنَّما تَكُونُ بِاتِّصالِ النَّفْسِ بِالمَلَكُوتِ لِما بَيْنَهُما مِنَ التَّناسُبِ عِنْدَ فَراغِها مِن تَدْبِيرِ البَدَنِ أدْنى فَراغٍ فَتَتَصَوَّرُ بِما فِيها مِمّا يَلِيقُ بِها مِنَ المَعانِي الحاصِلَةِ هُناكَ، ثُمَّ إنَّ المُتَخَيِّلَةَ تُحاكِيهِ بِصُورَةٍ تُناسِبُها فَتُرْسِلُها إلى الحِسِّ المُشْتَرَكِ فَتَصِيرُ مُشاهَدَةً، ثُمَّ إنْ كانَتْ شَدِيدَةَ المُناسَبَةِ لِذَلِكَ المَعْنى بِحَيْثُ لا يَكُونُ التَّفاوُتُ إلّا بِالكُلِّيَّةِ والجُزْئِيَّةِ اسْتَغْنَتْ عَنِ التَّعْبِيرِ وإلّا احْتاجَتْ إلَيْهِ.
(p-182)وذَكَرَ بَعْضُ أكابِرِ الصُّوفِيَّةِ ما يَقْرُبُ مِن هَذا، وهُوَ: إنَّ الرُّؤْيا مِن أحْكامِ حَضْرَةِ المِثالِ المُقَيَّدِ المُسَمّى بِالخَيالِ وهو قَدْ يَتَأثَّرُ مِنَ العُقُولِ السَّماوِيَّةِ والنُّفُوسِ النّاطِقَةِ المُدْرِكَةِ لِلْمَعانِي الكُلِّيَّةِ والجُزْئِيَّةِ، فَيَظْهَرُ فِيهِ صُوَرٌ مُناسِبَةٌ لِتِلْكَ المَعانِي، وقَدْ يَتَأثَّرُ مِنَ القُوى الوَهْمِيَّةِ المُدْرِكَةِ لِلْمَعانِي الجُزْئِيَّةِ فَقَطْ فَيَظْهَرُ فِيهِ صُورَةٌ تُناسِبُها، وهَذا قَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ سُوءِ مِزاجِ الدِّماغِ، وقَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ تَوَجُّهِ النَّفْسِ بِالقُوَّةِ الوَهْمِيَّةِ إلى إيجادِ صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ كَمَن يَتَخَيَّلُ صُورَةَ مَحْبُوبِهِ الغائِبِ عَنْهُ تَخَيُّلًا قَوِيًّا فَتَظْهَرُ صُورَتُهُ في خَيالِهِ فَيُشاهِدُهُ، وهي أوَّلُ مَبادِي الوَحْيِ الإلَهِيِّ في أهْلِ العِنايَةِ لِأنَّ الوَحْيَ لا يَكُونُ إلّا بِنُزُولِ المَلَكِ، وأوَّلُ نُزُولِهِ في الحَضْرَةِ الخَيالِيَّةِ ثُمَّ الحِسِّيَّةِ، وقَدْ صَحَّ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها أنَّها قالَتْ: «”أوَّلُ ما بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصّادِقَةٌ، فَكانَ لا يَرى رُؤْيا إلّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ“،» والمَرْئِيُّ عَلى ما قالَ بَعْضُهُمْ: سَواءٌ كانَ عَلى صُورَتِهِ الأصْلِيَّةِ أوْ لا قَدْ يَكُونُ بِإرادَةِ المَرْئِيِّ، وقَدْ يَكُونُ بِإرادَةِ الرّائِي، وقَدْ يَكُونُ بِإرادَتِهِما مَعًا، وقَدْ يَكُونُ لا بِإرادَةٍ مِن شَيْءٍ مِنهُما، فالأوَّلُ كَظُهُورِ المَلَكِ عَلى نَبِيٍّ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ في صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ وظُهُورِ الكُمَّلِ مِنَ الأناسِيِّ عَلى بَعْضِ الصّالِحِينَ في صُوَرٍ غَيْرِ صُوَرِهِمْ، والثّانِي كَظُهُورِ رُوحٍ مِنَ الأرْواحِ المَلَكِيَّةِ أوِ الإنْسانِيَّةِ بِاسْتِنْزالِ الكامِلِ إيّاهُ إلى عالَمِهِ لِيَكْشِفَ مَعْنى ما مُخْتَصًّا عِلْمُهُ بِهِ، والثّالِثُ كَظُهُورِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِاسْتِنْزالِهِ إيّاهُ وبَعْثِ الحَقِّ سُبْحانَهُ إيّاهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والرّابِعُ كَرُؤْيَةِ زَيْدٍ مَثَلًا صُورَةَ عَمْرٍو في النَّوْمِ مِن غَيْرِ قَصْدٍ وإرادَةٍ مِنهُما، وكانَتْ رُؤْيا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن هَذا القِسْمِ لِظُهُورِ أنَّها لَوْ كانَتْ بِإرادَةِ الأُخْوَةِ لَعَلِمُوا فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ عَنْ الِاقْتِصاصِ مَعْنًى، ويُشِيرُ إلى أنَّها لَمْ تَكُنْ بِقَصْدِهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: ﴿قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا﴾ .
هَذا والمَنقُولُ عَنِ المُتَكَلِّمِينَ أنَّها خَيالاتٌ باطِلَةٌ وهو مِنَ الغَرابَةِ بِمَكانٍ بَعْدَ شَهادَةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ بِصِحَّتِها، ووَجَّهَ ذَلِكَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ بِأنَّ مُرادَهم أنَّ كَوْنَ ما يَتَخَيَّلُهُ النّائِمُ إدْراكًا بِالبَصَرِ رُؤْيَةً وكَوْنَ ما يَتَخَيَّلُهُ إدْراكًا بِالسَّمْعِ سَمْعًا باطِلٌ فَلا يُنافِي حَقِّيَّةِ ذَلِكَ بِمَعْنى كَوْنِهِ أمارَةً لِبَعْضِ الأشْياءِ كَذَلِكَ الشَّيْءُ نَفْسُهُ أوْ ما يُضاهِيهِ ويُحاكِيهِ، وقَدْ مَرَّ الكَلامُ في ذَلِكَ فَتَيَقَّظَ.
والمَشْهُورُ الَّذِي تَعاضَدَتْ فِيهِ الرِّواياتُ أنَّ الرُّؤْيا الصّادِقَةَ جُزْءٌ مِن سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، ووَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَ جَمْعٍ أنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَقِيَ حَسْبَما أشارَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها سِتَّةَ أشْهُرٍ يَرى الوَحْيَ مَنامًا ثُمَّ جاءَهُ المَلَكُ يَقَظَةً، وسِتَّةُ أشْهُرٍ بِالنِّسْبَةِ إلى ثَلاثٍ وعِشْرِينَ سَنَةً جُزْءٌ مِن سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءًا.
وذَكَرَ الحَلِيمِيُّ أنَّ الوَحْيَ كانَ يَأْتِيهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ نَوْعًا: مِثْلُ النَّفْثِ في الرُّوعِ، وتَمَثُّلُ المَلَكِ بِصُورَةِ دِحْيَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ مَثَلًا، وسَماعُهُ مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، ولِذا قالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ما قالَ، وذَكَرَ الحافِظُ العَسْقَلانِيُّ أنَّ كَوْنَ الرُّؤْيا الصّادِقَةِ جُزْءًا مِن كَذا مِنَ النُّبُوَّةِ إنَّما هو بِاعْتِبارِ صِدْقِها لا غَيْرَ وإلّا لَساغَ لِصاحِبِها أنْ يُسَمّى نَبِيًّا ولَيْسَ كَذَلِكَ، وقَدْ تَقَدَّمَ لَكَ أنَّ في بَعْضِ الرِّواياتِ ما فِيهِ مُخالَفَةٌ لِما في هَذِهِ الرِّوايَةِ مِن عِدَّةِ الأجْزاءِ، ولَعَلَّ المَقْصُودَ مِن كُلِّ ذَلِكَ عَلى ما قِيلَ: مَدْحُ الرُّؤْيا الصّادِقَةِ والتَّنْوِيهُ بِرِفْعَةِ شَأْنِها لا خُصُوصِيَّةُ العَدَدِ ولا حَقِيقَةُ الجُزْئِيَّةِ.
وقالَ ابْنُ الأثِيرِ في جامِعِ الأُصُولِ: رَوى قَلِيلٌ أنَّها جُزْءٌ مِن خَمْسَةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءًا ولَهُ وجْهُ مُناسَبَةٍ بِأنْ عُمُرَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَسْتَكْمِلْ ثَلاثًا وسِتِّينَ بِأنْ يَكُونَ تُوَفِّيَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِأثْناءِ السَّنَةِ الثّالِثَةِ والسِّتِّينَ (p-183)ورِوايَةُ أنَّها جُزْءٌ مِن أرْبَعِينَ جُزْءًا تَكُونُ مَحْمُولَةً عَلى كَوْنِ عُمُرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ سِتِّينَ وهو رِوايَةٌ لِبَعْضِهِمْ، ورُوِيَ أنَّها جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا ولا أعْلَمُ لِذَلِكَ وجْهًا، اهـ.
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ سَبْعِينَ كَثِيرًا ما يُسْتَعْمَلُ في التَّكْثِيرِ فَلَعَلَّهُ هو الوَجْهُ، والغَرَضُ الإشارَةُ إلى كَثْرَةِ أجْزاءِ النُّبُوَّةِ فَتَدَبَّرْ، والمُرادُ –بِإخْوَتِهِ- هَهُنا عَلى ما قِيلَ: الأُخْوَةُ الَّذِينَ يَخْشى غَوائِلَهم ومَكايِدَهم مِن بَنِي عِلاتِهِ الأحَدَ عَشَرَ، وهُمْ: يَهُوذا ورُوبِيلُ وشَمْعُونُ ولاوى ورِيالُونُ ويَشْجُرُ ودِينَهُ بَنُو يَعْقُوبَ مِن لِيّا بِنْتِ لِيانَ بْنِ ناهِرٍ وهي بِنْتُ خالَتِهِ، ودانُ ويِفْتالى وجادٌ وآشِرُ بَنُوهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن سَرِّيَّتَيْنِ لَهُ زُلْفَةُ وبِلْهَةُ وهُمُ المُشارُ إلَيْهِمْ بِالكَواكِبِ، وأمّا بِنْيامِينُ الَّذِي هو شَقِيقُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ وأُمُّهُما راحِيلُ الَّتِي تَزَوَّجَها يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ وفاةِ أُخْتِها لِيّا أوْ في حَياتِها إذْ لَمْ يَكُنْ جَمْعُ الأُخْتَيْنِ إذْ ذاكَ مُحَرَّمًا، فَلَيْسَ بِداخِلٍ تَحْتَ هَذا النَّهْيِ إذْ لا تُتَوَهَّمُ مَضَرَّتُهُ ولا تُخْشى مَعَرَّتُهُ، ولَمْ يَكُنْ مَعَهم في الرُّؤْيا إذْ لَمْ يَكُنْ مَعَهم في السُّجُودِ.
وتُعُقِّبَ بِأنَّ المَشْهُورَ أنَّ بَنِي عِلاتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ عَشْرَةٌ ولَيْسَ فِيهِمْ مَنِ اسْمُهُ دِينَهُ، ومِنَ النّاسِ مَن ذَكَرَ ذَلِكَ في عِدادِ أوْلادِ يَعْقُوبَ إلّا أنَّهُ قالَ: هي أُخْتُ يُوسُفَ، وبِناءُ الكَلامِ عَلَيْهِ ظاهِرُ الفَسادِ بَلْ لا تَكادُ تَدْخُلُ في الأُخْوَةِ إلّا بِاعْتِبارِ التَّغْلِيبِ لِأنَّهُ جَمْعُ أخٍ فَهو مَخْصُوصٌ بِالذُّكُورِ، فَلَعَلَّ المُخْتارَ أنَّ المُرادَ مِنَ الأُخْوَةِ ما يَشْمَلُ الأعْيانَ والعِلّاتِ، ويُعَدُّ بِنْيامِينُ بَدَلَ دِينَهِ إتْمامًا لِأحَدَ عَشَرَ عِدَّةٍ الكَواكِبِ المَرْئِيَّةِ، والنَّهْيُ عَنْ الِاقْتِصاصِ عَلَيْهِ -وإنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ تُخْشى غَوائِلُهُ- مِن بابِ الِاحْتِياطِ وسَدِّ بابِ الِاحْتِمالِ، ومِمّا ذاعَ كُلُّ سِرٍّ جاوَزَ الِاثْنَيْنِ شاعَ، ويَلْتَزِمُ القَوْلُ بِوُقُوعِ السُّجُودِ مِنهُ كَسائِرِ أهْلِهِ، وإسْنادُ الكَيْدِ إلى الأُخْوَةِ بِاعْتِبارِ الغالِبِ فَلا إشْكالَ كَذا قِيلَ، وهو عَلى عِلّاتِهِ أوْلى مِمّا قِيلَ: إنَّ المُرادَ بِإخْوَتِهِ ما لا يَدْخُلُ تَحْتَهُ بِنْيامِينُ ودِينَهُ لِأنَّهُما لا تُخْشى مَعَرَّتُهُما ولا يُتَوَهَّمُ مَضَرَّتُهُما فَهم حِينَئِذٍ تِسْعَةٌ وتُكَمَّلُ العِدَّةُ بِأبِيهِ وأُمِّهِ أوْ خالَتِهِ ويَكُونُ عَطْفُ الشَّمْسِ والقَمَرِ مِن قَبِيلِ عَطْفِ جِبْرِيلَ ومِيكائِيلَ عَلى المَلائِكَةِ، وفِيهِ مِن تَعْظِيمِ أمْرِهِما ما فِيهِ لِما أنَّ في ذَلِكَ ما فِيهِ، ونَصْبُ (يَكِيدُوا) بِأنْ مُضْمَرَةٍ في جَوابِ النَّهْيِ وعُدِّيَ بِاللّامِ مَعَ أنَّهُ مِمّا يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكِيدُونِي﴾ لِتَضْمِينِهِ ما يَتَعَدّى بِها وهو الِاحْتِيالُ كَما أشَرْنا إلَيْهِ، وذَلِكَ لِتَأْكِيدِ المَعْنى بِإفادَةِ مَعْنى الفِعْلَيْنِ المُتَضَمِّنِ والمُضَمَّنِ جَمِيعًا، ولِكَوْنِ القَصْدِ إلى التَّأْكِيدِ، والمَقامُ مَقامَهُ أكَّدَ الفِعْلَ بِالمَصْدَرِ وقَرَّرَ بِالتَّعْلِيلِ بَعْدُ، وجَعْلُ اللّامِ زائِدَةً كَجَعْلِهِ مِمّا يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ وبِالحَرْفِ خِلافُ الظّاهِرِ، وقِيلَ: إنَّ الجارَّ والمَجْرُورَ مِن مُتَعَلِّقاتِ التَّأْكِيدِ عَلى مَعْنى فَيَكِيدُوا كَيْدًا لَكَ ولَيْسَ بِشَيْءٍ، وجَعَلَ بَعْضُهُمُ اللّامَ لِلتَّعْلِيلِ عَلى مَعْنى فَيَفْعَلُوا لِأجْلِكَ وإهْلاكِكَ كَيْدًا راسِخًا أوْ خَفِيًّا، وزَعَمَ أنَّ هَذا الأُسْلُوبَ آكَدُ مِن أنْ يُقالَ: فَيَكِيدُوكَ كَيْدًا إذْ لَيْسَ فِيهِ دَلالَةٌ عَلى كَوْنِ نَفْسِ الفِعْلِ مَقْصُودَ الإيقاعِ، وفِيهِ نَوْعُ مُخالَفَةٍ لِلظّاهِرِ أيْضًا فافْهَمْ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿رُؤْياكَ﴾ بِالهَمْزِ مِن غَيْرِ إمالَةٍ، والكِسائِيُّ ﴿رُؤْياكَ﴾ بِالإمالَةِ وبِغَيْرِ هَمْزٍ وهي لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ ﴿إنَّ الشَّيْطانَ لِلإنْسانِ﴾ أيْ لِهَذا النَّوْعِ ﴿عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ ظاهِرُ العَداوَةِ فَلا يَأْلُو جُهْدًا في تَسْوِيلِ إخْوَتِكَ وإثارَةِ الحَسَدِ فِيهِمْ حَتّى يَحْمِلَهم عَلى ما لا خَيْرَ فِيهِ وإنْ كانُوا ناشِئِينَ في بَيْتِ النُّبُوَّةِ، والظّاهِرُ أنَّ القَوْمَ كانُوا (p-184)بِحَيْثُ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لِلشَّيْطانِ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ، ويُؤَيِّدُ هَذا أنَّهم لَمْ يَكُونُوا أنْبِياءَ، والمَسْألَةُ خِلافِيَّةٌ فالَّذِي عَلَيْهِ الأكْثَرُونَ سَلَفًا وخَلَفًا أنَّهم لَمْ يَكُونُوا أنْبِياءَ أصْلًا، أمّا السَّلَفُ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ الصَّحابَةِ مِنهم أنَّهُ قالَ بِنُبُوَّتِهِمْ ولا يُحْفَظُ عَنْ أحَدٍ مِنَ التّابِعِينَ أيْضًا، وأمّا أتْباعُ التّابِعِينَ فَنُقِلَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أنَّهُ قالَ بِنُبُوَّتِهِمْ وتابَعَهُ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ، وأمّا الخَلَفُ فالمُفَسِّرُونَ فِرَقٌ: فَمِنهم مَن قالَ بِقَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ كالبَغَوِيِّ، ومِنهم مَن بالَغَ في رَدِّهِ كالقُرْطُبِيِّ وابْنِ كَثِيرٍ، ومِنهم مَن حَكى القَوْلَيْنِ بِلا تَرْجِيحٍ كابْنِ الجَوْزِيِّ، ومِنهم مَن لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَسْألَةِ لَكِنْ ذَكَرَ ما يُشْعِرُ بِعَدَمِ كَوْنِهِمْ أنْبِياءَ كَتَفْسِيرِهِ الأسْباطَ بِمَن نُبِّئَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ والمُنَزَّلِ إلَيْهِمْ بِالمُنَزَّلِ إلى أنْبِيائِهِمْ كَأبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ والواحِدَيِّ، ومِنهم مَن لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِن ذَلِكَ ولَكِنْ فَسَّرَ الأسْباطَ بِأوْلادِ يَعْقُوبَ فَحَسِبَهُ ناسٌ قَوْلًا بِنُبُوَّتِهِمْ ولَيْسَ نَصًّا فِيهِ لِاحْتِمالِ أنْ يُرِيدَ بِالأوْلادِ ذُرِّيَّتَهُ لِابْنَيْهِ لِصُلْبِهِ، وذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في مُؤَلَّفٍ لَهُ خاصٍّ في هَذِهِ المَسْألَةِ ما مُلَخَّصُهُ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ القُرْآنُ واللُّغَةُ والِاعْتِبارُ أنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيْسُوا بِأنْبِياءَ، ولَيْسَ في القُرْآنِ ولا عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَلْ ولا عَنْ أحَدٍ مِن أصْحابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم خَبَرٌ بِأنَّ اللَّهَ تَعالى نَبَّأهُمْ، وإنَّما احْتَجَّ مَن قالَ: بِأنَّهم نُبِّئُوا بِقَوْلِهِ تَعالى في آيَتِيِ البَقَرَةِ والنِّساءِ: (والأسْباطُ) وفَسَّرَ ذَلِكَ بِأوْلادِ يَعْقُوبَ، والصَّوابُ أنَّهُ لَيْسَ المُرادُ بِهِمْ أوْلادَهُ لِصُلْبِهِ بَلْ ذُرِّيَّتُهُ كَما يُقالُ لَهُمْ: بَنُو إسْرائِيلَ، وكَما يُقالُ لِسائِرِ النّاسِ: بَنُو آدَمَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومِن قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ﴾، ﴿وقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أسْباطًا أُمَمًا﴾ صَرِيحٌ في أنَّ الأسْباطَ هُمُ الأُمَمُ مِن بَنِي إسْرائِيلَ وكُلُّ سِبْطٍ أُمَّةٌ، وقَدْ صَرَّحُوا بِأنَّ الأسْباطَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ كالقَبائِلِ مِن بَنِي إسْماعِيلَ، وأصْلُ السِّبْطِ كَما قالَ أبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ: شَجَرَةٌ واحِدَةٌ مُلْتَفَّةٌ كَثِيرَةُ الأغْصانِ فَلا مَعْنى لِتَسْمِيَةِ الأبْناءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ أسْباطًا قَبْلَ أنْ يَنْتَشِرَ عَنْهُمُ الأوْلادُ، فَتَخْصِيصُ الأسْباطِ في الآيَةِ بِبَنِيهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِصُلْبِهِ غَلَطٌ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ ولا المَعْنى ومَنِ ادَّعاهُ فَقَدْ أخْطَأ خَطَأً بَيِّنًا، والصَّوابُ أيْضًا أنَّهم إنَّما سُمُّوا أسْباطًا مِن عَهْدِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، ومِن حِينَئِذٍ كانَتْ فِيهِمُ النُّبُوَّةُ فَإنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ إلّا يُوسُفَ، ومِمّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا ذَكَرَ الأنْبِياءَ مِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ قالَ: ﴿ومِن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وسُلَيْمانَ﴾ الآياتِ، فَذَكَرَ يُوسُفَ ومَن مَعَهُ ولَمْ يَذْكُرِ الأسْباطَ ولَوْ كانَ إخْوَةُ يُوسُفَ قَدْ نُبِّئُوا كَما نُبِّئَ لَذُكِرُوا كَما ذُكِرَ، وأيْضًا إنَّ اللَّهَ تَعالى ذَكَرَ لِلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِنَ المَحامِدِ والثَّناءِ ما يُناسِبُ النُّبُوَّةَ وإنْ كانَ قَبْلَها، وجاءَ في الحَدِيثِ: «”أكْرَمُ النّاسِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ إبْراهِيمَ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ“،» فَلَوْ كانَتْ إخْوَتُهُ أنْبِياءَ كانُوا قَدْ شارَكُوهُ في هَذا الكَرَمِ، وهو سُبْحانُهُ لَمّا قَصَّ قِصَّتَهم وما فَعَلُوا بِأخِيهِمْ ذَكَرَ اعْتِرافَهم بِالخَطِيئَةِ وطَلَبَهُمُ الِاسْتِغْفارَ مِن أبِيهِمْ ولَمْ يَذْكُرْ مِن فَضْلِهِمْ ما يُناسِبُ النُّبُوَّةَ وإنْ كانَ قَبْلَها، بَلْ ولا ذَكَرَ عَنْهم تَوْبَةً باهِرَةً كَما ذَكَرَ عَمَّنْ ذَنْبُهُ دُونَ ذَنْبِهِمْ، ولَمْ يَذْكُرْ سُبْحانَهُ عَنْ أحَدٍ مِنَ الأنْبِياءِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ولا بَعْدَها أنَّهُ فَعَلَ مِثْلَ هَذِهِ الأُمُورِ العَظِيمَةِ مِن عُقُوقِ الوالِدِ، وقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وإرْقاقِ المُسْلِمِ وبَيْعِهِ إلى بِلادِ الكُفْرِ، والكَذِبِ البَيِّنِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا حَكاهُ عَنْهُمْ، بَلْ لَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ عَلى عَدَمِ نُبُوَّتِهِمْ سِوى صُدُورِ هَذِهِ العَظائِمِ مِنهم لَكَفى لِأنَّ الأنْبِياءَ مَعْصُومُونَ عَنْ صُدُورِ مِثْلِ ذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وبَعْدَها عِنْدَ الأكْثَرِينَ، وهي أيْضًا أُمُورٌ لا يُطِيقُها مَن هو دُونَ البُلُوغِ فَلا يَصِحُّ الِاعْتِذارُ بِأنَّها صَدَرَتْ مِنهم قَبْلَهُ وهو لا يَمْنَعُ الِاسْتِنْباءَ بَعْدُ، وأيْضًا ذَكَرَ أهْلُ السِّيَرِ أنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ كُلُّهم ماتُوا بِمِصْرَ وهو أيْضًا ماتَ بِها لَكِنْ أوْصى بِنَقْلِهِ إلى الشّامِ فَنَقَلَهُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، ولَمْ يُذْكَرْ في القُرْآنِ أنَّ أهْلَ مِصْرَ قَدْ جاءَهم نَبِيٌّ قَبْلَ مُوسى غَيْرُ يُوسُفَ ولَوْ كانَ مِنهم نَبِيٌّ لَذُكِرَ، وهَذا دُونَ ما قَبْلَهُ في الدَّلالَةِ كَما لا يَخْفى (p-185)والحاصِلُ أنَّ الغَلَطَ في دَعْوى نُبُوَّتِهِمْ إنَّما جاءَ في ظَنِّ أنَّهم هُمُ الأسْباطُ ولَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّما الأسْباطُ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ، ولَوْ كانَ المُرادُ بِالأسْباطِ أبْناءَ يَعْقُوبَ لَقالَ سُبْحانَهُ ويَعْقُوبَ وبَنِيهِ فَإنَّهُ أبْيَنُ وأوْجَزُ، لَكِنَّهُ عَبَّرَ سُبْحانَهُ بِذَلِكَ إشارَةً إلى أنَّ النُّبُوَّةَ حَصَلَتْ فِيهِمْ مِن حِينِ تَقْطِيعِهِمْ أسْباطًا مِن عَهْدِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَلْيُحْفَظْ.
{"ayah":"قَالَ یَـٰبُنَیَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡیَاكَ عَلَىٰۤ إِخۡوَتِكَ فَیَكِیدُوا۟ لَكَ كَیۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ لِلۡإِنسَـٰنِ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق